موقع الناس     http://al-nnas.com/

من أجل معالجة جادة لفكر وممارسات العنف والقسوة لدى الحركات الأصولية السلفية!

 

كاظم حبيب
(2)

الأثنين 2/10/ 2006

إن غياب الحرية الفردية والحياة الديمقراطية والتجاوز على حقوق الإنسان وحقوق القوميات وممارسة سياسات شوفينية قهرية وتمييز بمختلف أشكاله من جانب حكومة البعث وأجهزتها القمعية من جهة, وتنامي الفجوة في مستويات الدخل والعيش والتعليم والثقافة, وتفاقم الفساد المالي والإداري من جهة ثانية, كلها سياسات وإجراءات وظواهر وفرت الأجواء أو الأرضية السياسية المناسبة لنمو مختلف الأصوليات السلفية والتطرف الفكري والسياسي والعنف والقسوة والإرهاب, وخاصة الانكفاء الديني والاجتماعي والغوص في عمق الانحطاط الحضاري, إذ أن سياسات نظام الحكم ذاته كانت تمثل التطرف في ممارساته ضد الفرد والمجتمع وتحفز الآخرين على ممارسته ضد النظام وبعضها ضد البعض الآخر. هذا ما حصل في العراق بشكل صارخ ونموذجي, وهو ما نعيشه اليوم من نتاج تلك الفترة التي حكم فيها حزب البعث وجمهرة من القوميين العرب العراق والتي استمرت طيلة 40 عاماً (1963-2003).
إن مواجهة عواقب السياسات التي مارسها النظام البعثي الصدامي في العراق كانت وستبقى لفترة طويلة, صعبة ومعقدة, إذ أن أجيالاً من البشر وفي مناطق مختلفة من العراق قد تربت في أجواء وفكر الكراهية والحقد والشوفينية وإقصاء الآخر والاستعداد لممارسة العنف والاضطهاد ليس عبر سياسات النظام الداخلية ذات الوجهة والمضمون الهتلري فحسب, بل وفي السياسة العدوانية الخارجية والحروب والغزو والموت والخراب والنهب لثروات المجتمع. فمناطق من العراق عاشت في ظل التمييز الطائفي الشرس, ومناطق أخرى مورس باسمها الاضطهاد والتمييز, مناطق عانت الأمرين بفعل عنصرية وشوفينية وعدوانية النظام وتعريبه وقهره وتهجير الناس, كما في كردستان, ومناطق أخرى مورس باسمها كل ذلك., فنشأت عن كل ذلك أجواء مسمومة لا تساعد على خلق الصفاء بين مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية بسهولة بعد سقوط النظام بقوى خارجية لم تكن مستعدة أو عارفة وواعية لعمق الأزمة الفكرية والسياسية والاجتماعية والنفسية التي كان يعاني منها الفرد والمجتمع وحجم الخراب الروحي الذي تسبب فيه النظام وعواقبه على نفسية ومزاج وسلوك الفرد العراقي والمجتمع, خاصة وان قوى سياسية بعينها وجدت من مصلحتها تشديد الاستقطاب للاستفادة منه في نشاطها ونهجها الفكري والسياسي المتخلف.
إن أي معالجة جادة لمظاهر العنف والقسوة والإرهاب والفساد والتمييز التي مارسها النظام في السابق وتمارسها اليوم أطراف عديدة في الحركات الأصولية السلفية, سواء أكانت دينية أم ذات بعد أيديولوجي علماني, يفترض أن تستند إلى أرض الواقع وأن تعي الأسباب أو العوامل التي تسببت في ظهورها وأبعادها وعلاقاتها المتشابكة محلياً وإقليمياً ودولياً والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها. إذ عندها يمكن أن تتخذ مجموعات من السياسات والإجراءات والوسائل والأدوات أو الآليات الكفيلة بمعالجتها. فغالبية الحركات الإسلامية السياسية المتطرفة التي تمارس الإرهاب في العراق مثلاً, وغالبية القوى البعثية والقومية ذات الخلفية العلمانية التي تمارس الإرهاب في العراق أيضاً, ولا نتحدث هنا عن عصابات الجريمة المنظمة, تستند في دعاواها إلى أربع مسائل, وهي:
1. أنها تكافح ضد الاحتلال وتريد أخراج القوات الأجنبية.
2. وأنها تكافح ضد الكفر والإلحاد وتسعى إلى تطهير البلاد من رجسيهما.
3. وأن الإسلام أو (و) القومية العربية يواجهان خطراً داهماً من الأعداء في الداخل والخارج.
4. وأنها ضد النظام الفيدرالي في العراق.
ولكنها في الجوهر تسعى إلى الاستيلاء على السلطة وتغيير نهج ووجهة الحكم وإقامة أحد شكلين من النظم السياسية ذات المضمون الواحد:
أ‌. نظام سياسي قومي متطرف يماثل في طبيعته نظام صدام حسين في طبيعته الاستبدادية والقهرية ويقيم ما يشاء من المقابر الجماعية مجدداً,
ب‌. وأما نظام "إسلامي" سياسي ظلامي متطرف وإرهابي يماثل في طبيعته نظام طالبان في أفغانستان أو نظام يستند إلى ما يدعى بولاية الفقيه الذي لا يختلف في تطرفه عما يسعى إليه قوى بن لادن ولكن باتجاه طائفي آخر. ولن يختلف في ما سوف يفعله بالناس وقوى المعارضة من مظالم عما فعله نظام صدام حسين أو دول أخرى باسم الإسلام.
وقد كتبنا عن هذه المسائل كلها في أكثر من مقال, ومنها مقال "حذاري.. حذاري من حزب يماثل حزب الله في العراق!". ويهمنا في هذا المقال أن نشير إلى أن المعالجة يفترض أن تتخذ خمسة مسارات مترابطة بشكل خاص بحيث تتفاعل في أفعالها وتتبادل التأثير وتدفع باتجاه النتائج الإيجابية, وهي:
1. الإجراءات السياسية, وأبرزها موضوع المصالحة الوطنية وإبداء الاستعداد للمساومة على بعض الأمور التي يمكن تأجيل البت بها إلى حين تتوفر أرضية أكثر عقلانية في الحوار بين القوى السياسية المختلفة.
2. الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية, وهي الأكثر أهمية للفرد العراقي إذ تشمل موضوع مكافحة البطالة الواسعة وإيجاد فرص لتشغيل القوى العاملة وتحسين ظروف حياة ومعيشة الناس وتوفير الخدمات الأساسية وانتشال العوائل من حالة اليأس الذي تعيش فيه, ومكافحة جادة للفساد السائد حالياً.
3. الإجراءات الثقافية والإعلامية, التي تمس العمل من أجل مكافحة الإرهاب والعنف والتحول صوب سياسة الحوار الديمقراطي, ومكافحة التمييز القومي والديني والمذهبي والاستقطاب الطائفي والديني الراهن وتعميم الثقافة الديمقراطية والإعلام الإنساني غير المتحيز وهجر السياسيات الشوفينية وضيق الأفق القومي وإقصاء الآخر.
4. الإجراءات الأمنية الداخلية التي يفترض أن تميز بين القوى التي تريد هدر دم العراقيين والقوات الأجنبية المقيمة في العراق بناء على موافقة رئاسة الدولة والحكومة ومجلس النواب, وبين أولئك الذين يبدون الاستعداد للحوار والتحول صوب العمل السياسي. ويبدو لي بوضوح أن على الحكومة تشديد الكفاح الصارم ضد الإرهابيين الإسلاميين السياسيين المتطرفين من مختلف الطوائف الدينية والقوى البعثية الصدامية التي ترفض الانصياع لإرادة الناس, إذ بدون ذلك سيستمر الإرهاب ويخسر العراق المزيد من البشر. وعلينا أن ننبه إلى أن قوى تتغذى اليوم من الأسلحة الإيرانية وأموالها وفنييها وعسكرييها ستكون في الفترة الراهنة واللاحقة الخطر الرئيسي المحدق بالعراق, إذ أنهم يعززون