| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الثلاثاء 9/6/ 2009

 

رؤية أولية للحوار
حول الأوضاع الاقتصادية في إقليم كردستان العراق وسبل معالجتها
(2)

كاظم حبيب

توفير مستلزمات الرؤية الواقعية للتنمية الاقتصادية في الإقليم
قبل التطرق إلى إستراتيجية التنمية والمهمات التي تواجه إقليم كُردستان نشير إلى عدد من الملاحظات التي نقترح أن تدرس من جانب حكومة الإقليم:
أ‌. معالجة التحديات والمهمات المختلفة, وخاصة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, على أساس افتراض إن الإقليم - كياناً مستقلاً - يجب توفير كل مستلزمات إدامة وجوده واستمرار تطوره.
ب‌. معالجة ذات التحديات باعتبار أن إقليم كُردستان يشكل جزءاً متكاملاً من الاقتصاد والمجتمع في العراق بما يوفر حرية الحركة والعمل والتفاعل المتبادل والشامل.
ت‌. الأخذ بنظر الاعتبار التعاون في الظروف الراهنة بين الوضع في بغداد والإقليم ووضع برنامج مؤقت لكُردستان العراق يهدف إلى استغلال المزايا المتوفرة في كُردستان العراق لتوفير قدر مهم من احتياجات العراق من المنتجات والخدمات من الإقليم ذاته لدعم عملية التنمية في الإقليم من جهة, وللحد من استنزاف موارد العراق في الدول الأخرى من جهة أخرى.
ث‌. وضع إستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى تأخذ بالاعتبار البدء بعمل مشترك عندما تصبح المحافظات العراقية في القسم العربي من العراق قادرة على التنسيق والعمل المشترك.
ج‌. أن يكون الاعتماد على المبادرة والقطاع الخاص في عملية التنمية واقتصاد السوق الاجتماعي الذي يسعى إلى تأمين علاقة عقلانية بين العمل ورأس المال, وبين النمو الاقتصادي والحياة الاجتماعية للسكان لضمان السلم الاجتماعي في كُردستان والتطور الهادئ.
ح‌. تنشيط دور الدولة في مجالات لا يستطيع القطاع الخاص ولوجها, أو أنها تمس أمن وسلامة وثروات الإقليم والمجتمع بشكل عام وفي شؤون الإدارة والأمن وحماية البيئة والثروة الوطنية.
خ‌. الاعتماد على الاستثمارات المتوفرة في داخل الإقليم وتلك الاستثمارات الموجودة في الجانب العربي من العراق والسعي لمنع هربها إلى الدول المجاورة, وكذلك تحفيز رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في داخل الإقليم وفي العراق, إضافة إلى استثمار موارد الدولة والمساعدات والقروض الخارجية, لتأمين تسريع عملية إعادة إعمار كُردستان والتنمية الشاملة الاقتصادية والبشرية.
د‌. ضرورة التوسع في مناطق اقتصادية حرة تسمح بحركة رؤوس الأموال والتوظيف وبناء المشروعات الاقتصادية, الإنتاجية والخدمية, في المدن الكُردستانية المختلفة.

وتتطلب الفقرتان الأخيرتان بشكل خاص إصدار التشريع المناسب حول الاستثمار الأجنبي والمناطق الاقتصادية الحرة التي تنظم النشاط الاقتصادي لرؤوس الأموال الأجنبية وتمنح المحفزات المناسبة لتنشيط دخول رؤوس الأموال الأجنبية إلى اقتصاديات كُردستان العراق. وهناك مشروع قانون مطروح للمناقشة, بدا لنا مناسباً لهذه المرحلة من تطور الإقليم.

