| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الخميس 7/2/ 2008



8 شباط المشئوم وكوارث العراق المتواصلة!

كاظم حبيب

كانت البداية حين رفع شعار الوحدة العربية بين العراق ومصر وسوريا , في وقت لم تكن هناك أرضية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية صالحة لأي وحدة عربية من جهة , وفي بلد متعدد القوميات لا يمكن أن تتحقق أي وحدة فيه دون الأخذ بالاعتبار هذا الواقع القومي المتعدد وحقوق القوميات فيه من جهة أخرى. وكان رد الفعل أن رفع شعار الاتحاد الفيدرالي بديلاً عن شعار الوحدة غير الممكنة. ولم تكن هناك أرضية فعلية صالحة لتحقيق شعار الاتحاد الفيدرالي بين بلدان لا تزال تعاني من مشكلات كبيرة وأوضاع لا تساعدها على النهوض بأعباء مثل هذه الوحدة أو الاتحاد , رغم أن شعار الاتحاد الذي رفعه الشيوعيون والديمقراطيون والمستقلون كان أقرب إلى الواقع من شعار الوحدة الفورية التي نادى بها البعثيون والقوميون العرب الذي أجج وأذكى الصراع السياسي في العراق وفسح في المجال لتدخل خارجي في الشأن العراقي , وخاصة بين الدول العربية ودول الجوار وتلك القوى الدولية التي كان من مصلحتها إشاعة الفوضى في البلاد والخلاص من الوضع الجديد.
لم يقتصر هذا الخلاف السياسي على توتر العلاقات في ما بين الأحزاب السياسية العراقية التي شكلت جبهة الاتحاد الوطني وتلك التي شاركت في حكومة عبد الكريم قاسم الأولى حسب , بل امتد إلى القوى العسكرية التي فجرت الانتفاضة العسكرية في الرابع عشر من تموز من العام 1958 من جهة , وإلى الشارع العراقي ليجر إليه جماهير شعبية واسعة من جهة أخرى , مما ساهم في تعقيد أكبر في العملية السياسية كلها. وكانت حصيلة ذلك الصراع والفوضى بعد أن اختلطت الأوراق وتشبث العسكريون بالسلطة ورفضوا العودة إلى معسكراتهم والسماح للقوى المدنية إيجاد حلول عملية من خلال دستور جديد وانتخابات عامة ...الخ. ولعب البعثيون والقوميون اليمينيون دورهم في التأثير على سياسة حكومة قاسم فاتخذت إجراءات سياسية غير عقلانية كرد فعل لسياسات بعض الأحزاب غير العقلانية أيضاً. فتراجعت الحريات الديمقراطية وتعطلت الحياة الحزبية ورفضت السلطة الاستجابة لحقوق الشعب الكردي وبدأت المعارك في كُردستان بشن القوات الحكومية عمليات عسكرية ضد مواقع قوات البيشمركة ومناطق البارزانيين مما قاد إلى انطلاق الانتفاضة الكردية المسلحة (ثورة ايلول 1961) ضد سياسات قاسم. لقد اختلطت الأوراق حقاً وسادت السياسات الفردية لعبد الكريم قاسم وبدأت حملة اعتقالات ضد كل الذين ناضلوا من أجل "الديمقراطية للعراق والسلام لكُردستان" ومهدت الأرضية الصالحة لانقلاب الثامن من شباط من العام 1963 حيث سقطت الجمهورية العراقية الأولى ونهضت على أنقاضها جمهورية البعث الفاشية من حيث مضمونها وأساليب ممارساتها السياسية والأمنية والعسكرية. لقد تضافرت جهود قوى كثيرة داخلية وإقليمية ودولية لتساهم في ضرب الجمهورية الأولى.
إن وطنية عبد الكريم قاسم لم تساعده على وضع استراتيجية واضحة وسياسات تكتيكية فعالة , بل راح يصارع الجميع , يصارع القوى الديمقراطية والقوى القومية اليمينية والبعثية والرجعية , ولكن جهازه الأمني كان خاضعا للقوى القومية والبعثية والرجعية , وكان يصارع الحركة التحررية الكردية التي كانت تطالب بحقوقها المشروعة , ويصارع شركات النفط الأجنبية التي كان يريد تعبئة الناس حوله لمواجهتها ووضع النفط تدريجياً في أيدي الدولة العراقية , في حين حرم الشعب من الحريات الديمقراطية وفرص التعبئة ومواجهة الأحداث , وراح يصارع الفلاحين الذين كانوا يطالبون بحقوقهم وتوفير مستلزمات تطبيق قانون الإصلاح الزراعي , في حين كانت أجهزة الإدارة تقف إلى جانب كبار الملاكين الزراعيين واصطفت معهم المؤسسات الدينية وشخصيات دينية بارزة , كما أن وعي الأحزاب السياسية الوطنية لم يكن قد ارتقى إلى المستوى الذي يسهم في تجاوز تلك الصعاب والصراعات.
لم يكن سقوط الجمهورية الأولى اعتيادياً بل اقترن بعمليات إجرامية دموية لا مثيل لها في تاريخ العراق الحديث. لقد اقترنت باعتقال الآلاف من الموطنين , إضافة على مجموعة كبيرة من المواطنات ومورس التعذيب حتى الموت وقتل المئات من المناضلين العراقيين بإحكام أو دون أحكام. لقد كان الشيوعيون والديمقراطيون وأتباع عبد الكريم قاسم والمستقلون من مختلف القوميات هم الضحايا المباشرة لهذا الانقلاب الدموي , وفي ما بعد شن النظام حربه الدموية ضد الحركة التحررية الكردية وقوات الپیشمرگه , التي ساهمت بدورها في وقوع خسائر فادحة , ولكنها قربت بدورها من نهاية نظام البعث الأول ليقفز إلى السلطة حليف البعث السياسي والعسكري , الجماعات القومية اليمينية التي تشبثت بالناصرية , وخاصة أتباع عبد السلام محمد عارف. ولم يحقق القوميون وقبلهم البعثيون حين وصلوا إلى السلطة الوحدة التي رفعوا شعاراتها زوراً قبل ذاك , كما انهارت الوحدة التي قامت حينذاك بين مصر وسوريا.
