| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الجمعة 6/3/ 2009

 

بيان المؤتمرات الثلاثة ودكتاتور السودان!

كاظم حبيب

ذكرني البيان الذي أصدرته المؤتمرات الثلاث (المؤتمر القومي العربي والمؤتمر العام للأحزاب العربية والمؤتمر القومي – الإسلامي استنكاراً لقرار المحكمة الجنائية الدولية) بتاريخ 5/3/2009 بموقف المؤتمر القومي العربي, الذي اتسع الآن ليشمل ثلاثة قوى سياسية قومية شوفينية وإسلامية يمينية, بالبيانات الرنانة التي كانت تصدر عن المؤتمر القومي العربي دفاعاً عن الدكتاتور صدام حسين, حتى أن هذا المؤتمر القومي العربي عقد أحد مؤتمراته السنوية في بغداد ليمجد صدام حسين ويدافع عنه, رغم معرفة قوى المؤتمر تلك الجرائم التي ارتكبها الدكتاتور بحق الشعب العراقي. فدفاعهم عن الدكتاتور ومساندة استمراره على رأس السلطة هي التي قادت إلى المزيد من الجرائم التي ارتكبها والحروب التي خاضها وغزو الشقيقة الكويت, ومن ثم خوض العالم حربين لطرده من الكويت (1991) وإزاحته من السلطة والخلاص من النظام الدكتاتوري الدموي (2003).

وها هو التاريخ يعيد نفسه ولكن على شل مهزلة في حين كان في زمن صدام حسين مأساة, ولكن المهزلة والمأساة تجريان الآن في بلد آخر هو السودان. فالبيان يشكك بنوايا الإدعاء العام ومحكمة الجنايات الدولية من منطلق قومي يميني شوفيني صرف لا يمت إلى الرؤية الإنسانية لما مارسه ولا زال يمارسه الدكتاتور وطغمته في دار فور. فهم غير قادرين على تفنيد ما جرى ولكنهم يتحدثون بالسياسة دون تقديم البراهين التي تفتد التهم السبع الموجهة للدكتاتور البشير. يدعون بأن هناك نية لتجزئة السودان, ولكن وأنا قناعة تامة بأن ليس هناك من يسيء إلى الوحدة الوطنية في السودان, وليس هناك من يدفع البلاد إلى التقسيم بإثنياتها العديدة, غير النظم الرجعية والقوى القومية الشوفينية والإسلامية السياسية المتطرفة التي لا تريد الاعتراف بحقوق الشعوب الأخرى غير العربية التي تعيش في السودان. وهو نفس الموقف البائس والمتطرف الذي اتخذته هذه القوى إزاء الشعب الكردي في العراق وفي سوريا, أو الموقف إزاء الأمازيغ في المغرب والجزائر.

إن القوى التي أصدرت البيان تتباكى على السيادة والاستقلال الوطني, ولكنها لا تذرف دمعة واحدة ولا تنطق حتى بكلمة واحدة عن عشرات ألوف البشر من النساء والرجال والأطفال الذين قتلوا على أيدي عصابات الجنجويد العربية والقوات المسلحة وأجهزة الأمن والمخابرات السودانية والمليون وربع المليون إنسان الذين شردوا ويعيشون منذ سنوات في مخيمات لا تحميهم من برد أو مطر أو شمس محرقة ويعانون من الجوع والحرمان والمرض والموت اليومي.

إن السياسات التي يمارسها عمر البشير وطغمته هي التي يمكن أن تقود إلى فقدان الاستقلال والسيادة وليس النضال من أجل الحقوق المشروعة لشعب دار فور, وليس قرار محكمة الجنايات الدولية بتوقيف المتهم الأول عمر حسن البشير, إذ أن توقيف ومحاكمة البشير ستقود بدورها إلى معالجة مشكلة دار فور بالطرق التفاوضية والسلمية وبعيداً عن المجابهة والقتال.

ليس الادعاء العام ومحكمة الجنايات الدولية منحازة ضد البشير, بل المنحاز له هي المؤتمرات الثلاثة التي فقدت البصر والبصيرة ولا تريد أن ترى المآسي والكوارث الجارية في دار فور. إن محاولة تعليق كل الإجراءات الدولية العادلة في قضايا مثل السودان أو محاكمة قتلة الرئيس الراحل رفيق الحريري ومجموعة من السياسيين والصحفيين الديمقراطيين في لبنان, على شماعة الولايات المتحدة لم تعد تقنع الكثير من الناس في العالم, إذ أنهم يرون ويسمعون ما جرى وما يجري اليوم في دار فور, كما أنهم عرفوا ما كان يجري في عراق الدكتاتور صدام حسين, وتلك المقابر الجماعية التي ضمت مئات ألوف الناس الأبرياء الشاهد القاطع على ذلك.

رغم الكوارث التي تسببت بها النظم والقوى القومية الشوفينية في العديد من الدول العربية, بما فيها موقفها من الوضع في فلسطين ومساندة حماس الانقلابية, فهي لا تزال تصر على نهجها الاستبدادي في الفكر والممارسة وتؤيد كل النظم والقوى المستبدة بحجة الدفاع عن الأمة العربية وعن وحدة الأرض العربية, تماما كما شن صدام حسين الحرب ضد إيران بحجة الدفاع عن البوابة الشرقية للأمة العربية, أو كما شن الحرب ضد الشعب الكردي بحجة محاربة "الجيب العميل"!

كما فشلت هذه القوى في الدفاع عن صدام حسين, فإنها ستفشل أيضاً في الدفاع عن الدكتاتور البشير أيضاً, وليس في ذلك أدنى شك, حتى وأن صدر قرار بتأجيل تنفيذ قرار محكمة الجنايات الدولية عن مجلس الأمن الدولي الذي طلب أصلاً التحقيق في الوضع في السودان في ضوء مئات التقارير التي وصلت إليه.


6/3/2009

 

 

free web counter