موقع الناس     http://al-nnas.com/

كلمة حق يراد بها باطل! (أو) صدام حسين ودموع التماسيح على أحداث العراق الراهنة!

 

كاظم حبيب

الخميس 6/4/ 2006

كم بدا "القائد المغوار" و"بطل العروبة التاريخي" و"القائد الضرورة" والـ "حفظه الله!" غبياً وجباناً ومخاتلاً, رغم محاولته الظهر بمظهر الواثق من نفسه والشجاع والمستهين بالمحكمة, عندما تنكر لأفعاله القبيحة وأنكر كل الوثائق الصادرة عن مكتبه أو تلك الجرائم التي ارتكبت في عهده الاستبدادي المظلم في العراق. وكم بدا هذا الشقاوة السادي, الذي ساهم في محاولة اغتيال جبانة ضد قائد ثورة 14 تموز 1958, عبد الكريم قاسم, قبيحاً وكاذباً ومراوغاً حين أنكر توقيعه على الكتب الرسمية أو التعليقات التي سجلها على كتب رسمية يعلن فيها موافقته على جملة من عمليات الإعدام والقبول بقتل 66 شخصاً من ضحايا الدجيلة أثناء التحقيق معهم, وكم بدا فاقداًُ لكل مصداقية وبائساً عندما أنكر معرفته بوجود 34 صبياً ضمن الذين حكم عليهم بالإعدام لم تتجاوز أعمارهم سن الرشد, وهي مخالفة صريحة للقوانين التي كان معمولاً بها في العراق حتى في فترة وجوده على رأس السلطة المطلقة الدموية.
وكم بدا مستهجناً هذا المستبد المدعو صدام حسين الذي وقف يدافع عن القتلى العراقيين المرميين في شوارع بغداد وكأنهم كلاب, كما قال, ومتأسفاً عليهم ونسى أن عصاباته البعثية الدموية هي التي تمارس ذلك أيضاً, إضافة إلى الأفعال المنكرة لقوى الإرهاب السلفية من عصابات الزرقاوي والظواهري وبن لادن وأنصار الإسلام السنة الكرد وغيرهم, إضافة إلى الجرائم المتبادلة بين المليشيات الطائفية المسلحة في العراق. لقد نسى هذا الرعديد كم عدد الضحايا التي ألقيت في عهده في نهر دجلة أو على قارعة الطريق على جانبي القناة ببغداد, أو كم عدد الضحايا الذين دفنوا أحياءً في المقابر الجماعية في مواقع كثيرة جداً من ارض العراق. لقد قال كلمة حق حين تباكى على العراقيين الذين يقتلون الآن, وهي دموع التماسيح أولاً وكلمة حق يراد بها باطل أصلاً, لأنه مارسها عبر أجهزته القمعية
كم كان محامو الدفاع, الذين هيجتهم الوثائق الكثيرة التي تدين الدكتاتور, ساخطين غاضبين على المحكمة والحاكم والمدعي العام, حين فقدت السيدة اللبنانية المحامية بشرى خليل أعصابها وتجاوزت حدود اللياقة والقانون وهي ترفع صورة ضحايا أبو غريب, وكأنها نست كلية ما فعله النظام الدموي في ذات السجون من تعذيب همجي شرس وقتل يومي لسجناء سياسيين ومواطنين كان كل ذنبهم أنهم لم يؤيدوا صدام حسين في سياساته الإجرامية والعسكرية نحو الداخل والخارج. كم كان ضرورياً أن يعرض المدعي العام الماكنة المخصصة لثرم (فرم) لحوم البشر التي صنعت خصيصاً لتستخدمها أجهزة النظام الدموي في قتل الناس العراقيين الأبرياء وهم أحياء في معتقلاته الكثيرة ببغداد, إذ كان اللحم والعظام المفرومة تسقط في مياه دجلة.
