| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الجمعة 6/10/ 2006

 



ممارسة حق تقرير المصير للشعب الكردي وتهديد البعض المستمر بالانفصال!

 

كاظم حبيب

كان وما يزال حق تقرير المصير أحد الأهداف الأساسية التي يسعى الشعب الكردي إلى تكريسها في المجتمع في العراق باعتباره أحد الحقوق الأساسية التي يعترف بها المجتمع والقانون الدولي. وفي ثنايا هذا الحق تراوحت المطالبة السياسية في الفترات المنصرمة من نضال الشعب الكردي بين الحكم الذاتي والفيدرالية. ورغم كل المعاناة التي واجهت الشعب الكردي من النظم القومية العربية الشوفينية الحاكمة في العراق لم تطرح القيادات السياسية للشعب الكردي موضوع الانفصال عن القسم العربي من العراق وإقامة دولته الوطنية المستقلة, رغم تأكيدها المستمر على حقها في ممارسة هذا الحق, كمسالة حق ثابت لكل الشعوب. فالحكومات القومية والبعثية, على نحو خاص, لم ترفض هذه الحقوق فحسب, بل مارست الحرب ضده, حتى في الفترة التي كان عبد الكريم قاسم على رأس السلطة ولم يكن قومياً شوفينياً ولكنه كان محبوساً بأوضاع وجد نفسه غير قادر على الخروج منها, كما لم تسعفه ثقافته وروحه العسكرية أن يتخلى عن العنجهية ويقر بحقوق الشعب الكردي كاملة غير منقوصة. وعندما أجبر البعث على إقرار مبدأ الحكم الذاتي قاموا بتشويهه وتفريغ مضامينه والهيمنة على إدارة الحكم الذاتي بعد المؤامرة التي نمها صدام حسين مع شاه إيران في العام 1975. ومع ذلك لم يطرح قادة الكرد موضوعة الانفصال كحل سياسي للقضية الكردية. وهذا لا يعني أن لم تكن هناك جماعات صغيرة أو مثقفين كرد طرحت هذه القضية هنا وهناك وبين فترة وأخرى.
وخلال الفترة الواقعة بين 1991 والوقت الحاضر تسنى للشعب الكردي مرتين أن يمارس حق تقرير المصير بالانفصال وتشكيل دولته الوطنية المستقلة في إقليم كردستان, وأعني بذلك حين انهار النظام الصدامي في كردستان وحصول الحماية الدولية له, ومن ثم حين سقط النظام بفعل الحرب التي خاضتها القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد النظام الدموي في العراق. ولكن القيادات السياسية الكردستانية لم تفعل ذلك, بل اتخذت قراراً في العام 1992 عبر برلمان كردستان بإقامة الفيدرالية في الإقليم. وأكدت ذلك حين عملت على تأكيد الفيدرالية في الدستور الجديد, رغم الخلل في أن الدستور لم يكرس مبدأ حق تقرير المصير نصاً, إذ كان الأفضل أن يحصل ذلك. ومع ذلك فهي ليست مشكلة ما دام الشعب الكردي يعرف أن من حقه ممارسة هذا الحق متى يشاء وبالصيغة التي يراها مناسبة.
وقد حظي الشعب الكردي بتأييد القوى الديمقراطية العراقية على امتداد الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية على نحو خاص, سواء تلك التي اعترفت بكامل الحقوق أو التي أيدت الحكم الذاتي أو الفيدراليةو ولكن القوى اليسارية, وخاصة الحزب الشيوعي العراق, فقد اعترف للشعب الكري بحق تقرير المصير منذ الكونفرنس الثاني الذي عقده هذا الحزب في العام 1956, كما أن الأستاذ عزيز شريف قد اعترف بذلك منذ العام 1947 حين كان على رأس حزب الشعب, وقد أكد ذلك في كراسه المعروف حول القضية الكردية في العراق الصادر في العام 1948/1949.
