| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الثلاثاء 3 /1/ 2006

 


 


هل أفقدت اعترافات خدام أعصاب حكام سوريا ؟

 

كاظم حبيب

هكذا تستقبل النظم الدكتاتورية اعترافات بعض شخصياتها البارزة والكبيرة التي عملت معها سنوات طويلة جداً وخدمت تلك النظم بأقصى وأقسى وأشرس ما يمكن. فيد النظام السوري كله, وبالغالبية العظمى من العناصر القيادية في الحزب والدولة, ملوثة بدم ودموع الضحايا التي سقطت عبر العقود المنصرمة لأنها كانت معارضة للنظام أو رافضة لبعض سياساته أو لها وجهات نظر أخرى غير التي يعمل بها حزب البعث. فقد جن جنون أعضاء مجلس الشعب, الذي لا يمثل الشعب بأي حال, وتصدت القيادتان القومية والقطرية لتصريحات عبد الحليم خدام, المسؤول عن كل سياسات النظام حتى قبل عدة أسابيع لا غير, فطردته من الحزب واتهمته بالخيانة العظمى للحزب والدولة وطالبت بتقديمه إلى المحاكمة, ويريد البعض من المسؤولين إرسال المرتزقة, الذين كان يستخدمهم خدام أيضاً لحرق قصره في دمشق, كما نقلت الأخبار يوم أمس. الصحافة الحكومية والمرتزقة وأحزاب الجبهة الوطنية والقومية التقدمية الكارتونية أصدرت مواقفها الشاتمة, إذ أن بعضها كان وما يزال جزءاً عضوياً من النظام الحاكم في سوريا.
ليس هناك من فوجئ بالمضامين التي وردت في تصريحات النائب الأول لرئيس الجمهورية وعضو القيادة القطرية حتى الأمس القريب, عبد الحليم خدام, إذ كانت كلها معروفة للناس, رغم أن هناك الكثير في جعبته الذي لم يبح به ويمكن أن يكشف عنه مع الأيام القادمة. ولكن المفاجأة كانت في أن تصدر عن واحد من أبرز السياسيين البعثيين مسؤولية في الدولة والحزب والذي رافق حزب البعث طيلة نصف قرن ورافق النظام الذي قاده حافظ الأسد منذ عام 1970 ومن ثم خليفته المتوج على عرش سوريا الجمهورية بشار الأسد.
إن أي محاكمة عادلة تجري لخدام ستكون محاكمة كاملة للنظام السوري وللبعث السوري على الصعيدين العربي والإقليمي, وسيجرم دون أدنى ريب أولئك الذين تسببوا في كل الأوضاع المأساوية التي عاشتها سوريا ولبنان طيلة العقود المنصرمة. ولا شك في أنها ستكون محاكمة للنظم العربية كلها بكل مواقفها وحروبها الفاشلة التي قادت إلى أن تحتل إسرائيل أجزاءً من الأرض السورية واللبنانية والمزيد من الأرض الفلسطينية.
لقد حرك النظام السوري ماكنة إعلامه لتفضح خدام. ولكنها لا تدرك حقيقة أنها تفضح نفسها. وتحدث صبيحة هذا اليوم أحد الصحفيين السوريين, السيد بلال, متهماً خدام بأنه كان المسؤول عن الوضع غير الديمقراطي والفساد في البلاد. وهذا يعني ضمناً أن سوريا كانت لا تعرف في فترة خدام الديمقراطية وكان الفساد سائداً, وهي ذات الفترة التي حكم فيها حافظ الأسد وبشار الأسد. إنه اعتراف ضمني واضح يعبر عنه الصحفيون المقهورون بطرق مختلفة وبأساليب كليلة ودمنة رغم أنها لا تخفى على السامع اللبيب.
أي نظام ديمقراطي في العالم كان في مقدوره أن يواجه عبد الحليم خدام بطريقة أخرى ويبرهن للمجتمع الدولي ما يريد أن يقوله ضد نائب رئيس الجمهورية السابق دون توجيه الشتائم والتقديم غيابياً إلى المحاكمة وطرده من صفوف الحزب الحاكم واتهامه بالعمالة وقبض ثمن تصريحاته من أمريكا وإسرائيل. إن فقدان الأعصاب الذي تجلى في ردود فعل الحكم السوري يعبر عن ثلاث حقائق جوهرية, وهي:
1. أن النظام السوري لا يختلف قيد أنملة عن أي نظام دكتاتوري آخر وصنو حقيقي لنظام صدام حسين المخلوع.
2. كما يعبر عن صواب كل الاتهامات التي وجهها عبد الحليم خدام للنظام القائم في سوريا بشأن الوضع الداخلي ويشمل بها نفسه بطبيعة الحال.
3. وأن ما جرى في لبنان يؤكد, كما يبدو, تورط سوريا بتلك الأحداث المأساوية, خاصة وأنه أشار إلى أن جرائم من هذا النوع لا يمكن أن تحصل من سوريين دون علم واضح وموافقة فعلية من الجهات المسؤولة, وهي القضية التي أثارت الحكم السوري. خاصة وأن المحقق الدولي قرر الطلب اللقاء بالرئيس السوري وبوزير خارجيته لاستجوابهما بشأن العلاقة بين الأحدث والتهديدات التي وجهت إلى الراحل الحريري حين كان في آخر زيارة له إلى سوريا ومن قبل رئيس الجمهورية وبحضور أبرز مسؤولي وزارة الداخلية والأمن السوري والمخابرات السورية في لبنان, أي "المنتحر" غازي كنعان, ومسؤول الأمن الراهن رستم غزالة.
سوف لن يتوقف مسلسل الهروب من سوريا من قبل مسؤولين كبار أدركوا بأن سوريا "سائرة في درب الصد ما رد", إذ أنها تلعب اليوم بالنار على ثلاث جبهات: الجبهة الداخلية, وجبهة لبنان وجبهة العراق.
لم تحصل سوريا على دعم إلا من دولتين تتميزان بالشمولية والتاريخ الحافل بالخروج على القوانين الدولية وحقوق الإنسان والسجون, وهما إيران, الحليف المباشر لسوريا في كل شيء, ومن ثم القذافي.
إن القوى الديمقراطية العربية ترى في النظام السوري مناهضاً للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات, كما في الموقف من المواطنين الكرد, وفي وجود كثرة من السوريين في السجون ومن مختلف الهويات السياسية. وأن هذه القوى تتمنى أن تتغير الأوضاع في سوريا لصالح الديمقراطية وحقوق الإنسان والاستجابة لمصالح الشعب السوري بكل مكوناته. وهي لا تريد أن يمارس الضغط لصالح إسرائيل بأي حال. والحكم السوري الذي يمارس السياسات غير الديمقراطية هو الذي يضع سوريا تحت الضغط الدولي, وبالتالي لن ينتهي هذا الضغط ما دامت سوريا لا تستجيب لإرادة الشعب السوري. وردود فعلها المتوترة تعبر عن أن النظام السوري, كما يبدو لي, غير قابل للإصلاح والتغيير أو عاجز عنه تماماً.