| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

السبت 6/2/ 2010

 

ماذا تريد إسرائيل ؟ وإلى اين تدفع بالأمور ؟

كاظم حبيب

يشهد الشعب في إسرائيل, وكذلك الحكومات المتعاقبة, العواقب الوخيمة لسياسة الاحتلال المستمرة منذ العام 1967 على الضفة الغربية وقطاع غزة, إضافة إلى الحصار الراهن المفروض على غزة وكذلك احتلال القدس الشرقية واحتلال مرتفعات الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية, التي أثمرت طريقاً مسدوداً لا يمكنه إنهاء حالة الحرب القائمة فعلياً مع الشعب الفلسطيني والكثير من الدول العربية أولاً, والعواقب الكارثية لهذه السياسة اليمينية الشوفينية المتطرفة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على بروز ظاهرتي السلفية الإسلامية واقترانها بالإرهاب والعنف في الدول العربية وضد إسرائيل التي تمارس العنف والعقوبات الجماعية ضد السكان في ما تبقى من فلسطين, الدولة المنتظرة, ثانياً , إضافة غلى تفاقم دزر القوى العنصرية المتطرفة في إسرائيل ذاتها ودخولها الحكومة اليمينية كما في وزير خارجيتها, ثانياً, وعلى صعيد الدول الإسلامية عموماً, بما في ذلك تركيا التي كانت ترتبط بعلاقات سياسية واقتصادية وعسكرية وثيقة مع إسرائيل ثالثاً, والعزلة الدولية الجديدة التي تواجهها إسرائيل في المرحلة الراهنة بفضل سياسة بنيامين نتنياهو التي ترفض الانسحاب وإيقاف بناء المستوطنات في ما تبقى من فلسطين, أي في الضفة الغربية والقدس الشرقية رابعاً. ولكن هذا الشعب منقسم على نفسه بين مدينتي "نعم" و "لا" حسب تعبير يفتوشنكو في قصيدته البارعة التي ترجمها الدكتور عدنان الظاهر منذ العام 1967.
إن الحكومة الإسرائيلية والكنيست لا يريدان أن يدركا بأن استمرار الحالة على ما هي عليه الآن سوف لن تكون في صالح إسرائيل لا من جانب واحد حسب, بل من عدة جوانب, بما فيه الجانب السكاني أو الديموغرافي, وهو أمر كان المفروض أن لا يفوت على شعب إسرائيل وعلى القوى الديمقراطية وقوى السلام فيها.
لقد أدت سياسة إسرائيل إلى عدة ظواهر سلبية على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967, وهي:
1. إضعاف شديد لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني من خلال عدم التزام إسرائيل بكل المواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والاتفاقيات التي وقعتها مع منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية في أوسلو وفي غيرها في فترة حكم ياسر عرفات وفي فترة الرئيس الفلسطيني الراهن محمود رضا عباس (أبو مازن), وبالتالي فهو إضعاف للرئيسين السابق والراهن أمام أنظار الكثير من بنات وأبناء الشعب الفلسطيني, رغم حرصيهما على إيجاد حل عادل ودائم مع إسرائيل وذلك بوجود دولتين مستقلتين متعاونتين.
2. تعزيز مواقع القوى الإسلامية السياسية المتطرفة وبشكل خاص حماس الجهاد والقناعة لدى الكثير من بنات وأبناء الشعب الفلسطيني بأن إسرائيل غير مستعدة لأي حل سياسي, ولا ينفع معها سوى حمل السلاح والمقاومة المسلحة, وبالتالي أضعفت سياسة إسرائيل القوى المنادية بضرورة الإصرار على حل المسالة الفلسطينية بالطرق السلمية والتفاوضية.
3. تعزيز مواقع العداء لإسرائيل لا على الصعيد العربي, بل وعلى الصعيد الإسلامي, مما يزيد من صعوبة إيجاد أجواء مناسبة للسير قدماً في مفاوضات جادة, إذ أن إسرائيل تعطي الدليل تلو الدليل بأنها غير راغبة عملياً بالتفاوض, دعك من التصريحات التي تدلي بها جمهرة من المتطرفين الإسرائيليين, ومنهم وزير خارجية إسرائيل الراهن. ويفسح هذا في المجال لدولة متطرفة مثل إيران أن تتدخل بالشأن الفلسطيني إلى حد تنظيم انقلاب في غزة ضد السلطة الفلسطينية وحكومة محمود عباس.
4. ورغم تقديم العديد من المبادرات السلمية الإيجابية من جانب الدول العربية, وخاصة مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز أل سعود, فقد جوبهت بالرفض والتعنت الإسرائيلي, مما يجعل من الصعوبة بمكان للحكومات العربية أن تتحدث عن السلام مع إسرائيل أمام شعوبها وهم يرون كيف تتعامل إسرائيل مع القضية الفلسطينية وترفض جميع الحلول السلمية.
