| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأحد 31/8/ 2008

 

نادي الرافدين الثقافي العراقي في برلين
وإمكانياته الثقافية والإبداعية

كاظم حبيب

في العام 1991 تأسس نادي الرافدين الثقافي العراقي في برلين بعد توحيد ألمانيا وبعد لقاء العراقيات والعراقيين من شرق وغرب برلين بجهود مجموعة طيبة ونشطة من المقيمات والمقيمين في برلين ممن أدركوا أهمية وجود نادي ثقافي للجالية العراقية أو لجزء منها ممن يعتمد الديمقراطية والحق في امتلاك الرأي والرأي الأخر والاختلاف بين أعضاء النادي.
ومر النادي بمصاعب التأسيس وشحة الموارد المالية وصعوبات أخرى , ولكنه استطاع بفضل نخبة من الذين أبدوا في كل مرحلة من مراحل تطور النادي الاستعداد للتطوع والعمل والتضحية بالوقت ليس من أجل أن يبقى النادي فحسب , بل وأن يتطور ويتسع ويمارس نشاطات ثقافية واجتماعية متنوعة , وأن يكون بعيداً عن تأثير هذا الحزب أو ذاك , بل موقعاً للمستقلين والحزبيين في آن , شريطة أن يبقى النادي بعيداً عن هذا الحزب أو ذاك ومستقلاً في نشاطه وعلاقاته والاتجاهات الفكرية والسياسية لأعضائه. لم يكن سهلاً الحفاظ على استقلالية النادي وتأكيد ذلك , بسبب وجود حكم مسبق يشير إلى أن هذا النادي هو لجهة حزبية معينة دون غيرها. ولكن السنين المنصرمة برهنت لمن يريد أن يقتنع بحقائق الأمور أن النادي ليس ملكاً لحزب معين ولا تسيطر عليه فئة أو جهة معينة , وهو ملك وموقع ثقافي واجتماعي للجميع , لكل العراقيات والعراقيين الديمقراطيين الذين يقفون إلى جانب الثقافة الديمقراطية والإبداع الفني بمختلف مجالاته ومن يلتزم بمبادئ الديمقراطية والمجتمع المدني والعلمانية.
يضم النادي عدداً غير كبيرٍ من الأعضاء , ولكن يلتف حوله الكثير من المساندين والمستفيدين من نشاطاته الثقافية العامة والمهمة. واستطاع خلال السنوات العشر المنصرمة بشكل خاص أن يشكل ظاهرة ثقافية عراقية في مدينة برلين وبين الجاليات الأجنبية. لم تأت هذه المكانة الجيدة من فراغ , بل بجهد بذلته الهيئات الإدارية التي تولت إدارة النادي وعملت على إنجاحه , إضافة إلى مشاركة بقية الأعضاء وبمستويات مختلفة في ذلك. لقد أدار النادي الكثير من الأعضاء , وكان على راس النادي نساء مثل السيدة سوسن أحمد البراك مرة وأخرى السيدة نسرين زوين , كما كان العديد من الرجال على رأس إدارة النادي مثل السادة جبار عنبر والدكتور علي إسماعيل جودت وناصر خزعل , الذي يترأس الهيئة الإدارية حالياً.

