| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

السبت 2/9/ 2006

 

 


بعد خراب لبنان ... قدم السيد اعتذار!

 

كاظم حبيب

هدم المعتدون الإسرائيلون لبنان على رؤوس بناتها وأبنائها, قتلوا الناس الأبرياء وهدموا الدور السكنية وخربوا أو دمروا البنية التحتية للاقتصاد والمجتمع اللبناني وأعادوا لبنان عقدين من الزمن إلى الوراء خلال فترة لم تتجاوز خمسة أسابيع. جرائم بشعة ارتكبت من جانب الحكومة الإسرائيلية اليمينية ومؤسستها العسكرية خلال هذه الفترة الوجيزة. كل هذا حدث لأن السيد حسن نصر الله رأى مناسباً أن يختطف جنديين إسرائيليين ليبادل بهما أسرى كل العرب في إسرائيل وليصبح بعدها بطلاً من أبطال التاريخ العربي الحديث, تماماً كما فكر صدام حسين حين غزا إيران ليحرر شط العرب, الذي سلمه لإيران بنفسه وفق اتفاقية الجزائر في العام 1975 وليضرب الحركة التحررية الكردية في كردستان العراق, وليحرر الأحواز والجزر الثلاث العائدة لدولة الإمارات العربية المتحدة في الخليج وليصبح بطلاً قومياً لا يضاهى, وكانت بداية المأساة لكل العراق.
بعد كل ذلك الخراب والدمار والموت ظهر نصر الله على شاشة التلفزة ليعلن عن اعتذاره للشعب اللبناني ويقول له بدم بارد, بأنه لو كان يعرف أن إسرائيل ستمارس ما فعلته من عمليات عسكرية وعدوان على لبنان لما أعطى الأمر باختطاف الجنديين الإسرائيليين!
كيف تريدنا أن نقبل ذلك منك يا سيد حسن نصر الله؟ كيف تريدنا أن نصدق أن هذا القرار المجنون كان قرارك الخاص وليس قرار دولة أخرى بل دولتين, رغم أنك تبقى المسؤول المباشر عما حل بلبنان من خراب ودمار وموت, إذ لا يمكن إعادة إعمار ما خرب إلا بعد سنوات وسنوات وبشق الأنفس وبمليارات الدولارات الأمريكية؟ أما الأرواح التي غابت عن لبنان, فأنها لن تعود ثانية وهي في مسؤوليتك وخطيئة موتها في عنقك يا سيد نصر وعنق إسؤائيل طبعاً.
لقد سبقتك القوى الإسلامية السياسية المتطرفة في عزة, وبالضد من إرادة السلطة الفلسطينية, باختطاف جندي إسرائيلي, ورأيت بعينيك وسمعت بأذنيك وسمع معك العامل ما فعلته إسرائيل في أعقاب ذلك, حيث قامت بإعادة احتلال غزة وقتل المزيد من البشر وتدمير البنية التحتية وفي عموم ما تبقى من فلسطين بفضل مزايداتكم برمي إسرائيل بالبحر, ولم يكن غير العرب ضحية تلك السياسات الخاطئة وهم الذين يعيشون اليون في الشتات ولم ينتهي يهودياً واحداً بالبحر.
في هذا الاعتذار الشخصي يريد نصر الله أن يؤكد لنا ما يلي:
إنه المسؤول وليست الحكومة الإيرانية والحكومة السورية عن قرار اختطاف الجنديين وعما حل بلبنان من كوارث مرعبة.
وليس حزب الله هو المسؤول, بل أمينه العام لا غير.
وأنه سيبقى على رأس الحزب وفي المجلس النيابي لأنه اعتذر عن الخطأ وليست الخطيئة التي ارتكبها, وكفى الله المؤمنين شر القتال.
ليس بهذه البساطة يمكنك الخروج من المحنة اللبنانية ولا يجوز ذاك, ولن يقبل منك الناس هذا الكومفلاج السيء, فقرار اختطاف الجنديين الإسرائيليين جاء بعد كل الذي حصل وما يزال يحصل في غزة, فكيف تريدنا أن نصدق ما قلته في اعتذارك؟ الحكمة القديمة تقول: "حدث الإنسان بما لا يعقل, فأن صدَّقََ, فلا عقل له! فهل ترى الشعب اللبناني والمجتمع العربي عموماُ والعالم كله لا عقل لهما لكي يتقبلوا منك ذلك؟
إن البطولة يا سيد حسن نصر الله ليست بالهتاف والخطاب الحماسي الذي يلهب العواطف ويقتل العقل أو يدفعه إلى غيبوبة طويلة, تماماً كما يحصل مع الانتحاريين من هؤلاء الجهلة الأميين السفاحين ممن يقال عنهم أنهم مسلمون, وهم لسيوا بمسلمين بأي حال!
