| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الجمعة 2/7/ 2010

 

لنعمل من أجل بناء الديمقراطية الغائبة في العراق؟

كاظم حبيب

نشرت قبل فترة وجيزة عدداً من المقالات حول الديمقراطية والمجتمع المدني ودور الدولة ومنظمات المجتمع المدني, وكان أحدها تحت عنوان "هل يمكن بناء الديمقراطية في العراق؟ وفي هذه المقالات سعيت إلى تأكيد عدة مسائل جوهرية, منها تلك التي لا تزال تضعف القدرة على بناء المجتمع المدني والديمقراطي والدولة الديمقراطية في العراق :
1. بنية المجتمع الراهنة ومستوى الوعي الفردي والاجتماعي العام, وكلها مرتبطة عضوياً بالبنية الاقتصادية, إضافة إلى المعاناة الطويلة تحت هيمنة الدولة الأبوية المستبدة, إذ لا تزال الدولة الراهنة غير الكاملة وتمارس ذات الدور الأبوي. وهذه الإشكالية متبادلة الفعل والتأثير, الدولة لا تريد إنهاء دورها من جهة, ووعي الإنسان ذاته لم يصل إلى مستوى التخلص من طلب هذا الدور الأبوي من الدولة من جهة أخرى.
2. طبيعة الحكم واستناده إلى المحاصصة والتوافق, وغياب الإستراتيجية الواضحة لبناء الدولة والمجتمع والاقتصاد الوطني, إضافة إلى غياب العمل المنسق والمنظم وفق برنامج متكامل.
3. غياب المعارضة السياسية القوية والواعية لمهماتها السياسية, إضافة إلى ضعف مواقفها, في ما عدا تلك القوى التي تحمل السلاح وتمارس العنف والإرهاب ضد المجتمع. إن ملامح جديدة تبرز في نهوض معارضة سياسية, ولكنها في بداياتها ولا تزال هشة ويراد تعزيزها وتكريسها في ذهن المجتمع والفرد العراقي, امرأة كانت أم رجلاً.
4. ضعف أو هزال الرقابة الضرورية لمجلس النواب القائم على قاعدة التوزيع المذهبي للسكان والساعي إلى التوافق في عمله والمتناغم مع سياسة التوافق التي يراد الالتزام بها في العراق.
5. غياب المجتمع المدني بسبب غياب شروط وجوده الأساسية إلى الآن, وبالتالي ضعف دور منظمات المجتمع المدني, وكذلك ضعف استقلالية أجهزة ووسائل الإعلام المتعددة. وهذا لا يعني غياب كامل لهذه المنظمات وتلك الأجهزة, ولكن هناك محاولات جادة من قبل الدولة بمؤسساتها المختلفة, وخاصة الحكومات المتعاقبة, للهيمنة على هذه المنظمات وأجهزة الإعلام ومصادرة دورها واستقلاليتها قدر الإمكان.
6. ويفتقد العراق إلى الآن إلى الأحزاب الديمقراطية بالمعنى الدقيق, سواء من حيث علاقتها بالمجتمع أو علاقتها ببعضها الآخر أم علاقتها بأعضائها أم بالرقابة الشعبية عليها من جانب منظمات المجتمع المدني والمجتمع. هناك إرهاصات ولكنها ليست غير ذلك.
7. ورغم وجود هيئات للنزاهة, فأن الفساد المالي والوظيفي والمحاصصة الطائفية وهيمنة الأحزاب الإسلامية السياسية على السلطة وجميع أجهزتها, اضعف ويضعف فعلياً القدرة على مكافحة الفساد المالي والإداري والذي يمنع بدوره القدرة على بناء دولة المؤسسات الديمقراطية والمجتمع المدني.
هذا التشخيص لا يحمل إساءة لأحد ولا يريد إغاظة أحد, بل يتحدث عن واقع قائم في العراق. وتغييره يستوجب الكثير من الجهد باتجاهات كثيرة تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والتنويرية والانفتاح الفعلي على ثقافات وتجارب الشعوب الأخرى من جهة, وإعادة النظر بالدستور والقوانين السائدة وبالنظم الداخلية للأحزاب والقوى السياسية وبدور الدولة والمؤسسات الدستورية ومنظمات المجتمع المدني من جهة ثانية, وبما يمكن تغييره في بنية الإنسان الفكرية والسياسية, أي البنية العقلية للإنسان العراقي وأسلوب التفكير بعد قرون من التخلف والإقصاء