نحن أمام الذكرى الخامسة والأربعين لانقلاب شباط الدموي وعواقبه الوخيمة التي حلت بالعراقيين. وكرر البعث تجربة الحكم ثانية في انقلاب 17 تموز 1968 وكانت الكارثة أعظم والعواقب أوخم على البلاد والشعب ومكوناته القومية. فقد مارس البعث في دورة حكمه الثانية سياسات فاشية وعنصرية وشوفينية وطائفية وسياسات حربية عدوانية نحو الداخل والخارج , تذكرنا على الأقل بالأنفال في كردستان وحلبجة والأهوار وكوارث الكرد الفيلية وعرب الجنوب والوسط وعمليات التعريب والتهجير القسري زالقبور الجماعية , وتذكرنا بالحرب الطويلة مع إيران وغزو الكويت وحرب الخليج الثانية والحصار الاقتصادي وحب الخليج الثالثة وما ارتبط بها من عواقب لا نزال نعيش عواقبها حتى الآن. وهي الذكرى التي تفرض على الجميع دون استثناء الاستفادة من تلك الدروس التي كلفت الشعب غالياً لحاضر العراق ومستقبله ومستقبل شعبه. نحن أمام جملة من الحقائق التي يفترض أن نأخذها بنظر الاعتبار حين نفكر بحاضر ومستقبل العراق , ومنها:
1. لا يمكن أن يبقى البعث كما كان عليه حين جاء إلى السلطة في المرة الأولى والثانية , ولا بد له أن يتغير ليصبح حزباً قومياً طبيعياً وليس فاشياً كما عاشه العراق طوال عقود. فعلى أعضائه من غير القيادة التي لطخت أيديها بدماء العراقيين أن تعيد النظر بكامل نهجها وتركتها الثقيلة وتراثها غير النظيف والشوفيني.
2. لا يمكن للعراق أن يتقدم خطوات نحو الأمام دون أن تعيد كل الأحزاب السياسية العراقية النظر ببرامجها وتخلصها من أي عناصر تتجلى فيها ذهنية الاستبداد والهيمنة والفردية ورفض الآخر أو رف5ض الحقوق القومية أو فيه الشوفينية والعنصرية والطائفية التي تتعارض مع الحرية والديمقراطية
3. لا يمكن لهذا العراق أن يستقر ويتقدم خطوات نحو الأمام دون أن تسوده الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
4. كما لا يمكن أن يحكم العراق من دون دستور ديمقراطي اتحادي يكرس مبادئ دولة القانون الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول الديمقراطي للسلطة في مجتمع مدني وليس دولة دينية , كما لا يمكن أن يحكم من حزب واحد أو قوة واحدة بل لا بد أن يكون عبر تحالفات سياسية ولفترة غير قصيرة قادمة.
5. ولا يمكن تجاهل حقيقة وجود أكثر من قومية في العراق فهناك القومية العربية , ومن ثم القومية الكردية في كُردستان العراق مع وجود القومية التركمانية معها في كركوك , ووجود الكلدان والآشوريين في كُردستان وفي الموصل وبغداد والبصرة , رغم ما لحقهم من تشريد وتهجير وقتل في جنوب العراق وبغداد.
6. كما لا يمكن أن يحكم العراق بالعنف والقوة بأي حال , بل لا بد من معالجة المشكلات القائمة بالطرق السلمية التفاوضية وبآليات ديمقراطية.
7. ولا يمكن للعراق أن يحكم من طائفة مذهبية أو دينية واحدة , فهو بلد متعدد الأديان والمذاهب , ولهذا فلا بد أن تكف الطائفية السياسية عن دورها الراهن , بل يكون المواطنة والمواطن هما الأساس في مسيرة الدولة العراقية الاتحادية بدلاً من مسيرات عرقية وطائفية مارسها النظام السابق بأبشع صورها وكانت الحصيلة الحروب الداخلية و الخارجية وخسارة ما يزيد عن مليون ونصف المليون إنسان خلال حكم البعث الثاني في العراق.
8. ولا يمكن أن تعالج مشكلات العراق مع وجود الإرهاب , إلا أن القضاء على الإرهاب يتطلب الاتفاق على قواسم مشتركة في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ...الخ.
9. كما لا بد , وبعد تطهير العراق من الإرهابيين والعمليات الإرهابية وتحقيق الاستقرار واستكمال بناء القوات العسكرية العراقية بشكل مناسب , من وضع جدول زمني لخروج القات الأجنبية من العراق واستكمال الاستقلال والسيادة الوطنية.
فهل سنكون أوفياء للضحايا التي سقطت في عقود حكم البعث والقوى القومية الشوفينية على امتداد الفترات السابقة وما سقط خلال الأعوام المنصرمة بعد سقوط نظام صدام حسين الدموي. حتى الآن لا نعيش تجربة طيبة , بل يؤكد ضعف الاستفادة من تلك التجربة , فهل نأمل أن يتحقق ذلك خلال الفترة الراهنة والقادمة؟ هذا ما نريده ونأمل أن يتحقق لصالح المجتمع العراقي بكل مكوناته القومية وبعيداً عن الشوفينية والطائفية والاستبداد والتعصب الديني.


7-8/2/2008

 


 

Counters