إن البطولة يا سيد حسن ليست بخوض الحروب, بل بالوصول إلى الأهداف عبر المفاوضات والحل السلمي الديمقراطي وعبر الأمم المتحدة, رغم كل الصعوبات التي تواجه هذا الطريق بسبب التحالف الأمريكي الإسرائيلي غير المنصف للقضايا العربية.
البطولة يا سيد حسن نصر الله ليست في تعريض الشعب إلى الموت والبلاد إلى الدمار وانتظار المساعدات من الغير, ثم الارتقاء سياسياً على جثث القتلى والخرائب كما فعل صدام حسين طويلاً, بل بإبعاد شبح الحرب والموت والخراب عن الشعب والوطن.
أقول لك بصراحة يا سيد حسن نصر الله, إن عليك أن ترفع يديك عن لبنان, أن ترفع يديك عن الجنوب, عن تعطيل السياسة اللبنانية الحرة والمستقلة والمستقيمة والذكية, أن ترفع يديك عن أحرار لبنان الذين أدخلتهم بخطاباتك الحماسية في جب عميق وفي جحيم لا يطاق, فإرفع يديك لكي تستقل سياسة لبنان عن سياسة سوريا وإيران, فالأسلحة الإيرانية والسورية وأموال إيران لن تنفع لبنان بل تقوده إلى الخراب والموت والدمار, فهل تعي ما أقول؟ أم أنك ما تزال تعتقد أنك المنتصر على إسرائيل لأنك وجهت بعض الصواريخ ضدها وقتل بسببها عشرات الإسرائيليين. أرجو أن تعي ذلك لصالح الشعب اللبناني وشعوب المنطقة. وعلى عاتق سوريا تقع مهمة تحرير أراضيها في الجولان من الاحتلال الإسرائيلي البغيض, وأن لا تجعل من الشعب اللبناني الساتر الذي يحميها. وليس فينا من يطالب سوريا بتحرير أراضيها بالحرب, بل بالمفاوضات وتعبئة الرأي العام العربي والإقليمي والعالمي والأمم المتحدة لصالح تحرير الجولان من الاحتلال البغيض.
لقد هاجمت من نصحك بالكف عن العمليات التي لا تقود إلا إلى نتائج وخيمة على لبنان, وهاجمنا بعض من تصور إننا مخطئون بتخطئة سياستك المتطرفة, ولكنك كنت تصر على الدرب المتطرف الذي سلكته بحجة المقاومة المسلحة دفاعاً عن مزارع شبعة ولبنان, في حين أنك, بأسلحة إيران وسوريا وأموال إيران, شكلت دولة إيرانية-سورية داخل الدولة اللبنانية, وعليك الآن أن تستسلم للأمر الواقع وتنتحي جانباً وتأخذ بنصيجة الأستاذ الإسلامي الديمقراطي العراقي السيد محمد عبد الجبار الشبوط الذي نصحك بالاستقالة من الحزب, وهي نصيحة مخلصة, إذ أن الأصوب هو تقديمك للمحاكمة على ما تسببت به من موت وخراب ودمار للبنان على أيدى القوات الإسرائيلية الغاشمة والمعتدية. إذ أرى أن الاستقالة من الحزب غير كافية بأي حالً, بل يفترض أن تكف عن العمل السياسي وعن توريط لبنان بمزيد من الموت والخراب والدمار على أيدي المعتدين الإسرائيليين, وأن تستقيل من عضوية البرلمان اللبناني وأن تقوم فوراً بحل المليشيات لكي لا تدفع بلبنان إلى حرب أهلية جديدة لا تخدم الشعب اللبناني بأي حال. ومن هنا أيضاً جاء تحذيري بعدم السماح بخلق نموذج مماثل لك في العراق, إذ أن العواقب ستكون وخيمة حقاً على الشعب العراقي والمنطقة.
وتقع على عاتق الحكومة اللبنانية وكل حكومات الدول العربية وشعوب الشرق الأوسط مهمة مقاضاة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة دولياً وأمام محكمة العدل الدولية ومحكمة حقوق الإنسان ومجلس الأمن الدولي بسبب الجرائم التي ارتكبتها في لبنان, كما يفترض مقاضاة سوريا ولبنان التي دفعت ووجهت حسن نصر الله لاتخاذ ذلك القرار المجنون! كما لا بد من تقديم كل أشكال الدعم والمساعدة لإعادة بناء لبنان بأسرع وقت ممكن.

1/9/2006