| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الأثنين 9/1/ 2012


 

هل من سبيل لوقف سفك الدماء في العراق؟

كاظم حبيب

هل من سبيل لوقف نزيف الدم في العراق؟ هذا السؤال يلح عليَّ كل صباح ومساء, كلما فكرت بما يجري في العراق, والتفكير بالعراق, بهذا الوطن الجريح والمستباح من قبل الإرهابيين بكل هوياتهم وأصنافهم وأحزابهم وقواهم الظاهرة والمستترة, غير متوقف. من السهل أحياناً وضع الأسئلة, ولكن ليس من السهل الإجابة عنها. وهذا أحد هذه الأسئلة العصية على الحل لا لأنها ترتبط\ بالمبادئ والقيم الأساسية التي تمس المجتمع, بل بالمصالح الأنانية والضيقة التي تدوس بشراسة وعنجهية تدميرية على المبادئ والقيم الإنسانية, على حقوق الإنسان وعلى الحريات الديمقراطية. لأنها تتجاوز على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث المعمول في النظم السياسية الديمقراطية, وعلى مبدأ حرية الصحافة والصحافيين, وعلى حرية التظاهر والتجمع... الخ. ولأنها لا تعتمد على مبدأ المواطنة الحرة والمتساوية, باعتبارها الهوية  الرئيسية والأساسية في المجتمع والدولة, بل تلتزم بالهويات الثانوية والهامشية القاتلة لوحدة المجتمع والمنفذة لسياسة التمييز بين أفراد المجتمع بسبب الدين والمذهب والقومية والفكر والرأي السياسي.

العراق, كدولة وكحكومة وكأحزاب, ومن ثم كمجتمع, يعيش في أزمة مستفحلة ومتفاقمة. طرحت العديد من المبادرات لمعالجة الأزمة الحادة الراهنة. والمبادرات المطروحة تسعى لحل الأزمة الراهنة التي نشأت بفعل صدور قرار باعتقال طارق الهاشمي, نائب رئيس الجمهورية وأحد قادة القائمة العراقية. ولكن هل المطلوب حل هذه المسألة فقط, أم المطلوب إيقاف الأزمة الرئيسية التي صارت تلد المزيد من الأزمات. نحن أمام تكاثر في الأزمات. وهذا التكاثر وإعادة إنتاج الأزمات ناشئ عن جذر أساسي لا يتوقف عن إنتاج الأزمات بسبب عدم الاستعداد للتخلص من هذا الجذر من جهة, وعدم الاستعداد لغرس جذر آخر أكثر طهراً وقوة وقدرة على الحياة وقطع دابر الأزمات في البلاد من جهة ثانية.

أساس الأزمة هو النظام الطائفي السياسي المحاصصي الذي ارتضته أغلبية القوى السياسية العراقية قبل وبعد سقوط النظام السياسي الفاشي ورفضه البعض القليل من القوى السياسية وكرسته إدارة الاحتلال الأمريكي بشخص الدكتاتور الأمريكي بول بريمر من جهة, والابتعاد عن الوطن والمواطنة لصالح القومية والدين والمذهب من جهة أخرى. وحين تسود الطائفية والمحاصصة المستندة إليها تغيب في الوقت ذاته الحرية الفردية والحريات الديمقراطية وحقوق المواطنة الحرة والمتساوية ويجري التجاوز على مبادئ وبنود الدستور, وعلى الحياة السياسية وعلى حرية الإعلام والإعلاميين ... الخ, وهذا ما يجري اليوم في العراق على مستوى الدولة والحكومة والمجتمع.

المؤتمر الوطني الذي يراد عقده, يفترض بمنظميه والساعين إليه إلى وضع التصور الذي يساعد على معالجة جذر المشكلة. وهي بحد ذاتها مشكلة في إطار المحاصصة الطائفية التي اعتمدت في انتخابات عام 2010, كما في قبلها في العام 2005, وفي تشكيل الحكومة الراهنة وفي مجمل السياسات الجارية. فكيف العمل؟ وبسبب الواقع الاجتماعي القائم في العراق فأن التحولات الديمقراطية المنشودة في العراق لا تخضع إلى الرغبات الطيبة والحكيمة, بل تنشأ عن واقع حال العراق وعن مستوى وعي الفرد والمجتمع لمسؤولياته وحقوقه ومصالحه. من هذا الواقع يفترض استنباط المعالجات. وأمامنا عدة احتمالات لا أنطلق في تشخيصها من رغباتي الشخصية, ولكن من ضرورات معالجة الأزمة ومن الإمكانية الفعلية المتوفرة لتنفيذها, وهي على التوالي:

الاحتمال الأول: إجراء انتخابات عامة مبكرة ربما يقود أثناء التحضير للانتخابات أو بعدها إلى نشوء اصطفافات سياسية جديدة لا تقوم بالضرورة على المحاصصة الطائفية المقيتة بل على أسس وطنية وبرنامجية. وهو الحل الأمثل في المرحلة الراهنة.

