| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الأحد 9/4/ 2006

 

 


في الذكرى السنوية لسقوط النظام الاستبدادي


سقط النظام وسيسقط الإرهاب وسينتصر الشعب من جديد!

 

كاظم حبيب

في مثل هذا اليوم من عام 2003 سقط نظام العهر السياسي والجريمة المنظمة, نظام مجازر الأنفال وحلبچة والانتفاضات الشعبية والقبور الجماعية والسجون, سقط النظام الذي عششت فيه الذهنية العسكرية والفاشية والعنصرية والتطهير العرقي والتهجير القسري من كركوك ومدن أخرى, سقط النظام الذي أشعل الحروب الداخلية والخارجية وأعاد إلى الذاكرة نهج الغزو والبداوة القاتلة, سقط نظام الفساد المالي والإداري ونهب الخيرات وخيانة الشعب بمختلف مكوناته القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية, سقط النظام الذي أذل الشعب ومزق وحدته الوطنية.
لقد سقط النظام الذي عمل وسعى إلى تكريس روح البغضاء والكراهية والحقد والشوفينية والطائفية السياسية ومناهضة كل فكر ونهج سياسي آخر غير الفكر القومي الشوفيني المتعصب الذي تفوح منه رائحة النتانة والعنصرية البغيضة.
سقط الرجل المهووس بحب الذات والنرجسية المرضية والسادية القاتلة والعظمة الفارغة والفحولة الخسيسة والمقيتة, سقط الرجل الذي دفن ما يقرب من مليوني إنسان من الكرد والعرب والتركمان والكلد أشور ومن مختلف الأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية في الأرض العراقية طوال فترة حكمه وهجر ما يزيد عن ثلاثة ملايين إنسان في الشتات الدولي, سقط الرجل الذي خرب الاقتصاد وأفقر الشعب ونهب الخيرات وفرط بالأموال وسخر الناس لأهدافه الشريرة وحروبه الدموية وعقليته العفنة وأفسد الكثير من البشر واشترى ضمائرهم وأذل كرامتهم. سقط الشخص الذي أذاق الشعب مرارة الحرمان والفاقة وجرح الكرامة, وترك الملايين منهم يعانون من ثقافة العنف والكثير من العلل النفسية التي تتصاعد الآن لتطفو على سطح أحداث العراق اليومية.
سقط النظام الدكتاتوري الفردي المطلق, ولكن لم تسقط بقاياه وآثاره السيئة والقيم البالية والعدوانية والذهنية العسكرية والفحولة الوقحة التي حاول غرسها في صفوف الشعب, ذهنية الانفراد بالسلطة والهيمنة على المجتمع واقتياده كالقطيع إلى ساحات الحروب والغزو والاعتداء. ذهنية السيطرة على الآخر بل رفضه والإجهاز عليه.
لقد سقط النظام وسقط الدكتاتور الأهوج وتحرر الشعب من تلك الفترة العصيبة التي استمرت طوال أربعين عامً (1963-2003) في ظل دكتاتورية مقيتة, ولكن النظام الساقط ترك العراق بعيداً كل البعد عن المدنية والحضارة الإنسانية الحديثة والتسامح والديمقراطية والقبول بالآخر والاعتراف به والتعامل على أسس المواطنة المتساوية والمساواة بين المرأة والرجل, ولكنه ترك العراق بعيداً عن فهم مغزى النقد الحقيقي وأصبح وكأنه شتيمة يعاقب عليها الإنسان, ولكنه ترك العراق يواجه قوى إرهابية دموية جاءت إليه من مختلف الجحور المظلمة التي لا يستقر فيها إلا الأوباش والمجرمون وحثالة البشر من أمثال بن لادن والظواهري والزرقاوي وأنصار الإسلام الكرد وبقية الزمر المسيئة للدين الإسلامي وللمسلمات والمسلمين في سائر أرجاء العالم, ولكن النظام الساقط ترك في العراق قواه العدوانية التي تربت على الذل والسحت الحرام والعنف وقتل الآخر حتى دون سبب, تلك الأجهزة الإرهابية التي أذاقت الشعب الهوان كأجهزة الأمن والاستخبارات والمخابرات وفدائيي صدام والأجهزة الخاصة الأخرى وبعض قوى الحرس الجمهوري وجيش القدس والجيش الشعبي, وهي التي تمارس اليوم وتشارك في العمليات الإرهابية الدموية وتقتل الشعب تماماً كما كانت تفعل في فترة حكم صدام حسين.
نحن اليوم نواجه حرباً إرهابية تقودها تحالفات سياسية عدوانية قوامها قوى الإرهاب الإسلامي الدولي المتطرف وقوى الإرهاب الصدامي البعثي والقومي الداخلي والعربي, وهي موجهة ضد الشعب العراقي بكل مكوناته وتستهدف مستقبل الحرية والديمقراطية والنظام الفيدرالي والفيدرالية الكردستانية والتقدم الاجتماعي في العراق, وهي التي يفترض أن توجه لها كل الإمكانيات والطاقات لإفشالها وإسقاط القوى المجرمة الموجهة والمخططة والمنفذة لها.