الفعلي والتخدير والاستبداد والقهر السياسي والاجتماعي والثقافي والحقوقي. (ويمكن العودة إلى شاهدٍ من أهلها, إلى شاهد هو الابن الشرعي لهذا النظام المحاصصي الفاسد القائم, إذ بعد أن أصبح خارج الحكومة أعطى لنفسه الحق في تصريحات قوية لجريدة الشرق الأوسط تفضح ما قلناه سابقاً عن الواقع العراقي الراهن وكان صاحب التصريحات جزءاً أصيلاً من ذلك الواقع المزري. وقال أنه لم يقل كل شيء ويهدد بالقول. ولكن إذا ما أعطي الرجل منصباً جديداً ستغيب تلك اليوميات!
راجع في هذا الصدد الشرق الأوسط بتاريخ 30/6/2010, كما نشرت المقابلة في صوت العراق).
قوى الإسلام السياسي تريد بناء دولة إسلامية, وهي تتعارض مع دولة المجتمع المدني, ومؤسسات المجتمع المدني التابعة لها وترتبط بسياسات القوى الحاكمة ولا تقوم بالرقابة عليها, بل هي جزء منها, وتتصارع في ما بينها حين يبدأ الخلاف بين قواها السياسية, وتتوقف حين تلتقي بغض النظر عن مصالح المجتمع, إذ أن مصالحها ومصالح أحزابها تشكل محور عملها واهتمامها. ويمكن للإنسان أن يتابع عدداً من تلك المنظمات المرتبطة بالأحزاب الإسلامية السياسية شيعية كانت أم سنية ليعرف وجهة طبيعتها ووجهة عملها والمصالح التي تتبناها.
من أجل أن نعمل على تغيير الواقع العراقي السياسي الراهن, لا بد من وجود معارضة سياسية ديمقراطية, ولا بد من أن تغير تلك القوى التي تتحدث باسم الديمقراطية من نهجها وخطابها السياسي وأساليب وأدوات عملها لتصبح قادرة في أن تكون معارضة جادة ونافعة للمجتمع وقادرة على توفير فرص التغيير من خلال العمل الدؤوب والطويل النفس والصبور مع فئات المجتمع. المشاركة في الحكم في هذه الفترة لا يقدم للمجتمع شيئاً, بل يواصل النهج السابق التساومي للقوى الديمقراطية والساكت عن أخطاء الحكم والتي تبلورت في مشاركة الكثير من تلك القوى والعناصر ذات الوجهة العامة الديمقراطية في قوائم انتخابية إسلامية سياسية وطائفية بدلاً من معارضتها والدخول بقوائم مشتركة بين القوى الديمقراطية. إن تعزيز المعارضة السياسية الناضجة خارج البرلمان له أثر مهم في حياة الناس وفي تعبئتهم لصالح تحقيق مصالحهم اليومية.
إن المعارضة السياسية في العراق لا تعني معارضة الحكم في كل شيء أو حمل السلاح ضده, بل تعني الوقوف إلى جانب مصالح الشعب وقضاياه العادلة والدفاع الثابت عنها, سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية أم بيئية أم قضايا قومية أم قضية الاستقلال والسيادة الوطنية, خاصة وان الدولة العراقية تعتبر اليوم الدولة الثالثة بعد الصومال والسودان بصدد المخاطر التي تتعرض لها ما يطلق عليهم بـ"الأقليات القومية والدينية", وفق تقديرات المؤسسات الدولية المتخصصة, وهم مواطنون يعانون من محنة التمييز والكراهية والقتل من جانب قوى معينة في المجتمع ومن قوى ودول الجوار وسكوت من جانب بعض القوى في الحكم.
إن المعارضة السياسية التي تأخذ على عاتقها الدفاع عن مصالح الشعب ستكسب قوى الشعب إلى جانبها فهناك الكثير مما يجب النضال من أجله والدفاع عنه, سواء أكان في مجال التخلف الاقتصادي وتخلف الخدمات والبطالة والفقر والتدهور التعليمي وضعف دور الثقافة والمثقفين بفعل سياسات الحكومة الاتحادية الراهنة, وضعف الدور الرقابي للمجلس النيابي ودور الحكومة في تنفيذ سياسة اقتصادية واجتماعية عقلانية وعادلة, وضعف وفساد أجهزة الإدارات المحلية في المحافظات, وتفاقم فجوة الدخل السنوي ومستوى المعيشة بين النخب الحاكمة والغنية والفئات الكادحة والفقيرة, وتحول الفساد في البلاد إلى نظام معمول به فعلاً من جانب الدولة والمجتمع ...الخ.
