موقع الناس     http://al-nnas.com/

هل من مخاطر جدية تتهدد مستقبل العراق الديمقراطي بسبب التحالف السياسي الصدري - الجعفري؟

 

 كاظم حبيب

السبت 8/4/ 2006

إن المعلومات المتوفرة والوقائع الجارية على الساحة السياسية العراقية تؤكد نشوء تحالف سياسي بين التيار الصدري وحزب الدعوة الإسلامي الذي يترأسه الدكتور الجعفري. ويحظى هذا التحالف الجديد, الذي بدأ قبل الانتخابات الأخيرة, بتأييد واسع من القوى اليمينية المحافظة والطائفية المتشددة في إيران والحكومة الإيرانية التي يترأسها رئيس الجمهورية أحمدي نجاد, إضافة على تأييد حزب الله في لبنان. وإذا كان حزب الدعوة لم يؤسس في الفترات السابقة مليشيا مسلحة, فأنه بدأ يستفيد من المليشيا المسلحة التابعة للتيار الصدري لدعم موقفه السياسي الراهن. وقد استطاع هذا التحالف أن يهيمن على قوى أساسية في وزارة الداخلية العراقية, وهي أجهزة الأمن وقوات الشرطة, في حين هيمن فيلق بدر على المغاوير. وبالتالي يعتقد الجعفري بأنه يمتلك ما يكفي من قوات قادرة على فرض ترشيحه بالقوة غير المباشرة على الائتلاف العراقي الموحد. وإزاء هذا الواقع بدأ المجلس الأعلى للثورة الإسلامية يتحرك باتجاه مضاد لترشيح الجعفري, بعد أن أدرك المخاطر التي يتعرض لها موقعه ومكانته ودوره من جانب هذا التحالف الصدري-الجعفري لا في النجف وفي الجنوب عموماً فحسب, بل وفي مجمل المناطق التي فيها قوى شيعية يمكن أن تنشط سياسياً ومن مواقع دينية.
ولكن هل يشكل هذا التحالف الجديد مخاطر جدية تهدد مستقبل العراق الديمقراطي؟
الجواب كما أر "نعم". ولكن لماذا؟
دعونا نتتبع ثلاث مسائل تعمل قوى التيار الصدري على أساسها حالياً.

أولاً: البنية المكونة للتيار الصدري: تتشكل بنية قوى التيار الصدري على النحو التالي:
1. إن غالبية رجال الدين المرتبطين بالتيار الصدر هم من الشباب غير البارز وغير المعروف في الساحة الدينية العراقية وهم يتطلعون أن يكون لهم موقعاً تحت شمس الحوزة العلمية في النجف وعلى صعيد العمل السياسي العراقي والاقتصادي والاجتماعي والديني. أي أن المجموعة لم يكن لها رصيد سياسي حتى بعد سقوط النظام البعثي بقدر ما اعتمدت على تراث العائلة الديني لآل الصدر.
2. إن أغلب القوى العاملة في إطار ومع التيار الصدري تتشكل من جماعات هامشية كادحة تضررت كثيراً من سياسات النظام الدكتاتوري, وهي فئات كادحة وفقيرة ومعوزة, ولكنها في الوقت نفسه لم تحصل على مستوى مناسب من التعليم والثقافة والوعي الاجتماعي أو التنوير الديني المناسب.
3. إن مجموعات كبيرة من قوى التيار الصدري كانت قبل ذاك ضمن قوات صدام الجرارة, سواء أكانت في الجيش أم الشرطة أم في بعض أجهزة الأمن والاستخبارات, وهؤلاء هم بالأساس كانوا أو ما زالوا بصيغة ما أعضاء في حزب البعث.
4. إن جمهرة كبيرة جداً من هذه الجماعات التي تشكل جيش المهدي أو أتباعه يعيشون بعوز دائم, وبالتالي فأن ما يدفع لهم من رواتب شهرية, لا تسهم في الاحتفاظ بهم فحسب, بل توفر إمكانية زيادة عددهم مستقبلاً. فهم لا يحصلون على الرواتب فحسب, بل وعلى ما يعثر عليه في جيوب المخطتفين أو ما تدفع لهم من مبالغ بسبب سياسة الابتزاز بهدف إخلاء سبيل المختطفين....الخ. علماً بأن البعض الآخر جاء إلى هذا التيار بسبب صدقية العالمين الراحلين محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر.

