| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الجمعة 4/2/ 2011

 

مظاهرة الديوانية ... هل هي بداية لتحرك شعبي عفوي معارض؟

كاظم حبيب

نحن نقترب من نهاية العام الثامن لسقوط الدكتاتورية في العراق, تتابعت إلى الآن أربع حكومات, والرابعة الراهنة هي قيد التشكيل ورئيس الوزراء فيها هو المالكي ذاته الذي ترأس الوزارة الثالثة, وهي تتشكل من ذات الأحزاب السابقة التي شاركت في كافة الحكومات المتعاقبة في ما عدا الحزب الشيوعي العراقي الذي لم يشارك في هذه الوزارة. وكل حكومة جديدة وكل عام جديد يعد المسؤولون بقرب نهاية آلام الناس وأوجاعهم ومصائبهم في البطالة والحرمان وغياب الخدمات وخاصة الكهرباء والماء والعناية الصحية ونهاية للتعليم السيئ وإقامة بنايات جديدة للمدارس الضرورية التي أصبح التدريس فيها لساعتين لا غير. ولكن كل عام يزداد تسلط قوى الإسلام السياسية ويزداد تحكمها بالقرارات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية, ويزداد دورها في مصادرة الحرية الفردية وتجاوزها الفظ على الثقافة الديمقراطية, ويزداد تراجعها عن حفظ الأمن وسلامة المواطنات والمواطنين.
وكل عام تصرف المليارات من الدولارات على تأمين الحماية لزوار الحسين والاحتفاء بذكرى وفيات ومواليد أئمة الشيعة, بل زاد عليها بوفيات الكثير والكثير من الشيوخ الصالحين, في حين لا يزال الكثير من البشر يتضور جوعاً ويعاني من الأمراض ويموت مبكراً بسبب نقص العناية الصحية أو تدهور البيئة ..الخ. وكل هذا الصرف لم ينج الناس من موت محقق مارسه الإرهابيون ضد الزوار وفي أكثر من مكان.
وكل عام يسرق نهاًّبة الدولة الكثير جداً من أموال الدولة وبطرق شتى تصل إلى عدة مليارات دون أن يحاسب النظام هؤلاء الحرامية, بل يغض الطرف ويعفي حتى عن أولئك الذين زوروا الشهادات واحتلوا مواقع مهمة في الدولة وسرقوا الشعب بتزويرهم وأساءوا إليه وإلى كل حملة الشهادات في العراق.
كل حكومة من الحكومات الأربع أقسمت اليمين الدستورية على خدمة الشعب, ولكنها مارست عملياً تلك السياسات التي قادت إلى تعميق الهوة بين قوى الشعب على أساس الدين والمذهب والفكر والسياسة. والحكومة الجديدة أقيمت على ذات الأسس الطائفية والأثنية ولا يمكن انتظار سياسة أفضل من سياسات الحكومات السابقة.
 
إن السياسات التي مورست خلال الأعوام الثمانية الماضية أدت إلى ما يأتي:
** تعميق الصراع بين أتباع الأديان والمذاهب الدينية في البلاد بسبب سياساتها في التمييز الديني والطائفي.
** تعميق انسحاق نسبة مهمة من سكان البلاد المهمشة فعلياً, سواء أكان ذلك في بغداد أم في المحافظات والمدن والأرياف في سائر أنحاء البلاد.
** تفاقم فجوة الدخل السنوي بين الأغنياء والمتخمين بأساليب شتى وغير مشروعة وتلك الفئات الكادحة والمنتجة, سواء أكان ذلك في الريف أم المدينة. ويتجلى ذلك في مستوى المعيشة والسكن والغذاء والصحة وفي التعليم وكذلك في الحصول على خدمات الكهرباء والماء وغيرها.
** تفاقم القاذورات والنفايات في المناطق الشعبية بما يقود إلى المزيد من الإصابات بأمراض شتى وتلك القوى التي تبني القصور والفيلات والدور المرفهة في مناطق تزداد جمالاً وبهاءً والتي تعبر فعلاً عن أمتين تعيشان في بلد واحد: أمة الأغنياء القلة وأمة الفقراء الكثرة التي تشكل نسبة عالية جداً من السكان تصل إلى أكثر من 80%.
** وإذ ينتشر التعليم في صفوف الأغنياء, يزداد الجهل والأمية وانعدام خدمات الكومبيوتر والحصول على المعلومات والصحافة وما يفترض أن يتعلمه الناس في هذه المرحلة من عالم العولمة بين الفقراء والمحتاجين.

