| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الأحد 5/2/ 2006

 


 

 

هل من مناورات جديدة للمتهمين ولمحامي الدفاع في محاكمة الطغمة الباغية؟

 

كاظم حبيب

مع البدء بمحاكمة صدام حسين وطغمته برزت في أجواء المحكمة وتصريحات المحامين في الأردن وبغداد أربعة أهداف واضحة المعالم, وهي:
1. السعي الجاد لنقل المحاكمة إلى خارج العراق لتجنيب المتهمين الحكم بإعدامهم وفق الدستور والقوانين العراقية.
2. إطالة أمد المحاكمة من خلال مناورات صغيرة والعمل على تأجيلها لتأكيد عجز المحاكم العراقية على محاكمة هذه الطغمة.
3. صبغ المحكمة بصبغة سياسية باتجاه الادعاء بأن المحكمة ليست شرعية وقانونية, بل هي سياسية.
4. الاستفادة من أجواء الإرهاب السائدة في العراق بهدف الوصول إلى الغايات المشار إليها, ومحاولة الادعاء بأن على الأمريكيين الكف عن محاكمة صدام حسين والتفاوض معه أو مع جماعته لإيقاف ما يسمى بالمقاومة.
5. محاولة إثارة الشعوب العربية ضد العراق والقوى السياسية العراقية والمحكمة بالتمسح القذر بالقومية العربية والإسلام, حتى أن من لم يعرف الإسلام يوماً في سياساته يمسك المصحف الشريف بيديه القذرتين اللتين خنقتا أو وقعت إحداهما على الكثير من قرارات إعدام البشر منذ العام 1963.
وقد التزمت هيئة الدفاع المكونة من بعثيين عراقيين وأردنيين بصلابة بهذه التكتيكات في جميع الجلسات التي حضرتها, ومنها مقاطعة حضور جلسات المحكمة أو التصريح بعدوانية رئيس المحكمة أو انحيازه ضد صدام حسين. ورغم عجزهم عن الوصول إلى الأهداف إلا أنها حققت بعض النجاح على هذا السبيل, وخاصة في مجال إشاعة الفوضى في المحكمة مما يجبر رئيس المحكمة إلى إخراجهم من القاعة وتأجيل المحاكمة.
وفي المقابل فشل القضاء العراقي أن يقدم محاكمة متماسكة وجادة في مواجهة المناورات التي دأب عليها المتهمون ومحامو الدفاع, إذ سادت منذ اليوم الأول:
1. فوضى الإدارة والتنظيم الإداري والفني للجلسات ونقلها إلى الشارع العراقي والعربي والدولي.
2. ضعف توفير الحماية لكل الجماعات ذات العلاقة بالمحكمة والمحاكمة ومحامي الدفاع والادعاء العام.
3. الموقف العقلاني ولكن غير الحازم للقاضي الأستاذ رزگار محمد أمين مما فسح في المجال للمتهمين والمحامين أن يمارسوا تكتيكهم بحرية كبيرة.
4. التدخل غير المقبول من جهات عديدة خلف الكواليس, مما أضعفت القاضي الأول وجعلته عاجزاً عن أداء مهمته بحرية ومسؤولية.
وجزء من هذه الوضعية يعود إلى واقع العراق والمجتمع وما عرفه العراق من محاكمات سابقة نفذتها النظم الحاكمة السابقة, وبالتالي كان يريد محاكمة مماثلة وكفى الله المؤمنين شر القتال. إلا أن هذه الوجهة لا تساهم في تغيير واقع العقلية التي عليها الغالبية العظمى من المجتمع وفكرها وممارساتها التي نعيشها يومياً.
واليوم يمارس المتهمون وهيئة محامي الدفاع نفس السياسة التكتيكية التي بدأوا فيها للوصول إلى نفس الأهداف المشار إليها في أعلاه, ولم يتزحزحوا عنها قيد أنملة. فما العمل؟
