| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الثلاثاء 6/11/ 2007



الفعل ورد الفعل في حالة الشعب الكردي في تركيا

كاظم حبيب

يزودنا علم الفيزياء بقوانين ذات أهمية فائقة , ومنها قانون نيوتن الثالث الخاص بالفعل ورد الفعل. فهذا القانون الشهير يشير إلى أن قوة فعل (أ) تساوي قوة رد فعل (ب). وكلما ازداد زخم الفعل (أ) , ازداد بنفس الزخم رد الفعل (ب). وهو قانون آخر معروف حول كمية الحركة. فهل يمكن ملاحظة ذلك في فعل ورد فعل الإنسان والقوى والجماعات والمجتمعات أيضاً؟ تجارب ودروس التاريخ تؤكد حقيقة تجليات الفعل ورد الفعل في سلوك الإنسان والجماعات والمجتمعات. وليست الانتفاضات والثورات وما يقترن بها في غالب الأحيان من عنف ودماء سوى شهادة على شدة فعل الاضطهاد الذي واجهه هذا المجتمع أو ذاك من جانب السلطات الحاكمة. وهنا يمكننا إيراد نموذج العلاقة بين الدولة التركية والشعب الكردي في إقليم كُردستان تركيا. كما يمكن متابعة ذلك في موقف الشعب الكردي من النظام البعثي الدموي أو موقف بقية الأحزاب السياسية العراقية التي ناهضت نظام صدام حسين, وخاصة الأحزاب الإسلامية السياسية الذي يتجلى في قانون اجتثاث البعث مثلاً.
تميزت سياسية الحكومات التركية المتعاقبة منذ ولادة الدولة التركية الجديدة في العام 1923 إزاء الشعب الكردي في تركيا بخمس سمات أساسية, وهي:
1 . رفض الاعتراف بوجود شعب كردي له قوميته ولغته الخاصة وثقافته الخاصة وتاريخه وعاداته وتقاليده وتراثه والمنطقة الجغرافية التي يعيش فيها. وهذا يعني أن الدولة التركية تعتبر الكُرد تركاً, شاء الكُرد ذلك أم أبوا, فهي تعمل على قاعدة الصيادين الذي قال القوي منه للآخر الضعيف بعد أن اصطاداً أرنباً وغزالاً "تريد أرنباً, خذ أرنباً, تريد غزالاً خذ أرنباً", فأنت أيها الكُردي تركي في كل الأحوال!
2 . وانسجاماً مع هذا الموقف العام لا يحق للكُرد أن يطلقوا عل أنفسهم أنهم كُرد وأن لا يتحدثوا بلغتهم أو أن تكون لهم ثقافتهم وتراثهم وعاداتهم , فهم ترك مئة بالمئة وبالرغم منهم!
3 . مواجهة مطالب الشعب الكردي في إقليم كُردستان تركيا على امتداد القرن العشرين, أو منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة (1923), دع عنك الفترات السابقة في ظل الدولة العثمانية التي كانت هي الأخرى بشعة على الجميع, بالحديد والنار, بالعنف الدموي والسجون والتعذيب الوحشي والقتل لأي مطلب يطرح من جانب الجماعات الكُردية السياسية وحالما يشم فيه أو منه رائحة كُردية.
4 . ورغم اعتبار الإنسان الكُردي فرداً تركياً والمنطقة الكُردية منطقة تركية, أهملت المنطقة الكُردية وتركت بدون تنمية وإعمار وتخلف شديد مما أعطى الإنسان الكُردي المُتترك بالرغم منه بوجود تمييز صارخ ضده وضد شعبه وضد منطقته.
5 . التشابك غير العقلاني بين القومية التركية والدين الإسلامي واعتبار كل الأقوام القاطنة في تركيا هم أتراك بمن فيهم عرب الاسكندرونة السورية التي أصبحت جزءاً من تركيا في التقسيم الدولي للمنطقة مثلاً.
إن هذا التعصب لا يمكن أن يطلق عليه غير كونه شوفينية شرسة ومدمرة وتقود إلى عواقب وخيمة للضحية بشكل خاص ولكن يعاني منها شعب الجلاد أيضاً. وخلال الحكم التركي الجديد برزت الكثير من الحركات السياسية والانتفاضات الشعبية في إقليم كُردستان تركيا التي كانت تطالب بالحقوق القومية العادلة. وكان الكثير من تلك الحركات سلمياً وبعيداً عن حمل السلاح. ولكن الحكومة التركية جابهت كل ذلك بالحديد والنار, وكان الموت نصيب من يتجرأ على القول بأنه كردي ويناضل في سبيل حقوق شعبه القومية.
ولم يجد المواطن الكردي السياسي الذي يطالب بحقوقه أي فرق بين أن يحمل السلاح ويناضل في سبيل مطالب شعبه وبين أن يناضل بطرق سلمية وديمقراطية, إذ أن المجابهة كانت في الحالتين استخدام القوة العسكرية والسلاح والقتل الواسع النطاق على أيدي الجندرمة التركية أو على أيدي السجانين المتوحشين في السجون التركية التي كانت ولا تزال لا تختلف كثيراً عن سجون الدولة العثمانية في أوضاعها وأساليب تعذيبها.