فالجهل والأمية والفقر والأمراض وغياب التنوير الديني والاجتماعي تفتك بالناس وتثير غضبهم, ولكن الناس لا زالوا يخشون الانخراط بحركة سياسية واجتماعية معارضة, بسبب معاناتهم في فترة حكم صدام حسين من إرهاب وقمع وقهر طويل.

لقد واجه نوري المالكي مظاهرات البصرة المطالبة بحقوق الناس والخدمات بالقمع الشديد عبر أجهزة الأمن والشرطة واستشهد من استشهد وجرح من جرح, وفي الديوانية مارس رجال الأمن والشرطة والبلطجية العنف ضد المتظاهرين وأصابوا الكثير منهم بجروح خطيرة. إن هاتين الحادثتين تؤكدان عدم حصول تغيير في ذهنية الحكام في العراق, فهي واحدة لم تتغير. إنها تتلخص بالفردية والاستبداد ورفض الحرية وعدم الاعتراف بالديمقراطية التي تقود إلى اعتقال المعارضين أو الإساءة لهم أو تهديدهم بالاعتقال أو الضرب بالهراوات والسلاح أو فرض غرامات ثقيلة نتيجة نشرهم مقالات انتقادية أو سجنهم أو حتى اغتيالهم بطريقة ما.
ولكن إلى متى يبقى يتحمل الشعب من الحكام هذه المعاملة القبيحة في كل أنحاء العراق دون استثناء؟ إلى متى تهدر كرامة الإنسان العراقي, سواء أكان عربياً أم كردياً أم غير ذلك؟ إلى متى؟

إن صفعة واحدة من شرطي وجهت إلى حامل شهادة عالية في تونس وافق أن يكسب رزقه بدفع عربة في الشوارع ومنع منها وأهين إهانة شديدة بتلك الصفعة فأحرق نفسه فاشتعلت الغيرة التونسية على الكرامة المهدورة ضد زين العابدين بن علي وزبانيته مع أسباب أخرى منها البطالة والحرمان والفقر, فهل يمكن أن يسكت العراقيون على الدم المهدور في البصرة والديوانية وفي غيرها دون أن يحركوا ساكناً احتجاجاً على ما يجري من إهانة لكرامة البشر في العراق واستنكاراً لسياسة حكومة لا ترى سوى مصلحتها الذاتية, رغم الموت اليومي الذي تمارسه قوى الإرهاب الدموية بسبب تخلف الحكومة عن مواجهة هذه القوى العدوانية.

إن الغضب العراقي يتراكم يوماً بعد آخر ولن يستطيع أولئك الذي يخدعون الناس بالصراعات الطائفية وتنظيم الزيارات المليونية إلى كربلاء وغيرها وزيادة العطل السنوية التي ارتفعت لتصل إلى أكثر من نصف العام عدا العطل الرسمية الأخرى, أن ينسي الناس أوضاعهم البائسة والجور الذي يتحمله من الحكام الجدد. إن الظلم إن دام دمر, وكذا أوضاع الجوع والقهر والحرمان وغياب الحريات!

لقد مارس الشعب العراقي الهبَّات والوثبات والانتفاضات وأسقط الملكية في العراق رغم هوسة (أهزوجة) نوري السعيد "دار السيد مأمونة", ولن تنفع المالكي كلمة "ما ننطيها" حين يتأهب الشعب للانتفاض عفوياً بسبب الأوضاع السيئة والكارثية التي يعيش فيها ويضع الأحزاب السياسية خلفه حين لا تتبنى مطالبه وتعمل معه للخلاص من أوضاعه البائسة بالضغط المتعاظم على الحكومة المالكية الثانية.

سيقدم الشعب المصري الدرس الثاني لنا بعد شعب تونس وستتعلم شعوب المنطقة كلها دروساً ثمينة من هذين البلدين المنتفضين وستمارس طريقتها في الخلاص من أوضاعها المزرية التي تعيش تحت وطأتها منذ سنوات.
 

 

4/2/2011

 

 

free web counter