ثانياً: الأساليب التي تمارسها قوى التيار الصدري
تعتمد قوى التيار الصدري على:
1. ممارسة نهج "الغاية تبرر الواسطة"و ومستعدة لاستخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. وفي الوقت الذي يشكل العلمانيون والديمقراطيون والتقدميون عدوها الأول, فإنها تريد وتسعى إلى تصفية جميع قوى الإسلام السياسي الموجودة والمنافسة لها في الساحة السياسية العراقية, وتجد فيها قوى تمنع وصولها إلى السلطة واستيلائها الكامل عليها.
2. وهي تمارس أسلوب مزدوج وتجري توزيع عمل بين أطرافها للوصول إلى ما تريد.
3. التزام واستخدام العنف والقسوة في التعامل مع القوى المختلفة معها أو المضادة لها. وهي تمتلك مليشيا المهدي المعروفة بشراستها ودمويتها في مواجهة ما يسمى بالخصم, أياً كان. وهي جماعات مسلحة تسليحاً جيداً ومدربة تدريباً عالياً. إنها لا تختلف في مواجهة الخصم عن التكفيريين في اتهام الآخر بالتكفير.
4. استخدام التهديد والاختطاف والابتزاز والقتل وإشعال الحرائق في المحلات والتخريب للوصول إلى أهدافها غير المشروعة. ويرتدي أفراد هذه المليشيات الملابس السوداء التي لا تختلف عن ملابس فدائيي صدام حسين كثيراً.
5. وهي تسعى إلى تأمين احتياجات الناس الفقراء والمعوزين لكسبهم إلى جانبها تماماً كما تفعل كل القوى الإسلامية السياسية, وتفضل إبقاء أتباعها في جهل ديني وسياسي واجتماعي كبير في ما عدا ما تريد إيصاله لهم عبر دعاتها المنتشرين.
6. كما أنها تمارس أسلوب الاستعانة بالقوى المماثلة لها في الجارة إيران وبالحكومة الإيرانية لفرض إرادتها وحلولها ومواقفها على المجتمع.

ثالثاً: الأهداف التي يريد التيار الصدر تحقيقها على المدى القريب والبعيد.
تؤكد كل المعطيات التي تحت تصرفنا إلى أن التيار الصدر الراهن يسعى إلى تحقيق أهدافه على مراحل متتابعة, وهي:

المرحلة الأولى: وتتضمن الوصول إلى:
1. تعبئة أوسع أوساط الشيعة حول المجموعة السياسية الممثلة لهذا التيار الديني السياسي المتشدد.
2. عزل أو تحييد القوى السياسية المرتبطة بالتيارات الدينية الشيعية الأخرى وكسبها تدريجاً إليها من خلال تشديد الصراع معها وممارسة أساليب القوة والعنف والتهديد, إلى جانب استخدام أسلوب الجزرة والمكاسب أخرى.
3. عزل المرجعية الدينية التي يمثلها السيد السيستاني وتنصيب سيدها الكبير السيد كاظم الحائري الحسيني الذي كان يوجه خطها السياسي السابق.
4. إبداء موقف شكلي وكأنه يدعو إلى وحدة الإسلام ولكن التيار في حقيقته طائفي سياسي متطرف ومناهض لأهل السنة والجماعة.
5. وفي جوهر التيار فهو مضاد لكل القوى العلمانية واللبرالية والديمقراطية ولا تؤمن بالقومية على الصعيد الدعائي, ولكنها يمكن أن تتحول إلى قوى قومية شوفينية, كما هو حال هذه القوى في إيران بالنسبة إلى القومية الفارسية في مواقفها إزاء حقوق القوميات الأخرى.
وفي هذه المرحلة تطرح الشعارات التالية بهدف التعبئة السياسية والدينية والاجتماعية:
- الإصرار على أن يكون إبراهيم الجعفري, حليفها الرهن المؤقت, رئيساً للوزراء, وفي حالة الفشل الإصرار على مرشح قريب منها.
- تعزيز هيمنتها على أجهزة وزارة الداخلية والأمن والشرطة ومواقع مهمة في الجيش العراقي والاستخبارات.
- الحفاظ على مليشيا جيش المهدي وتوسيع قاعدته وتطوير تدريبه عناصره الجديدة في العراق وفي إيران ولبنان .
- الدعوة المتواصلة زفي صلاة الجمعة إلى إنهاء الاحتلال باعتباره يمثل قوة كافرة تريد الهيمنة على الإسلام وعلى العراق.
- وفي الوقت الذي تعتبر القوى الديمقراطية والعلمانية واللبرالية وبعض قوى الإسلامية العقلانية إن إقامة الدولة الاتحادية في العراق والاعتراف بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره, بما في ذلك تكريس الفيدرالية القائمة في كردستان, ترفض قوى التيار الصدري وجود دولة اتحادية في العراق أصلاً, وترفض فيدرالية كردستان, كما صرح بذلك مقتدى الصدر ذاته, إضافة إلى رفض اعتبار كركوك جزءاً من إقليم كردستان أو تطبيق المادة 58 من قانون إدارة الدولة المؤقت وفيما بعد ما ورد بالدستور بشأن القضية.
- مكافحة مظاهر العلمانية والحرية الفردية والتجاوز الفظ على حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الأديان والمذاهب المختلفة في العراق, والتصدي لما يعتبر في شرعها محرماً, وهي السياسة المطبقة في البصرة وفي أغلب مناطق الجنوب والتي تسعى إلى فرضها في بغداد أيضاً, سواء أكان ذلك إزاء المسرح أو الغناء أو الموسيقى أو حلاقة شعر النساء أو محلات بيع الخمور ...الخ.

