| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الجمعة 2/11/ 2007



عقود النفط ومقال السيد رئيس وزراء إقليم كردستان

كاظم حبيب

نشر السيد رئيس وزراء إقليم كردستان , نيجرفان بارزاني مقالاًً مهما باللغة الإنجليزية نشر على موقع "وول ستريت جورنال" وردت فيه ثلاث أفكار رئيسية نشير إليها كما نشرت نصاً في الموقع الإلكتروني لحكومة الإقليم , وهي :
1. "إن العقود التي وقعتها حكومة إقليم كردستان مع شركات عالمية ليست محاولة لامتصاص الإقليم لموارد النفط لكنها بالأحرى أفضل خطوة للتقدم إلى الأمام".
2. "نحن نسعى لجعل هذه العقود مثالاً لجعل هذه الموارد المهمة في مصلحة الشعب العراقي وأن هذه الموارد تعمل على إنهاء معاناة الشعب العراقي".
3. وأن "عقود المشاركة بالإنتاج تتطابق بصورة كاملة مع الدستور العراقي الذي أعطى للإقليم سيطرة أساسية على موارده الطبيعية".
وبصدد هذه الأفكار الأساسية الثلاث الواردة في أعلاه , بودي أن أشير إلى الملاحظات التالية:
يقول السيد رئيس وزراء إقليم كردستان العراق إلى أن هذه العقود تهدف إلى التقدم نحو الأمام باتجاه تطوير الاقتصاد والمجتمع في العراق وإنهاء معاناة الشعب العراقي. الفكرة مهمة جداً وأساسية وأتمنى أن تكون المحور الأساسي لعمل كل المسئولين في العراق , ولكن السؤال هو: كيف يمكن إنهاء معاناة الشعب العراقي؟
من يتابع مسيرة التنمية في الاقتصاد العراقي عموماً والكردستاني بشكل خاص خلال السنوات الأربع الأخيرة على أقل تقدير , سيجد أمامه حقيقة أخرى , هي أن ليست هناك مشاريع اقتصادية إنتاجية , بل أن الأموال موجهة صوب ثلاث مسائل هي:
• 75-80 % من الميزانية تذهب إلى الرواتب والأجور.
• القسم الأعظم من الأموال يذهب إلى الاستيراد السلعي والخدمي ولا يساهم في خلق التراكمات الرأسمالية التي يستوجبها الاقتصاد العراقي والكردستاني في آن.
• قسم قليل جداً يذهب إلى البنية التحتية ولكن ليست هناك مشاريع إنتاجية فعلية تساهم في تحقيق التنمية والتشغيل وزيادة الثروة وتنمية التراكمات المحلية.
أي أن الاقتصاد الكردستاني , كما هو حال بقية الاقتصاد العراقي استهلاكي تأتي الموارد المالية النفطية إلى العراق لتدخل في جيب مثقوب يعود ثانية إلى تلك التي اشترت من العراق النفط الخام , في حين يخسر العراق موارده النفطية والموارد المالية المتأتية منها في آن. ولا تسهم تلك الثروة في إغناء الدخل القومي والثروة الوطنية إلا بجزء ضئيل جداً.
ولهذا فأن معاناة الشعب العراقي لا تنتهي بالسياسة الاقتصادية التي تمارس حالياً في الإقليم أو الدولة العراقية , إضافة إلى ما هو معروف في العراق من نهب وسلب لجزء مهم من ثروة العراق وكردستان بسبب الفساد المالي حيث يحتل العراق مرتبة متقدمة في الفساد المالي على وفق التقارير الدولية ذات الإطلاع وذات السمعة الحسنة.
يتحدث البعض عن تنامي عدد المليارديرية والمليونيرية في كردستان العراق والعراق , ولكن ألا ينبغي لنا أن نتساءل : من أين جاءت هذه الثروة لهؤلاء الناس المليارديرية والمليونيرية في وقت لا يمتلك العراق اقتصاداً إنتاجياً فعلاً أو خدمياً مؤثراً , بل اقتصاداً استهلاكياً وبذخياً يتلمسها الإنسان في بناء البيوت الخاصة للمسئولين وكبر الماليين؟ يقف الإنسان محتاراً أمام هذه الحالة ويصعب عليه إيجاد تفسير منطقيي لها غير ما تتحدث به الهيئة الدولية المسئولة عن النزاهة في دول العالم حيث يحتل العراق المرتبة 137 بين محموعة دول يصل عددها بحدود 144 دولة في حين تحتل فنلندا المرتبة الاولى من حيث النزاهة والشفافية.
إن غياب العملية الإنتاجية الصناعية والزراعية في كردستان والعراق والتحول إلى بلد ريعي واستهلاكي صرف سيؤدي لا إلى خسارة الأموال فحسب , بل وإلى قضية مركزية ذات أهمية فائقة في أوضاع العراق الراهنة وهي عجز العراق عن توفير الأمن الغذائي لشعبه في حالة نشوء مصاعب وتعقيدات في علاقات العراق مع الدول المجاورة مثل تركيا وإيران وسوريا أو دول الخليج , وأن أكثر من سيعاني من ذلك هم سكان فيدرالية إقليم كردستان المحاطة بالرافضين لها على أقل تقدير ولا نريد أن نقول محاطة بالأعداء!
فإنهاء معاناة الشعب لا ترتبط بتوقيع العقود مع الشركات الدولية ولا بزيادة الإنتاج والتصدير فحسب , بل بسبل استخدام الثروة النفطية ومواردها النفطية في الاقتصاد والمجتمع العراقي , ومنه الاقتصاد والمجتمع الكردستاني.
