| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأربعاء 7/10/ 2009

 

هل يلعب حكام إيران بالنار؟ وهل يحفر أحمدي نجاد قبره بيديه؟

كاظم حبيب

عرف الشعبان العراقي والإيراني نظامين لا يختلفان من حيث الجوهر عن بعضهما, كان عمر الأول حين اندلعت الحرب العراقية -الإيرانية اثنا عشر عاماً ارتكب في خلال هذه السنوات الكثير من الجرائم البشعة بدأت بالاعتقالات والتعذيب والقتل تحت التعذيب والاغتيالات والتهجير القسري لجماعات سكانية كبيرة. وكانت هناك موجات شديدة في ممارسة هذه الأساليب, كما جرى في العام 1970/1971 أو في العام 1974/1975, أو في العام 1977/1978 وما بعدها وما وقع من تهجير واسع النطاق للكرد الفيلية والعرب الشيعة في الجنوب والوسط في العام 1980 وما بعده بذريعة التبعية لإيران ثم توج كل ذلك بإعلان الحرب ضد إيران. أما عمر النظام الثاني فلم يستكمل السنة الثانية حين اندلعت الحرب, ولكنه بدأ في وقت مبكر بارتكاب جرائم ضد القوى السياسية الأخرى وخاصة ضد أعضاء حزب توده وفدائيي خلق ومجاهدي خلق وغيرهم من المعارضين لقيام دولة دينية ثيوقراطية متخلفة وطائفية في إيران, حيث امتلأت السجون, وخاصة سجن إيفين في طهران بهم. وتميز النظامان منذ البدء ببنية إيديولوجية متطرفة واحتكارية وتكوين استبدادي وممارسة قهرية, قمعية, ظالمة, وكلاهما أقام تدريجاً سجناً كبيراً للشعب, وإذا كان لديهما عشرات السجون والمعتقلات في طول البلاد وعرضها حيث سقطت كلها في العراق, ثم امتلأت بقوى أخرى, فأن في إيران لا تزال هناك عشرات السجون الموزعة على المدن الإيرانية التي تضم تكلكل على عدد كبير من سجناء الرأي والعقيدة. وكلا النظامين احتقر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي واستخفا بهاتين المؤسستين الدوليتين, بالرغم من نواقصهما وسلبيات عملهما, ونظرا إليهما وكأنهما نمر من ورق لا يمكنهما إلحاق الأضرار بالنظامين الدمويين.

كما تميز النظامان بممارسة احتكار السلطة ورفض أي فكر آخر غير فكرهما, واقترن كل ذلك بممارسة العنف والقسوة والكراهية إزاء الآخر والسعي لاستئصال الآخرين, ورغبة في التوسع والعمل على امتلاك القدرة على تنفيذ ذلك, وأن اختلفا في جانب شكلي واحد: فالأول انطلق من مواقع الفكر القومي العربي اليميني الشوفيني المتطرف والنظرة العدوانية للآخر ثم اقترن كل ذلك بعد حين بحملة إيمانية دينية شكلية مزيفة, فنشأ منهما نظاماً دموياً مدمراً أقض مضاجع الناس الطيبين, مضاجع الشعب بأغلبيته. أما الثاني فقد انطلق من مواقع الفكر الديني لإقامة دولة إسلامية شيعية متطرفة ليحط في المحصلة النهائية في الصف القومي الفارسي الشوفيني ولينشأ منهما نظاماً مرعباً ومدمراً في آن.

برز الأول في العراق وتمثل في نظام صدام حسين, وبرز الثاني في إيران وتمثل في الدولة الإسلامية الشيعية التي أقامها الخميني ليتسلمها فيما بعد علي خامنئي ومحمود أحمدي نجاد.

الأول حاول وتصور أنه يستطيع أن يضحك على ذقن المجتمع الدولي حين يراهن على كسب الوقت ليتم له إنتاج السلاح النووي بعد أن كان قد أنتج السلاح الكيماوي والسلاح البيولوجي, لكي لا تستطيع أي دولة في العالم تهديده, فمارس القتل الجماعي وأرسل مئات ألوف البشر إلى المقابر الجماعية عبر الحروب والتعذيب, ولكنه انتهى في المحصلة النهائية إلى مزبلة التاريخ ودفن في حفرة مماثلة لتلك التي هرب إليها من غضب الناس المحرومين.

