| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأثنين 2/10/ 2006

 




هل القسوة والعنف والإرهاب نتاج طبيعي للأصولية السلفية المتطرفة دينياً وأيديولوجياً؟

 

كاظم حبيب
(1)
عند متابعة تاريخ الشعوب وأنماط الإنتاج والثقافات, ومنها الأديان والمعتقدات المختلفة والإيديولوجيات, وما ارتبطت بها من سياسات ومواقف وأحداث تاريخية وما نعيشه اليوم من أحداث, سنجد دون أدنى ريب عدة ظواهر بارزة وعامة, منها بشكل خاص:
1. إن الأصولية السلفية لم تظهر لدى شعب واحد أو دين واحد أو أيديولوجية واحدة, بل ظهرت في جميعها وتمايزت في قوتها والشحنات التي كانت تحركها والعواقب التي ترتبت عنها إزاء معاداة الأديان والمذاهب أو العقائد أو الاتجاهات الأيديولوجية الأخرى.
2. وأن ممارسة الأصولية السلفية, سواء أكانت في مجال الأديان والعقائد أم الإيديولوجيات, نشأت عنها أو اقترنت بها ممارسات الاستبداد والعنف والقمع والقسوة إزاء الآخر.
3. وأن هذا النوع من الاستبداد والعنف والإرهاب الرسمي قد شكل أرضية صالحة لإنجاب أصوليات سلفية مناهضة وعنفاً وإرهاباً مضاداً في المجتمع.
4. ولا شك في أن الفقر والبطالة والحرمان وتفاقم التمايز الطبقي وغياب الحرية الفردية والمؤسسات الديمقراطية تشكل عوامل أساسية ومساعدة لنمو الإرهاب والإرهاب المضاد.
5. وأن التقاء الأصولية السلفية بالتعصب القومي أو الشوفيني يقود إلى عواقب أشد شراسة وأكثر ضرراً بالذات وإيذاءً للآخر, سواء أكان ذلك على مستوى السلطة أم خارجها.
واستناداً إلى المراحل التاريخية التي مرت بها الشعوب والقوميات المختلفة في مختلف بقاع العالم يجد الإنسان أن بروز ظواهر الأصولية السلفية والعصب القومي والاستبداد والقمع والإرهاب وردود الفعل المضادة أو الإرهاب المضاد لم تقتصر على شعب أو قومية بعينها أو دين معين أو أيديولوجية معينة, بل وجدت في تاريخ جميع الشعوب والأقوام والأديان والأيديولوجيات أو أنها ما تزال موجودة وفاعلة حتى الآن. وأنها قد نشأت وتطورت, أو تنشأ وتتطور, في ظل علاقات إنتاجية متنوعة, ولكنها استغلالية تسهم في بروز ونمو الفقر والبطالة والحرمان والتمايز الطبقي الذي يجعل من حياة طبقات وفئات اجتماعية معينة جحيماً لا يطاق ويسهم في تنشيط التطرف والتزمت والتشدد.
لقد سجل تاريخ الأديان والعقائد هذه الظواهر عبر ممارسات أتباع الأديان والعقائد المختلفة, وكذا الحال في ممارسات أتباع الأيديولوجيات المختلفة, ابتداءً من ممارسات أتباع الديانة اليهودية ومروراً بأتباع الديانة المسيحية وانتهاءً بأتباع الدين الإسلامي من جهة, ومروراً بأتباع مختلف الأيديولوجيات في العالم, ومنها أتباع الأصولية السلفية الشيوعية, ومنها ما حصل في الدول الاشتراكية السابقة. وكانت العواقب وخيمة في ممارسة التطرف الأصولي السلفي على شعوب مختلف البلدان وقادت في الغالب الأعم إلى حروب وموت ودمار وخراب سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي. وعلينا هنا أن نتذكر الإيديولوجية النازية والعواقب التي جرتها على شعوب العالم, بما فيها الذهنية المعادية للسامية.
فالظاهرة أذن غير مرتبطة بالإسلام وحده, بل وجدت في فترات أخرى في ممارسة أتباع الديانات الأخرى كاليهودية والمسيحية والهندوسية وغيرها. وعودة سريعة إلى القرون الوسطى ومحاكم التفتيش مثلاً, أو سياسات الدول الاستعمارية في القرنين التاسع عشر والعشرين, وخاصة سياسات البرتغال وبريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا في الهند وأفريقيا, ومنها الجزائر وجمهورية جنوب أفريقيا, والعراق وغيرها, فأن المتتبع سيجد مصداقية ذلك. إلا إننا نلاحظ اليوم أن هذه الظاهرة متفاقمة في صفوف نسبة غير قليلة من أتباع الدين الإسلامي وفي جميع البلدان ذات الأكثرية المسلمة أو حتى بين الجاليات الإسلامية في الغرب. على أن لا ننسى من القول بأن تاريخ الدولة الأموية والعباسية والعثمانية كان مثقلاً بسياسات الاستبداد والقمع والعنف, وكذلك التطرف الأصولي السلفي والعنف والإرهاب المضاد أيضاً. وهذه الحقيقة وحدها يفترض أن تجلب انتباه الناس في الدول ذات الأكثرية المسلمة, وخاصة بالنسبة للمثقفين والمؤسسات الدينية ورجال الدين وحكومات هذه الدول وكافة المهتمين بشؤون التربية وعلم النفس والثقافة عموماً.