كم بدا المتبختر بنفسه بائساً حين حاول أن يدعي إنه كان رؤوفاً رؤوما ورحيماً بالشعب العراقي, وأنه ما كان ليرضى بأي صورة من صور التعذيب أو الإبعاد أو التصفيات الجسدية التي لا يعرف بها ,كما يدعي زوراًُ وبهتاناً, ..الخ ولو عرف بها لأوقفها, ولا يعتقد أن رفاقه الأسوأ منه يقومون بمثل هذه الجرائم البشعة. لقد كان الدكتاتور حريصاً أن لا تفوته شاردة أو واردة في سياسة العراق الأمنية والإعلامية, لقد كان مسؤولاً مباشراًُ عن كل ما كان يجري في العراق وما ينشر, وكان مسؤولاً عن اعتقال أي إنسان في العراق. عندما اعتقلت في عام 1978 من قبل أجهزة الأمن, وجرى التحقيق معي ومورس التعذيب في آن, بعد أن عجزوا عن الوصول إلى أهدافهم الدنيئة في إسقاطي سياسياً, أخبرني وأطلعني مدير الأمن العام حينذاك, الدكتور فاضل البراك, الذي أعدم بعد سنوات, على ورقة كتب عليها 13 فقرة يشير فيها الدكتاتور بخط يده ما ينبغي لأجهزة الأمن أن تمارسه معي خلال وجودي في زنزانة انفرادية في الأمن العامة, وأن لا يطلق سراحي إلا بموافقته. فهل من المعقول أن يتصرف هكذا دكتاتور يهتم بشخص بسيط مثلي, ولا يتخذ كل الإجراءات القمعية التي قيلت في وثائق الاتهام ضد من حاول اغتياله وشمول عشرات آخرين بالقتل لأنهم من أقرباء المتهمين أو المحيطين بهم.
إن المشكلة التي تواجه المحكمة حالياً, وكما أرى, هي أن الادعاء العام لا يتميز بالحيوية والفطنة والمقدرة على استخدام الوثائق التي تحت تصرفه استخداماً واعياً وفعالاً وذكياً. أن هيئة الادعاء العام لا تتسم بالضعف في دراسة أوراق الاتهام وتحضير جيد للمستندات والوثائق وتواريخ الأحداث والأسلوب العقلاني المتميز بطرح القضية وعرضه على المحكمة فحسب, بل أن رئيس هيئة الادعاء العام لا يستطيع استخدام حتى اللغة العربية بصورة سليمة وسلسلة. إنه لأمر محزن حقاً أن لا نجد في العراق مجموعة من المحامين القادرين على القيام بدور الادعاء العام والمتمكنين من مهنتهم وواثقين بنفسهم في مواجهة هذا الدكتاتور.
أملي أن لا يكون اختيار رئيس الادعاء العام قد تم على أساس حزبي ضيق ومذهبي أيضاً كما يجري عادة في عراق اليوم, إذ لا يمكن أن أتصور هذا الدور الضعيف الذي يمارسه رئيس الادعاء العام في المحكمة في مواجهة المتهمين. والضعف الذي أعنيه لا يمت بصلة إلى ممارسة الخشونة أو العنف إزاء المتهمين, بل يفترض استخدام الوثائق والحجج والتحري الجيد عن نقاط الضعف في إفادات المتهمين لمواجهتهم وإحراجهم واكتشاف التناقضات في أقوالهم.
أملي أن نتجنب هذا المطب في المحكمة القادمة الخاصة بعمليات الأنفال الدموية التي يفترض أن تعتبر محاكمة العهد الدموي الصدامي كله لأسباب عدة, منها:
1. إن عمليات ومجازر الأنفال كانت عملية ذات طبيعة عنصرية وتطهير عرقي وضمن مفهوم إبادة الجنس البشري قانوناً.
2. إنها استخدمت أسلحة محرمة دولياً وعلى نطاق واسع في مدينة حلبچة الشهيدة وشعبها الكردي الطيب والآمن.
3. وأنها استهدفت الشعب الكردي واغتالت في عمليات مستمرة طيلة عشرة شهور تقريباً ما يزيد عن 182000 إنسان كردي ومجموعات من الكلد-أشور أيضاً, وكلهم دفنوا في مقابر جماعية شملت أطفالاً ونساءً ورجالاً.
4. وأنها تميزت بالسلب والنهب للقرى والأرياف التي تعرضت لهذه الهجمة الفاشية والعنصرية الدموية.
