| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الثلاثاء 4/9/ 2007

 


 

مناقشة بعض تصريحات السيد رئيس الوزراء العراقي
(2-2)

كاظم حبيب

هل يحق لرئيس الوزراء أن يسمح أو لا يسمح بنقد الحكومة والمسئولين؟
كان السيد رئيس الوزراء العراقي الحالي يعمل مع بقية القوى السياسية العراقية في صف المعارضة المناهضة لنظام صدام حسين. وكانت قوى المعارضة العراقية تناضل بعناد وتصميم ضد النظام العراقي ألصدامي الذي حرم الشعب من كل شيء حتى من التمتع بحلم , وكان النقد محرماً ويصل صاحبه إلى المقصلة حقاً حين يشك في أنه قد تجاوز على شخص صدام حسين. لقد كان صدام حسين لا يسمح لأي إنسان بأي نقد , سواء أكان موجهاً إلى رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو أي من الوزراء أو المسئولين الكبار في القوات المسلحة والحزب , ولكن بشكل خاص ضد شخصه. ولكن كان من حق صدام حسين المطلق ممارسة هذا النقد إزاء الجميع , كما كان من حق خاله أن يوجه النقد حتى للخالق , ولكن ليس لابن أخته صدام حسين , حين قال طلفاح خير الله : لقد أخطأ الله بخلق ثلاثة اشياء هم " الفرس المجوس واليهود والذباب!". وكنا جميعاً في المعارضة نعرف طبيعة هذا النظام , ولذلك كنا نناضل مع غالبية الشعب العراقي ضد هذا النظام ورأسه. ولا شك في أن النظام العراقي المخلوع كان نموذجاً للاستبداد الفردي الشمولي الذي أخذ صيغته من جمع بين خصائص وممارسات الاستبدادين الشرقي القديم والغربي الحديث , الذي جسده قديماً , على سبيل المثال لا الحصر , معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية والحجاج بن يوسف الثقفي وزياد بن أبيه وهولاكو وبعض الحكام العرب في الوقت الحاضر ..الخ , كما جسده حديثاً هتلر وفرانكو وسموزا وباتستا , ولكنه تجلى أيضاً في الكثير من مستبدي الأرض الآخرين.
ورغم نضال الشعب العراقي عجزت قواه السياسية الداخلية والعاملة في الخارج عن تأمين الخلاص من هذا النظام والإطاحة به وإقامة نظام ديمقراطي على أنقاضه. فتولت هذه المهمة قوى خارجية هي الولايات المتحدة الأمريكية وقوى دولية أخرى. تسلمت قوى المعارضة العراقية , بعد جهد جهيد , إدارة البلاد من الولايات المتحدة جزئياً , إذ لا تزال القوات الأجنبية , التي طهرت العراق من رجس صدام حسين ورهطه واحتلت العراق والتي فرضت قرار الاحتلال عبر مجلس الأمن الدولي , فاعلة في البلاد ولها القرار الحسم وحامية للحكومة من شر القوى الشريرة , إرهابيي قوى القاعدة وفدائيي صدام حسين الإرهابيين وغيرهم.
ومنذ أربع سنوات , ورغم توفر الحرية في العراق من حيث المبدأ حيث نجد الصحف والمجلات والأحزاب , يحرم الشعب والكتاب والإعلاميون من الحديث الصريح في الداخل حول ما يجري في العراق ونقد المثالب الموجودة لدى القوى السياسية أو الحكومة بقوة وجرأة , إذ غالباً ما ينبري لهم تنظيم ما ليقطع رأس هذا الكاتب أو الصحفي أو الصحفية أو هذا السياسي أو تلك السياسية. وسبب ذلك استمرار هيمنة الإرهاب إلى حدود غير قليلة في الساحة السياسية العراقية وإلى وجود , إلى جانب الإرهابيين المعروفين لنا جميعاً , المليشيات الطائفية المسلحة , الشيعية منها والسنية ذات الوجهة والممارسة الإرهابية أيضاً والتي تشكل عملياً سلطة داخل سلطة. وفي الآونة الأخيرة توقفت عن الكتابة في صحيفة عراقية لأنها وجدت في كتاباتي ما يثير عليها قوى الإسلام السياسي العراقية و ومنها جماعة مقتدى الصدر أو الفضيلة أو المجلس الأعلى!
