| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الخميس 9/9/ 2010

 

تعليق واستفسارات وإجابات حول مقال
أليس الاختلاف في وجهات النظر والنقاش هو الطريق لتعميق المعرفة؟

كاظم حبيب

وصلتني رسالة من صديق عزيز على بريدي الشخصي يقول فيها أنه وجماعة من أصدقائه تناقشوا حول مقالي الموسوم "أليس الاختلاف في وجهات النظر والنقاش هو الطريق لتعميق المعرفة؟" وقد تكَّون لديهم تعليق واستفسار حول السؤال الذي طرحته في هذا المقال وهو: "هل يمكن ضمان أن جميع من يعلق على هذا الرأي أو ذاك يمتلك مستوى متقدم من المعلومات والثقافة التي تؤهله لخوض النقاش؟" ثم يطرح الاستفسارات التالية: "هل أفهم من هذا السؤال إن الذي ليس على مستوى متقدم من الثقافة غير مؤهل لمناقشة المثقف؟" " وهل المثقف يكتب للمثقف دون غيره؟ وإذا فهم المواطن العادي مقالة ما بطريقة لا تتوافق ورأيه فما الذي علية فعله؟

أسئلة منطقية يمكن أن تطرأ على البال ولا بد من توضيحها للأخوة المتناقشين ولغيرهم الذين ربما طرأ على بالهم ذات الأسئلة عند قراءة للمقال المذكور:
ابتداءً أقول بأن الكاتب يكتب للجميع دون استثناء, أي لمن يقرأ, خاصة حين يكتب الإنسان بالشأن العام, إذ عموماً لا يكتب لنفسه فقط, بل يكتب للآخرين. والآخرون هنا لا يقصد بهم قلة من المثقفين, بل يعني كل الناس الذين يقرأون باللغة التي يكتب بها المقال أو حين يترجم إلى لغات أخرى.

ولكن ليس غريباً أن نلتقي مع كتاب يكتبون لأنفسهم أو لمجموعة صغيرة من المثقفين, وفق طبيعة الموضوع الذي يكتبونه. ومثل هؤلاء الكتاب قلة, في حين إن الغالبية العظمى من الكتاب تكتب للجميع, بغض النظر عن القراء, سواء أكانوا بمستوى رفيع من الثقافة أو متوسطه أو غير مثقف ومتعلم فقط. ولا شك في أن الكاتب يتمنى أن يقرأ له كل الناس وفي مقدمتهم البسطاء من الناس والطيبين الذين ربما تساعد مقالاته على رفع مستوى الوعي لديهم ويهمه سماع رأيهم في ما يكتب. ولكن يهمه أيضاً أن يقرأ المثقفون كتاباته أيضاً, وأن يطرح من يشاء رأيه في تلك المقالات لصالح الحوار أو النقاش حول الأفكار التي ترد في المقالات التي ينشرها.

ولكن التعليقات التي تصل على كتاباته متنوعة ويمكن أن تصنف إلى عدة اتجاهات:
من حيث المبدأ من حق الجميع أن يعلق على أي مقال ينشر وبالطريقة التي يراها مناسبة ومعبرة عن وجهة نظره. ولكن ليس من حق أي كاتب أو معلق أن يسيء إلى أي كاتب أو معلق أثناء النقاش المباشر أو عبر الإنترنيت أو في الصحافة المرئية والمقروءة. وحين تصل إلى الكاتب تعليقات على كتاباته, يفترض فيه أن يمتلك أعصابه حين يواجه بالنقد السلبي لمقالاته, إذ من واجبه أن يسمع وجهات نظر الجميع, فهو يكتب بالشأن العام. ويمكن للكاتب أن يميز بين عدة أشكال من صياغة التعليقات على مقال ما, منها مثلاً:
1. يمكن أن يدرك الكاتب من خلال التعليق أن القارئ أو القارئة قد أدركا ما يريد الكاتب قوله, ولكن لديهما وجهة نظر مخالفة له, وهو أمر طبيعي.
2. ويمكن أن يدرك الكاتب من خلال التعليق أن القارئ أو القارئة لم يدركا وجهة نظره وتشكلت لهم رغبة في توضيح الأمر فيطرحوا الاستفسار أو الرأي المخالف ليستوضحوا, وهو أمر وارد كثيراً.
3. كما أن هناك احتمالاً آخر هو أن بعض من يقرأ لا يفهم ما يسعى إليه الكاتب, وبدلاً من توجيه أسئلة للتيقن, يبادر إلى خوض النقاش بأسلوب خاطئ ولا يكتفي بذلك بل ربما يشتم الكاتب ويسيء إليه دون التمعن في المضمون.
4. وهناك من لا يريد أن يفهم الكاتب ويسعى منذ البدء, ولأي سبب كان, إلى شتمه والإساءة إليه من خلال كتابة تعليقات حادة وقاسية ومسيئة للكاتب.

