موقع الناس     http://al-nnas.com/

محاكم الدكتاتور اللاشرعية, والدكتاتور أمام محكمة شرعية!

 

كاظم حبيب

الأحد 5 /3/ 2006

بدأت منذ فترة محاكمة الدكتاتور صدام حسين وسبعة من أفراد عصابته, التي حكمت العراق 35 عاماً, أمام محكمة عراقية شرعية. منح المتهمون فيها حرية كبيرة في التعبير عن مواقفهم إزاء الوضع الجديد. واستفادوا من ذلك, كما اعتقد الجمهور, للترويج إلى أفكارهم السيئة والتشجيع على الإرهاب بصيغ مختلفة. واحتج المتهمون بشراسة عندما طالبهم الحاكم الجديد بعدم الخروج عن قواعد المحاكمات وأصولها وآدابها, فقرروا الخروج, ولكن مارس الحاكم حقه وإخراجهم من قفص الاتهام لتطاولهم على المحكمة واستمرار في محاكمتهم.
شعرت باشمئزاز كبير من هذه الطغمة الفاجرة التي عرضت المجتمع العراقي إلى المصائب والويلات, ثم تشكو الآن من محاكمتها والادعاء بأن المحكمة غير شرعية. من هنا طرأت فكرة تذكير أفراد الطغمة ببعض الحقائق, ومنها:
عرف الشعب العراقي وقوى المعارضة السياسية في فترة حكم الدكتاتور صدام حسين وطغمته الشريرة جميع أشكال القهر والظلم والاضطهاد وسلب الإرادة والحرية ومصادرة حقوق الإنسان. وتعرف هذا الشعب مباشرة على أنواع من المحاكم غير القانونية التي كانت تصادر حق الإنسان المتهم في توكيل محام يدافع عنه أو رؤية عائلته أو معرفة مكان إجراء المحاكمة أو حتى مكان اعتقاله. ولم يكن للمتهم حق الدفاع عن نفسه, إذ سرعان ما كان الحاكم يوجه إلى المتهم الشتائم والألفاظ البذيئة, أو يُنزل الحراس الضربات القاسية على رأس المتهم, كما كانت تصدر الأحكام الثقيلة والأكثر قسوة التي لا تستند إلى قانون, بل تكون قد حددت من قبل الطغمة العاتية. وقد شكل الطاغية صدام حسين ومجلس قيادة الثورة أنواعاً من المحاكم, ومنها:
1 - المحاكم الخاصة: نصت الفقرة و من المادة 43 من الدستور العراقي المؤقت لسنة 1970على تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة أعضائه ومن يحال إليها من المتهمين على أن يضع مجلس قيادة الثورة قواعد عملها, وهي لا تنسجم بأي حال مع الدساتير الديمقراطية والعدل وحقوق الإنسان, ومنها:
• المحكمة الخاصة التي شكلت في عام 1970 لمحاكمة المتهمين بما سميت "مؤامرة عبد الغني الراوي وصالح السامرائي". وكانت من أقصر المحاكمات حيث استمرت 36 ساعة فقط وحكمت بالإعدام على عشرات الأشخاص. وكان رئيس المحكمة نائب الضابط الأمي طه ياسين رمضان!
• المحكمة الخاصة التي شكلت عام 1973 لمحاكمة المتهمين بقضية ناظم گزار وحكمت على بعضهم بالموت.
• المحكمة الخاصة التي شكلت في عام 1974 وسميت بمحكمة كركوك لمحاكمة مجموعة من المواطنين الكرد وحكمت على الكثير منهم بالموت.
• المحكمة الخاصة التي شكلت لمحاكمة المتهمين بمظاهرات النجف وكربلاء في عام 1977 وحكمت على عديد غير قليل منهم بالموت.
• المحكمة الخاصة التي شكلت لمحاكمة 32 شيوعياً وديمقراطياً في عام 1978 بحجة عملهم في القوات المسلحة وحكمت على جميعهم بالموت.
• المحكمة الخاصة التي شكلت لمحاكمة المتهمين بالتآمر من أعضاء القيادة القطرية في عام 1979, وحكمت على 22 منهم بالموت.
• المحكمة الخاصة التي أصدرت الحكم بالموت على السيد محمد باقر الصدر والسيدة شقيقته في عام 1980.
وقد أصدرت المحاكم الخاصة مئات الأحكام الأخرى بالموت على من مثل أمامها أو بالحبس المؤبد وبأحكام ثقيلة أخرى. وقد نفذت أحكام الإعدام بالموت على جميع من حكم عليهم دون استثناء.
2 - محكمة الثورة: تشكلت بموجب القانون رقم 180 في 9 كانون الأول 1969 وأجريت عليه تعديلات لاحقة. وكانت تعمل باستمرار ودون انقطاع تقريباً وحكمت على الألاف من العراقيين بأحكام الموت أو السجن لسنوات طويلة. ونفذت جميع تلك الأحكام.
نترك الآن الحديث عن الأحكام التي صدرت على عشرات الألوف من الناس الأبرياء من مختلف القوميات وتعرضوا لتعذيب مميت ودفنوا في مقابر جماعية دون أن تكون هناك محاكم, بل كانت هناك قرارات من مجلس قيادة الثورة أو صدام حسين مباشرة بقتل أو دفن هؤلاء وهم أحياء, ومنهم 8 ألاف كردي من منطقة بارزان في كردستان.