يشير السيد رئيس الوزراء العراقي إلى أنه يعمل وفق خطة فرض القانون. وهذا من حقه وأؤيده. ولكن المفروض أن يكون المستهدف من خطة فرض القانون هي قوى الإرهاب والمليشيات الطائفية المسلحة التي تقتل يومياً عشرات البشر حتى تجاوز الرقم خلال الأشهر المنصرمة من هذا العام بين 15-20 ألف إنسان وفق الإحصاء الرسمي وليس وفق الواقع الفعلي , دع عنك الجرحى والمعوقين من الناس الأبرياء. ويفترض أن يكون المستهدف من فرض القانون أولئك الذين يتجاوزون على المال العام ويعقدون الاتفاقيات المخلة بمصالح العراق لقاء رشوة مالية تصل أحياناً إلى عشرات الملايين , وليس ملاحقة واتهام السيد راضي الراضي , رئيس هيأة النزاهة بالهروب وكأنه مطلوباً من العدالة المعروف بنزاهته عراقياً والمكروه من كل الذين قدم ملفاتهم إلى العدالة أو الذين ينتظرون ذلك , وبالتالي يريدون التخلص منه بأي ثمن كان.
لا شك في أن الناس العقلاء جميعهم يؤيدون السيد المالكي في خطة فرض القانون في جميع أنحاء العراق. وقد أمكن تحقيق نجاحات طيبة بفعل تعاون واسع من قوى كانت تقف ضد العملية السياسية إلى الأمس القريب , وهي بهذا تسير على الدرب الصحيح. ولا شك في أن الكتاب والإعلاميين من نساء ورجال لعبوا دوراً مهماً في دفع العملية السياسية وفي مكافحة الإرهاب وفي مواجهة أخطاء الحكومات الثلاث , ومنها حكومة المالكي. ولا شك في أن كل الحكام الذين يحترمون شعوبهم يعتبر النقد هو الضوء الذي ينير لهم ولحكوماتهم وللأحزاب والقوى والشخصيات السياسية الطريق لرؤية الصواب من الخطأ , ويفترض أن يكون بينهم رئيس الحكومة العراقية السيد المالكي.
فوجئت حين كنت أتابع البرنامج الحيوي والصريح والمنشط للتفكير "7 أيام" الذي يقدمه الأستاذ الشاعر علي عبد الأمير عجام من قناة الحرية بلغته الرصينة والشعرية والنقدية وصوته الهادئ , وكان الحوار هذه المرة مع السياسي والصحفي الإسلامي الديمقراطي العراقي السيد محمد عبد الجبار شبوط , من مهجره في الخليج , بعد أن أجبر على ترك رئاسة تحرير جريدة الصباح , أن أرى وأسمع مقطعاً من خطاب ألقاه السيد رئيس الوزراء في الآونة الأخيرة يقول فيه بأنه "لن يسمح بالنقد للمسئولين في العراق .. ", وهو ربما يقصد النقد الجارح أو غير الرصين أو غير البناء.
العبارة التي جلبت انتباهي وانتباه الأستاذ محمد عبد الجبار شبوط , وقبل ذاك الأستاذ علي عبد الأمير عجام , هي قول السيد رئيس الوزراء أنه لن يسمح. لم يقل الرجل لا يسمح الدستور أو القانون أو إحالة من يتجاوز بالنقد إلى القضاء العراقي لمقاضاته , بل قال أنه هو , رئيس الوزراء , لن يسمح! وهنا تبرز وتكمن الكارثة التي كان على رئيس الوزراء تجنبها كلية. إنها الإشكالية المعروفة في العراق , إذ كلما وجه الكتاب والإعلاميون نقداً لرئيس الحكومة أو غيره من المسئولين تظهر عليهم علامات الغضب , وعلامات الغضب سيئة جداً في علم النفس وعلم النفس الاجتماعي. وهي تكشف ما هو كامن في خلفية تفكير الإنسان , في عقله الباطني . رغم أني أتمنى أن تكون زلة لسان.
