| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأثنين 3/1/ 2011

 

ماذا يجري في العراق.. إلى أين تجرنا مهازل قوى الإسلام السياسية المتطرفة؟

كاظم حبيب

العالم.. كل العالم يتفرج.. يضحك.. يسخر.. ثم ينظر إلى العراق بعين الغضب.. ويتساءل: هل كل هذا حقاً يجري اليوم في العراق بعد كل تلك الآلام والمخاضات والدماء والدموع التي سالت على أرض الرافدين؟ هل حقاً يمنع تدريس الموسيقى في البلد الذي أنتج آلة الهارفة والمزمار, إذ أصبحت الهارفة شعاراً لكل محبي الموسيقى في العالم؟ هل حقاً يمنع تدريس المسرح في بلد انتج الشعراء الكبار فيه ملحمة گلگامش التي لا تزال اصداء الملحمة تطوف العالم وتعلن ان العراق كان بلداً حضارياً أو أحد مهود الحضارة البشرية؟ هل حقاً يلغى تدريس الموسيقى والغناء ونحن أحفاد الموصلي ومن وضع الموسيقى والسلم الموسيقي في العهد العباسي قبل ذاك, أو بعد ذاك من أمثال صالح الكويتي ومنير بشير وحضيري ابو عزيز وداخل حسن وناظم الغزالي ومحمد القبنجي وزهور حسين وسليمة مراد ووحيدة خليل وصديقة الملاية, أو حسن زيراك, الذي أنتج نحو ألف أغنية, ومحمد ماملي وعباس كاماندي وعزيز شاروخ أو نصير رزازي وعلي مراد ... وغيرهم في هذا البلد المعطاء؟ هل حقاً تداس كرامة الفنانين وكل الشعب بهذه الصورة المروعة في بلد أنتج وأبدع ما بعث المسرة والفرحة في نفوس البشرية في أنحاء كثيرة من العالم في حقب كان العالم يعيش أوضاعاً مزرية, فهل انتقل البؤس والفاقة والخراب الفكري والروحي إلى العراق مع تسلم قوى الإسلام السياسي للسلطة في العراق؟

هل هذا أحد شروط إيران في السماح لتشكيل الحكومة وبالصورة التي جرت عليها؟ وهل قوى الاحتلال الأمريكية كانت تريد ذلك لإرضاء إيران؟ وهل حلفاء القوى الإسلامية السياسية في العراق راضون بما تتخذه وزارتا التربية والتعليم العالي من إجراءات قبل الآن وما يمكن أن يتخذ بعد الآن ضد الثقافة والحياة الديمقراطية؟
إذا كان العالم يسخر مما يجري في العراق, فما حال العراقيات والعراقيين وهم يواجهون "المأساة والمهزلة في آن واحد"؟

العراق يندب حظه! لقد ابتلى العراق بالدكتاتورية الغاشمة للبعثيين القوميين الشوفينيين والعنصريين الذين أدموا شعب العراق وخربوا روحه! وها هو يبتلى بمن يسعون بإصرار عجيب إلى تعميق الخراب الروحي والفكري وفرض الخيمة الدينية عليه, فهل علينا أن نسكت ونقبل بما يجري في هذا العراق المغدور؟ كان صدام يقول: العراقيون بعثيون وأن لم ينتموا!, أما قوى الإسلام السياسية, قوى حزب الدعوة, فتقول: أنتم أعضاء في الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية وأن لم تنتموا!! (تريد أرنب أخذ أرنب, تريد غزال أخذ أرنب!).