المرحلة الثانية: وتستهدف فيها الوصول إلى:
- أن تكون قوى التيار الصدري القوة الإسلامية الأساسية والرئيسية الفاعلة في الساحة السياسية العراقية لتمارس نهجها السلفي المتطرف.
- العمل على تصفية التيار الديمقراطي اللبرالي والعلماني, عبر سياسات لا تختلف كثيراً عن سياسات جميع المستبدين في الدول العربية والإسلامية, ومنها بشكل خاص إيران.
- السيطرة الفعلية على القوات المسلحة العراقية والتصدي للفيدرالية الكردستانية ومحاولة الهيمنة على العراق كله. وفي هذا يمكن أن تجد التأييد من جانب إيران بشكل مباشر وغير مباشر. وهذا الاتجاه يشترط إخراج القوات الأجنبية من العراق.
- وعلينا منذ الآن أن نأخذ بالاعتبار أن التيار الصدري مستعد لخوض الحرب لهذا الغرض, كما حصل سابقاً عبر العقود المنصرمة رغم الفشل الذي أصاب تلك السياسات وذهب جميع المستبدين وبقى الشعب الكردي وحقق جزءاً مهماً أولياً من حقوقه المشروعة. أي أن التيار الصدري مستعد لإشعال حرب, كما أرى, عبر سياساته الراهنة , من أجل رفض تأمين الحقوق القومية للشعب الكردي والحقوق الثقافية والإدارية للقوميات الأخرى.

