موقع الناس     http://al-nnas.com/

من يساهم في استمرار انفراط عقد الأمن في العراق؟

 

كاظم حبيب

الجمعة 2/6/ 2006

فرضت على نفسي الاستبشار قسراً بتشكيل الحكومة الجديدة باعتبارها مرحلة جديدة لكي أرى ولو بصيصاً من الضوء في نهاية النفق الذي أدخل فيه العراق حصراً. كتبت مؤملاً الناس بشيء من الهدوء المحتمل مع بدء الوزارة الجديدة التي فرضت أنها ستنهض بمسؤولياتها وتنفذ أعمالها وتنجز المهمات الثقيلة التي التزمت بها أمام الشعب العراقي بكل مكوناته. فهل كنت متعجلاً في ذلك, أم كتبت ما كنت أتمناه وارغب به لا غير؟ هل ما كتبته كان يجسد الواقع السائد في العراق, أم أن الواقع السياسي يتعارض مع ما قلته؟ يبدو لي بوضوح أن واقع الصراع الطائفي السياسي السائد في العراق يجسد الحقيقة المرة التي دأبت على ممارستها الأحزاب الإسلامية السياسية العراقية, وهي كلها أحزاب طائفية. إنه لا يجسد الصراع والنزاع بين القوى الإرهابية من جهة, والمجتمع من جهة أخرى, فحسب, بل وبين القوى السياسية المشاركة طائفياً في العملية السياسية وفي مجلس النواب وفي الحكومة القائمة. فالصراع يدور في ما بين قوى سياسية داخل الائتلاف العراقي غير الموحد, وكذلك في ما بين قوى التوافق العراقي غير الموحدة, وأن هذه القوى تأخذ بالانتماء الطائفي محدد وهو الأساس وليس الانتماء لهذا الوطن المستباح, ليس المواطن العراقي, بل الفرد الطائفي السياسي.
من أجل إعلان تشكيل الحكومة الناقصة استغرقت المفاوضات خمسة شهور, ومن أجل استكمال النقص في مجلس الوزراء ستحتاج القوى الطائفية في الائتلاف وفي التوافق إلى شهر أو يزيد, فهل هذا هو الوضع المناسب لمواجهة قوى الإرهاب الدموي في العراق, هل بهذه الصورة المقيتة تريد قوى الإسلام السياسي الطائفية أن تقنعنا بأنها تدين بالمواطنة العراقية والولاء للوطن, وأنها لا تميز بين العراقيين من أي دين أو مذهب أو اتجاه فكري انحدر؟ إنها لمعضلة قاتلة هذه التي نعيشها في العراق, هذه الطائفية السياسية المشبعة بروح الحقد والكراهية ورفض الآخر.
الموت يحصد الناس بامتياز, والخراب يعم المدن العراقية ويحيلها إلى خرائب ومستنقعات ومزابل للقاذورات, وقوى الإرهاب والمليشيات المسلحة تمارس التطهير الديني والعرقي والفكري والسياسي لا بين المناطق المختلفة في العراق فحسب, بل ومن العراق كله. فهؤلاء الصابئة المندائيون مكدسون في شوارع الشام وعمان وارصفتهما. والقتال في البصرة ليس بين قوى الإسلام السياسي, الائتلاف والفضيلة فحسب, بل وموجه لتهجير شعبنا من أهل السنة من الزبير والمعقل ومناطق أخرى من البصرة. أكثر من 4500 مهاجر من البصرة وحدها والحبل على الجرار. المهاجرون من واسط في تزايد. والفرحة تعم صفوف الإرهابيين من جماعة الزرقاوي وصدام حسين ومن لف لفهما. وهذا الوضع المتردي هو الذي يسمح للمتهمين وشهود الدفاع عن المتهمين أن يكونوا سليطي اللسان ويتحدثوا عن القائد وعن رئيس الجمهورية الكبير صدام حسين! ويقف المتهم بارزان ليعلم المحكمة أصول المحاكمات!
اجتمع كل قادة الأحزاب والقوى السياسية العراقي الممثلة في البرلمان لتعالج الخلاف على تعيين ثلاثة وزراء ولم ينجحوا, إذ من يرشح من قبل هذا الطرف يرفض من الطرف الثاني خشية ممارسة الطائفية السياسية من هذا الجانب ضد الجانب الآخر أو الكشف عما جرى في الفترة السابقة, أو حل المليشيات بالطريقة التي لا تعجب الطرف الآخر. ولكن أيها السادة المحترمون أنكم بهذه المواقف تساهمون بقتل الناس, شئتم ذلك أم أبيتم. إن التوافق في المواقف رغم ضرورته في هذه الفترة للخلاص من التقاتل المتبادل, ولكنه