يشير السيد رئيس الوزراء نيجرفان بارزاني إلى أن العقود الموقعة منسجمة مع الدستور العراقي من حيث المضمون والشروط. وهو أمر مهم ويسعد كل عراقي يهتم بثورة بلده. ولكن الكثير من الدوائر المختصة بشئون النفط الدولية والكثير من الخبراء من ذوي الاطلاع الحسن والمعلومات المسربة نحو الخارج من ذات الشركات لمتعاقد تشير إلى النقاط التالية :
أ‌. أن اتفاقية المشاركة بالإنتاج الموقعة مع الشركات الأجنبية لا تتناغم بأي حال مع اتفاقيات مماثلة معقودة مع دول أخرى كالسعودية وليبيا أو غيرها , أي أن تلك الاتفاقيات أفضل من الاتفاقيات التي وقعتها حكومة الإقليم وليست في صالح الإقليم والعراق.
ب‌. أن تنفيق الريع هو أقل من 10 % في حين الاتفاقيات الدولية هو 12 % , وفي ذلك خسارة كبيرة للعراق ومعه كردستان.
ت‌. أن الاتفاقيات الموقعة تتراوح بين 30 – 40 سنة وهي فترة طويلة جداً وفيها خسارة كبيرة للعراق وكردستان , إذ لا تتضمن إمكانية تغييرها في حالة حصول تغيرات دولية في قطاع النفط يفترض تعديلها لصالح العراق.
ث‌. إن هذه الاتفاقيات لا تتضمن بنوداً تساهم في تطوير الكادر الكردستاني والعراقي النفطي ولا تتضمن مشاركة مباشرة وفعالة في الإدارة وفي غيرها ...الخ.
ج‌. كما أن فيها شروطاً أخرى بصدد استعادة الرأسمال الموظف في الإنتاج وسرعة هذا الاسترداد ونسبته ..الخ , والحصة التي تحسب للحكومة العراقية من الإنتاج السنوي والإيرادات, باعتبار أن النفط ملكاً للشعب العراقي كله
ح‌. إن غالبية العقود الموقعة تستند إلى قاعدة المشاركة في الإنتاج , في حين أنها حقول مكتشفة ولا تحتاج إلى عقود من هذا النوع , بل إلى عقود مقاولة لاستخراج وتسويق النفط الخام , إذ أن في مثل هذه العقود الموقعة خسارة كبيرة لاقتصاد العراق وكردستان في آن واحد.
إن السيد رئيس وزراء الإقليم يؤكد بأن هذه العقود قد وقعت بما يخدم مصالح العراق ووفق الدستور. ونحن نريد أن لا نعارض ذلك. ولكن من حقنا أن نطرح الأسئلة التالية التي تخدم وتعزز مصداقية السيد رئيس الوزراء وحكومة إقليم كردستان عند الإجابة عنها , وهي:
* أليس من حق المجتمع الكردي والشعب العراقي أن يطلع على تلك العقود التي يراد لها أن تكون نموذجاًُ يحتذى به على مستوى العراق كله؟
* أليس مفيداً أن نقتل الشك باليقين ونرد على من يسرب معلومات أخرى بنشر الاتفاقيات الموقعة مع الشركات الأجنبية ليطلع عليها الشعب الكردي قبل بقية أبناء وبنات الشعب العراقي؟
* أليس من الشفافية بمكان أن تنشر هذه الاتفاقيات على صفحات الصحف ليناقشها المختصون ويمنحونها المصداقية أو النقد المناسب؟
أملي أن تبادر حكومة الإقليم إلى نشر تلك الاتفاقيات ليطلع عليها ويعرف مضامينها كل المهتمين بشئون النفط وأن يعرف الجميع ما تضمنته من شروط تخدم مصالح الشعب العراقي وتساهم في إنهاء معاناة الشعب , وفق ما ذكره السيد رئيس وزراء كردستان.
لقد تضمن مقال السيد رئيس الحكومة إشارة واضحة إلى توقيع حكومة الإقليم ثمانية عقود نفطية مع شركات عالمية, وأنه يستغرب ويرفض موقف وزارة النفط العراقية التي اعترضت على توقيع هذه العقود باعتبارها مخالفة لدستور العراقي.
وفي ما عدا ذلك فأن الدستور العراقي الجديد وقانون النفط المعروض على مجلس النواب العراقي للمناقشة والإقرار يمنح الإٌقليم حق التفاوض والبدء بعقد الاتفاقيات أولاً, ولكنه يقرن ذلك بموافقة المجلس الاتحادي الخاص بقضايا النفط والغاز الطبيعي ثانياً. وفي ضوء هذه الحقيقة وعدم وجود قانون ينظم هذه العلاقة بشكل كامل حتى الآن , يفترض أن تخضع هذه العقود للتشاور والتفاوض مع الحكومة المركزية ووزارة النفط العراقية , أو أن يعرض الخلاف على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي.
ومن حق وزارة النفط العراقية أن تعترض على توقيع العقود , إذ أن هذا الاعتراض لا يعني الإلغاء , بل يعني دراسة العقود ومعرفة تفاصيلها ومدى تطابقها مع الدستور العراقي ومع مسودة القانون الخاص بالنفط والغاز الطبيعي. ولهذا لا غرابة في موقف وزير النفط العراقي.
يشير الدستور العراقي إلى أن النفط هو ملك الشعب العراقي كله , وبالتالي فهو في إطار مسئولية الشعب العراقي كله , ومن هذا المنطلق لا بد من التعامل وفق اتفاق بين المركز والإقليم في سبل توقيع الاتفاقيات والعقود النفطية.

25/10/2007




 


 

Counters