| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الخميس 5/1/ 2006

 


 

 

الأعداء يقتلون بالشعب العراقي ونحن نتخاصم؟

 

كاظم حبيب

اتسعت دائرة القتل بالشعب من جديد وازداد عدد المقتولين بعد أن نشرت الحكومة بأن عدد القتلى قد تقلص في عام 2005 وكأن مقتل ما يقرب من 10000 إنسان وجرح ما يقرب من هذا العدد ليس كبيراً. إن هذا العدد قليل نسبياً بالقياس إلى قتلى السنوات السابقة, ولكنه كبير جداً في كل المقاييس الإنسانية. فالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً خاضت حربين في أفغانستان والعراق بعد مقتل ما يقرب من 2800 إنسان في الهجمات الشريرة في سبتمبر 2001, في حين لا نشعر بالخجل في أننا لم نستطع إيقاف نزيف الدم في العراق.
لم ينحصر نشاط المجرمين القتلة في بغداد بل تجاوزها إلى المدن الأخرى, ومنها كربلاء والرمادي أخيراً حيث وصلت حصيلة القتلى في الدينتين 80 إنساناً وما زيد عن ذلك من الجرحى والمعوقين. كما لم يعد يقتصر القتل العشوائي على أتباع المذهب الشيعي, بل تجاوزها إلى أعضاء في الحزب الإسلامي وإلى المواطنات والمواطنين من أتباع المذهب السني, كما أنه يشمل أتباع الديانات الأخرى والاتجاهات العلمانية, إ‘ذ أن الإرهاب موجه ضد الشعب أولاً وقبل كل شيء.
إن المشكلة الأساسية تكمن في عدد من النقاط التي يفترض أن لا نكل أو نتعب من تأكيدها, لكي نستطيع إقناع من بيده الأمر في بغداد, أن الشعب لم يعد يحتمل طريقتكم في العمل, إذ يبدو لي ما يلي:
1. إن الأمور الأمنية ما تزال بيد القوات الأجنبية, وخاصة الأمريكية, وهي الحاكم بأمره في العراق وليس غيرهم.
2. أن لا وجود لأي تنسيق عقلاني سليم بين القوات العراقية والقوات الأجنبية العاملة في العراق, وبالتالي فالثغرات بينهما كبيرة وقاتلة.
3. لا توجد خطة أمنية وسياسية واقتصادية متلازمة قائمة على نهج علمي وعقلاني في مواجهة القوات الإرهابية في العراق, وبالتالي فالنشاط الحكومي والأجنبي المناهض للإرهاب يعمل على أساس ردود فعل لما يقوم به العدو, في حين أن المهمة المركزية سياسية وأمنية واقتصادية متعددة الأوجه, ومنها التخطيط العقلاني لاكتشاف البنية التحتية لقوى الإرهاب وليس أولئك الإرهابيين أو المنفذين للعمليات الإرهابية المدفوعي الأجر فقط, سواء أكان الأجر نقداً أم مفتاحاً وموقعاً في الجنة!
4. غياب التعاون الأمني مع الدول الأوروبية والغربية عموماً التي في مقدورها أن تقدم الكثير للعراق في هذا المجال, بل هي مقتصرة على الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد خوض القتال ضد الإرهابيين في العراق وليس في أمريكا أو في أي مكان آخر من العالم, وبالتالي فهي تعمل على نفس طويل, مما يعرض المزيد من الناس العراقيين إلى الموت, في حين الناس في الولايات المتحدة الأمريكية.
5. وجود المليشيات المسلحة التي تعبث بأمن المواطنات والمواطنين وتثير النزاعات والاقتتال وتساهم بعمليات كثيرة غير منظورة ولكن عواقبها تتجسد في الفوضى والعبثية والعدمية, إنه الموت الذي حصد أخيراً 21 عراقياً, إضافة على الكثير من الجرحى, بسبب صراع بين مليشيا مقتدى الصدر وميلشيا سنية أخرى في أطراف بغداد.
6. غلواء الطائفية السياسية والاصطفاف المذهبي السياسي الذي يزيد من رمي الحطب على النار المشتعلة, وخاصة من قبل قوى الإسلام السياسي التي تريد الهيمنة على العراق والسياسة العراقية, ولو عبر تزوير الانتخابات. إضافة إلى وجود قوى إسلامية سياسية متطرفة في صفوف قوى الإسلام السياسي التي تزيد من المصائب التي يواجهها المجتمع. ولا تتجلى هذه الظاهرة في مذهب دون آخر, بل هي سائدة في قيادات وأتباع المذهبين بخلاف ما تحدث به الدكتور علي الدباغ حين اتهم, في حوار له في "الحوار المفتوح" على الفضائية "العراقية" في يوم 4/1/2006 مع الدكتور علي التميمي, أتباع القوائم السنية بأنها كانت تصعد من النغمة الطائفية وتشدد بها لصالح الحصول على أصوات لها, في حين نسى أو تناسى بقصد غير سليم الأحزاب السياسية الشيعية من ذلك. ومن كان في العراق لا تخفى عليه أساليب الغش التي مارستها القوائم المختلفة, ولكن بشكل خاص قوى الإسلام السياسي الشيعية والسنية. وكان الهدف, كما أشار إليه السيد عبد العزيز الحكيم مرة هو الوصول إلى "فوز ساحق", وهذا الفوز الساحق هو الذي يساهم, شاء الرجل أم أبى, في موت المزيد من أتباع المذهب الشيعي وعلى عموم العراق.