لا يفترض أن يعني المزيد من الفوضى والاختطاف والقتل في الشوارع والهجرة القسرية من البلاد أو من منطقة إلى أخرى. لقد أصبح العراق المكان المفضل لكل المجرمين ومحبي القتل من مختلف الأصناف لقتل المزيد من الناس, لقد أصبح العراق الموقع الأكثر ربحاً من خلال اختطاف الناس والمطالبة بالفدية, لقد أصبح العراق مكاناً أساسياً في العالم للاضطهاد الديني والمذهبي, لقد أصبح العراق خير مكان لكل الموبقات التي ترتكب في العالم من جانب مجرميه المحليين والمجاورين ومن العالمين العربي والإسلامي, لقد أصبح العراق خير مكان لتصفية الحسابات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية فهنيئاً لكم أيها الطائفيون السياسيون يا من ستنزل عاجلاً أم آجلاً, إن لم توقفوا صراعكم الطائفي والإرهاب الدامي, لعنة الناس عليكم!
أيها السادة, انهوا المشكلة واسمحوا للوزارة بممارسة أعمالها ولنرى كيف ينفذ رئيس الحكومة الجديد سياسته, وهو من حزب ترأسه شخص مارس الطائفية بأشد أشكالها بخلاف ما يدعيه ويتحدث عنه.
بالأمس اعتقلت الشرطة المختصة بملاحقة القوى الإرهابية في ألمانيا ثلاث نسوة أردن السفر إلى العراق لتنفيذ عمليات انتحارية ضد القوات الأمريكية, تدربت إحداهن على العمليات الانتحارية في طهران. ويشار إلى احتمال وجود علاقة لهن بمنظمة أنصار الإسلام الإرهابية التي تمارس تجنيد إسلاميات وإسلاميين من مختلف القوميات في أوروبا للعمليات الإرهابية الانتحارية في العراق وجمع التبرعات للقوى الإرهابية الناشطة في العراق أيضاً.
والنسوة الثلاث ألمانيات دخلن الإسلام وأقنعن على القيام بهذه العمليات, حتى أن إحداهن كانت تريد حمل طفلها الصغير (2 سنة) معها إلى جحيم الانتحار والموت. وقد أدخلت إحداهن إلى مستشفى الأمراض النفسية لمعرفة وضعها الصحي, النفسي والعقلي. (برلينر تسايتوتگ بتاريخ 31/5/2006).
إن هذه الإشارة الواضحة تؤكد ضلوع الكثير من المنظمات الإسلامية السياسية الإرهابية العاملة في إيران في العمليات الإرهابية الجارية في العراق, خاصة ما يجري اليوم في بغداد والبصرة وكركوك. وهي لا تدار من قبل عصابة أنصار الإسلام السنة فقط, بل ومن عصابات ومنظمات وميليشيات شيعية أيضاً بجنسية عراقية أو إسلامية, ومنها إيرانية وأفغانية وعربية وكردية ...الخ.
وفي الوقت الذي تنشغل الأحزاب السياسية العراقية بمعالجة مشكلة إيجاد وزراء للوزارات الثلاث, يقبلون من قبل الأطراف الأخرى, تقوم القوى السياسية الإرهابية المختلفة وبعض الحكومات المجاورة بدور إرهابي فظ وتدخل مباشر في شؤون العراق الداخلية وتنشيط العمليات الإرهابية وإرسال المزيد من الانتحاريين الأغبياء والجبناء إلى الموت في العراق ليأخذوا معهم عشرات العراقيات والعراقيين إلى الموت أيضاً. ولم يكن تصريح رئيس الوزراء يوم أمس ببعيد عن هذا الواقع حين أكد بأن الجيران العرب وغير العرب يفترض أن يتوقفوا عن تغذية الإرهاب في العراق فهم يقتلون بذلك عراقيات وعراقيين ويدمرون الأمن والسلام في البلاد وفي المنطقة.
أقترح عليكم أيها السادة أ تضعوا مواطنات عراقيات أو مواطنين عراقيين من دين أخر على رأس الوزارات الثلاث ما دمنا لا نريد أن يكون سنياً أو شيعياً عربياً على رأسها. لنختار شخصية مسيحية من مواطنينا الكلدان والآشوريين ليكون على رأس وزارة الدفاع أو الداخلية أو شخصية مندائية مثلاً ليلعب الدور المناسب في حماية العراقيات والعراقيين من الكراهية والحقد والغضب الطائفي المتفاقم في العراق. إنه الحل المناسب حقاً لهذه المرحلة وللمراحل اللاحقة أيضاً وكفى الله الطائفيين السياسيين شر القتال.