تشكل فيدرالية إقليم كردستان العراق جزءاً من الدولة العراقية الاتحادية. وكأي دولة اتحادية تتوزع المهمات السياسية والاقتصادية والبيئية والعسكرية والأمنية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وفق ما يقرره الدستور العراقي والقوانين التي تصدر وتنظم تلك العلاقات المتنوعة, سواء الخارجية منها أم الداخلية. وهذه القضية ليست بدعة بل هي موجودة في كل الدول الاتحادية, وخاصة تلك التي تتشكل من قوميات عدة, والتي هي ليست دولة كونفدرالية, بل فيدرالية أو فيدراليات داخل دولة واحدة. وتوزيع المهمات لا يعتمد على الثقة المتبادلة, رغم أهميتها بل تثبت بقوانين منظمة لتلك العلاقات ووجود محكمة دستورية عليا تحكم حين وقوع خلافات أو اختلاف في الرأي حول قضية معينة, وحين لا يمكن حليها سياسياً فيكون القضاء هو الحكم الأخير. والتنسيق القانون للمهمات يتوزع على جميع المجالات دون استثناء لاستبعاد المشكلات التي يمكن ان تظهر في مجرى التطبيق العملي للنظام الفيدرالي. ونحن الآن نتحدث عن الجانب الاقتصادي في المهمات التي يفترض أن تعالج. ويبدو لي أن مهمات الإقليم تتوزع على ثلاثة اتجاهات, وهي:
1. تأمين التنسيق والتكامل الاقتصادي والاجتماعي بين برنامج الحكومة المركزية وبرنامج حكومة الإقليم, بما يساعد على تجنب التعارض أو التكرار في المشاريع.
2. توزيع المهمات على مستوى الدولة والإقليم, وعلى المستوى الحكومي في الطرفين أو على مستوى القطاع الخاص, أي تلك المشاريع التي يفترض أن تقام وتمول من الحكومة المركزية وتلك التي يفترض غقامتها وتمويلها من ميزانية الإقليم أولاً, وتلك التي يمكن ان ينهض بها القطاع الخاص على مستوى العراق كله أو على مستوى الإقليم, إذ يفترض أن يكون العراق كله مفتوحاً على توظيفات القطاع الخاص المحلي وافقليمي والأجنبي ووفق معايير يفترض أن تكون واحدة لمصلحةالعراق وجميع الأطراف.
3. البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الخاص بحكومة الإقليم والذي يمول من حكومة الإقليم والقطاع الخاص.
4. لا بد من التزام الحكومة المركزية المسئولة عن تسلم الموارد المالية المتأتية من صادرات النفط الخام أو غيرها من الموارد الأولية أو المساعدات المالية غير المحددة لمشاريع معينة سواء أكان على مستوى المركز أو افقليم والمحافظات, بتسليم حصة الإقليم والمحافظات في المواعيد المقررة لها لكي لا يحصل أي اختلال في العملية التنموية في الإقليم والمحافظات أو على مستوى المشاريع المركزية.
5. تنظيم جلسات دورية لرئيسي الورزاء في المركز والإقليم ومحافظي المجالس المحلية في المحافظات للتدارس بشأن تلك البرامج وسبل تعجيلها أو تجاوز المشكلات فيها, إضافة على اجتماعات الوزراء والمسئولين كل في مجال اختصاصه.

وعلى جميع الأصعدة لا بد من الأخذ بنظر الاعتبار مصلحة الإقليم ومصلحة بقية المحافظات العراقية من جانب المركز بما يسهم في تحقيق تطور متناسق ومتكامل ويساعد على تغيير البنية الاقتصادية والاجتماعية وينمي الثروة الاجتماعية ويسهم في تقليص وإنهاء البطالة المكشوفة والمقنعة ويرفع من مستوى حياة ومعيشة السكان ويقلص تدريجا وبشكل ثابت التفاوت القائم بين مستوى جميع محافظات البلاد الناشئة عن السياسات التهميشية السابقة.

إن تحقيق معدلات نمو عالية, إضافة إلى تحقيق بقية الأهداف يتطلب لزوماً وجود رؤية إستراتيجية بعيدة المدى لدى راسم السياسة الاقتصادية ومقررها, أي جهاز التخطيط أو وزارة التخطيط وجهازها المتخصص بإستراتيجية التنمية, كما يتطلب وضع برامج خماسية وسنوية هادفة ومترابطة باعتباره الطريق الوحيد والضامن والقادر على تحقيق التطور المستقل للعراق, ومعه الإقليم. من هنا يمكن القول بأن المهمات تتلخص في العمل الهادف إلى التخلص المدروس والمبرمج والمنظم تنظيماً جيداً من كل السمات السلبية التي أتينا على ذكرها في الحلقة الأولى من هذه المجموعة من المقالات التي قدمنا فيها وصيفاً للواقع الكردستاني, والذي لا يختلف كثيراً عن مجمل الواقع العراقي مع تحسن عام في أوضاع الناس في إقليم كردستان بالمقارنة مع أوضاع الوسط والجنوب أو حتى بغداد.
إن من واجب المخطط والمشرع للتنمية أن يأخذ بالاعتبار التحديات الكبيرة التي يواجهها الإقليم في هذه المرحلة بالذات والتي هي أكثر من أي وقت مضى, بسبب أن الفيدرالية قد قطعت شوطاً مهماً وأن القوى التي ترفض هذه الفيدرالية متنوعة وليست عراقية فقط, بل وعربية ودول مجاور وإقليمية. إنها تحديات على المستوى السياسي, وخاصة العلاقة مع الحكم المركزي ببغداد والعلاقة مع دل الجوار وإقامة المجتمع المدني وتنشيط دور الفئات الاجتماعية وكسبها إلى جانب مسيرة التنمية وأخذ مصالحا بنظر الاعتبار أولاً وقبل كل شيء وتعزيز الفيدرالية في إطار الدولة العراقية وممارسة حقوق الإنسان وحقوق القوميات الأخرى وحرية الصحافة وإيقاف الممارسات المخلة في السجون وإطلاق سراح معتقلي الرأي. وعلى المستوى الاقتصادي تبرز بشكل خاص في ضرورة تغيير بنية الاقتصاد والتصنيع والأمن الغذائي وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتحسين مستوى معيشة الفئات المنتجة والكادحة والفقيرة. وعلى المستوى الاجتماعي تبرز المهمات في تكريس منظمات المجتمع المدني وحقوق المرأة وتعميم الحياة الثقافية وخاصة لأوساط الشباب وتنويعها وكسر حالة الخمول والروتين والضجر, وتطوير أسس التربية والتعليم وتنمية مراكز البحث العلم. يضاف إلى كل ذلك الحفاظ على الأمن والاستقرار وتعزيزه.

