موقع الناس     http://al-nnas.com/

هل في الوضع الأمني الراهن مجال للبحث في استراتيجية للتنمية في العراق؟

 

كاظم حبيب

الأثنين 7/8/ 2006

يعيش الشعب العراقي مرحلة صعبة ومعقدة في تاريخه الحديثة, مرحلة تتميز بغيبوبة العقل والوعي لدى نسبة غير قليلة من أتباع الأحزاب السياسية الإسلامية ذات الوجهة المذهبية التي تتعامل مع الواقع العراقي على أساس طائفي سياسي, وبالتالي تساهم في دعم قوى الإرهاب الفاعلة في العراق, شاءت ذلك أم أبت. فها نحن نعيش عدة ظواهر مدمرة, وهي:
• المزيد من القتلى من القتلى والجرحى والمعوقين والهجرة المتفاقمة إلى خارج العراق.
• المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار والعجز عن استكمال مهمات إعادة إعمار العراق وتأمين فرص عمل للعاطلين والناس الهامشيين الذين يعيشون على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
• تفشي الفساد المالي ونهب موارد الدولة والمجتمع.
هذه الوقائع الجارية يراد منها إعطاء الانطباع وكأن الحكومة عاجزة عن تحقيق خطتها الأمنية ومشروع المصالحة الوطنية, وبالتالي نشر وتكريس الإحباط في كل مكان لتأمين الأجواء المناسبة لجر المزيد من البشر إلى صف المعارضة وقوى الإرهاب الدموي. فهل في مثل هذه الأجواء المدمرة يمكن الحديث في القسم العربي من العراق عن استراتيجية للتنمية الوطنية, في وقت ما زال العراق عاجزاً عن إعادة الإعمار وتوفير الكهرباء والماء والهاتف ... الخ للسكان؟ تستوجب استراتيجية التنمية, سواء من حيث الفكر أو توفير مستلزمات وضعها وإقرارها وتنفيذها ومتابعة التنفيذ, وضعاً أمنياً عالياً مقروناً بتوفر مساحة واسعة من الحرية والقدرة على ممارسة هذه الحرية, بما في ذلك الحرية الفكرية والتعبير والمشاركة في الحوار من جانب جمهرة كبيرة جداً من الخبراء والمختصين في مختلف الاختصاصات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية والثقافية والفنية دون خشية الوقوع ضحية الإرهابيين أو الاضطرار للهجرة, في وقت يواجه العراق قتل وتعويق وهجرة مستمرة لكوادره العلمية والتقنية والفنية ومثقفيه. لهذا أرى ضرورياً أن نولي اهتمامنا لخطة اقتصادية وسياسية وأمنية طارئة تمتد إلى نهاية ولاية السيد الدكتور المالكي, تتضمن ثلاثة أهداف تتماشى مع حاجات العراق الراهنة والمباشرة, وأعني بذلك:
أولاً . في مجال السياسة والأمن: تحقيق المصالحة الوطنية ومكافحة الإرهاب.
ثانياً. في مجال الاقتصاد: مكافحة البطالة وتوفير الخدمات.
ثالثاً: ثم مكافحة الفساد المالي والإداري.
وفي المجال الاقتصادي يتعين علي الدولة والمجتمع الاهتمام بما يلي خلال خطة الطوارئ:
1. التفكير بزيادة استخراج وتصدير النفط الخام وتوفير الأموال الضرورية لخطة الطوارئ التي لا تستهدف حالياً وبشكل مباشر تغيير بنية الاقتصاد الوطني, إذ أن هذه المهمة يمكن تأجيلها لثلاث سنوات إلى حين استتباب الأمن وتحقيق الاستقرار والسلام في العراق. وبالتالي توجيه موارد مالية لتأمين المصالحة ومكافحة الإرهاب .
2. العمل على تأمين تنفيذ مشاريع اقتصادية كثيرة وقصيرة الأمد وقادرة على امتصاص نسبة عالية من البطالة الراهنة المنهكة للفرد والعائلة والمجتمع والمنشطة للإرهاب والفساد, وتأمين فرص عمل لتلك الجماعات الهامشية التي تعيش على هامش الاقتصاد والحياة الاجتماعية وتعيش في حالة من الفقر والعوز.
3. التركيز على توفير الخدمات الأساسية للسكان التي تزيل حالة التذمر المتفاقمة في المجتمع وتعزز الثقة بالحكومة.
4. إقامة المزيد من مشاريع الطرق والجسور والبناء ومشاريع التخزين وتحسين القدرة التموينية للسوق العراقي التي في مقدورها استيعاب أكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل.
ويتطلب هذا الأمر:
• الموافقة على وضع رأسمال كبير من جانب الدولة تحت تصرف البنوك العراقية لتقديم القروض ذات المديات القصيرة والمتوسطة وبدون فائدة لمن يسعى إلى إقامة مشاريع صغيرة تساهم في تشغيل المزيد من العاطلين عن العمل وتشارك في الإنتاج.
• الاستمرار على دعم البطاقة التموينية ودعم استهلاك الوقود (المشتقات النفطية), إذ أن أي تراجع عنهما في المرحلة الراهنة سيقود إلى عواقب سلبية حادة وتخدم قوى الإرهاب مباشرة. عندها لا يمكن للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن يقدما المسعدة للعراق في مقاومة الإرهاب.
• دعم جهود القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني للمشاركة في عملية إزالة أثار الدمار وإعادة بناء المشاريع الخدمية ومكافحة البطالة.
ولا شك في أن إقليم كردستان الذي يسود فيه الهدوء والاستقرار, وكذلك بعض المحافظات التي يسود فيها الهدوء النسبي, أن تمارس إقامة مشاريع اقتصادية تدخل في إطار التصور التنموي الاستراتيجي مع التركيز على مشاريع إعادة الإعمار والخدمات العامة ومكافحة البطالة في المرحلة الأولى.
إذن, مكافحة الإرهاب ومكافحة البطالة والفساد وتوفير الخدمات هي المهمات المركزية التي تواجه العراق في المرحلة الراهنة وخلال السنوات الأربع القادمة, وأن كسب ثقة الشعب والمصالحة السياسية وتعزيز القدرات الأمنية وموارد النفط هي الأدوات التي يمكنها بها تحقيق النصر على القوى المناهضة للحياة الحرة والديمقراطية في العراق الفيدرالي الجديد.

أوائل آب /أغسطس 2006