إن خيار الفيدرالية ضمن الدولة الاتحادية العراقية الديمقراطية الذي اتخذه البرلمان الكردستاني في العام 1992 وفي العام الذي تلي سقوط النظام الاستبدادي ليس بالقرار الخاطئ, بل كان القرار وما يزال صائباً وجاء نتيجة دراسة معمقة وواقعية للأوضاع المحيطة بكردستان وفي المنطقة والعالم وفي إطار المصلحة الكردستانية والعراقية ووفق قاعدة سياسية أساسية تقول ب "أن السياسة فن الممكنات". وهو خيار يُحترم ويُثمن عالياً لأن فيه ضمانات للشعب الكردي ومن أجل سيادة الديمقراطية والمجتمع المدني العقلاني على صعيد العراق من خلال المزيد من التعاون بين القوى الديمقراطية الكردستانية والقوى الديمقراطية العربية وغيرها.
وبما أن الشعب الكردي وقياداته السياسية قد أقرت مبدأ الفيدرالية لكردستان في إطار دولة عراقية فيدرالية ديمقراطية تعددية موحدة, فهل من موجب لأن يخرج علينا بين فترة وأخرى شخصية سياسية كردية مهدداً بالانفصال إذا لم يحصل كذا أو إذا حصل كذا وكذا. إن جميع لمشكلات التي تواجه العراق يفترض أن تعالج وفق أسس سلمية وبآليات ديمقراطية بعيداً عن التهديد أو الوعيد. إذ إن هذا التهديد له جوانب نفسية وسياسية مضرة بكردستان وبالوضع الراهن في العراق والتي يمكن أن تستثمر في غير صالح كردستان أو العراق. ولن يخيف أعداء الشعب الكردي مثل هذا التهديد, إذ أنهم في مثل هذه الحالة يستفيدون من مثل هذه التصريحات للتشكيك بقرار برلمان وقيادة كردستان بالفيدرالية أولاً, ويسعون إلى تعبئة المزيد من العرب والترك والفرس في مواجهة الكرد منذ الآن, على أساس أن الكردي يسعون إلى الانفصال. والتهديد لا يخيف بدوره القوى الديمقراطية العراقية الواعية لحق الشعب الكردي في تقرير مصيره, لأنها مع ممارسة هذا الحق متى أدرك الشعب الكردي وقياداته السياسية ضرورة اتخاذ مثل هذه الخطوة وأنها لن تجلب الضرر للمكاسب التي تحققت للشعب الكردي ولإقليم كردستان حتى الآن, وأن لا يتعرض النموذج الحالي إلى الهزات غير المبررة.
ولكن مثل هذا التهديد المستمر من البعض القليل من وزراء الإقليم يجعل البحث في المشكلات العراقية الأخرى والمهمة حالياً, ومنها موضوع الإرهاب والقوى الإسلامية السياسية المتطرفة وتطور نشاطها في كردستان ورغبتها في الولوج إليه للتخريب, أكثر صعوبة, كما أنه يحرج القوى الدولية المساندة لقضية الشعب الكردي والتي تدعم الفيدرالية الكردستانية في المرحلة الراهنة.
إن التهديد المتواصل من هذا الشخص أو ذاك بالانفصال يؤكد عدة مسائل مهمة أخرى, وهي:
• إن القائل بالتهديد لا يثق بنفسه ولا بقدرته على تحقيق الانفصال متى شاء, ولهذا فهو يحمل سلاحاً ولكن غير واثق من نفسه ومن قدرته على استخدامه.
• إن القائل بالتهديد وكأنه يريد أن يثير على إقليم كردستان المزيد من المصاعب من الجيران الذين يجتمعون بين فترة وأخرى للبحث في سبل منع تكريس النظام الفيدرالي في العراق.
• أو أن القائل به يريد الهروب إلى أمام في مواجهة مشكلات داخلية يسعى لتجاوزها عبر إشاعة صراع غير مبرر في وقت غير مناسب.
• وأنه يريد أن يحصل على تأييد الناس, في وقت يفترض أن يتناغم مع القيادة السياسية والبرلمان في القرار الذي اتخذ بهذا الصدد, قرار الفيدرالية الكردستانية في إطار جمهورية ديمقراطية فيدرالية تعددية موحدة, كممارسة حالية لحق تقرير المصير وليس الانفصال.

6/10/2006