إن هذه الإشكاليات وغيرها تساهم بقدر كبير جداً في دعم نشاط قوى الإرهاب الدموي في العراق وتسمح لها بإيجاد قواعد جديدة فاعلة في العراق, خاصة وأن القوى الخارجية تسهل لها نشاطها في القتل والتدمير والتخريب.
إننا أمام مرحلة معقدة جداً. وعلينا أن ندرك بأن الإرهابيين الصداميين والزرقاويين وأنصار الإسلام السنة الكرد ومن لف لفهم ومن يساندهم بأي شكل كان, بدعوى مقاومة الاحتلال, يشاركون بالأساس في إطالة عمر الاحتلال في العراق, إذ أن القوات الأجنبية ستبقى في العراق إن استمر الإرهاب ولن يخلص العراق من وجود القوات الأجنبية إلا بالخلاص من الإرهابيين ومن ممارسة استخدام السلاح في الصراع السياسي في العراق.
إن أمام القوى السياسة الوطنية في العراق إيجاد لغة مشتركة وقواسم مشتركة في ما بينها وتلتقي عندها لمواجهة الوضع الراهن, لمواجهة قتل المزيد من الناس الأبرياء. إن الذين يقتلون هم من البشر, وهم خسارة كبيرة للمجتمع العراقي الذي عانى من الحروب وخسارة ما يزيد عن مليوني إنسان في ظل النظام الصدامي المخلوع وبسبب الحصار الاقتصادي الدولي, إضافة إلى قتلى الحرب الأخيرة والإرهاب المتواصل والصراع الطائفي.
إن المطلب الرئيسي يتمثل في الكف عن ممارسة السياسات الطائفية ومحاولة الهيمنة على وزارات على أساس طائفي, كما تحدث عن ذلك الدكتور الدباغ بعد أن لم يعد موجوداً في البرلمان العراقي, في حين قد دافع قبل ذاك عن السياسة التي مارسها السيد عبد العزيز الحكيم وغيره من قادة الائتلاف الشيعي, كأي رجل التزم السياسة الطائفية السياسية لفترة غير قصيرة وروج لأفكار كانت ثمارها مرة.
تتحمل الحكومة العراقية التي قادها الجعفري مسؤولية كبيرة في عدم سعيها الفعلي لحل المليشيات المسلحة, بل سمحت بدمج جماعات من فيلق بدر بوزارة الداخلية ووزارة الدفاع والشرطة التي نشأ عنها أيضاً التعذيب في أقبية وزارة الداخلية في الجادرية, أو الاعتداءات التي وقعت أثناء الحملة الانتخابية الأخيرة ومقتل العديد من البشر باسلحة هذه المليشيات أو الصراعات والنزاعات الدموية التي سوف نعيشها في مجلس البلدية في انتخابات المحافظات القادمة, إن استمرار أسلوب العمل على حاله ولم نسع إلى حل هذه المليشيات وتقديم من أجرم منهم إلى المحاكم.
وبغض النظر عن نتائج التحقيق المحلي والدولي في نتائج الانتخابات الأخيرة, فأن المهمة التي تواجه الجميع هي: إقامة حكومة وحدة وطنية تبتعد عن النهج والسلوك الطائفي السياسي, وتبتعد عن فرض الخيمة الفكرية الإسلامية السياسية على العراق كله. إن العراق موطن للعرب والكرد والتركمان والكلد آشوريين, وهو موطن للمسلمين والمسيحيين والصابئة المندائيين والأيزيديين والكاكائيين والشبكيين, وموطن للديمقراطيين واللبراليين والشيوعيين والاشتراكيين والمستقلين وغير الحزبيين, إنه ملك جميع العراقيات والعراقيين وعلى الجميع تأمين المعادلة الصعبة والصائبة لجمع جميع هؤلاء الناس في العراق. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالتزام مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية, ما لم نلتزم بإقامة جمهورية ديمقراطية فيدرالية تعددية, ما لم نعمل من أجل أن يكون العراق وطناً للجميع وأن يكون الدين لله, إنه الدرب الوحيد الذي سيساهم بفعالية كبيرة بوضع حدٍ للإرهاب الدموي وسيسحب البساط من تحت أقدام جميع الإرهابيين وسينشف الأرضية التي يقفون عليها. فهل نحن قادرون على ذلك أم سنبقى نتخاصم في ما بيننا, في حين يحول العدو الناس الأبرياء إلى أشلاء متناثرة على أرض بلاد السلام مستخدماً كل الأسلحة المتاحة لديه. إنه التحدي الأصعب الذي يواجه القوى السياسية العراقية في هذه المرحلة الحرجة من العراق.