كيف تحققت للنادي هذه المكانة؟
يبدو لي بأن الأسباب في ذلك تكمن في النقاط التالية:
** الموقف العلماني العام والديمقراطي للنادي من عضوية النادي , فهو يضم العربي إلى جانب الكردي والتركماني والكلداني أو الآشوري , كما يضم مختلف الأديان والمذاهب الموجودة في العراق في عضويته , سواء أكان العضو مسلماً , شيعياً أم سنياً , أم مسيحياً أم صابئياً مندائياً أم يزيدياً أم كاكائياً أم شبكياً , وسواء أكان امرأة أم رجلا , جمهورياً أم ملكياً , فهو مفتوح للجميع ولكل من يرغب في المشاركة , في ما عدا من كان قد ألحق الأذى والضرر بالعراقيات والعراقيين حين كان في الوطن أو في المهجر من جواسيس النظام الدكتاتوري السابق أو السفارة العراقية لا غير. لا يقوم النادي على مبدأ اجتثاث البعث , فهو ليس من مهما أو أهداف النادي الثقافي العراقي.
** إصرار النادي على وضع برامج نصف سنوية لنشاطه الثقافي يضم الكثير من المحاضرات والفعاليات ويشرك الكثير من المحاضرين وفي مختلف الاختصاصات الثقافية والإبداعية والعلمية وما يمس الوضع في العراق والمجتمع المدني والديمقراطية.
** إشراك النادي لعدد كبير من المحاضرين من برلين وألمانيا والخارج ومن الزائرين العراقيين بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية والسياسية , مما وسع من أفق النادي ومنحه بعداً إنسانياً عاماً وخيمة لا تقتصر على فكر أو رأي واحد أو موقف سياسي واحد , بل التعدد والتنوع والتلاقح.
** شاركت جمهرة كبيرة من الفنانين المبدعين في الفن التشكيلي والشعر والموسيقى والغناء والمسرح والنقد الأدبي في نشاطات النادي , إضافة إلى الراوية والقصة أو البحث العلمي والسياسي أو الأوضاع الاقتصادية ومشكلات الإرهاب في العراق وتأثيراته على المجتمع.
** وخلال السنوات الأربع الأخيرة نظم النادي أربعة مهرجانات ثقافية سنوية دعي لها الكثير من الشعراء والكتاب والتشكيليين والمسرحيين والسينمائيين والأدباء والمهتمين بالمجتمع العراقي وقضايا العصر ممن يعيشون في دول المهجر الأوروبي. وكانت المساهمات رائعة ومتطورة سنة بعد أخرى وذات مستوى رفيع. وكان المهرجان الأخير ظاهرة ومظاهرة ثقافية عراقية متميزة من حيث الحضور والمشاركة وحجم البرنامج والمشاركين في إنجازه. من الممكن الإشارة إلى عدد من الأسماء البارزة والمتميز التي شاركت في هذه المهرجانات الغنية ببرامجها , ومنهم على سبيل المثال لا الحصر وفي مختلف الاختصاصات الثقافية والفنية ومنهم الأساتذة منذر حلمي وفيصل لعيبي وعفيفة لعيبي والدكتور هاتف الجنابي والأستاذ ضياء الشكرجي والدكتور الراحل عوني كرومي والدكتور فاضل العزاوي والدكتور سليمة صالح حسون وفاضل السلطاني وعلي رفيق وزهير كاظم عبود والراحل الدكتور عبد الأخوة التميمي وعبد الكريم كاصد وفاضل السلطاني وعدنان الصائغ وداوود أمين وماجد الخطيب وياسين النصير وطارق حربي ومحمد توفيق وعلي فوزي والدكتور صادق إطيمش والدكتور أسعد راشد والدكتور حميد الجميلي وعلي ريسان وسامي كمال وعصام الربيعي وعلي فوزي وطه رشيد والدكتور نورالدين فارس , إضافة إلى الأستاذ المخرج أديب القليجي والفنانة المسرحية المبدعة وداد سالم والدكتور وثاب السعدي.
