| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الجمعة 30/9/ 2011


 

رسالة مفتوحة إلى الصديق الفاضل الشيخ صباح الساعدي

تحية ودٍ واعتزاز

لم أتعرف على شخصكم الكريم مباشرة ووجهاً لوجه, بل عرفتكم جيداً من خلال البريد الذي كان يصلني من هيئة النزاهة في مجلس النواب العراقي حين كنتم رئيساً لهذه الهيئة. كما استمعت إلى العديد من مداخلاتكم القيمة في مجلس النواب. ثم استمعت في 11/9/2011 بإعجاب كبير واحترام تام للكلمة التي ألقيت من جانبكم في المؤتمر الصحفي الذي عقد في مجلس النواب العراقي حيث تطرقتم بوضوح عن الواقع العراقي الراهن وعن الحكومة العراقية ورئيسها نوري المالكي وعن الفساد السائد في العراق.

لقد أصبتم كبد الحقيقة حين شخصتم بدقة متناهية ما يجري في العراق وما ينتظر الشعب العراقي والقوى السياسية إذا ما استمر تدهور الأوضاع السياسية في العراق, وإذا ما استمر نوري المالكي في السير على طريق الاستبداد الذي بدت بوادره منذ فترة واضحة في سياسات وممارسات وسلوك نوري المالكي.

بودي أن أعرب وأعبر عن تضامني الكامل معكم وتأييدي لكل ما جاء في مؤتمركم الصحفي الغني بالمعلومات والتشخيصات الدقيقة, كما أقد شكري الجزيل لكم على صراحتكم وشفافيتكم وتحديكم الإنساني النبيل المنطلق من شخص موجوع حقاً بسبب ما يصيب الشعب من إساءات وتجاوزات من جانب الحكومة, ومن شخص مخلص لشعبه ولقضية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والنزاهة والدفاع عن مصالح الشعب العراقي. لقد وضعتم نقاطاً كبيرة على الحروف وأسديتم النصح للشعب العراقي وللسياسيين في أن ما ينتظرهم من عواقب وخيمة إذا ما استمر نوري المالكي السير الراهن في الدرب المعوج, درب صدام حسين.

لقد شخصتم النقاط التالية وأنتم في قلب المعركة الفعلية ضد الإرهاب والفساد الحكوميين دون وجل أو خشية من أحد. إن ضميركم الحي وإخلاصكم لهذا الشعب وحبكم للإنسان العراقي وشغفكم بالحرية والنزاهة والصدق هو الذي جعل الكلمات تنساب من فمكم تصل مباشرة إلى عقول العراقيات والعراقيين المتفتحة والواعية لما يجري في العراق, رغم إن الغالبية من الشعب ما تزال ساكتة على ما يجري في العراق, ولكن هذا السكوت المؤقت لن يدوم طويلاً, إذ أن الظلم إذا دام دمر. وقد أصبتم عين الحقيقة حين أشرتم إلى أن ساحة التحرير ستتخذ يوماً بعد آخر أبعاداً جديدة وستمتلئ الساحة والشوارع المتفرعة عنها وتمتد إلى سائر أنحاء العراق لتلقن من يحاول السير على طريق صدام حسين سيكون العواقب التي تنتظره, ومنها مصيره في حفرة الجرذان.

لقد شخصتم النقاط الأساسية التالية :
** انحراف الحكومة العراقية عن أهداف المجتمع في بناء المجتمع المدني الديمقراطي والحياة الدستورية الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحرياته العامة. فهي بعيدة كل البعد عن الوجهة التي يستوجبها تطور العراق وتقدمه.
** فشل الحكومة في إنجاز مهماتها بسبب التزامها بالمحاصصة الطائفية والأثنية وفسادها وعجزها عن تلبية مطالب المجتمع, وبسبب الخصومات السياسية والمهاترات التي لا تمت إلى المبادئ والمصالح الحيوية للشعب بصلة, بل تقع في دائرة الصراع على المصالح الذاتية البائسة والمتقاطعة مع مصالح الشعب.
** الاستغلال الفاحش للسلطة من جانب نوري المالكي من أجل تعزيز مواقعه ومواقع فئة صغيرة من النخب الحاكمة التي أصبحت بين ليلة وضحاها من أصحاب النعمة الحديثة ومن القطط السمان وأصحاب المليارات والملايين على حساب مصالح الشعب والتنمية التقدم الاقتصادي. وأصبح المجتمع, وخاصة الفقراء والعاطلين عن العمل وصغار الموظفين والكسبة, يطحنون بين رحى الفساد والإرهاب والمصالح الذاتية.
** سعي الدكتاتور الجديد والصغير نوري المالكي لبناء عرشه من خلال كونه رئيساً للوزراء والقائد العام للقوات المسلحة والمسؤول عن أجهزة الأمن الخاصة وكافة القوات المسلحة والمسؤول عملياً ومباشرة عن وزارة الداخلية والأمن الوطني والدفاع, كما كان وما يزال يسعى للهيمنة على الهيئات المستقلة التي يضمنها الدستور مثل البنك المركزي ومفوضية الانتخابات المستقلة وهيئة الرقابة المالية وهيئة الاتصالات والإعلام وهيئة النزاهة بعد أن طلب من رئيس هيئة النزاهة أخيراً الأستاذ رحيم العگيلي. إلى تقديم استقالته ليضع من يناسبه على رأس هذه الهيئة!
** سكوت ومساومة الكثير من القوى السياسية عما يجري في العراق من فساد وظلم وقمع وإرهاب من جانب الحكومة وتهديد المنتقدين والمعارضين بالاعتقال والتعذيب والقتل بكواتم الصوت أو بغيرها.
** إن سكوت هؤلاء حتى الآن سيأتي عليهم غداً ولن يجد هؤلاء من يترحم عليهم بعد أن سكتوا كثيراً وطويلاً عما يتعرض له الناس من مصائب في الوقت الحاضر, سواء بسبب مشاركتهم أم خشيتهم من الإرهاب والغدر بهم.
** إن ما يجري في العراق يؤكده تقرير الشفافية الدولية حيث أصبح العراق يحتل في العام 2010 موقع الصدارة في الفساد المالي والإداري على الصعيد العالمي وهو بين أربع دول عربية تحتل مثل هذا الموقع.
** إن الدكتاتورية المتفاقمة في العراق هي دكتاتورية فرد وليست حزب الدعوة في سابق عهده, وإن سكوت حزب الدعوة على ما يجري وما يمارسه نوري المالكي حالياً يجعل حزب الدعوة بقيادته الجديدة مسؤولاً مسؤولية كاملة مع المالكي عن الفساد والتدهور الأمني ومشاركاً له ...الخ.