المرحلة الثالثة: إن هذه السياسات تعتبر التمهيد لاكتساح الساحة السياسية على طريق السيد الخميني بهدف الهيمنة الكاملة على الدولة والحكومة في العراق. وقوى التيار تعمل بجدية كبيرة من أجل توفير المزيد من مستلزمات الوصول إلى هذه الغاية, بما في ذلك الأسلحة لأتباعها, وأن ما يمتلكه هذا التيار حالياً يفوق تصورنا جميعاً, وأن إيران تقوم بتزويد هذا التيار بمزيد من الأسلحة المتقدمة والمساعدات المختلفة ووسائل الدعاية ونشر الإشاعات .. الخ..
وما هو دور الجعفري في هذه العملية؟
يترأس الجعفري حزباً سياسياً ساهم في النضال ضد الدكتاتورية. وارتقى الجعفري إلى منصب رئيس الحزب أو أمين الحزب العام. وبرهن خلال الفترة الأخيرة إلى أنه يتسم بالفردية الشديدة والحب القاتل للسلطة والحكم والرغبة في احتكار القرار السياسي وإبعاد الآخرين عن إنجاز مهماتهم. ولهذا رفض الآخرون هذا الرجل ورفضوا سياساته وشكليته في العمل وعدم التزامه بالاتفاقات التي تم التوافق عليها. وعندما أدرك بأنه, وبسبب سماته السلبية, لم يعد مؤهلاً ولا مقبولاً, التحق بركب التيار الصدري وأصبح ذيلاً له, بدلاً من أن يكون نداً له, ودفع بحزبه إلى مواقع ما كان قادته يتصورون أن ينتهوا إليها. ولهذا أرى أنه بدأ عملياً بحرق أوراقه السياسية تباعاً, ولا أبالغ حين أقول بأن حياته السياسية كقائد سياسي في العراق قد انتهت وما سيقوم به ستكون أدوراً ثانوية.
ورغم الجهود التي بذلت من قوى التحالف الكردستاني ومن السيد رئيس الجمهورية الأستاذ مام جلال الطالباني في نصحه وإقناعه بانتهاج سياسة أكثر حكمة وعقلانية وجماعية واستشارة للآخرين في ما يقوم به قبل وقوع الأزمة الراهنة, فأن الرجل أحس بقوة التيار الصدري تسند ظهره فراح يتبختر بسياساته ومواقفه بدلاً من أن يبدي تواضعاً ويتعامل مع الوزراء بروح زمالية وجماعية مناسبة, ثم ركب رأسه وراح ينفذ سياسة مقاربة ومن ثم مطابقة لسياسات التيار الصدري, ووضع نفسه في الموقع الذي لم يعد يقبل به حتى الكثير من أتباعه. وجاءت الطامة الكبرى حين صرح بأنه يرفض حل المليشيات ويرى فيها ضرورة, أو حين صرح, هو ومدير مكتبه, بأن الله هو الذي اختاره لهذا المنصب, منصب رئيس الوزراء, وكأن الله لا عمل له غير الاهتمام بمنصب السيد رئيس الوزراء, وبالتالي أصبح واحداً من أولئك الذين يتحدثون بالتفويض الإلهي لحكم البلاد, وبما أنه سيد من آل رسول الله فسوف لن يكون بعيداً أن يطالب بأبعد من ذلك أو أن يدعي ما ادعاه غيره في فترات من تاريخ العرب والمسلمين. والغريب بالأمر أنه يصرح بأن غير مهتم بمن يرفض ترشيحه أن وافق الشعب على ذلك أو الائتلاف, وأنه لن يهتم بمن يقبل به حين يرفضه الشعب أو الائتلاف العراقي الموحد. إن هذا الغرور قد تجاوز الحدود المعقولة وفاق كل معقول.
إن التحالف الراهن بين التيار الصدري ورئيس حزب الدعوة, إنا لا أعتقد بأن حزب الدعوة كله يقف خلف هذا الرئيس, يشكل خطراً مباشراً على الوجهة الديمقراطية في العراق ويساهم في تنشيط قوى الإرهاب المجرمة ويعطل الحياة الدستورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية, كما أن تحالفهما مع إيران يشكل تحدياً للعراقيات والعراقيين الذين يرفضون مثل هذا التحالف السلبي مع نظام يتسم بالطائفية السياسية والاستبداد والتدخل الفظ في شؤون العراق الداخلية التي أجبرت السيد عبد العزيز الحكيم للطلب من الولايات المتحدة على التفاوض مع إيران لوضع حدٍ لصراعهما في العراق وإيقاف التدخل الإيراني لصالح القوى المتعاونة معها في البلاد.
وعلينا أن نتوقع بأن التيار الصدري سيكون مستعداً لاستفزاز القوات الأجنبية والدخول بمعركة واسعة, ربما تبدأ في النجف أو في الثورة ببغداد مثلاً, بهدف تشديد الاصطفاف السياسي الديني والمذهبي لصالحه ضد القوات الأجنبية وضد القوى السياسية الأخرى التي أقرت ضرورة وجود هذه القوات خلال الفترة الراهنة في العراق لإنجاح عملية التصدي لقوى الإرهاب الإسلامي السياسي المتطرف وقوى البعث الصدامي وإحلال الأمن والاستقرار والسلام في ربوع العراق. ولا يتطلب الأمر منا التنبيه حول ما يجري حالياً فحسب, بل وأن نفتح العيون لما يراد للعراق من جانب هذه القوى والقوى الإيرانية وقوى أخرى عديدة, بما في ذلك إشاعة الفوضى الكاملة في العراق وتفجير الحرب الطائفية, وأن نتحرك جميعاً لنلعب دوراً مباشراً وجاداً لمنع وقوع حرب طائفية أو تعطيل الحياة السياسية وخلق فراغ سياسي في البلاد.