كلنا يعرف بأن الضغط عندما يشتد ويشتد يولد الانفجار. لقد طفح الكيل واستولى الإحباط على الشعب الكردي وعلى الجماعات السياسية في قدرتها على تحقيق مصالحها وحقوقها بالطرق السلمية, فالظلم في تعاظم والاضطهاد في تفاقم والتمييز في اشتداد, فما العمل؟ لم تجد قوى سياسية كردية غير قليلة بأن الحل الوحيد أمامها هو حمل السلاح, إذ أن الموت يطاردها في كل الأحوال, فالموت وبيدها السلاح دفاعاً عن حقوقها وحقوق شعبها يبقى أفضل من الموت تحت التعذيب على أيدي سجانين أوباش لا تعرف قلوبهم الرحمة أو على أيدي الجندرمة التركية التي تقتل الكُردي وتنهب جيبه وبيته في آن واحد. بدأت هذه الحركات السياسية في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات. وكان بين هذه الحركات حزب العمال الكردستاني الذي حمل السلاح وتبنى شعارات يسارية ماركسية أو ماوية وقف على رأسها عبد الله أوجلان. مارس هذا الحزب الكفاح المسلح ضد الحكومة والقوات التركية, تماماً كما فعل الشعب الكردي وقواه السياسية في العراق وإيران في مواجهة الحكومتين الرجعيتين في البلدين. وتماماً كما فعل حزب الدعوة والمجلس الأعلى والحزب الشيوعي العراقي, وقبل ذاك الأحزاب الكردية دون استثناء, في النضال ضد نظام صدام حسين, رغم الفارق الموجود في فكر وسياسات وممارسات هذه القوى. وعلينا أن نتذكر بأن القوى العراقية قد وجدت في فترات مختلفة من الأرض الإيرانية ملاذاً لها , أو حتى الأرض التركية موقعاً لاستقرارها أو ممراً لعبورها والانطلاق في نضالها ضد الحكم في بلدها المستباح من قبل الدكتاتورية.
أسوق هذا الواقع لكي أنبه بأن علينا لا رمي النمر الجريح والمطوق بمزيد من السهام للإجهاز عليه, إذ يمكن أن يكون رد الفعل شديداً وغير محسوب العواقب. أسوق هذا الواقع لكي أقول إلى السيد المالكي والسيد الدباغ, بأن الدكتاتور صدام حسين أطلق على جماعة الدجيل التي حاولت اغتياله وحزب الدعوة بخونة الشعب العراقي وعملاء إيران. وأذكر المجلس الأعلى بأنهم كانوا يكافحون من الأرض الإيرانية وكانوا يتسلمون أموالهم وأسلحتهم من إيران أيضاً. أسوق هذا لكي أذكر بعض القوى الكُردية أيضاً بأن النضال لا يعرف الحدود, وخاصة النضال الأنصاري لا بسبب رغبة الأنصار في التنقل بين الحدود, بل بسبب المعاناة الشديدة.
لقد كان رد الفعل الكُردي غير مساو تماماً للفعل, لقد كان أقل منه بكثير. ومع ذلك فقد أجبر الحكومة التركية على الاعتراف بوجود كُرد ولكنها لم تعترف بوجود شعب كُردي أو قومية كردية, ومنحت حق الحديث بالكردية ولكن ليس التعليم بها. تصوروا ذلك ونحن في أوائل القرن الحادي والعشرين. إنها المأساة والملهاة في آن , وهي لا تختلف عن مهزلة الصين الشعبية في رفض منحها شعب التبت الحكم الذاتي الذي يطالب به في إطار الدولة الصينية!
لم أكن يوماً من مؤيدي أساليب الكفاح التي مارسها حزب العمال الكردستاني, إذ وجدت في بعضها تجاوزاً وابتعاداً عن العملية النضالية وانتقدت ذلك بصراحة وفي أكثر من لقاء مع قادة وكوادر هذا الحزب أو في أكثر من مقال ومقابلة تلفزيونية. كما وجدت وجودهم الكثير أو تدخلهم في الشأن الكردستاني العراقي في التسعينات من القرن الماضي أو تحريضهم على التظاهر تجاوزاً غير مسموح به, كما رفضت في حينها أساليب تعاملهم مع القرى الكردستانية التي كانت لا تقدم الدعم لهم.
لقد طالبت حزب العمال الكردستاني أن يكف عن استخدام السلاح وأن يتحول صوب النضال السلمي الديمقراطي. أدرك تماماً مدى صعوبة هذا التحول, خاصة في دولة تركية لا تريد ولا تسمح حتى بمثل هذا التحول. أدرك إن فعل العنف ما يزال مستمراً من جانب الدولة التركية, وبالتالي فرد الفعل متوقعاً ويمكن أن يكون عنيفاً أيضاً, ومع ذلك طالبتهم بدراسة الأمر إذ أن الوضع المحلي والإقليمي والدولي يتطلب ذلك. ولكن وأنا أطالبهم بذلك, كنت وما زلت أطالب الحكومة التركية بالاعتراف بوجود هذا الشعب الكردي في إقليم كُردستان تركيا, الاعتراف بحقوقه القومية, بحقه في تقرير مصيره و بحقوقه الإدارية والثقافية, والكف عن التمييز والملاحقة وفسح المجال للتحول صوب النضال السلمي والديمقراطي والانتخابي.