نحن أمام قوى صممت على دفع العراق باتجاهات فكرية وسياسية خطرة, وإذا ما سكت المساومون المساهمون في الحكم, فعلينا نحن, من يعتقد بأنه مدني وديمقراطي, أن لا يقبل بما يجري في العراق, أن يرفض ما يراد للناس الطيبين من ابناء هذا الشعب المغدور, إذ أننا نعرف ما ستكون عليه العاقبة في مثل هذه المسيرة!
إن سكتم ايها الناس فستأتيكم ولاية الفقيه بما فيها وما معها؟ إن سكتم اليوم على ما يجري للعرب وغير العرب في الوسط والجنوب وبغداد, فسوف لن تهدأ كردستان, بل سيجد هؤلاء طريقهم إليها بشتى السبل, والجيران هم الذين يدعمون هذا التحرك إزاء كردستان. هل يراد أن أذكر الجميع بمقولة القس الألماني الذي تحدث بعد فوات الأوان حين قال تقريباً ما يلي:
حين اعتقل الغستابو الشيوعي, قلت هذا شيوعي, وحين اعتقلوا الاشتراكي, قلت هذا اشتراكي, وحين اعتقلوا الديمقراطي, قلت هم بعيدون عني ولن يمسنى أحد, وحين اعتقلت لم يكن هناك من يسأل أو يدافع عني!
ما يجري في العراق هو بداية لهجوم مبرمج على الثقافة الديمقراطية, على الحياة الديمقراطية, على مبادئ الحرية والديمقراطية, وهو يبدأ بالضبط من جانب وزيرين ووزارتين, أحدهما من حزب الدعوة وحديثه مع النجفي, والآخر من القائمة العراقية التي أدعى اصحابها أنهم ديمقراطيون ومدنيون, فهل هم كذلك؟

نحن أمام حالة فريدة.. قوى تقول إنها ديمقراطية, ونقبل بذلك لنضال مديد مشترك قبل ذاك, ولكنها تسكت اليوم عما يجري من جانب وزراء في الحكومة في نهش الديمقراطية وتقطيع أوصال ما بقي في العراق منها, تسكت عن الإخلال بالدستور وما جاء فيه عن حقوق الإنسان التي سبق الحديث عن الشريعة فيه ولم ينسخه.
نحن أمام حالة فريدة ... خطوة فخطوة يجري إلغاء أي شكل من اشكال الحرية الفردية وحرية المجتمع, لأنهم يريدون بناء مجتمع إسلامي في بلد متعدد الديانات والمذاهب الدينية والشرائع في آن, بلد إسلامي على الطريقة الإيرانية!

أتوجه إلى كل الذين يهمهم أمر وأهل العراق في الداخل والخارج بتحذير مفاده أن ما ينتظركم أكثر بكثير مما حصل لكم في هذه السنوات السبع المنصرمة, إن لم ترفعوا صوت الاحتجاج والتمرد على ما يجري في العراق, إنها البداية لنهاية غير محسوبة العواقب لا أتمنى أن تكون مفجعة ومريرة! هذه هي الحقيقة, فالكثير والكثير جداً من الحكام الجدد لا يريدون الاستفادة أبداً من دروس الحكام الذين سبقوهم, ولكنهم نسوا أنهم يمكن أن يصلوا إلى نفس المصير الذي وصل إليه من سبقهم في الحكم!

قوى الاحتلال تتحدث عن الحرية والديمقراطية, وهي ترى مباشرة وبمساعدتها كيف تغتصب الحرية الفردية وكيف تلغى من المناهج ما هو حضاري وسليم وكيف تبقى ما يسهم في تفريق المجتمع وضرب نسيجه الوطني الاجتماعي. وليدرك من لم يتوصل لحد الآن إلى ما يراد للعراق, رغم الصعوبات التي تعترض من يريد دفع العراق باتجاه دولة دينية إسلامية, دولة ولاية الفقيه, بأن من يدرك متأخراً يعاقبه التاريخ !!!

إن هذا الدفع باتجاه الدولة الدينية هو الذي ينتج التعصب الديني والتزمت والرغبة في الخلاص من وجود أتباع الديانات الأخرى في العراق. هنا علينا أن نطرح السؤال التالي: من المسؤول عما يجري لمواطناتنا ومواطنينا من المسيحيتات والمسيحيين والصابئيات والصابئيين المندائيين في مختلف أنحاء العراق, والأيزيديات والأيزيديين في محافظة الموصل من عواقب وخيمة في المرحلة الراهنة, أليست هذه هي نتاج التربية الدينية المعوجة والتزمت الديني ومحاول إقامة مجتمع إسلامي على الطريقة المعروفة في إيران والتي بدأت خطى أولية بهذا الاتجاه في العراق؟ أتمنى أن لا يكون الأمر كذلك, ولكن الواقع يحدثنا بأشياء أخرى!

 

 

3/1/2011

 

 

free web counter