| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الأربعاء 3/10/ 2007

 


 

هل نفذ رئيس الوزراء تهديده بشأن حرية الصحافة والصحفيين ؟

كاظم حبيب

لم أفاجأ حين قرأت التصريح التالي الذي أدلى به السيد فخري كريم , رئيس مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون إلى وكالة "أصوات العراق": "قامت قوة صغيرة من الجيش العراقي صباح يوم أمس الثلاثاء باقتحام مبنى تابع لجريدة (المدى) في بغداد. وصادر أفراد القوة كتباً ووثائق وكراريس قديمة من المبنى، بعدما فتح العاملون في الجريدة الأبواب لهم في إثر تهديد باقتحام المبنى عنوة والاستيلاء على ما فيه". [راجع جريدة المدى والموقع الإلكتروني صوت العراق بتاريخ 2/10/2007] , إذ حصل هذا في أعقاب التهديد الذي وجهه السيد رئيس الوزراء قبل فترة وجيزة إلى الصحافة والصحفيين في العراق بأنه "لن يسكت بعد الآن عما ينشر في الصحافة من نقد ... ". وقد كتبت في حينها أكثر من مقال أدين فيه هذا الصريح واعتبره مخلاً بحرية الصحافة وتجاوزاً على الدستور ومهمة القضاء العراقي وبعيداً عن صلاحيات رئيس الوزراء.
دأبت مؤسسة المدى وصحيفتها اليومية "المدى" على اتخاذ مواقف وطنية وديمقراطية وتقدمية ثابتة وجريئة وعقلانية إزاء القضايا العراقية الراهنة. فقد تصدت في أوج العمليات الإرهابية والتهديد بالقتل للصحفيين بمناهضة الإرهاب والمساهمة في تعريته والكشف عن أوكاره والقوى الفاعلة فيه , كما أنها تصدت للفساد المستشري في البلاد والوجه الثاني لعملة الإرهاب , وعرت الكثير من أقطاب النظام السابق والقوى التي تسلمت كوبونات النفط المعروفة , كما رفضت الطائفية والاحتلال والإرهاب ودعت إلى تعزيز الوحدة الوطنية العراقية وممارسة حقوق الإنسان وحقوق القوميات وتعزي الاستقلال والسيادة الوطنية. وقدمت الشهداء من صحفييها الأبرار على طريق النضال من أجل حرية الصحافة والدفاع عن قضايا الشعب العادلة, وأصبحت جريدة المدى منبراً ديمقراطياً مستقلاً رفيع المستوى تكسب يومياً المزيد من القارئات والقراء لا في العراق حسب , بل وفي الخارج وعبر موقعه الإلكتروني. وبدأ الكثير من الكاتبات والكتاب العراقيين والعرب يسعون إلى نشر موادهم السياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية في هذه الجريدة. وكانت الجريدة ولا تزال تعمل على نقد الظواهر السلبية في مختلف جوانب حياة المجتمع وسياسة الدولة بكل موضوعية وتؤشر إليها بما يساعد الحكومة على مواجهتها وتأمين الحلول العملية لها. كما دأبت مؤسسة المدى على العمل لفي سبيل تعزيز السلم الاجتماعي ونشر التنوير الديمقراطي في البلاد في مواجهة نشاط القوى الإرهابية أياً كان مصدرها ومهما كانت الخلفية الفكرية والسياسية التي تقف وراءها. ومن هنا نشأ هذا الاستغراب من هذا الإجراء السلبي وغير الحكيم والمنافي لحرية الصحافة.
فما هو السبب الذي دفع "جهات عليا" , كما يشير البيان حيث يقول " وقد علمت (المدى) من مصادر موثوقة أن هذا الإجراء المستهجن جاء بناء على "طلب من جهات عليا" حسب تعبير مسؤولين في غرفة العمليات" , إلى اتخاذ مثل هذا الإجراء المنافي لأبسط مبادئ حرية الصحافة" (راجع الخبر في جريدة المدى).