إن هذه الظاهرة الصارخة والمنتشرة في المرحلة الراهنة تدفعنا إلى التفكير عن العوامل الكامنة وراء بروزها حالياً وسبل معالجتها, إذ لا يجوز لها أن تستمر لأنها مدمرة للذات وللآخر في آن واحد.
إن الإشكالية التي نواجهها ناتجة عن عوامل كثيرة ولكنها متشابكة في ما بينها ومتفاعلة, رغم اختلاف أوزانها وتأثيراتها على حركة وحجم الظاهرة بالنمو أو التقلص. وهي تخلق في حركتها آليتها الخاصة بها وتفرز ما يمكن أن نسميه بقوانين حركتها الداخلية وتداعياتها وعواقبها. ولا يمكن مواجهة ذلك بأسلوب واحد, بل يفترض أن يجري التحري عن مجموعة من العوامل المضادة التي تشكل مجتمعة المادة والأساليب والآلية الخاصة لمواجهتها والتغلب عليها جزئياً أو كلياًً. وعلينا أن نشير إلى أن مثل هذه الظواهر يمكن أن تبدو في فترات معينة وكأنها كرة الثلج التي يمكن أن تنمو عبر تدحرجها بسرعة, ولكن القضاء عليها يحتاج إلى تغيير الأجواء, إلى الكثير من الشمس والدفء في التعامل مع أولئك البؤساء والأميين سياسياً وثقافياً وتنويراً دينياً الذين ينجرون وراء البعض من التنظيمات المتطرفة لممارسة العنف والإرهاب والقتل اليومي, إذ بدون هذه الفئة الواسعة من الناس لا يمكن أن ينمو ويتطور الإرهاب. فالانتحاري القاتل هو من هذه الفئات البائسة والأمية.
ولا شك في أن للتاريخ وأحداثه وللتربية الدينية في البيت والمدرسة أو في التثقيف الأيديولوجي من جانب الدولة والمؤسسات الدينية والمجتمع والبيت والقوى السياسية من جهة, وطبيعة مرحلة التطور التي يمر بها المجتمع من حيث طبيعة علاقات الإنتاج السائدة ومستوى تطور القوى المنتجة والوعي الاجتماعي والديني المتجلي عنها من جهة أخرى, إضافة إلى العلاقات الإقليمية والدولية بمختلف جوانبها السياسية, بما فيها العسكرية, والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية, كلها لها تأثير مباشر وغير مباشر على بروز ظاهرة العنف والقسوة والإرهاب والتحامها بظاهرة الأصولية السلفية والتطرف الأعمى لدى الفرد, أو جماعة ما, الذي يعجز عن رؤية الواقع ويعيش في الماضي المنقرض والحاضر في رأسه وأحلامه وتفكيره فقط.
إن الفجوة الثقافية والحضارية التي تفصل بين أجزاء مهمة من الشرق الإسلامي وبين الغرب على نحو خاص من جهة, وفجوة التطور العلمي والتقني من جهة أخرى, وفجوة التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتمايز في مستوى النمو ومعدل حصة الفرد الواحد من الدخل القومي من جهة ثالثة, وغياب التنوير الاجتماعي والديني في الشرق الإسلامي في مقابل حصوله منذ عدة قرون في الغرب المسيحي من جهة رابعة, هي من بين العوامل التي تثير حفيظة أجزاء معينة من الناس الذين يسقطون تحت تأثير الأصولية السلفية الدينية أو الإيديولوجية والتي تقود دون أدنى ريب إلى الاستبداد الديني أو الأيديولوجي والقمع والإرهاب, بغض النظر عما إذا كانت هذه الجهة أو تلك في السلطة, كما في حالة أفغانستان قبل سقوط طالبان, أو في إيران حتى الآن, أو خارج السلطة, كما في ممارسات تنظيم القاعدة أو غيرها من القوى الإسلامية السياسية المتطرفة أو قوى البعث الصدامية المتطرفة.
لا شك في أن هذه الظواهر السلبية لم تكن, كما أنها الآن, ليست خارج تأثير السياسات التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد السوفييتي سابقاً أثناء الحرب الباردة, أو ما تزال تمارسها الدول العظمى وخاصة الولايات المتحدة, إزاء الشرق الإسلامي وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط. ولا يقتصر هذا على سياسات المحافظين الجدد أو أتباع اللبرالية الجديدة, بل سبقتهم بكثير. ومما يزيد في الطين بلة هو محاولة الولايات المتحدة الأمريكية الاستفادة من ظاهرة العولمة الموضوعية دولياً لصالحها وصالح الدول الصناعية السبع الكبار على حساب الدول النامية حديثاً عبر سياسات لا تساهم في تقليص الفجوة الراهنة بل تزيدها عمقاً وسعة وشمولية. فما هي إمكانيات وسبل معالجة هذه الظواهر السلبية للخلاص من ظاهرة الأصولية السلفية بكل تنوعاتها ومن الإرهاب الدولي الراهن الذي تمارسه قوى الإسلام السياسي المتطرفة في الدول ذات الأكثرية المسلمة؟ هذا ما سنناقشه في المقال اللاحق.

نهاية أيلول/سبتمبر 2006
ملاحظة : نشر المقال في جريدة الاتحاد /الاتحاد الوطني الكردستاني