إلا أن نشاط هذه القوى الإرهابية يتداخل بشكل واضح مع نشاط المليشيات الإسلامية السياسية المسلحة, الشيعية منها والسنية, التي تمارس عملياً القتال للحصول على مواقع قوية لكل منها في الساحة السياسية العراقية وتساهم في تشديد الاستقطاب الطائفي السياسي للحصول على المزيد من المؤيدين والأعوان على حساب وحدة العراق وشعبه ومستقبله وحياة أجياله القادمة, وهي بذلك تفرط بكل المكاسب المهمة التي تحققت في العراق.
نحن أمام صراع طائفي سياسي غير معهود سابقاً, رغم أنه لم يضمحل من الساحة السياسية العراقية خلال سنوات القرن العشرين, ولكنه لم يعرف فترة تتميز بالشدة ووضوح الاستقطاب كما هي عليه الآن. وهي ناجمة عن فعل الأحزاب الإسلامية السياسية القائمة على أسس مذهبية. نحن اليوم أمام استقطاب طائفي سياسي قادر على إشعال حرب طائفية في العراق, خاصة وأن قوى الإرهاب تزيد في رمي المزيد من الحطب في النار التي أشعلتها وتساهم في إذكائها القوى والمليشيات المسلحة المستعدة للقتال والمسلحة من قمة الرأس إلى أخمص القدمين.
ورغم الجهود التي تبذلها القوى الديمقراطية والعلمانية واللبرالية العراقية, وخاصة التحالف الكردستاني, والسيدين رئيس الجمهورية ورئيس إقليم كردستان, والعديد من القوى والأحزاب والشخصيات الخيرة من أجل إيجاد حلول عملية لمواجهة الأزمة الراهنة وعبورها صوب شاطئ السلام ومواجهة الإرهاب الدموي, فأن ما تحقق حتى الآن لم يحل عقدة رئيس الوزراء المتشبث بالحكم, كالذين تشبثوا عبثاً بقميص عثمان, وسيذوق مرارة الفشل والخيبة. لقد تسبب بعناده الاستبدادي في خلق شق فعلي في التحالفات السياسية للائتلاف العراقي الموحد, رغم وجوده أصلاً.
إذا كانت الأعوام الثلاثة المنصرمة قد شهدت توجيه ضربات موجعة ضد قوى الإرهاب, فأن أزمة رئيس الوزراء الأخيرة والظهور القوي الجديد للمليشيات المسلحة ودورها في بغداد والنجف وكركوك والجنوب وممارساتها غير المشروعة في وزارة الداخلية وفي أماكن كثيرة أخرى, قد أعادت القوة والحيوية لقوى الإرهاب المعادية للشعب, إذ بدأت تزيد من عدد ضرباتها اليومية وتزيد من عدد القتلى والجرحى في صفوف الناس الآمنين والمصلين الأبرياء ولتزيد من إذكاء الصراع الطائفي السياسي. ويبدو أن الأزمة لا يمكن حلها في إطار الائتلاف العراقي الموحد ولا بد من نقلها إلى البرلمان العراقي ليحسم الأمر في أحد مرشحي الائتلاف في ضوء الاستحقاق الانتخابي ووفق ما تراه الغالبية العظمى من النواب, بغض النظر عن إشكاليات هذا البرلمان الجديد.
إن المشكلة التي تواجه الشعب وقواه السياسية هو التداخل الفعلي بين هيئة علماء المسلمين وسياساتها والقوى الإرهابية التي تدعي المقاومة, إذ لم يصدر حتى الآن أي إعلان رسمي عن هذه الهيئة يدين تلك القوى الإرهابية وأعمالها الإجرامية التي تقوم بها, وهي بذلك تساهم في تنشيط الاصطفاف الطائفي السياسي, وهي المسألة التي كتبنا عنها الكثير وأدنا السياسات التي تمارس بهذا الأسلوب المبطن.
وبالرغم من الواقع المعتم حالياً, فأن الثقة بقدرة الشعب على الخلاص من كل هذه الظواهر السلبية قائمة, والأمل معقود على تعزيز تحالف الأحزاب والقوى الديمقراطية واللبرالية والعلمانية والقوى والجماعات الإسلامية الديمقراطية في جميع مكونات الشعب القومية التي ترفض الطائفية السياسية والدولة الدينية وترى الخطر الذي يواجه الشعب في هذه المرحلة.
إن النصر لا يتحقق إلا بوحدة النضال العربي الكردي وبقية القوميات في العراق, والنصر لا يعني سوى انتصار مبادئ الحرية والديمقراطية وتكريس حقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية, لا يعني سوى إقامة دولة اتحادية ديمقراطية عراقية مستقلة ومزدهرة. والشعب, كل الشعب, يتطلع إلى الأمن والاستقرار والسلام الدائم, إلى حياة حرة وكريمة وهانئة بعد عذابات دامت طوال القرن الماضي والسنوات الأولى من هذا القرن وخاصة في العقود الربعة الأخيرة.