يبدو لي, واستناداً إلى المحاكمات الدولية المماثلة وقوانين المحاكمات الجزائية في سائر أرجاء العالم, ضرورة الأخذ ببعض الملاحظات التي لا تغيب عن هيئة المحكمة الموقرة, ومنها:
• إن محاكمة المتهمين بالجرائم البشعة التي ارتكبت في العراق على مدى 35 عاماً تستند إلى وثائق متوفرة, وهي محاكمات جزائية تخضع لبنود القوانين العراقية السارية منذ العهد الملكي. وهذه المحاكمة رغم طبيعتها القانونية, فأن لها خلفية سياسية, إذ أنها ارتكبت من نظام سياسي ولأغراض سياسية, ولأن النظام الذي حكم العراق كان نظاماً فاشياً من الناحية السياسية والأمنية والعسكرية والذهنية التي كانت توجه هؤلاء الحكام. وبالتالي لا خشية من الحديث عن الخلفية السياسية للمحاكمة.
• إن حضور المتهمين جلسات المحاكمة واجب مطلق ومن لا يخضع له يجلب بقوة القانون, ولا يجوز لهم مغادرة القاعة أو مقاطعة جلساتها. وهذا يعني إمكانية إحضارهم إلى قاعة المحكمة في حالة الرفض مكبلين ومحمولين أيضاً, إن رفضوا السير على الأقدام أو المجيء وفق إرادتهم الحرة. فهم متهمون بجرائم بشعة.
• من حق المحامين الخروج من القاعة, ولكن إذا كرروا المقاطعة عدة مرات بأمل إطالة أمد المحاكمة أو نقلها إلى خارج العراق فمن حق هيئة المحكمة إقامة الدعوى ضدهم بتهمة تعطيل سير أعمال المحاكمة, كما يحق لها إلغاء توكيلهم وتوكيل محامين آخرين, شاء المتهمون أم أبوا.
• منح المتهمين فرصة الحديث للكشف عن خلفيتهم السياسية والجرائم التي اتهموا بها شريطة أن لا يتجاوزا على الغير بأي حال, دع عنك عدم التجاوز على هيئة المحكمة والادعاء العام والمشتكين. ولكن في الوقت نفسه فسح المجال أمام الادعاء العام لتبيان وجهة نظره في سياسة تلك الجماعة التي غدرت بالشعب العراقي طيلة عقود.
• عدم السماح تحويل المسألة وكأن الذي يحاسب فيها هو المحكمة والحكام وليس الذين أقيمت عليهم الدعوى بتهمة قتل المئات من البشر, رغم أن الدعوى ما تزال محصورة في مجزرة الدجيل.
• ورغم الاختلاف في سمات القاضيين, فأنهما ينطلقان من أرضية واحدة هي احترام القانون والحكم باسمه واعتبار المتهم برئ حتى تثبت أدانته, ولهذا لا بد من مواصلة هذا النهج الذي يفترض أن تتميز به المحاكم العراقية, سمات الحزم والجدية والعدل.
إن أمام القضاء العراقي الكثير من الدعاوى الموجهة إلى الطغمة التي حكمت العراق طيلة عقود والتي ما تزال تتسم بالصلافة والعدوانية والحقد على الشعب. فأمامنا مجازر حلبچة والأنفال ومجاز الكيماوي في بادينان في كردستان, وأمامنا مجازر الأهوار والجنوب والانتفاضة الشعبية في الوسط والجنوب وكردستان, كما أمامنا المجازر التي ارتكبت بحق الكرد الفيلية وعمليات التهجير الشرسة وغيرها كثير. وعلينا الاستفادة من هذه المحاكمات لصالح زيادة وعي الشعب بطبيعة السياسات التي مارسها النظام وتناقضها مع قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات وأهمية رفض وإدانة مثل هذه السياسات والممارسات في مستقبل العراق وأجياله القادمة.