| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأربعاء 9 / 7 / 2008



نقاشات فكرية وسياسية مع السيد الدكتور فاضل ألجلبي
حول أحداث العراق التاريخية وحول دور ومكانة
الأستاذ الراحل كامل الجادرجي في الحركة الوطنية والديمقراطية العراقية
(7)

كاظم حبيب

الجادرجي والحركة الوطنية والديمقراطية في العراق
حين يكتب تاريخ العراق في القرن العشرين سوف لن يكون في مقدور أي باحث تجاوز مجموعة من الشخصيات السياسية العراقية التي لعبت دوراً كبيراً في الحياة السياسية العراقية , سواء أكان هؤلاء من أركان الحكم العراقي في العهد الملكي والعهود اللاحقة , أم كانوا من أركان المعارضة السياسية العراقية. وإذ يحتل عبد الإله بن علي ونوري السعيد وصالح جبر وسعيد قزاز وخليل كنة والجمالي والسويدي ورشيد عالي الگيلاني وأحمد حسن البكر وصدام حسين , موقع الصدارة في قائمة النخبة الحاكمة على سبيل المثال لا الحصر , سيحتل محمد جعفر أبو التمن وكامل الجادرجي ومحمد حديد وعبد الفتاح إبراهيم وحسين جميل ويوسف سلمان يوسف (فهد) وكامل قزانجي وعزيزي شريف وملا مصطفى البارزاني وإبراهيم أحمد ومحمد مهدي كبة وفائق السامرائي وصديق شنشل وحسين الرضي (سلام عادل) والحيدري , على سبيل المثال لا الحصر , الصدارة في قائمة الشخصيات السياسية المعارضة في العراق. ولم يكن هذا الدور الذي لعبه كل طرف بإرادته حسب , بل وبسبب الأوضاع التي سادت البلاد في القرن العشرين. فلا يمكن أن يؤخذ على إنسان وقف في صف المعارضة العراقية على امتداد عمره الطويل , مع استيزار لمرة واحدة مثلاً , أنه كان يرغب في المعارضة من أجل المعارضة , إذ أن مثل هذا التفسير للواقع النضالي لقوى المعارضة يجانب الحقيقة والصواب.
كتب الدكتور فاضل الجلبي منتقدا الأستاذ كامل الجادرجي بما يلي : " وهكذا قضي الجادرجي حياته السياسية بالمعارضة السياسية من أجل المعارضة دون أن يسهم بأي مساهمة ايجابية في العملية السياسية في العراق لا في العهد الملكي ولا الجمهوري ..." (خط التشديد من عندي , ك. حبيب). (راجع: فاضل الجلبي. دور خلافي للجادرجي في ثورة تموز العراقية". هذا القول ليس فقط غير منصف وغير واقعي , بل متحيز ويحاول الإساءة المباشرة لمن لعب دوراً إيجابياً كبيراً في السياسة العراقية وفي النضال من أجل الحرية والديمقراطية.
لم يكن السياسي كامل الجادرجي شخصية سياسية يمثل نفسه فقط , رغم امتلاكه للاستقلالية الفكرية والسياسية , سواء أكان عضواً في القيادة أم على رأس الحزب , بل كان ولفترات طويلة من حياته السياسية يمثل حزباً سياسياً , سواء أكان ذلك قبل أو بعد التحاقه بجماعة الأهالي , أم في الفترة التي أعقبت تشكيل الحزب الوطني الديمقراطي. وكان لهذا الحزب برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والتعليمي والثقافي على الصعيد الداخلي , إضافة إلى احتواء البرنامج على أهداف الحزب في السياسة العربية والإقليمية والدولية على الصعيد الخارجي. وكأي حزبي ديمقراطي يفترض أن يلتزم بما يتقرر في الحزب في الموقف من الحكومة وبرنامجها وسياستها. وقد شارك الحزب الوطني الديمقراطي بأكثر من وزير في الحكومات التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية حين توفرت فرصة لذلك , أو حين شارك الحزب الوطني الديمقراطي في حكومة قاسم وكان يتمنى أن يتم التغيير والتحول من القيادة العسكرية إلى القيادة المدنية في الحكم. وحين فقد الأمل بذلك , قرر اتخاذ موقف المعارضة للحكم وعدم المشاركة فيه , ولكنه لم ينشط للإطاحة بنظام حكم قاسم , وبقى يمارس النقد أينما تسنى له ذلك. ولكي يبرهن الدكتور الجلبي على أهمية ما اتخذه قاسم من إجراءات من جهة , والبرهنة على معارضة الجادرجي الدائمة لقاسم بالرغم من كل تلك الإنجازات من جهة ثانية , أورد المقطع التالي:
" عينا الجادرجي لم تر جوانب ايجابية كثيرة في حكم عبد الكريم قاسم ففي الوقت الذي انصف الفقراء سكنة الصرائف المسحوقين اجتماعيا غضب فقد وفر الاجواء والتشريعات لخدمة وتشجيع البرجوازية الوطنية الصناعية والتجارية. ان بناء مدينة الثورة وإنقاذ الفقراء بمنحهم بيوتيا ومدارس ومستشفيات تجعل منهم بشرا بعد ان كانوا يعيشون دون البشر وجعل منهم قوة عاملة فعالة في التطور الاقتصادي والاجتماعي، ان ذلك البناء يمثل انقلاباً اجتماعياً بجانب الغاء الاقطاع وبنفس الوقت اصدر الكثير من التشريعات لتشجيع الصناعة والتجارة خاصة عن طريق تعريق الشركات والبنوك وشركات التأمين الاجنبية وطرح اسهمها للجمهور لاجل الاكتئاب الفردي وتقديم التسهيلات المصرفية بحيث حدثت طفرة اقتصادية كبيرة خلال السنوات الاربع التي سبقت مأساة 8 شباط 1963. هناك امور ايجابية كثيرة في ذلك العهد لم تكن تهم الجادرجي الذي لم يساهم باي عمل بنائي من اجل المصلحة الوطنية سوي رفع شعار الديمقراطية الفارغ من محتواه دون ان يكون هو ديمقراطي في سلوكه كما اوضحت في مقالات الحياة آنفة الذكر. قبل اكثر من سنيتن. علي العكس من ذلك فأنه بسلوكه السلبي ومطالباته التعجزية البعيدة عن الواقع الاجتماعي والسياسي العراقي ومهاجمته العهدين الملكي والجمهوري القاسي دون تفريق بين ما هو ايجابي وسلبي فيهما، لعب الجاردجي دوراً تخريبياً في الحياة السياسية في العراق مما ساهم بصورة كبيرة في إنهيار البلد ووصوله الي المستنقع الحالي" (فاضل الجلبي. نفس المصدر السابق).
ليس هناك من إنسان منصف يرفض ما قام به قاسم من إجراءات كثيرة في هذا الاتجاه , بما في ذلك القانون رقم 80 لسنة 1961 الخاص بالأراضي التي استعيدت من شركات النفط الأجنبية , لأن الجلبي كان ضد هذا القانون , كما أن الجادرجي لم يكن ضد تلك الإجراءات. ولكن الجلبي , وهو يدرك لماذا كان الجادرجي ضد ما كان يجري في البلاد , ولكنه يتغافل عن ذلك ويقلب القضية كأي مشوه للمواقف , حين كتب عن الجادرجي أنه لم يفعل شيئاً إيجابياً " .. سوى رفع شعار الديمقراطية الفارغ من محتواه دون أن يكون هو ديمقراطي في سلوكه". ألا يحق لنا أن نسأل: لماذا عارض الجادرجي المسألة المركزية في حكم قاسم , وليس تلك الإجراءات السياسية الصائبة؟ لقد عارض الجادرجي جملة من المسائل في فترة حكم قاسم التي أدت كلها في المحصلة النهائية إلى سقوط قاسم في انقلاب دمي شرير , وهي:
1. رفضه التحول إلى دولة تستند إلى دستور ديمقراطي علماني وحياة برلمانية حرة ونزيهة , دولة مؤسسات وقانون. وبالتالي توقف عن استكمال مهمة وضع الدستور الدائم للبلاد وتوقف عن التقدم وحل الركود الذي سبق الانقلاب.
2. رفضه تسليم الحكم إلى المدنيين وتحديد فترة للانتقال وضمان التطور السلمي والديمقراطي للبلاد. وبالتالي واصل الحكم بقيادته ولم يتخل عن ملابسه العسكرية.
3. لم يصدر التشريعات في ضوء الدستور لتنظم الحياة السياسية والاجتماعية وبعيداً عن القرارات الفردية والعفوية والمزاجية أو الإرادة الذاتية.
لقد كان قاسم إنساناً وطنياً ونزيهاً وصادقاً مع عقليته وأسلوب تفكيره , ولكن ليس مع ما يحتاجه الواقع العراقي حينذاك لإرساء أسس التقدم والتطور والثبات. لم يرس قاسم أسس نظام ديمقراطي في البلاد ولم يضع اللبنات الضرورية لمثل هذا النظام , بل اتخذ إجراءات طيبة ومهمة ولكنها تبخرت في لحظات , بسبب غياب الأساس المادي الذي تستقر عليه تلك السياسات والإجراءات , أي نظام حكم دستوري وديمقراطي.