الدستور العراقي , والقوانين التي توضع في ضوء الدستور في مجال الإعلام وحقوق الإنسان , وبالتالي القضاء المستقل , هو الذي يحدد ما يسمح به وما لا يسمح به من نقد. والنقد لا يعني التجريح أو الإساءة , بل يعني بجانبيه السلبي والإيجابي. والنقد مطلوب باستمرار , والتجريح مرفوض باستمرار , ولكن من يحاسب عليه هو القانون وليس قول رئيس الوزراء أنه يسمح أو لا يسمح. إذ أنه يعيدنا إلى المربع الأول أو كما يقال نقطة الصفر التي بدأنا بها نضالنا من أجل حرية الكلمة وحق الإنسان في ممارسة حقوقه ولن يعطل هذه الإرادة أي إنسان مهما بلغ من قوة وجبروت , إذ أن القانون يفترض أن يكون فوق كل شيء وليس أي فرد منا. إن السيد رئيس الوزراء يضع نفسه فوق الدستور والقوانين وحقوق الإنسان. وهو ما لا يجوز قبوله.
ليس عيباً على رئيس وزراء أن يعتذر عندما يرتكب خطأً , فليس هناك من إنسان معصوم عن الخطأ , ولكن من يعتذر عن خطأه يمارس واجباً وفضيلة وتثقيف في آن واحد. أتمنى أن يكون ذلك زلة لسان وليس فهماً إسلامياً سياسياً للنقد , كما تفهمه الكثير من قوى الإسلام السياسي العراقية وغير العراقية حالياً على نحو خاص.
لا أتمنى أن يكون لي رئيس وزراء يقول من على منبر الخطابة ويسمعه العالم كله , وجاء بعد سقوط الدكتاتور صدام حسين , بأنه لن يسمح بالنقد , أياً كان هذا النقد إيجابياً أو سلبياً أو حتى تجريحاً , إذ ليس من حقه أن لا يسمح به , بل من حق الدستور وقوانين البلاد والقضاء فقط أن يفرضوا عليه سحب التجريح ومعاقبته بأحدى العقوبات المنصوص عليها في القوانين العراقية. ومن حق رئيس الوزراء أن يذهب إلى القضاء لمقايضة من أساء إليه بالنقد التجريحي أو لأي مسئول في الدولة العراقية التي ابتلت بظاهرة سلبية على امتداد تاريخها الطويل هي الاستبداد ورفض الآخر والعجز عن تحمل النقد أو حتى الاستماع إليه من جهة , وسعي الحكام إلى تركيع جمهرة من الصحفيين والكتاب والأدباء والشعراء وإذلالهم وجعلهم يعظمون الحاكم ويبجلونه , أو شعراء يتغنون باستبداد وظلم قهر الحاكم , كما فعل الشاعر الخائب عبد الرزاق عبد الواحد أو يوسف صايغ في سنواته الأخيرة , بل أن الأول لا يزال يتغنى بالقائد الضرورة والدكتاتور الأصم , من جهة أخرى!
يفترض أن نسعى لبناء جسور الثقة بين الحكومات العراقية والمجتمع , بين المثقفين والسياسيين , ويفترض أن نعمل على ممارسة القانون واحترامه من الجميع رئيساً أو مرؤوساً , مواطناً اعتيادياً أو حاكماً. وعلى الحكام أن يسعدوا حقاً حين يمتلكون شعباً , ومعه مثقفوه, لا يتحمل الظلم ويمارس النقد حتى لو جاء النقد خاطئاً , فهو أفضل من السكوت على الظلم والاستبداد والقهر كما حصل في فترة صدام حسين أو غيره من الحكام.
مرة ثانية أكرر بأن من واجب السيد رئيس الوزراء الاعتذار وتصحيح الموقف , فمثل هذا الموقف لا يعبر عن ضعف , بل عن موقف حضاري مطلوب من كل إنسان , ومنهم رئيس الوزراء العراقي.


4/9/2007

¤ مناقشة بعض تصريحات السيد رئيس الوزراء العراقي  -1