| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الأربعاء 8/2/ 2012


 

هل من آذان صاغية لصرخة الأستاذ الدكتور المعماري إحسان فتحي؟

كاظم حبيب 

في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2911 قدم الأستاذ الدكتور المعماري إحسان فتحي محاضرة قيمة تحت عنوان " خسارة التراث العراقي (الانتحار الثقافي) طرح فيها ثلاث مسائل جوهرية يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:

  1. إبراز نماذج حية للآثار العراقية التي هدمت وخربت في العراق على امتداد الحقب السابقة وبشكل خاص منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة حتى الوقت الحاضر وما ارتبط بذلك من خسارة فادحة تعرضت لها الذاكرة العراقية والماضي الثقافي أو التراث الحضاري العراقي بسبب هذا التدمير والتهديم والتخريب والنهب. وأشعر أن الزميل إحسان فتحي كان يريد أن يقول بصراحته المحببة والدافئة والقوية في آن "إن شعباً بلا ذاكرة وبلا ماض لا يستطيع أن يعي الحاضر ولا يرسم ويبني المستقبل".

  2. تشخيص العوامل التي دفعت إلى مثل هذا التخريب والتدمير والنهب للآثار القديمة والتراث الحضاري العراقي الرائع والتي يمكن تأكيدها بالجهل العام وغياب الوعي والمعرفة لدى المسؤولين بأهمية هذا التراث للحاضر والأجيال القادمة وللبشرية جمعاء وليس الشعب العراقي وحده من جهة, ثم الجشع الذي برز في سرقة هذا التراث وتهريبه والذي انتهي إلى تدميره في الكثير من الأحيان من جهة ثانية, إضافة إلى الإرهاب والتدمير الإرهابي لمعالم الحضارة العراقية والذي يؤكد السلوك الإجرامي بكل أبعاده لمثل هذه الجماعات العدوانية. إن تدمير التراث العراقي الذي يجسد تراث كل الشعوب والأقوام التي عاشت في العراق والتي جسدت بمجملها التلاقح الثقافي-الحضاري للشعب العراقي يعبر عن محاولة جادة لتدمير الوحدة الوطنية التي تتجلى بهذا التراث في سائر أنحاء العراق, لأنه يعبر عن محاولة جادة ومنظمة ومقصودة لتدمير الذاكرة العراقية والماضي الحضاري المشترك للشعب العراقي.

  3. وأخيراً يجيب عن السؤال التالي: كيف نصون ما تبقى من هذا التراث العراقي الأصيل, ما هو دور المسؤولين, وما هو دور المثقفين والمختصين بالتراث وما هو دور الشعب وكل فرد فيه لحماية وصيانة  والحفاظ على هذا التراث؟

لقد كان صوت الأستاذ الفاضل إحسان فتحي حزيناً ومحبطاً أحياناً وموجعاً وغاضباً أحياناً أخرى ممتلئ بالخشية على ما تبقى من تراث حضاري في سائر المدن العراقية وبأن لا يسمع ولا ينتبه لما يجري اليوم أيضاً في التعامل مع التراث الحضاري ومع المدن العراقية القديمة من جانب المسؤولين والمجتمع. كانت مقترحاته واضحة جداً فهو يطلب تشكيل هيئة مستقلة من خبراء ومختصين تأخذ على عاتقها إجراء جرد في كافة المدن العراقية القديمة وفتح سجل لتسجيل كل قطعة ودار وبناية وزقاق وشارع وقلعة وجامع وكنيسة وكنيس وكل ما يذكر بحضارة العراق على امتداد القرون المنصرمة وتعتبر جزءاً من التراث العراقي بحيث يمنع على كل إنسان, أياً كان مركزه الحكومي أو الاجتماعي المس بهذا التراث ويعاقب على وفق القانون على ذلك, إضافة إلى  ضرورة قيام هذه الهيئة بنشر الوعي العلمي بأهمية هذا التراث وضرورات الحفاظ عليه وإبراز قيمته للشعب العراقي وللإنسانية جمعاء باعتبار العراق أحد أقدم مهود الحضارة البشرية في العالم. وأن تقوم الهيئة المستقلة بالتعاون مع الحكومة العراقية ومنظمة اليونسكو لوضع الأسس الكفيلة بصيانة وحماية هذا التراث قبل أن يدمر ما تبقى منه بوعي أو بدون وعي. كما أكد على أهمية وضرورة إعادة النظر بقانون الآثار بما يساعد على صيانتها وحمايتها ومنع سرقتها أو تخريبها ..الخ, إذ إن القانون الراهن لا يحقق المطلوب.