إن هذه الوجهة المزدوجة في السياسة الإسرائيلية, وخاصة القوى المتطرفة فيها, تقود إلى مزيد من التطرف في الجانب الفلسطيني وخاصة المنظمات الإسلامية السياسية وبعض القوى القومية التي ترفض الاعتراف بإسرائيل كدولة قائمة وعضو في الأمم المتحدة, لأن إسرائيل دولة محتلة ومعتدية وتمارس العقوبات الجماعية في غزة والضفة الغربية, كما تفرض حصاراً ضد سكانها عملياً وليس ضد حكام غزة.
السؤال المنطقي الذي يفترض أن يطرحه كل إنسان في إسرائيل وفي هذا العالم هو: ماذا تريد إسرائيل؟ هل تريد مصادرة وابتلاع كل فلسطين, في حين أن هناك قراراً صادراً عن مجلس الأمن الدولي يقضي بتقسيمها إلى دولتين وهو لا يزال يحتفظ بحيويته؟ أم تريد أن تزيد من اقتطاع أجزاء أخرى مما تبقى من فلسطين وتقلص نسبة الـ 22 % الراهنة, وهي الآن مليئة بالمستوطنات اليهودية؟ أم تريد السلام وحل الدولتين السلميتين المتجاورتين؟ في الحالتين الأولى والثانية يقود الأمر إلى اختناق إسرائيل ذاتها على المدى المتوسط والطويل دون أدنى شك, في حين أن الموقف الثالث, وهو السلام والحل العادل للقضية الفلسطينية, هو الذي يسهم لا في إيقاف التدهور بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي, بل وإلى إحلال السلام في المنطقة وحل الكثير من المعضلات القائمة حالياً ودحر السلفية والشوفينية وقوى الإرهاب.
إن النزعة القومية اليمينية الشوفينية المتشابكة مع النزعة الدينية المتزمتة, الصهيونية, في إسرائيل شديدة الأثر على السياسة الإسرائيلية الراهنة وعلى مواقفها إزاء الشعب الفلسطيني والعرب عموماً, وستواجه باتجاه قومي شوفيني متطرف متشابك مع نزعة دينية سلفية متزمتة أكثر عنفاً من جانب العرب ما لم يعالج العقلاء في إسرائيل الأمور بطريقة أخرى غير الطريقة الراهنة.
علينا أن نرى الأمور بوضوح ضروري. القوى اليمينية والشوفينية الإسرائيلية لا تريد السلام لأنها تريد كل فلسطين وأنها تسعى في حقيقة الأمر إلى إلغاء الوجود الفلسطيني على أرضه من جهة, ولأن القوى اليمنية الشوفينية العربية, ومنها قوى الإسلام السياسية المتطرفة, هي الأخرى لا تريد السلام مع إسرائيل, لأنها تراهن على الزمن وتريد رمي إسرائيل بالبحر ومسحها من خارطة الشرق الأوسط من جهة ثانية. فهل نبقى نراوح في المكان بما يسهم غلى تدمير المنطقة بسبب هذين الاتجاهين المتطرفين. ألم يحن الوقت للعقلاء في إسرائيل التفكير الهادئ والرصين لما يمكن أن ينشأ من عواقب عن هذه السياسية.
فهل في مقدور الشعب الإسرائيلي أن يدرك مخاطر التوجه اليميني الشوفيني الإسرائيلي المتطرف, وهل في مقدور الشعب الفلسطيني أن يدرك مخاطر توجه حماس والجهاد وعواقبه على القضية الفلسطينية؟ هذا ما يفترض أن يجري العمل عليه من أجل معالجة جادة لحل الدولتين. وقد كان رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية سلام فياض واضحاً وصريحاً وسليماً في طرحه للمشكلة في ندوة على هامش مؤتمر هرتزليا السنوي لهذا العام (2010).
إن إسرائيل, شاءت ذلك أم أبت, ستواجه مشكلة التوازن الديموغرافي بين العرب المسلمين والمسيحيين من جهة, وبين اليهود من جهة أخرى, وهي على المدى البعيد في غير صالح يهود إسرائيل. وهي المشكلة التي برزت بشكل واضح في مناقشات مؤتمر هرتزليا والتي أشار إليها بوضوح أيضاً إيهود باراك, وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي.
إن تطبيق حل الدولتين وفق حدود 1967 وقبل الاحتلال سيؤدي إلى نتائج كبيرة في المنطقة وسيبوش الأرضية التي تعمل عليها إيران حالياً والتي تهدد المنطقة بالكثير من الكوارث والويلات. ويمكن لمصر أن تلعب دوراً كبيراً وملموساً في هذا الصدد, ولكن الأمر الأساس يبقى بيد الولايات المتحدة, راعية وحامية إسرائيل وحليفها الاستراتيجي في المنطقة, وكذلك دول الاتحاد الأوروبي.

 


6/10/2010



 


 

free web counter