| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الجمعة 2/9/ 2011


 

لن يتعلم الطغاة ولا يتعظ كتاب السلاطين ووعاظهم!

كاظم حبيب 

تدلنا الُرقم التي تم العثور عليها في العراق القديم على عدد من المسائل المهمة التي ما زلنا نعيش ما يماثلها في يومنا الحاضر ليس في العراق فحسب, بل في بقية الدول العربية. كان حكام ذلك الزمان, وما زال حكام هذه الأيام, يعتقدون بأنهم جاءوا ليبقوا ولن يزحزحهم أحد, وأنهم أحسن من غيرهم ولهذا لا يجوز أن يحل محلهم حاكم آخر, وأنهم يعرفون كل شيء وأنهم أفضل من غيرهم وأن الله قد اختارهم لهذا الموقع. وإذا كان حكام ذلك الزمن قد تصوروا أنفسهم نصف آلهة, فإن حكام هذه الأيام يعتقدون جازمين بأنهم الله ذاته أو الوكيل المطلق لله على أرضه. أدرسوا شخصياتهم وسلوكياتهم قبل وأثناء جلوسهم على الكرسي!

لقد برهن هؤلاء الحكام القدامى والجدد, وفي الغالب الأعم, أنهم مصابون بداء العظمة والنرجسية والسادية دفعة واحدة, وغالباً ما نشأ عنها ومعها داء الشزفرينة والشك القاتل والدائم بكل من هم حولهم قبل أعدائهم, وأصبح القتل هي الوسيلة الوحيدة للخلاص من الخصوم المشكوك بهم. هكذا كانوا وهم كذلك في الوقت الحاضر. وحين كان يستولي احدهم على الحكم ويزيح من كان قبله, يدعي الخير والنعيم للشعب, ولكن سرعان ما يمارس ذات النهج ضد الشعب ويبدأ استحقاق تغييره! هل الشعب هو المريض أم الحاكم بأمره, هل الشعب هو المريض أم العلاقات الإنتاجية والاجتماعية التي ساهمت في إنتاج وإعادة إنتاج هؤلاء المستبدين. وعاظ السلاطين وكتابه يجدون العيب في الشعب لا في الحاكم, ولهذا يدعون أن أهل العراق أهل نفاق وشقاق, ولي للحكام دور في هذا النفاق والشقاق بسبب إرهابهم وقمعهم وحكمهم الظالم وغير العادل!

حكامنا لا يتعظون بمن سبقوهم من الحكام في بلدانهم أم في بلدان غيرهم. فكل منهم يعتقد بأنه غير الذي سبقه وغير الذي كان حاكما في بلد جار أو في بلد بعيد عنه.

حين سقط زين العابدين بن علي هاجمه القذافي وأنبه على انسحابه السريع, وحين سقط حاكم مصر محمد حسني مبارك, قال القذافي بأن ليبيا غير تونس ومصر. وهكذا قال بشار الأسد, بأن الوضع في سوريا غير الوضع في تلك الدول والحكم في سوريا غير الحكم فيها وكذلك الشعب يختلف عن الشعوب الأخرى. ولكنهم سقطوا تباعا وسيسقط بشار الأسد لا محالة ومهما قتل من البشر ومهما اعتقل وسجن وعذب وقتل تحت التعذيب, كما أخبرتنا المنظمات الدولية بموت 88 شخصاً في السجون السورية تحت التعذيب البشع والتشويه المريع إلى حد استحالة التعرف على وجوه البعض منهم من قبل أهليهم لشدة التشويه بسبب التعذيب.

حاكم اليمن الأغبر لا يريد أن يعرف ما يجري في هذه الدول, فهو له عشائر تؤيده وهي التي تحميه! ولكن الشعب هو الذي سيطرد هذا الصعلوك الذي اسمه علي عبد الله صالح شر طردة كما طرد الآخرين من سدة الحكم. وهكذا سيكون مصير حاكم السودان عمر البشير المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية.

وحين بدأت انتفاضات الربيع العربي قال حكام العراق بأن حالة العراق غير حالة تلك الدول. وانبرى الكتاب وعاظ السلاطين يتبارون في الدفاع عن رأي الحاكم وشنوا هجومهم المتوحش على القوى والأحزاب التي تتحدث عن حقيقة أن عدم معالجة مشكلات العراق المتفاقمة والسكوت عنها سيقود دون أدنى ريب إلى ربيع مماثل للربيع العربي ولكن على الطريقة العراقية.

ولم يكتف هؤلاء الإمعات بشتم المتظاهرين والمحتجين, بل راحوا يشتمون القوى والأحزاب السياسية الديمقراطية الفاعلة في التيار الديمقراطي ويشككون بنوايا هذه الأحزاب ويسيئون إلى تاريخها النضالي الطويل وإلى مناضليها.