لم تتوفر للمتهمين إمكانية الدفاع ولا توكيل محامين يدافعون عنهم, بل كانت تقرر المحاكم محامين لهم. وكان هؤلاء المحامون المأجورون يطالبون المحكمة بإنزال أقسى العقوبات بمن يفترض أن يدافعوا عنهم, لأنهم كانوا يعملون داخل جهاز الأمن أو باعوا ضمائرهم بثمن بخس.
وصدرت الكثير من القرارات عن مجلس قيادة الثورة التي تحكم بالموت على حالات كثيرة جداً يصل عددها إلى ما يقرب من أربعين حالة, في حين لا يجوز تقديم الإنسان إلى المحاكم بسببها في ظل الظروف الديمقراطية والحياة الدستورية. وعندما احتجت منظمات حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية على أحكام المحاكم الخاصة ومحكمة الثورة كان جواب الحكومة¸ كما جاء في كتاب الدكتور جواد هاشم الموسوم "مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام حسين" صادر عن دار الساقي بلندن ومنشور في موقع صوت العراق, ما يلي:
"إن محكمة الثورة ترتبط بمكتب رئيس الجمهورية, ولا تخضع لإشراف وزارة العدل, كما أن المحكمة تفسر القوانين وفقاً لمبادئ حزب البعث, وأن أعضاءها الثلاثة هم أعضاء في حزب البعث.
أما اعتراضات منظمة العفو الدولية على الأسلوب اللاشرعي واللاإنساني للمحاكم الخاصة, فقد أجابت عنها الحكومة العراقية بما يلي:
بالنسبة للمحاكم الخاصة لسنة:1977 إن المحكمة عقدت جلساتها ليومين وليس أربع ساعات. إن هذا النوع من المحاكم ضروري للقضاء على الطائفية التي يغذيها أعداء الشعب من أجل شق وحدة الصف الوطني وعرقلة الجهود المتطلعة للتقدم والازدهار.
وبالنسبة للمحكمة الخاصة لسنة 1979, فأن هذه المحكمة دستورية بكل معنى الكلمة لأنها شكلت وفقاً للفقرة و من المادة 38 من الدستور العراقي, لتنظر في القضايا المتعلقة بأعضاء حزب البعث وهي تخص الشؤون الداخلية لحزب". أنتها النص.
بهذه الصورة كان يبرر النظام الدكتاتوري محاكماته. والجواب بحد ذاته يفترض أن يقدم صاحبه إلى المحاكمة لأنه يزور الحقائق أولاً ويشوه القوانين ثانياً ويعترف بأحكام الموت التي أصدرتها تلك المحاكم ويبررها ثالثاً. فهل هناك يا ترى وجه مقارنة بين ما كان يجري في محاكم الدكتاتور, وبين المحاكمة التي تجري للطاغية صدام حسين وحفنة من أعوانه في بغداد؟ الفارق بين النوعين هو كالبعد بين السماء والأرض.
يتمتع المتهمون بالحرية الكاملة ومنحوا حق الحديث السياسي وتبرير إجراءاتهم وقتلهم للناس, في حين حرم الحاكم السيد رزگار محمد أمين ممثلي الادعاء العام من تبيان الخلفية السياسية لأحداث الدجيل باعتبارها سياسة, حين طلب منهم في أول جلسة الكف عن الحديث والدخول في الموضوع ذاته, وكأنهم كانوا خارج الصدد! لا شك في أن ما تحدث به صدام حسين وبرزان التكريتي فضحا الخلفية الفكرية والسياسية والنفسية لهذين الشخصين العدوانيين اللذين حكما العراق طيلة 35 عاماً وتصرفا بالشعب وكأنه قطيعاً من الغنم أو عبيد لديهما لا غير. ولم يكن خطأ السماح لهم بالحديث بل كان مفيداً, إذ كانوا بذلك يكشفون عن أنفسهم وأفعالهم العدوانية إزاء الشعب أمام المجتمع الدولي.
إن احتجاج صدام حسين وبقية المتهمين على سير المحاكمة يتطلب من وزارة العدل العراقية وأجهزة الإعلام الرسمية عرض أفلام عن المحاكمات التي كانت تجريها المحاكم الخاصة ومحكمة الثورة البعثية في العراق للوطنيين العراقيين خلال فترة حكم البعث ليروا الفارق الكبير بين هذين الأسلوبين من المحاكمات.
لقد تصرف كل من صدام حسين وبرزان التكريتي وطه ياسين رمضان, وكذلك محامو الدفاع, بشكل يتعارض مع القانون واللياقة والكياسة المطلوبة في محكمة شرعية تحكم باسم الشعب العراقي, وكان استفزازاً مدروساً من جانبهم وبالتعاون مع المحامين. إنهم يريدون تحويل المحاكمة إلى منبر لأفكارهم السيئة ومن أجل إشاعة الفوضى وقطع سير المحاكمة بهدف نقلها إلى الخارج, وهو ما يفترض منعه حالياً. إن من حق المتهمين أن يتحدثوا شريطة أن يلتزموا بقواعد عمل المحاكمات وأن لا يعتقدوا بأن لهم حقوقاً إضافية. إنهم متهمون, وهم أبرياء إلى أن تثبت إدانتهم بهذه الدعوى. بغض النظر عن رأيي ورأي الناس بهؤلاء الذين أذلوا الشعب العراقي طيلة ثلاثة عقود ونيف من السنين.
 

نشر في جريدة الصباح البغدادية في أوائل أذار/ 2006