الاحتمال الثاني: حل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة على أن تلتزم الحكومة الجديدة ورئيسها الجديد’ الذي يفترض أن يتمتع بتأييد واسع من كافة القوائم وغير متورط بالصراعات والنزاعات الحادة الراهنة, بعدد من المبادئ التي نص عليها الدستور ولم تلتزم بها كل القوى السياسية المشاركة بالحكم بصيغ شتى وبنسب متفاوتة. ويمكن تجنب اختيار الوزراء والوزيرات على أسس طائفية, بل شخصيات تقترب من القوى الفائزة في الانتخابات وتمارس سياسة يجري الاتفاق عليها من جانب كل القوى المشاركة في الحكومة. وبالتالي يجري العمل لمعالجة الاختناقات السابقة في السياسة والاقتصاد وفي معالجة المشكلات القائمة.

الاحتمال الثالث: تشكيل حكومة برئيس الوزراء الحالي, وهو الاحتمال الأسوأ, شريطة أن يلتزم بمبادئ وقواعد محددة في عمله كرئيس للحكومة وأن يبتعد عن التدخل بالشأن القضائي وأن يكف عن الفردية في العمل والانفراد بالقرارات وإعادة تشكيل الحكومة على وفق ما نص عليه الدستور بالمنسبة للنساء وتوزيع الوزارات على أسس أكثر عقلانية وتعاون القوى المشاركة بالحكومة باختيار عناصر أكثر وعياً لمهماتهم وأكثر قدرة على تنفيذها. يصعب عليًّ تصور أن رئيس الوزراء سيلتزم بما يفترض أن يمارسه, إذ أن الفترة المنصرمة لم يبرهن على تمتعه بروح ديمقراطية أو احترامه لقوى المجتمع أو ابتعاده عن التكتكة التي مارسها حتى في الموقف من عصائب الحق المتهمة بارتكاب الكثير من الجرائم بهدف المناكدة لقوى التيار الصدري ..الخ. إنه القائل "ما ننطيها ..", أي حتى لو جاءت عبر الانتخابات وفوز قوى أخرى بالأكثرية "ما ننطيها" للآخرين, وهو هنا يريد أن يتحدث عن الشيعة في مواجهة السنة, وهو الخطر الأساس في شق المجتمع. وهذا هو ذات الموقف الذي عبر عنه صاحبه ولا يختلف عنه ونائبه في رئاسة الحزب "علي الأديب" حين قال إن الديمقراطية وسيلة للوصول إلى السلطة وليست فلسفة للحكم !! وهذا هو بالضبط ما يؤمن به حزب الدعوة الإسلامية, وهذا ما يمارسه فعلاً هذا الحزب حالياً.

على العاملين من أجل المؤتمر الوطني أن يتجنبوا التدخل بشأن القضاء العراقي وتحقيقه في التهم الموجهة إلى طارق الهاشمي, إذ إن خلط الأوراق مع السياسة يضعف المصداقية ويسمح بضياع الكثير من ملفات القتل لأبناء وبنات الشعب العراقي ويبقى كافة المجرمين دون عقاب.

من الضروري أن يصر المؤتمر على إبعاد العناصر البعثية التي لعبت دوراً بارزاً حتى سقوط النظام من قائمة الاستيزار, إذ أنهم سيبقون يشكلون خطراً على المجتمع العراقي وعلى مسيرة العملية السياسية. وهؤلاء غير موجودين في القائمة العراقية فحسب, بل هم يعملون في قوائم أخرى وفي قوى وأحزاب أخرى لا بد من إبعادهم عن العملية السياسية. وهذا الموقف لا يعني إبعاد كل الذين أجبروا على أن يكونوا أعضاء في حزب البعث لأي سبب كان عن العمل السياسي إن لم يكونوا قد ارتكبوا جرائم بحق الشعب.

ومن الضروري أن يصر المؤتمر على رفض التدخل الخارجي لدول الجوار في الشأن العراقي والسعي لإضعاف نفوذ كل الدول المجاورة وتأثيرها على أحداث البلاد وسياسات الحكومة والقوى والأحزاب السياسية العراقية. إنها المهمة الأكثر تعقيداً والكل يعرف السبب, ولكنها الأكثر أهمية في المرحلة الراهنة.

إن الاحتمال الأول سيسمح بضمان حصول اتفاق بين القوى السياسية وسيساعد على التكاتف لمواجهة قوى الإرهاب بصورة مشتركة وسيمنع إلى حد بعيد سفك دماء العراقيات والعراقيين, وكذا الاحتمال الثاني, في حين يقل الأمل بذلك في الاحتمال الثالث وبقاء الأزمة الأساسية المولدة لأزمات جديدة على حالها, ولن يكون هناك أمل كبير بوقف نزيف الدم, وهو ما نخشاه ونسعى إلى إقناع الجميع بتغيير الذهنية والسياسات والمواقف والتطلعات الشخصية لصالح المجتمع العراقي والأمن والسلام والتقدم في العراق.    

 

8/1/2012
 

 

 

 

free web counter