لم يكن كامل الجادرجي وحده يطالب بذلك , بل كانت معه الكثير من القوى السياسية العراقية , بمن فيها الحزب الشيوعي العراقي , الذي طرح منذ البدء أهمية وضرورة إقامة حكم مدني دستوري وديمقراطي برلماني , ولكن في خضم الأحداث والصراعات هيمنت الرغبة في تحقيق المكاسب للناس على القضية المركزية في حكم قاسم , مخاطر الفردية في الحكم على مجمل الوضع في البلاد , إذ كان أكبر مكسب للمجتمع قد تحقق , لو كان قاسم قد أرسى أسس النظام السياسي الديمقراطي في العراق.
لم ينتصر الانقلابيون الدمويون في الثامن من شباط 1963 إلا بسبب غياب الحياة الديمقراطية والدستورية ولم تنفع الإجراءات التي نفذها في مساعدة الفقراء في إيقاف زحف الجراد الصفر على البلاد والتي أودت بحياة قاسم قبل غيره على أيدي أعداء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ولكن الديمقراطي والشعبي القح الدكتور فاضل الجلبي لم يجد في مطلب الأستاذ الجادرجي بإرساء أسس الحياة الديمقراطية ورفض الفردية في الحكم سوى الحب في المعارضة ومعاكسة قاسم , وليس التعبير عن التجربة الغنية التي اكتسبتها الحركة الوطنية العراقية طيلة سنوات النضال الجديد الذي بدأ مع تشكيل الحكم الوطني في العام 1921.
كلنا كنا نفرح حين كان قاسم يتخذ إجراءات إيجابية لصالح الشعب , سواء أكان في مجال النفط أم التصنيع أم التجارة أم التعاون مع الاتحاد السوفييتي أم إلغاء معاهدة 1930 أم غيرها من القضايا السياسية , أم كان ذلك في مجال بناء دور السكن والمستشفيات والمستوصفات في الأحياء الفقيرة , أم إيصال الماء الصالح للشرب أم الكهربا للريف أم في مجال التربية والتعليم ... الخ , ولكن فرحتنا ماتت أيها السيد الجلبي وتيبست بسمتنا على شفاهنا وجفت الدموع في مآقينا حين سقط قاسم وطاهر والجنابي وطه الشيخ أحمد والمهداوي مضرجين بدمائهم , وحين سقط سلام عادل والحيدري والعبلي وتوفيق منير ومتي الشيخ وصبيح سباهي والبراك وكاظم عبد الكريم والموسوي والمخموري والمئات من خيرة مناضلي العراق تحت التعذيب الهمجي , وحين تبخرت كل تلك المكاسب التي تحققت مع نجاح الانقلاب الأسود. والسؤال الذي يفترض أن يطرحه على نفسه كل إنسان صادق مع نفسه ومع شعبه ووطنه هو: ألم يكن السبب وراء ذلك تلك السياسة غير العقلانية التي مارسها قاسم والتي ابتعدت عن أي أفق في إقامة الحكم المدني الديمقراطي والدستوري في العراق , إضافة إلى أسباب أخرى؟ كم أتمنى أن يجيب كل منا ما يقرره ضميره وما يفترض أن يكون درساً للحاضر والمستقبل. لقد نجح الإرهابيون في القفز على دست الحكم لأن الفردية والعفوية والفوضى وغياب الدولة ومؤسساتها قد سيطرت على وضع البلاد , ولأن موت قاسم كان يعني انتهاء ذلك العهد , ولأن الديمقراطية والحياة الدستورية كانت غائبة حقاً. وكان قاسم أول ضحايا ذلك الوضع. ليس غريباً أن يتآمر مناهضو النظام , فهذا دورهم وديدنهم وهذه مهمتهم , ولكن الغريب حقاً هو أن يوفر المُستهدف للمتآمرين مستلزمات نجاح تآمرهم! وهذا ما حصل في العراق في أعقاب انتصار ثورة تموز بفترة وجيزة حتى نجاح المؤامرة والوصول بقطار أمريكي–بريطاني-فرنسي (شركات نفط أجنبية) إلى دست الحكم. وكان الثمن دماء ودموع الشعب ...
أتمنى على الدكتور فاضل الجلبي , وبعيداً عن معاكسته الفجة ورفضه لآراء ومواقف الأستاذ الراحل كامل الجادرجي , فالراحل الأبدي لن يسمع ما سيقوله أو يقرأ ما يكتبه الجلبي , وبعيداً عن المزايدة السياسية , أن يعيد النظر بما كتبه بشأن هذا الموضوع ويستعيد توازنه المفقود في البحث عن الحقيقة الغائبة عنه. نحن لا نكتب لأنفسنا , بل نكتب للآخرين , وعلينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين.
 


9/8/2008


انتهت الحلقة السابعة و ستليها الحلقة الثامنة



¤ الحلقة السادسة
¤ الحلقة الخامسة
¤ الحلقة الرابعة
¤ الحلقة الثالثة
¤ الحلقة الثانية
¤ الحلقة الأولى

 

free web counter