أما الثاني فهو, كما يبدو, يسير بخطى سريعة على نفس النهج الذي مشى فيه صدام حسين, إذ إن السياسة العسكرية والخارجية لمحمود أحمدي نجاد تمارس منذ سنوات كثيرة أساليب ملتوية لكي تكسب الوقت لإنتاج السلاح النووي ومزيدا من الصواريخ ذات المدى المتوسط والعمل على إنتاج الصواريخ ذات المدى البعيد والحاملة للرؤوس النووية. وآخر التجارب للصواريخ المتوسطة المدى تؤكد قدرة إيران على إيصال ما تحمله الصواريخ من عتاد إلى إسرائيل وإلى القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة, وهو تهديد واستفزاز مباشر للدول الغربية كلها ولإسرائيل ودعوة صريحة من أحمدي نجاد لاتخاذ قرار بفرض عقوبات على إيران لشد اللحمة الداخلية وتعبئة الناس حوله بذريعة التهديد الدولي للاستقلال والسيادة الإيرانية, كما يعتقد هذا الحاكم وغيره من الساسة الإيرانيين المحافظين. ولكن ما ينتظره, إن واصل هذا الدرب, لن يكون أحسن مما أصاب الدكتاتور الذي سبقه في حكم العراق, صدام حسين, وسينتهي إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم.

والمشكلة لا تكمن في الخلاص من مثل هؤلاء المستبدين والجائرين والفاشيين فحسب, بل إنها تكمن في العواقب التي ستصيب المجتمع الإيراني قبل أن ينتهي هؤلاء إلى القبر الذي يحفرونه بأيديهم, إذ أنهم بذلك يعرضون شعوبهم لمخاطر الحصار الاقتصادي الدولي والمجاعات والحرمان وموت الأطفال والمرضى وتوقف عجلة إنتاج وتصدير النفط الخام وانغلاق الأسواق الأجنبية بوجه صادرات واستيرادات إيران. وسيجبر حكام إيران على التعامل مع السوق السوداء التي ستكلف الشعب الإيراني المزيد من الأموال وستعطل عملية التنمية وسيتسع حجم البطالة والعوز وسيستفيد منه الفاسدون وجماعة صغيرة من الحكام وحاشيتهم, في حين أن الوضع حالياً ودون حصار عام وشامل لا يتحمل مثل تلك التكاليف ونشوء مثل هذه الأوضاع القاسية. كما يمكن أن ينتهي إلى وضع أسوأ من ذلك بكثير, إذ أن الباب ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات السياسية والاقتصادية والعسكرية دون أدنى ريب.

لقد عانى الشعب العراقي بكل قومياته وأتباع أديانه ومذاهبه الدينية من سياسات صدام حسين ومن الحروب الداخلية والخارجية ومن الإرهاب والقمع ومن الحصار الدولي. وتسبب كل ذلك في فقدان أكثر من مليون إنسان من الشهداء والقتلى, إضافة إلى نصف مليون بين جريح ومعوق, وأكثر من ثلاثة ملايين مهاجر صوب الخارج. ثم كانت الحرب التي عمقت كل ذلك والتي يواجه العراق اليوم الكثير من المشكلات رغم خلاصه من المستبد بأمره ومن طغمته الحاكمة وجلاوزته الجلادين.

فهل سينتظر الشعب الإيراني أوضاعاً مماثلة بسبب سياسات النظام الإيراني الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والتسلح المتنامي, وتفاقم الفساد المالي والإداري ومعاداة العالم كله تقريبا لهذا النظام الشمولي والطائفيً.

نعم, يمكن أن ينتظر الشعب الإيراني كل ذلك, بل وأكثر من ذلك. وستكون كارثة كبيرة على شعوب المنطقة بأسرها, وهو ما يفترض إيقافه من خلال منع إيران من التصرف بدون مسؤولية إزاء شعبها وشعوب المنطقة وإزاء السلام. إن من حق إيران أن تمتلك الطاقة النووية واستخدامها للأغراض السلمية, ولكن ليس من حقها في إطار الأوضاع العالمية الراهنة أن تمتلك السلاح النووي, وهي إرادة المجتمع الدولي وإرادة غالبية شعوب العالم. وعلى المجتمع الدولي والرأي العام العالمي أن يعملا من أجل أن تتخلص منطقة الشرق الأوسط كلها من أخطار وجود كافة أسلحة الدمار الشامل فيها, ومنها دولة إسرائيل. ولكي يتحقق ذلك, على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إيجاد حلول عاجلة وسليمة وعادلة للمسألة الفلسطينية ووضع نظام أمني دولي يشمل منطقة الشرق الأوسط كلها, بما فيها إسرائيل, إذ يفترض أن يطالب العالم كله بالعمل من أجل نزع جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية, بما فيها السلاح النووي.