إن صوت الاستغاثة الوطني والمسؤول الصادر عن المهندس المعماري اللامع والمبدع الأستاذ الدكتور إحسان فتحي ينبغي له أن يحركنا جميعاً, أن يوقظ فينا صوت العقل والحكمة والرؤية الواعية والسليمة لتراث العراق الحضاري. إن ما يجري اليوم في العراق لا يختلف كثيراً عما جرى في العقود المنصرمة من تخريب للتراث, سواء بإدراك وعلم المسؤولين أم دون إدراك منهم وربما دون علمهم, أم على أيدي افرهابيين والمخربين وعصابات الجريمة المنظمة, وهو أمر في كل الأحوال مرفوض وغير مقبول ويفترض مواجهته مجتمعياً.

وفي هذا اليوم أثار الأستاذ الدكتور رؤوف الأنصاري مشكلة أخرى بشأن ما يجري حالياً للمدن العراقية القديمة, إذ عرض على القارئات والقراء الحالة التالية: "إحالة مشروعي إعداد التصاميم المعمارية الخاصة بتطوير مركزي (مدينتي النجف لأشرف وكربلاء المقدسة)، عن طريق إجراء مناقصة تقديم عروض من قبل مكاتب استشارية هندسية تقبل على أساس أقل الأسعار، وليس عن طريق تنظيم مسابقة دولية تشارك فيها مكاتب استشارية هندسية متخصصة لتقديم تصاميم معمارية واختيار التصميم الأفضل والأنسب من بينها، كما حصل في مشروع  مبنى مجمع الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي". هذا ما ورد في التحذير الموجه إلى كافة المسؤولين العراقيين بشأن الطريقة المستخدمة غير الشفافة في مثل هذه الحالات, كما حذر من الفساد المرتبط بحالات من هذا النوع, إذ رست المناقصة المذكورة, كما كان متوقعاً على من تم اختياره سلفاً لها ولأسباب لا تفوت على القارئة والقارئ اللبيبين والتي تؤدي إلى تخريب التراث العراقي المعماري للمدن العراقية القديمة في سبيل حفنة من المال من السحت الحرام. وبهذا يتفق من حيث المبدأ مع ما طرحه الأخ الدكتور إحسان فتحي التي تعرض لكل التراث الحضاري العراقي والمخاطر التي تتهدد ما تبقى منه.

أدرك تماماً بأن العراق لا يعيش معضلة سياسية وأمنية قاتلة فحسب, بل يعيش أزمة بنيوية شاملة وعامة وحقيقية في كافة المجالات, بما فيها مشكلة التراث العراقي الحضاري. والأزمة متشابكة ومترابطة يصعب تصور الوصول إلى حلول جزئية لها ما لم يعالج الجذر الأساسي غياب هوية المواطنة والتشبث بالهويات الثانوية والهامشية القاتلة التي تفرق الشعب لا توحده. ومع ذلك فصرخة الاستغاثة التي تنطلق من المختصين علينا لا الإصغاء لها فحسب, بل والتعامل معها بكل مسؤولية وإدراك حقيقي للعبث والتخريب الذي تعرض لها التراث الحضاري العراقي حتى الآن وما يمكن أن يلحق به إن تم السكوت عن كل ذلك.

 

برلين في 6/2/2011                                                                                     
 

 

 

free web counter