5. وأن الدكتاتور هجر الآلف من النساء والشيوخ إلى مناطق نائية من العراق ومنها نقرة السلمان حيث عرض المهاجرين إلى شتى صنوف الإهانة والتعذيب ومات الكثير منهم ايضاً بسبب ذلك.
6. وأن هذه الجريمة قررها الدكتاتور صدام حسين, خططت لها أجهزته أمنه واستخباراته العسكرية ونظمتها ونفذتها أجهزة خاصة وقوات من الفيلق الأول في الجيش العراقي وتنظيمات الحزب والمنظمات الشعبية التابعة لحزب النظام, وأن هناك كميات هائلة من الوثائق التي تؤكد ارتكاب هذه الجرائم البشعة والمسؤولين عنها مباشرة.
7. إن المسؤول الأول عن هذه الجرائم هو الدكتاتور صدام حسين, كما أن الموجه والمشرف على التنفيذ وقائد المنطقة السياسي والتنفيذي هو ابن عم الدكتاتور علي حسن المجيد الملقب بـ "علي كيماوي".
8. وأن هناك أناساً كانوا شهوداً على عمليات المحاصرة والتهجير والقتل التي يفترض استخدامها ضد المتهمين.
9. وأن هناك قوى إقليمية ودولية ساهمت في دعم النظام في الوصول والحصول على المواد الأولية لإنتاج أسلحة الدمار الشامل التي يفترض أن تحاسب معه وفي محاكمات لاحقة.
إن الجرائم المرتكبة في حملات الأنفال الهمجية ليست قضية قضائية فحسب, بل هي قضية سياسية أيضاً, إذ أنها جرائم إبادة جنس بشري مع سبق إصرار وتصميم, ولذلك لا يجوز الاقتصار على القتل الذي مورس في كردستان في إطار الأنفال, بل على الفكر الفاشي والذهنية العسكرية والسياسة العدوانية التي كانت تكمن وراء تلك العمليات البشعة. وهي الفرصة الفعلية لفضح الأساس النظري والعملي للنظام البعثي الصدامي في العراق والكشف عن ممارساته كلها وتثقيف الشعب بها, إذ أن أعوان النظام ما زالوا يمارسون القتل في العراق, أو أنهم انضموا إلى مليشيات مسلحة مذهبية سياسية تمارس هي الأخرى القتل ويستخدمها هؤلاء لقتل الناس وإشاعة الفوضى والاحتراب.
إن أهمية قضية الأنفال الموضوعة في عهدة القضاء العراقي يفترض أن يؤخذ في معالجتها المسائل التالية بنظر الاعتبار, منها:
• تشكيل محكمة جديدة يترأسها قاض جديد.
• تشكيل هيئة ادعاء عام جديدة تضم إليها خيرة المحامين العراقيين المتمكنين من مهنتهم والمالكين للفطنة والنباهة والذكاء والقدرة على مواجهة مراوغة المتهمين ومحامي الدفاع بصورة ذكية ومقنعة.
• أن تتم تهيئة الوثائق والمستمسكات مبكراً وتنظم بصورة دقيقة عبر الحاسوب الإلكتروني واستخدام التقنيات الحديثة لعرضها على المتهمين والمحامين والمتفرجين.
• أن تكون الإدانة لثقافة العنف والفكر الفاشي والذهنية العسكرية والسياسات العدوانية التي مارسها النظام خلال الأعوام العجاف ضد القوميات الأخرى وضد أتباع جميع الأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية.
إن أهمية المحاكمة الجديدة تكمن في كونها محاكمة نظام أيضاً وأن تكون درساً فعلياً لكل الحكام الذين يسعون ليكونوا مستبدين أيضاً تحت أي واجهة احتموا بها, وأن تكون مدرسة للشعب لكي يتخلص من أوضاعه الراهنة ويرفض الاستبداد والقسوة والعنف من تفكيره وحياته وممارساته اليومية. إنه درس للأحزاب والقوى السياسية المختلفة ولنا جميعاً ممن يعمل في مجال الفكر والإعلام والصحافة.