لقد كتب الكثير من الكتاب والكاتبات مقالات بهذا المعنى الواضح والصريح, وأنا أحدهم, ولكنها لم تكن بهذا القوة والوضوح بسبب كونكم أيها الشيخ المحترم كنتم تتحملون مسؤولية لجنة النزاهة في مجلس النواب ومطلعون تماماً على ما جرى ويجري في العراق منذ سقوط الدكتاتورية الغاشمة حتى الآن واستشرافكم للمستقبل سليم حقاً.

إن رفع المالكي دعوى قضائية ضدكم بعد سعيه لنزع الحصانة البرلمانية عنكم, إن تم ذلك فعلاً, فأن هذا سيمنحكم فرصة ثمينة لتعرية الحكومة ورئيسها نوي المالكي بما تملكونه من وثائق دامغة تؤكد كل ما صرحتم به في مؤتمركم الصحفي الأخير, أولاً, وستساهم في بلورة استقطاب فعلي بين من يؤيد الفساد والسياسات الفردية والاستبدادية ومن يعارضها.

إني وفي الوقت الذي أحتج بشدة وأستنكر إقامة الدعوى من قبل نوري المالكي ضد شخصكم الفاضل, فهو يعبر في الوقت نفسه عن طبيعته وضيق صدره وعجزه عن الممارسة الديمقراطية في تفنيد ما جئتم به من وقائع بمؤتمر صحفي مماثل.

لقد كنتم في هذا المؤتمر صوت الشعب الساكت حتى الآن, الصوت الهادر ضد الظلم والاستبداد والفساد, صوت الإنسان الحر والواعي لمضامين الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة, ومدرك للخسائر المالية الفادحة التي يتحملها العراق من جراء الفساد المالي والإداري في البلاد, وواثق بأن هذا الدرب الذي يسير عليه المالكي يؤسس لدكتاتورية جديدة غاشمة في العراق.

أدعو كل الناس الشرفاء في العراق إلى إعلان تضامنهم الحار والفعلي معكم أيها الشيخ صباح الساعدي ورفع صوت الاحتجاج ضد محاولات تكميم الأفواه من جانب المستبد الجديد بأمره نوري المالكي.

أدعو إلى تأمين الحماية الجدية لكم, إذ أصبحتم الآن عرضةً للانتقام كما حصل للأستاذ الشهيد كامل عبد الله شياع والمخرج المسرحي والكاتب والإعلامي الشهيد هادي المهدي.

أدعو جميع الكتاب والكاتبات والإعلاميات والإعلاميين في العراق وخارجه إلى الكتابة عما يجري في العراق من وقائع وفضائح في مختلف المجالات التي تحدث عنها الشيخ صباح الساعدي لتأكيد تلك الوقائع.

إن الشعب العراقي أمام مخاطر جمة تشير إلى عودة فعلية زاحفة للدكتاتورية الغاشمة في العراق تحت سمع وبصر الشعب كله والدول المجاورة وكذلك الإدارة الأمريكية وتحت واجهات بائسة كدولة القانون التي تتجاوز هي قبل غيرها على القانون وحقوق الإنسان والمجتمع.

أسمع صوت امرأة في العراق تقول بشكل مسموع: "لا عاب حلگگ يا شيخ صباح, هسه احچيت الحقيقة, حچيك ذهب عيوني أنت", تماماً كما كانت امرأة أخرى حين كان صدام على رأس السلطة تردد مع نفسها: "لماذا وكيف عدت يا حجاج؟" (المقصود هنا المستبد بأمره والجزار "الحجاج بن يوسف الثقفي الذي قال في حينها "إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان خطافها وأني لصاحبها".

وأخيراً أرجو للشيخ صباح الساعدي الصحة والسلامة في بلد لم تعد السلامة مضمونة فيه باعتبارها حقاً ثابتاً من حقوق الإنسان.


مع صادق ودي وكبير إعجابي.


أخوكم
كاظم حبيب
 

 

free web counter