ولكن الغريب أن السيد المالكي توعد بمطاردة أعضاء حزب العمال الكردستاني أينما كانوا دون أن يتحدث ولو بكلمة واحدة عن أهمية اعتراف تركيا بحقوق هذا الشعب لمعالجة المشكلة جذرياً, كما هو الحال في العراق وتنمر عليهم الدباغ أيضاً. هذه المواقف تخيفني وتدفعني إلى التفكير بأصل موقف القوى الإسلامية السياسية من النضال القومي للشعوب, هذا الموقف الذي يتميز برفض الاعتراف بالقوميات في الإسلام ويعتبرهم أمة واحدة ويتصدى لنضال القوى السياسية في سبيل حق تقرير المصير والحقوق القومية العادلة دون استثناء, وأن موقف القوى الإسلامية السياسية العراقية يمكن أن يتحول إلى موقف آخر إزاء القومية الكردية في العراق في حالة حصول تغير في ميزان القوى في الداخل وعلى صعيد المنطقة. أنبه إلى ذلك منذ الآن وأتمنى أن لا يحصل ذلك, ولكن النيات الحسنة غالباً ما تقود الإنسان إلى جهنم!
في لقاء مع السيد رئيس وزراء كردستان نيجرفان بارزاني في العام 2002 نبهت إلى إشكالية كبيرة بحضور الصديق السيد فلك الديم كاكائي, إذ قلت في حينها أن العلاقات بين الدول تقوم على المصالح وليس على الصداقات وأن التحالف الأمريكي الكردي أو تحالف الحكومة المركزية في بغداد مع الولايات المتحدة للأهداف معينة يمكن بعد إسقاط النظام الدكتاتوري يمكن أن يقود إلى عواقب في غير صالح الشعب الكُردي في العراق ولا بد من الانتباه إلى ذلك منذ الآن. أذكر بذلك في ضوء ما يحصل اليوم في المنطقة من تحالفات.
إذ علينا أن ننتبه إلى التحالفات التي حصلت في المنطقة لمواجهة حزب العمال الكردستاني ابتداءً من تركيا ومروراً بسوريا والعراق وإيران وتحت الخيمة الأمريكية. واحتمال نشوء تحالفات أخرى ضد قوى كردية أخرى في المنطقة في حالات معينة أخرى لا استثني بعض القوى العربية القومية والإسلامية السياسية في العراق منها وتحت ذات الخيمة الأمريكية, فالعلاقة بين الدول لا تقوم على الحب والصداقة, بل على المصالح. إن الإنسان العاقل يستطيع أن يميز طبيعة وأسباب وعوامل ممارسة سياسة الكيل بمكيالين, ومنها سياسة الولايات المتحدة إزاء القضية الكردية في العراق وإزاء القضية الكردية في تركيا. أنبه لكي لا تكون سياساتنا قصيرة النظر أو لا تبتعد كثيراً عن أرنبة أنوفنا.
لا شك في أن على قيادة حزب العمال الكردستاني لا أن تعي طبيعة المرحلة وخصائصها وسبل الكفاح الممكنة فيها حسب, بل وأن تراعي وضع إقليم وحكومة وقوى التحالف الكُردستاني في المرحلة الراهنة المحاطة بالأعداء, ولها قلة من الأصدقاء أولاً, وأن تراعي وضع العراق الذي أغرق بالدم خلال الفترة التي أعقبت سقوط الدكتاتورية في العراق والقوى الإرهابية التي تمارس شتى الأساليب لقتل الشعب وتأجيج الصراعات القومية والدينية والطائفية ثانياً, وضعف الحكومة العراقية في قدرتها على مواجهة اعتداءات تركيا والتحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وتركيا, فهي الحليف الأفضل بعد إسرائيل في المنطقة ثالثاً, وأن تراعي طبيعة مختلف القوى الحاكمة في العراق وسياساتها رابعاً. فمن غير المعقول أن يخرج علينا المسئول العسكري لقوات حزب العمال الكردستاني في قناة الفضائية العربية والتلفزيون الألماني متبجحاً ويتحدى العالم كله بكونه يعمل على أرض العراق, وأن له قوات على هذه الأرض وأنه لن يخرج منها وسيبقى يمارس النضال منها ومن الأراضي التركية. فهذا التحدي تعبير عن هروب إلى أمام وعن عجز في استيعاب الواقع القائم في العراق والمنطقة والمخاطر المحيطة بإقليم كُردستان العراق من قوى غير صديقة في كل الأحوال. إن هذا الأسلوب لا يعرض قواه الذاتية إلى مخاطر جدية وحصار حقيقي, بل ويعرض المنطقة كلها إلى مشكلات إضافية لا يتحملها الوضع العراقي والكُردستاني العراقي حالياً.

6/11/2007
 


 

Counters