ليس لديَّ ما يبرر هذا الإجراء , إذ لا يمكن أن يكون هناك أي مبرر لاقتحام مؤسسة إعلامية ثقافية من جانب الجيش أو الشرطة أو أجهزة الأمن , فكل ذلك يعتبر مخالفة صريحة للدستور العراقي ولحرية الصحافة وحقوق الصحفيين. ولهذا لا بد أن يعتبر هذا الإجراء إزاء مؤسسة وطنية ديمقراطية عريقة وجريئة وصريحة في ممارسة النشر والنقد البناء والكشف عن أوكار الإرهاب والجريمة والفساد في العراق , فهل يا ترى من حاول ذلك اكتشف أن لدى الجريدة وثائق يمكن أن يدان بها إذا ما نشرت تلك الوثائق؟ وهل يا ترى أن هذا الإجراء ضد مؤسسة يترأسها شخصية وطنية وديمقراطية عراقية معروفة ومحترمة بين الأوساط السياسية والثقافية العراقية , بمثابة تهديد مبطن لكل المؤسسات الإعلامية والثقافية الأخرى وكذلك للصحف المحلية بأن ليست هناك لحية مسرحة؟
عندما اعتقلت من قبل أجهزة الأمن البعثية في تموز/يوليو العام 1978 بسبب نشري مقالاً نقدياً للسياسة الاقتصادية والاجتماعية لنظام صدام حسين الاستبدادي في جريدة طريق الشعب حينذاك وتعرضت للتعذيب الشرس وخرجت مرفوع الرأس وناصع الجبين مع معاناة صحية , التقيت بأعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي وقلت لهم بصريح العبارة "لم تعد هناك لحية مسرحة , فالكل معرض للاعتقال والتعذيب "! أتمنى أن لا نواجه وضعاً من هذا النوع في بغداد ومن قبل قوى لا تدرك ما تقوم به وما تسيء إليه بهذا الفعل غير المشروع إزاء مؤسسة المدى وجريدتها الغراء.
تتحمل نقابات الصحفيين في العراق والمؤسسات الإعلامية والثقافية والصحفيين والمثقفين العراقية مسئولية ومهمة رفض هذا الفعل المنكر والاحتجاج عليه أولاً , والمطالبة بمنع وقوعه على أي من مؤسسات الإعلام والثقافة العراقية , وأن تخضع إجراءات الحكومة من هذا النوع إلى القضاء العراقي وليس لمزاجيه هذا المسئول أو ذاك أياً كان مركزه الحكومي.
إن مهمة الجيش العراقي ليست اقتحام المؤسسات الإعلامية والثقافية ومصادرة الوثائق والكتب والكراريس منها , بل هي بيوت وأوكار الإرهابيين والطائفيين السياسيين المتطرفين الذين يحملون السلاح بوجه الحكومة أو الشعب , أولئك هم أعداء الحرية والديمقراطية في العراق , أعداء التقدم والوحدة الوطنية والسلام الأهلي الذين يفترض ملاحقتهم!
إن أصابع الاتهام تتوجه صوب السيد رئيس الوزراء بسبب تهديده للصحافة والصحفيين, رغم كونه قدم قبل فترة وجيزة وفي ذكرى تأسيس المدى باقة من الورود إلى المسئولين فيها تقدراً لدورها ومكانتها في الإعلام والمجتمع , وعليه أن يتنكر لذلك ويستنكره ويحتج عليه إن لم يكن المسؤول عنه , وأن يعتذر من قام بهذا الفعل لمؤسسة المدى ولحرية الصحافة في العراق وان يعاد ما سلب منها من وثائق وكراريس وغيرها في ذلك التجاوز على الدار إلى المؤسسة. وعلى الحكومة العراقية أن تمنع وقوع مثل هذه التجاوزات في المستقبل , وعلى القضاء أن يحتج على التدخل في شؤونه.


3/10/2007