وفي التعليقات التي ترد للكاتب يمكن الكاتب الجيد أن يميز بين أهمية النقد وأسبابه, إذ أن التعليق يعبر بدقة عن مدى وعي المعلق أو أنه يمارس التعليق بوعي معين يستهدف الإساءة. وهذا يعبر عن مستوى متباين في الثقافة والوعي, إذ أن المثقف يفترض أن يكتب وأن يعلق دون إساءات, والإساءة هي التي تعبر عن مستوى صاحبها, سواء أكان كاتباً أو معلقاً.

من حق كل الناس أن يكتبوا ويعلقوا, والأقل مستوى في الثقافة هم الأحوج لأن يكتبوا ويعلقوا ويستفسروا, ويمكن معرفة ذلك من خلال كتاباتهم, ولكن من الضروري الابتعاد عن الإساءة إلى الكتاب أو الآخرين, إذ أنها ليست من الحضارة بشيء ولن تنفع أحداً.

هذا السؤال الذي طرحته في مقالي السابق موجه إلى الكاتب أكثر مما هو موجه إلى المعلقين, إذ على الكاتب أن يدرك من خلال التعليق بأن المعلق له مستوى معين وعليه أن يتعامل وفق ذلك مع صاحب التعليق وليس رد الإساءة بالإساءة أو الشعور بالغضب وما إلى ذلك.

تصلني يومياً الكثير من الأسئلة التي أجيب عليها, ولكني أهمل من يحاول التجاوز والإساءة عن قصد وهو لا ينتظر جواباً مني بل كان يريد أن يوصل الشتيمة لا غير. وحين تجيب على مثل هذا الشخص, يفرح بذلك إذ أنك تسمح له بتوجيه المزيد من الشتائم إليك, في حين خير ردع له هو عدم الاستجابة لملاحظاته غير الموضوعية.

ليس بمقدور كل الناس أن يعبروا بصيغة سليمة عما يريدون إيصاله في التعليقات التي يكتبونها. ومن واجب الكاتب أن يفهم ذلك ويقدره وأن يتعامل معه بروية وأن يجيب عن الأسئلة بهدوء وموضوعية ودون أي تحسس لا معنى له, وأن لا يتصور ابتداءً أن هذا الناقد يريد استفزازه أو الإساءة له, إلا إذا تكررت وبنفس الصيغة ولا يريد تعديلها.

إن قولي السابق لا يريد غلق أفواه الناس بأي حال, بل أردت إيصال ثلاث أفكار أساسية:
أن نكتب حضارياً , وأن نعلق وننتقد حضارياً, وأن نجيب حضارياً, حتى لو تكون لنا شعور بأن المعلق يريد أن يستفز أو يسيء, إذ أن التطير من النقد, أو حتى من النقد غير الموضوعي أو من السباب, لا يوصلان إلى نتيجة, ولكنهما يشكلان عدم ثقة ورغبة في الإساءة المتعمدة والمتبادلة.

حين كنت أدرس في الجامعة المستنصرية ببغداد, كان الطلبة والطالبات يستفسرون كثيراً. وكان من حقهم وواجبهم ذلك لاستيعاب المادة. وكان بعض الطلبة على نحو خاص يستفسرون بروحية استفزازية صارخة, وكان عليَّ كأستاذ جامعي أن اقبل الاستفزاز بروح بناءة وإيجابية وأجيب عن الأسئلة لأنها مهمتي وواجبي. وكثيراً ما توصل أولئك الطلبة إلى استنتاجات مفيدة حين حصلوا على إجابات واضحة عن استفساراتهم, ومن ثم غيروا أسلوبهم في طرح الأسئلة, وكان هذا مكسباً للجميع.

نحن جميعاً بحاجة إلى الإكثار من الأسئلة والاستفسارات والتعليقات, إذ أنها الطريق للوصول إلى المزيد من المعلومات والمعارف والتعارف الفكري أيضاً, وهو الضروري في أجواء حياتنا الراهنة وخاصة في العراق الذي يعاني من غياب الحوار والنقاش وحل محله الغضب والقسوة والثأر بدلاً من قيم أخرى ضرورية اختبرت في الكثير من بقاع العالم. ولكننا ما زلنا بعيدين عنها لبعد الحضارة الحديثة عن أوضاعنا وحياتنا اليومية. عراقنا اليوم يقدم نموذجاً لذلك مع الأسف الشديد.

 


9/9/2010
 

 

free web counter