الأحد 5 /2/ 2006

 


هل من محنة جديدة تواجه الكِتاب والكاتب في العراق؟


كاظم حبيب

قبل أيام وجيزة عقدت في بغداد, بدعوة من السيد رئيس الجمهورية جلال الطالباني, ندوة شاركت فيها جمهرة من المثقفين والصحفيين والكتاب والمبدعين العراقيين ناقشت فيها قضايا التنوع والتعدد والتلاقح الثقافي في العراق الجديد. وبدأ الأمل يراود هؤلاء الذين تجمعوا أو من استمع إليهم, وهم يشكلون جزءاً من الداعين إلى حماية ظاهرة التنوع والتعدد والتلاقح الثقافي الإيجابية, تشكل الوجهة الرئيسية لتطور العراق الثقافي وانتعاش الثقافات القومية وإقبال العراقيات والعراقيين على المزيد من القراءة بعد أن حرموا من قراءة الكتب سنوات طويلة كانت عجافاً على المثقف والثقافة العراقية والإنسان العراقي, حيث حاولت الثقافة الصفراء للنظام الحاكم الهيمنة على الحياة اليومية للإنسان العراقي ومنعه من الكتابة والقراءة, رغم المقاومة البطولية التي أبداها المثقفون من مختلف الاختصاصات والمجالات. ومع ذلك فقد نجح النظام الأصفر في هدم الكثير من الأسس الثقافية التي بناها المجتمع خلال العقود الخمسة الأولى من تأسيس الدولة العراقية.
وبالأمس قرأت مقالاً للكاتب والصحفي والصديق عبد المنعم الأعسم يتحدث في جريدة الاتحاد العراقية عن بدء حملة واسعة في جنوب العراق لجرد وسحب الكتب التي لا تلائم جماعات بعينها تحمل العداء للفكر الآخر من المكتبات العامة والتي تمتد دون أدنى ريب إلى مكتبات المدارس والكليات والجامعات ومن ثم إلى دور الطباعة والنشر تدريجاً.
هذه الفاجعة الثقافية الجديدة التي يصاب بها العراق الجديد, إن صحت, أعادت إلى الذهن فاجعتين ثقافيتين حدثتا في القرن العشرين, الأولى مارسها النظام النازي الهتلري حين أحرق في برلين وفي جميع المدن الألمانية في العاشر من أيار/مايس 1933 تلالاً من الكتب التي تبحث في مختلف الاختصاصات لأن كتابها إما غير ألمان وإما لا يختلفون عن الفكر النازي والعنصري الألماني. وكانت مجزرة رهيبة للفكر والثقافة الألمانية والعالمية وللكتاب والكتاب. وسجل هذا الفعل الشنيع وصمة عار في جبين النظام الهتلري.
وبتوجيه من الدكتاتور العنصري صدام حسين أصدرت أمرية الفيلق الرابع في الجيش العراقي كتاباً رسمياً تحت الرقم 20/3/8004 وبتاريخ 17 آب/أغسطس 1982 يطلب فيه جرد مكتبات الوحدات العسكرية لمنع تداول الكتب التي تحمل أسماء عدد كبير جداً من الكتاب والصحفيين والمبدعين العراقيين, ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر اسما عبد المنعم الأعسم وكاظم حبيب, التي وردت في قائمة مرفقة بالكتاب الرسمي. ولم تكن هذه مبادرة الفيلق العسكري, بل بموقف اتخذته وزارة الثقافية والإعلام العراقية وأجهزة الأمن بناء على توجيهات "القائد الفلتة!", وفي ضوئها التزم الفيلق الرابع بإصدار ذلك الكتاب. وقد تضمنت قائمة الممنوعات أسماء مجموعة كبيرة ومهمة من الكتاب الديمقراطيين والتقدميين العراقيين من عرب وكرد وكتاب من دول عربية ومن أنحاء أخرى من العالم, إضافة أسماء دور نشر. كما تضمن القرار أسماء بعض كتاب السلطة الذين انسلخوا في حينها عنها.
فهل بدأت مع الموقف الذي اتخذه المسؤولون في بعض محافظات الجنوب محرقة جديدة للثقافة العراقية والعربية والعالمية, للفكر الديمقراطي الحر أو بتعبير أدق للفكر الآخر الذي لا يتفق مع فكر وثقافة المتسلطين على زمام الأمور في جنوب العراق؟
إن من يبدأ بحرق الكتب سينتهي بحرق أو سجن وتعذيب كتاب تلك الكتب وقرائها ومن تحتوي مكتبته عليها, وهي الخشية الكبيرة التي تواجه المجتمع العراقي في المرحلة الراهنة, إنها الإرهاب الفكري المجاور للإرهاب الآخر الذي يقتل البشر في العراق وكلاهما متزامن ومتضامن, شاءوا ذلك أم أبوا, وأحدهما يخدم الآخر ويكمل أفعاله القبيحة.
تقع على عاتق كل المثقفات والمثقفين في العراق وفي الخارج وفي العالم العربي, وفي سائر أرجاء العالم أن ينجدوا المثقف العراقي لإيقاف هذه الحملة الهمجية ضد الكتاب العراقي, ضد الثقافة العراقية, ضد الإنسان العراقي, إذ أنها تذكرني أيضاً بأولئك الأوباش الذين هدموا النصب التاريخي في أفغانستان والذين حصدوا احتجاج الرأي العام العالمي وإدانته.
علينا جميعاً أن نتابع هذه الحالة وتذكروا ما كتبته قبل فترة بأن ما يحصل في البصرة تحت عنوان "بصرة الحزينة ... بصرة المستباحة" سيعم الجنوب كله ما لم نفضحه ونتصدى له بحزم ومسؤولية.
ويتحمل قادة الحكم في العراق حالياً مسؤولية ما يحصل للكتاب العراقي والعربي والدولي في جنوب العراق, وعليهم إيقاف ما يسمى بـ "تطهير" المكتبات العراقية قبل فوات الأوان.


موقع الناس     http://al-nnas.com/