إن مشكلات إيران الداخلية كبيرة وكبيرة جداً, سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم علاقات بين القوميات أم الحياة الثقافية أم العسكرية, إذ أن مستوى الفقر وعدد الفقراء في ارتفاع وكذا عدد المناهضين لسياسات أحمدي نجاد, كما أن صراعاً محتدماً يدور بين مراكز القوة العسكرية, بين قيادة الحرس الثوري وقيادة الجيش, ودور كل منهما في الحياة السياسية والعسكرية الإيرانية, ويتفاقم أيضاً الصراع يومياً بين مراكز القوة الدينية, وخاصة بين المحافظين المتطرفين والإصلاحيين. بين الحوزة الدينية في قم, ومعها حوزات دينية أخرى من ناحية, وبين المرشد المستبد بأمره علي خامنئي من ناحية ثانية.

وخلال العقود الثلاثة المنصرمة منذ انتصار الثورة الإيرانية في العام 1979 تبلورت في إيران قوى سياسية معارضة من داخل المؤسسة الحاكمة ومن أقرب الناس إلى مؤسس الدولة الإسلامية في إيران آية الله العظمى روح الله الخميني ومن وقف إلى جانب ترشيح وانتخاب علي خامنئي لمنصب المرشد الأعلى, إضافة إلى القوى الديمقراطية والعلمانية التي هي بالضد من استمرار وجود دولة دينية ثيوقراطية شيعية متطرفة, إضافة إلى تلك القوى المتزايدة المطالبة بحقوقها القومية المشروعة والمصادرة من جانب حكومة الأكثرية الفارسية. إن هذه القوى ستبقى تناضل من أجل التغيير وحظوظها لم تعد ضعيفة جداً أو بعيدة المنال, ولكنها بحاجة إلى دعم وتأييد واستمرارية العمل في المعارضة وتوسيع قاعدتها الشعبية على أساس المهمات الراهنة التي تستوجب النضال ودعم الناس لتحقيقها. كما تحتاج إلى دعم الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي.

إن الفترة القادمة ستؤكد بما لا يقبل الشك بأن قوى المعارضة السياسية والقومية والذين يعانون من مصاعب اقتصادية ستمارس مزيداً من النشاطات المناهضة للحكومة الإيرانية الراهنة وهي بالتالي ضد علي خامنئي في آن واحد.

وتشكل علاقات إيران مع دول الجوار ومنطقة الشرق الأوسط أهمية خاصة في تأثيرها على العلاقات الدولية من جهة, وعلى العلاقات الداخلية من جهة أخرى. فإيران لم تكف حتى الآن, بل شددت من تدخلها في الشأن الداخلي للعراق ولبنان ودول الخليج واليمن والسعودية وكذلك في مصر والأردن, إضافة إلى تأثيرها المباشر على سوريا بسبب الدعم المالي السنوي الذي تقدمه إيران لسوريا بعد أن توقف تقريباً الدعم السعودي. وشعوب هذه الدول, وخاصة العراق ولبنان وفلسطين (وبشكل خاص غزة), تعاني من هذا التدخل الفظ, إذ أنه يتضمن إرسال الانتحاريين والسلاح والأموال وفتح الحدود أمام المتسللين أو التعاون مع سوريا لإيصال مثل هذه المساعدات. كما تمارس إيران لعبة خطرة في العراق من خلال قطع مياه نهري الكارون وكرخة عن الوصول إلى جنوب العراق وما تعانيه البصرة من جراء هذه السياسة اللعينة التي تريد فرض إرادتها على الحكومة العراقية والساسة العراقيين.

إن حكومة إيران تزيد من تدخلها الفظ في الشؤون العراقية, خاصة وأن العراق مقبل على انتخابات عامة قريبة تريدها حكومة إيران أن تكون نتائجها لصالحها, وهو ما يفترض التصدي له ومنع وقوعه, كما حصل في الفترات السابقة.

يمكن أن تكون إيران مقبلة على مرحلة جديدة تضع الدولة الدينية كلها على كف عفريت, إنها الدولة الضالة حقاً, إنها الخروف الأسود في القطيع الأبيض. ومثل هذا النظام لا يمكن أن يدوم طويلاً في أجواء وحضارة القرن الحادي والعشرين, في عصر الثورة العلمية والتقنية, عصر الأنفوميديا.

إذا أراد الحكام أن ينقذوا الشعوب الإيرانية من مخاطر جدية محتملة, فما عليهم إلا أن يتعاونوا مع الأمم المتحدة ولجنة الطاقة الدولية ويكفوا عن لعبة كسب الوقت مع المجتمع الدولي وأن لا يحثوا الخطى على طريق تشديد الصراع وتحويله إلى نزاع سياسي مسلح يحرق الأخضر واليابس في آن واحد, كما فعل صدام حسين وانتهى إلى ذلك المصير الأسود هو وطغمته الظالمة.



30/9/2009
 

 

 

 

free web counter