وفي ضوء كل ذلك يمكن تحديد المهمات العامة بما يلي: (
راجع في هذا الصدد الدراسة المشتركة للسيد الدكتور جعفر عبد الغني وكاظم حبيب).
• إزالة التخلف المتعدد الجوانب من خلال تغيير البنية الاقتصادية والاجتماعية وإزالة واعية ومستمرة للاختلال الهيكلي الراهن.
• زيادة الموارد المالية للإقليم وتوجيهها لدعم الميزانية الاعتيادية وميزانية التنمية الاستثمارية ودعم الفئات الكادحة من السكان والاعتماد في ذلك من خلال المراحل الأولية على زيادة الموارد النفطية. يضاف إلى ذلك ضرورة استثمار بقية الموارد الأولية لتقليل دور النفط على المدى البعيد.
• التنمية البشرية التي تشكل قاعدة البناء والتطور الاقتصادي والتقدم الحضاري لإقليم كُردستان خلال العقدين القادمين.
• تطوير مراكز البحث العلمي والتكنولوجي بتعزيز العلاقات مع معاهد العلم والتقنيات في العالم المتقدم, إضافة إلى ربط تلك المعاهد ومراكز البحث العلمي بالمؤسسات والمشاريع الاقتصادية والجامعات والكليات.
• تطوير إنتاج الطاقة والصناعات التحويلية وخاصة الصناعات الإلكترونية والآلات الدقيقة ومشتقات النفط والصناعات البتروكيماوية, إضافة إلى الصناعات الزراعية لتطوير الأمن الغذائي.
• إيلاء أهتمام كبير بالقطاع الزراعي وتنويعه وتحديث وسائل الإنتاج وتنظيم الإرواء والاستفادة القصوى من عيون الماء واستخدام التقنيات الحديثة في العملية الإنتاجية والنقل والتخزين والتسويق.
• إيلاء عناية خاصة بالسياحة المحلية والخارجية بما يجعل منها صناعة فندقة وخدمات سياسحية متقدمة,
• وضع برنامج للإصلاح الإداري ومكافحة الفساد المالي والإداري والمحسوبية والمنسوبية والحزبية الضيقة.
• الاعتماد على الاستثمارات المتوفرة في داخل الإقليم وتلك الاستثمارات الموجودة في الجانب العربي من العراق والسعي لمنع هربها إلى الدول المجاورة, وكذلك تحفيز رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في داخل الإقليم وفي العراق, إضافة إلى استثمار موارد الدولة والمساعدات والقروض الخارجية, لتأمين تسريع عملية إعادة إعمار كُردستان والتنمية الشاملة الاقتصادية والبشرية.
• ضرورة التوسع في مناطق اقتصادية حرة تسمح بحركة رؤوس الأموال والتوظيف وبناء المشروعات الاقتصادية, الإنتاجية والخدمية, في المدن الكُردستانية المختلفة.

وجدير بالإشارة أن الإقليم قد أصدر التشريع المناسب حول الاستثمار الأجنبي والمناطق الاقتصادية الحرة التي تنظم النشاط الاقتصادي لرؤوس الأموال الأجنبية وتمنح المحفزات المناسبة لتنشيط دخول رؤوس الأموال الأجنبية إلى اقتصاديات كُردستان العراق. وهذا القانون يغطي الفقرتين الأخيرتين مما ورد في أعلاه.


انتهت الحلقة الثانية وتليها الحلقة الثالثة
 


9/6/2009


¤  رؤية أولية للحوار حول الأوضاع الاقتصادية في إقليم كردستان العراق وسبل معالجتها (2)
 

 

free web counter