** يمتلك النادي طاقات ثقافية وفنية كبيرة , سواء من كان عضواً فيه أم من هو صديق أو قريب من النادي ممن يوافق على المشاركة بصيغة ما في نشاطات النادي. فهناك جمهرة مبدعة من الفنانين التشكيليين , منهم بشكل خاص الأساتذة الفنانين المبدعين منصور البكري ومنير العبيدي وأحمد الشرع وعدنان شينو ويونس العزاوي وفهمي بالاي ورياض البزاز وآخرين من برلين, إضافة إلى حسام البصام وعبد الرحمن الجابري. كما يمتلك النادي طاقة فنية موسيقية عديدة من بينهم السيد طه حسين الرهك والسينمائي ناصر خزعل والكاتب الدكتور مجيد مسلم القيسي. ويستفيد النادي بين فترة وأخرى من الأخ الشاعر والكاتب المبدع الدكتور فاضل العزاوي والقاصة والكاتبة المتميزة الدكتورة سالمة حسون في ندواته الثقافية. ويشارك في نشاطاته الدكتور حميد خاقاني والدكتور المؤرخ والروائي زهدي الداوودي والمهندس المعماري صبيح الحمداني والدكتور صادق البلادي وكذلك الكاتب والصحفي السيد لطيف الحبيب , بما يملكه من طاقة تنظيمية وأريحية عالية في العلاقات العامة والتنظيم. ويمتلك النادي جموداً مجهولين يعملون في التحضير للمهرجان أو المساعدة فيه كما هو واضح بالنسبة للأخ السيد عامر الشيخلي وعلي ولي على سبيل المثال لا الحصر.
** كما أن نادي الرافدين الثقافي العراقي يستعين باستمرار بالطاقات الفنية والأدبية الإبداعية في بقية أنحاء ألمانيا , مما يزيد من القدرات الفعلية للنادي , إضافة إلى تعاونه المستمر مع المبدعين خارج ألمانيا. وقبل فترة خسر النادي أحد ابرز المبدعين العراقيين في مجال الإخراج المسرحي والتمثيل , خسر الصديق الزميل والأستاذ الدكتور عوني كرومي برحيله المفاجئ عنا , هذه الشخصية الإبداعية الرائعة والمتواضعة الذي أغنى المسرح العراقي والإخراج المسرحي. كما خسر أحد أعضاء النادي الطيبين الذي تبرع للنادي قبل وفاته بمبلغ مناسب يساعده على تمشية بعض أعماله وبرامجه.
** ويستضيف النادي العديد من المحاضرين من المقيمين في ألمانيا ومن مواطني الدول العربية , ومنهم الدكتور الطبيب حامد فضل الله , عضو شرف في النادي , والدكتور نبيل بوشناق والدكتورة عبير بوشناق , رئيسة مؤسسة بن رشد للثقافة الحرة في برلين والدكتور جلبرت الأشقر والدكتور رالف غضبان والصحفي السوداني حسن عبد الوهاب .. الخ.
** ومن بين أعضاء النادي من يقوم بأعمال خيرية مهمة في العراق وبصورة شخصية مثل الدكتور محمود الحكيم والدكتور أحمد الحكيم وطارق عيسى طه , وهي غير محسوبة للنادي و ولكنهم أعضاء فيه.
إن هذه الإمكانيات والنشاطات سمحت للنادي في بناء علاقات طيبة مع إدارة حكومة محافظة برلين بحيث أدرك المسؤولون عن النشاط الثقافي ثلاث مسائل مهمة بالنسبة للنادي وموقعه:
1. إنه منظمة ثقافية مستقلة وغير حكومية وذات نهج ديمقراطي حر وعلماني.
2. إنها من بين أنشط المنظمات الثقافية الأجنبية في برلين وذات نشاط ثقافي واسع ومتنوع , وأن عضويتها هي الأخرى متنوعة من حيث القومية أو الدين أو المذهب أو الاتجاهات الفكرية والسياسية..
3. وأنها تعمل باتجاهين الحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية والمساهمة بتطويرها من جهة , وعلى الاندماج في المجتمع الألماني والاستفادة من الثقافة الألمانية المتطورة من جهة أخرى , من أجل مزيد من التلاقح الثقافي العقلاني.
واستناداً لذلك أبدى المسؤول عن الجانب الألماني في العلاقة مع النادي على استعدادهم لدعم النادي وتمكينه من أداء مهماته ولو بصورة متواضعة و وهي الخطوة الأولى على طريق طويل من التعاون مع الهيئات الثقافية الألمانية والنشاطات الثقافية المشتركة.