يخطئ من يعتقد بأن المجتمع العراقي ستنتعش فيه الديمقراطية في ظل أحزاب سياسية ذات وجهة دينية ومذهبية تسيطر على الحكم ومسؤوليها يساهمون في تمجيد العشائرية والطائفية ويسعون معاً إلى تكريس تقاليدها وعاداتها ودورها في المجتمع بدلاً من دور الدولة والمجتمع المدني. ويخطئ من يعتقد بأن القبول بهذا الواقع يسهم بالتغيير التدريجي للواقع السياسي العراقي.
إن استمرار قوى الإسلام السياسي في الحكم, رغم تراجع نسبة المشاركين في الانتخابات بسبب رفضهم لهذا الواقع, كأحد الأسباب, قد استطاعت أن تضعف القوى الديمقراطية وأن تغَّيب وجودها في المجلس النيابي العراقي بشتى الطرق, خاصة وأن التحالف الكردستاني يرفض حتى الآن تكوين تحالف خارج إطار مجلس النواب مع القوى الديمقراطية العربية, وبالتالي فهو يساهم, شاء ذلك أم أبى, في إضعاف القوى الديمقراطية, ولن ينفع هذا التوجه قوى التحالف الكردستاني على المدى البعيد. وهذا الأمر يستوجب إعادة النظر من جانب قوى التحالف الكردستاني والقوى الديمقراطية معاً للتحري عن قواسم مشتركة, إذ أن استمرار الطائفية في العراق يزيد على المدى البعيد من إشكاليات الديمقراطية والمؤسسات الدستورية في العراق ويمنح قوى الإسلام السياسي الأكثر رفضاً للديمقراطية وللفيدرالية الكُردستانية مواقع قوة إضافية, كما حصل في انتخابات 2010.
في مجتمع تغيب عنه إلى الآن شروط المجتمع المدني يصعب بناء منظمات مجتمع مدني ديمقراطية مستقلة عن الدولة قادرة في أن تلعب دورها في المجتمع. صحيح هناك بعض منظمات المجتمع المدني الديمقراطية والمستقلة والتي تبذل جهداً كبيراً في نشاطها لصالح المجتمع, سواء عبر دعم من مؤسسات داخلية وأجنبية أم عبر الدولة العراقية, ولكنها قليلة, ومنها بشكل خاص بعض المنظمات النسائية وبعض أجهزة الإعلام أو بعض الصحف والمجلات النسائية والثقافية والسياسية.
نحن أمام معضلة دولة ريعية استهلاكية وتقاليد عريقة في الاستبداد والحكم الفردي ولا يمكن زرع الديمقراطية في مثل هذه الدولة لمجرد الرغبة في ذلك, كما تصور البعض ممن اعتقد بقدرة بناء الديمقراطية بمجرد سقوط صدام حسين. ولقد أشرت إلى ذلك منذ العام 1995 حين أصدرت كتابي الموسوم "ساعة الحقيقة: مستقبل العراق بين النظام والمعارضة", إذ أن الكثير من الخصائص العامة للنظام كانت موجودة في الكثير من قوى المعارضة حينذاك, وأن الكثير من صفات صدام حسين العامة نفسها, كانت موجودة في عدد كبير من شخصيات قوى المعارضة العراقية. وها هي تقابلنا اليوم في الواقع السياسي العراقي.
الشعب العراقي أمام معضلة لا بد من التغلب عليها, والتغلب عليها يتطلب دوراً أكبر للمجتمع في تغيير واقعه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ووعي الفرد السياسي, وهذا يتطلب دوراً أكبر للمثقفات والمثقفين الديمقراطيين وللنقابات والاتحادات المهنية والأحزاب والقوى والعناصر السياسية الديمقراطية التي يفترض أن تجد طرقاً سلمية وديمقراطية للنضال من أجل تحقيق التغيير الديمقراطي السلمي المنشود في المجتمع وعدم اللهاث وراء المحاصصة الطائفية والمشاركة مقابل فتات الموائد وعدم القدرة في التأثير الفعلي على سياسات الحكم وتحقيق مصالح الشعب المُغَّيبة.
إن المعارضة السياسية العلمية والعقلانية والإيجابية مطلوبة لتعبئة الشعب حول مهماته المطلبية والوطنية, لصالح الشعب وتقدمه اللاحق.
 

2/7/2010

 

free web counter