لم تبرز هذه الظاهرة في داخل العراق ومن الأوساط الحاكمة وبعض الكتاب فحسب, بل ظهرت في الخارج أيضاً. فبعض الزعانف بدأت بشتم القوى الديمقراطية والعناصر المحتفلة بذكرى ثورة 14 تموز 1958 ومحاولة تشويه سمعة المشاركين في الاحتفال أو من ألقى كلمات في ذلك الحفل وضد الحزب الشيوعي العراقي, الذي لم ينقطع يوماً واحداً عن النضال الوطني منذ تأسيسه في العام 1934 وأصبح منذ ذلك الحين شوكة في عيون القوى الرجعية والفاشية والشوفينية والقوى الإقطاعية والطائفية, ومحط أنظار واحتضان الكادحين والمناضلين ضد الاستعمار والهيمنة الأجنبية وضد الاستبداد والقمع. وانبرت عناصر أخرى أسوأ من هؤلاء الكتاب البائسين يوزعون وينشرون عبر البريد الإلكتروني تلك الكتابات الصفراء وهم يعتقدون بأنهم يستطيعون بذلك ثلم سمعة المناضلين الشيوعيين والديمقراطيين, في حين أنهم كشفوا عن نواياهم السيئة وخصالهم الانتهازية ورغبتهم في الحصول على فتات الموائد وعلى حد قول الشاعر:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص     فهي الشهادة بأني كامل

كان الصديق الأستاذ الدكتور سيَّار الجميل يتمنى على طاغية ليبيا, معمر القذافي, أن يتعلم من حاكم تونس وحاكم مصر ويتعظ بمصيرهما ويجنب الشعب الليبي تلك المآسي وسقوط أكثر من 50 ألف قتيل لا رأفة بالحاكم المهووس, بل بالشعب الليبي. وكنت أتمنى ذلك أيضاً, ولكني كنت قد كتبت مقالاً قبل ذاك وقلت فيه بثقة أن هؤلاء المستبدين في الأرض لا يتعلمون من بعضهم أبداً. وقد برهنت الحياة على صواب ذلك. فها هو الأسد يقتل يومياً عشرات الناس الأبرياء ويرفض الرحيل حتى ينتهي إلى نفس المصير البائس بإرادة الشعب السوري.

هل يتذكر العراقيون صرخة نوري السعيد من إذاعة بغداد: دار السيد مأمونة" ولم يمض على ذلك سوى سنتين لا غير حتى أطيح به وبالسيد والملكية التي حنَّ لها البعض في احتفالية 14 تموز! ومن يعتقد أنه ثابت في الحكم في العراق نقول له بوضوح لو كان ثابتاً لغيرك ما وصل إليك, وسوف ينتقل الحكم لغيرك إن واصلت الدرب الخطر الراهن درب الصد ما رد, درب رفض الاستماع لصوت العقل والانتباه للواقع والتعلم من الماضي, وإن الاستمرار في الاستماع لصوت مداحيك ومسوقي نهجك الطائفي السياسي والمدافعين عن أخطائك لن يضعك على السكة الصحيحة.

لنتذكر قول الشاعر جميل صدقي الزهاوي الذي يلائم أوضاع عراق اليوم:

يا مليـكاً في ملكه ظـل مسرفاً          فلا الأمن موفور ولا هو يعدل
تمـهل قليلاً لا تغض أمـة إذا           تحرك فيها الغيـظ لا تتمهـل
وأيديك إن طالت فلا تغترر بها         فإن يـد الأيام منهـن أطـول

إن تغيير الواقع الراهن في العراق صوب الحياة الحرة والديمقراطية وحقوق الإنسان والاستجابة لمصالح الشعب وتأمين حقوقه يستوجب إقامة شارع عريض وعريض جداً تتحرك فيه كل القوى الديمقراطية العلمانية من ديمقراطيين مستقلين وأعضاء أحزاب ديمقراطية ومنظمات سياسية ماركسية واشتراكية وشيوعية وقوى لبرالية علمانية, إنه الشرط الأساس لتحقيق القدرة على المساهمة في التأثير الإيجابي على الوضع والخلاص من الطائفية وما يرتبط بها وينشأ عنها من عواقب وخيمة بما في ذلك الإرهاب والفساد والحكم غير الصالح والبطالة والفقر والحرمان.

ليكن تجمع 9 أيلول 2011 وتظاهرة الشبيبة وفئات من الشعب في الداخل والخارج حلقة في سلسلة النضال من أجل عراق أكثر حرية وديمقراطية ومن أجل حياة أفضل وأكثر دفئاً لفئات الشعب الكادح واليتامى والأرامل والمعوزين والمرضى من الناس وذوي الشهداء والجرحى.

 

1/9/2011
 

 

free web counter