إن لدى النادي إمكانيات كبيرة أخرى بحاجة إلى استثمارها بشكل فعال. فالطاقات التي يمتلكها والمحيطين به لم تستثمر بصورة كافية وفعالة بما يسهم في إغناء النادي وإشعاعه الثقافي ومزيد من التعاون مع المنظمات غير الحكومية ألألمانية والمجتمع الألماني. ويمتلك النادي طاقة مبدعة لدى الفنان التشكيلي منصور البكري. فالبكري يشكل ظاهرة فنية إبداعية كبيرة وواعدة كثيراً , فله ألوانه الخاصة وضرباته وخطوطه القوية والجريئة وتنوع لوحاته الفنية ابتداءً من البوتريت إلى لوحاته عن الحرب والسلام وعن الطبيعة , إلى لوحاته الفنية البديعة التي تستخدم الخط العربي الجميل بالوانه الخاصة , إلى الكاريكاتير الفني الإبداعي للشخصيات العراقية والعربية والعالمية. إن المهتم بالفن التشكيلي يستطيع أن يتعرف بسرعة في معرض للفن التشكيلي أي من تلك اللوحات هي للفنان منصور البكري. لقد بدأ يفرض بفنه وإبداعه نفسه على الوسط الفني العربي ونأمل أنم ينطلق إلى آفاق أرحب. إنه فنان متعدد المواهب والكفاءات والقدرات , بما فيها التنظيم لمهرجانات أو فعاليات فنية , وله علاقات عراقية وعربية واسعة بسبب حيويته ودماثة خلقه ودأبه على العمل. إن قدراته الواسعة أكثر من أن يحتويها نادي واحد , وأملي أن يستطيع نادي الرافدين الثقافي العراقي استيعاب طاقاته الكبيرة ووضعها موضع التنفيذ.
لقد عرضت الهيئة الإدارية لنادي الرافدين الثقافي العراقي مشروعاً مهماً أثناء المهرجان الرابع للثقافة العراقية في برلين ومفاده أن يقدم النادي جائزة سنوية مقدارها 5000 يورو تقريباً لمثقفة أو مثقف , لفنانة أو فنان إبداعي عراقي خارج الوطن في مجال ثقافي أو فني إبداعي معين , على أني يتغير موضوع الثقافة أو الفن الإبداعي كل عام. وتتم عملية جمع التبرعات لهذا المشروع من العراقيات والعراقيين المقيمين في الدول الأوروبية والعالم. وقد وجد هذا المشروع صدى تأييد واسع من المشاركين في المهرجان , كما أقر المشروع في اجتماع الهيئة العامة للنادي بتاريخ 30/8/2008 على أن درس الهيئة الإدارية تفاصيل المشروع وتقوم بنشره على مواقع الإنترنيت , ثم القيام بالأعمال الإجرائية لتنفيذه ابتداءً من المهرجان الثقافي الخامس في صيف العام 2009.
لقد وجهت الهيئة الإدارية نداءً للتعاون والتكاتف ومعالجة القضايا التي تواجه النادي بروح التضامن والتعاون , وهو ما أكد عليه أعضاء الهيئة العامة. يأمل الإنسان أن يلتزم أعضاء الهيئة الإدارية وأعضاء الهيئة العامة جميعاً ومعاً بهذه الملاحظة المهمة التي أوردها التقرير العام حول فعاليات النادي خلال الأشهر الستة المنصرمة. كما أن هناك طاقات إبداعية كبيرة بعيدة عن النادي أو ابتعدت عنه لأي سبب كان , لا بد للنادي أن يستعيدها أو يكسبها لنشاطاته , ومنهم السادة صبري هاشم ويحيى علوان والدكتور مهند البراك والفنان التشكيلي والكاتب المبدع منير العبيدي والصحفية والكاتب إقبال القزويني والشاعر رضا كريم والشاعر كريم الأسدي , على سبيل المثال لا الحصر.
ليس هناك من عمل كامل ودون مشكلات. فأينما وجد الناس وجد العمل ونشأت مشاكل , ولكن الفن الإنساني يبرز في أسلوب معالجة تلك المشكلات وامتلاك الروح الإنسانية القابلة للتفاعل والتسامح ووجود آليات ديمقراطية هادئة وعقلانية وبعيداً عن التوتر والصوت المرتفع لحلها. فالصوت المرتفع ليس دليل قوة أو امتلاك الحقيقة والحق.
نأمل لهذا النادي الثقافي العراقي المتميز المزيد من النجاحات والتقدم ونأمل لهيئته الإدارية القدرة على التفاعل مع جميع أعضاء النادي لخير الأعضاء والنادي.


31/8/2008






 

 

free web counter