اليوم مواقعهم وتأمين الأسلحة الحديثة والثقيلة من أجل شن الهجمات الشرسة للهيمنة على المحافظات وإقامة نظام ظلامي عنفي رهيب في العراق, وهو ما يفترض تأكيده وجلب الانتباه إليه قبل فوات الأوان. إن النظام الإيراني مصمم على تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العراق وعلينا أن نرى ذلك بوضوح كبير, وتجد الدعم والتأييد من جانب النظام السوري. وستكون بغداد مركز هذا النشاط أيضاً وموقعاً لتخزين الأسلحة والعتاد.
5. الإجراءات الخاصة بالعلاقات الإقليمية والدولية, وهي إجراءات يفترض أن تتوجه صوب القضايا الأمنية والنشاط الاقتصادي المشترك ودعم جهود العراق في إعادة بناء ما خربته الحروب ودمره الإرهاب والفساد المستشري في البلاد. وعلينا أن نبين الإشكاليات التي ستثار ضد الدول الأخرى المجاورة وأوروبا أن تواصل التخريب في العراق.
لا يمكن بأي حال إغفال أي من هذه المجالات الخمسة, إذ سينعكس سباً عل ى بقية المجالات. فالبطالة الكبيرة السائدة حالياً تساهم في تشديد النقد ورفض سياسة الحكومة وتشجع على النشاط المضاد لها من جهة, واحتمال تحول البعض غير القليل منهم صوب قوى الإرهاب للاستعانة بما يحصلون عليه من لقمة مغموسة بدم الأبرياء من الناس ودموع الثكالى من جهة أخرى. وكذا الحال حين يكون هناك سكوتاً على الفساد السائد, إذ أنه الطريق لاستمرار الإرهاب وتعطيل قدرة الدولة والحكومة على مواجهته والقضاء عليه.
ولا شك فنحن أمام إشكالية كبيرة هي دول الجوار, إذ أن استمرار التوتر على الحدود من جهة, واستعداد دول الجوار على فتح منافذ لتسرب الإرهابيين وسلاحهم إلى العراق من جهة ثانية, سيسهم في مواصلة العمليات الإرهابية في العراق باتجاهين من جانب قوى تحسب على أهل السنة وأخرى على أهل الشيعة. ومن هنا تأتي أهمية ضبط الحدود بقوى مقتنعة حقاً بالمسيرة الديمقراطية للعراق وليس بقوى ملتزمة باتجاهات ضيقة لا تعير للمواطنة العراقية أي اهتمام بقدر ما تعيره للهوية الطائفية مثلاً أو الهوية القومية الشوفينية.
إن منظومة القيم والمعايير يفترض فيها أن تتغير, أن تبعد عن أذهان الناس ما خلفه النظام البعثي الصدامي من قيم ومعايير شوفينية وفاشية ورجعية خلال العقود المنصرمة, وأن ترفض المفاهيم الظلامية الجديدة القديمة أيضاً, وأن تحل محلها القيم الإنسانية والديمقراطية التي تعترف بالأخر وبحقوقه وكرامته ومساواته, تعترف بلائحة حقوق الإنسان وكل العهود والمواثيق التي صدرت عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية, وأن تقر بحقوق القوميات المختلفة وبالمواطنة المتساوية بين الناس وبين المرأة والرجل ... الخ.
إن الأمل معقود, رغم الخسائر المتفاقمة, ورغم البنية المشوهة لراهنة للمجلس النيابي ومجلس الوزراء المبني على أسس معينة, ولكنها مع ذلك تمثل اتفاقاً عاماً بين مختلف مكونات المجتمع نسبياً, بأن الدولة والمجتمع في العراق سيتمكنان من مواجهة الإرهاب وقوى الظلام والفساد والقهر ودحرها وإقامة المجتمع المدني الديمقراطي الفيدرالي الحر في العراق. ولكن لم نصل إلى هذا دون جهود مضنية وعمل جماعي دؤوب.

نهاية أيلول/ سبتمبر 2006
ملاحظة : نشر المقال في جريدة الاتحاد /الاتحاد الوطني الكردستاني