| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الجمعة 2/9/ 2011


 

وحدة عمل قوى التيار الديمقراطي حاجة وضرورة ملحة

كاظم حبيب 

الدروس المستخلصة
كانت أوضاع العراق قبل سقوط النظام الدكتاتوري وبعد سقوطه وما تزال وستبقى تستوجب وحدة عمل وتنسيق قوى التيار الديمقراطي, وهي اليوم أكثر إلحاحاً ليس لمصلحة كل حزب من الأحزاب والقوى والشخصيات الديمقراطية العلمانية فحسب, بل هي بالأساس ضرورة حياتية ملحة لمصلحة كل الشعب العراقي ومستقبله وانتصار قضية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومن أجل إقامة المجتمع المدني الديمقراطي العلماني الحر في البلاد. وإذا كان النضال في الماضي قد استهدف الخلاص من الدكتاتورية الفاشية والعنصرية والطائفية المقيتة من خلال ممارسة كافة أساليب الكفاح الوطني بما فيها الكفاح المسلح, فأن مهمة النضال اليوم تتلخص في الخلاص وبأساليب سلمية وديمقراطية من النهج السياسي الطائفي ورفض المحاصصة الطائفية ومحاربة الفساد والإرهاب وقهر أساليب الحكم الفردية التي تنتهي دوماً بصعود المستبد بأمره وفرض الاستبداد والقمع في البلاد, إضافة إلى مهمة استعادة الاستقلال والسيادة الوطنية اللتين فرط بهما النظام الدكتاتوري المقبور منذ عقود.

وليست هناك حاجة ولا فائدة من تكرار ما قيل سابقاً حول الزمن الضائع الناتج عن التأخر في تحقيق هذه المهمة منذ العام الأول لسقوط الفاشية في العراق أو تحديد المسؤول عنها, أو الحديث عن الفرص التي ضاعت على طريق التحري عن أسلوب وأدوات تحقيق وحدة عمل قوى التيار الديمقراطي التي يجمعها شارع عريض يستوعب مهمات المرحلة الراهنة ولسنوات طويلة قادمة ويتسع لعدد كبير ومهم من القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية الديمقراطية العلمانية, اليسارية منها واللبرالية, ذات التقاليد العريقة في النضال أو الشبابية الحديثة التكوين, للسير معاً لإنجاز ما يتفق عليه من قواسم نضالية مشتركة. وإذا كان هذا الأمر صحيحاً, فأن الصحيح أيضاً يفترض أن يجد تعبيره في قدرة قوى التيار الديمقراطي على الاستفادة الواعية والفاعلة من دروس الفترة المنصرمة من محاولات وصيغ العمل المشترك المنصرمة التي لم تحقق شيئاً يذكر من أجل تجاوز الصعوبات الموضوعية أو التي تضعها القوى المناهضة للمجتمع المدني الديمقراطي المنشود في طريق العمل والنضال المشترك للقوى الديمقراطية. لقد تراكمت خبرات كثيرة ومعارف غنية لدى جميع قوى التيار الديمقراطي التي يفترض أن يستفاد منها الجميع لاستكمال المنشود في هذا الصدد.

وجاء مقال الصديق الأستاذ رزكار عقراوي, وكذلك الحوارات الغنية التي أثارها الكتاب والقراء تعقيباً على هذا المقال, إضافة إلى المداخلة الغنية والمسؤولة للصديق الأستاذ ضياء الشكرجي, في الوقت المناسب ليخدم توجه الاستفادة من دروس الماضي البعيد والقريب. وأبرز ما نشير إليه في هذا الصدد يتلخص في النقاط التالية:
1. ضرورة وحتمية الانفتاح على كل القوى الديمقراطية العلمانية دون استثناء, سواء تلك التي ساهم الأستاذ ضياء الشكرجي بتشخيصها في مقالته أم غيرها. فالسنوات التسع المنصرمة أفرزت الكثير من التنظيمات الجديدة تحت تسميات يسارية وليبرالية وقوى مستقلة كثيرة وشخصيات وطنية واجتماعية متميزة لا بد أن تجد مكاناً لها في العمل السياسي في إطار قوى التيار الديمقراطي.
2. التعامل الندي والاحترام المتبادل بين جميع القوى الديمقراطية بهدف الاستفادة القصوى من خبرات الأحزاب والقوى التي شاركت منذ عشرات السنين في النضال الوطني والديمقراطي من جهة, ومن معارف الشبيبة ومنظماتها الجديدة وحيويتها وحداثة الفكر الذي تحمله وأساليب العمل التي وفرتها التقنيات الحديثة وثورة المعلومات والاتصالات من جهة ثانية, وتنشيط كل القوى الديمقراطية لتنويع وتطوير العلاقة مع فئات الشعب المختلفة للدفاع عن مصالحها الحيوية من جهة ثالثة, إذ ستكون هذه الوجهة ضمانة أكيدة للتفاعل المتبادل وخلق الثقة المتبادلة بين كافة قوى التيار الديمقراطي أولاً, وضمانة فعلية لتعبئة أوسع القوى الشعبية ومن مختلف فئات المجتمع لصالح النضال السلمي والديمقراطي المشترك من اجل أهداف ومهمات هذا التيار. فهذا التيار المناضل بحاجة ماسة إلى توسيع قاعدته السياسية والاجتماعية بعد الانحسار الشديد الذي تعرضت له قواه لأسباب موضوعية وذاتية, ومن أجل تعزيز وحدة نضاله للوصول إلى طموحات الشعب العادلة.
3. إن التردد والقلق والتنقل بين القوائم ذات الفكر الديني الطائفي لأحزاب وقوى وشخصيات ديمقراطية وتحت أية واجهة كانت, كما حصل في الدورة الانتخابية 2010, وبغض النظر عن العوامل التي تساق في هذا الصدد, تلحق أفدح الأضرار بتلك القوى والشخصيات وبقوى التيار الديمقراطي عموماً وبمصداقيتها في النضال ضد الطائفية السياسية والمحاصصة الطائفية.
4. إن تعدد المنابر في الفكر الماركسي أو اليساري أو في الفكر اللبرالي عموماً أو تشابه الأسماء, مثل الحزب الشيوعي أو الحزب العمالي الشيوعي أو ...الخ ينبغي له أن لا يمنع من العمل المشترك في إطار قوى التيار الديمقراطي, بل يستوجبه, ما دام العمل يتم على قاعدة الاتفاق على برنامج وآليات وأدوات عمل مشتركة.
5. لقد حسمت قوى التحالف الكردستاني موقفها في التحالف مع القوى الإسلامية السياسية الطائفية, سواء أكانت شيعية أم سنية, وهي بالتالي لم تعترض على المحاصصة الطائفية الجارية في نهج الحكم في العراق. وهذا الموقف يخل من حيث المبدأ بقاعدة المواطنة الحرة والمتساوية والقاعدة الديمقراطية التي ترفض العمل على أسس طائفية سياسية تتعارض مع لائحة حقوق الإنسان. كما أن قوى التحالف الكردستاني لا تقدم أي دعم سياسي للقوى الديمقراطية في مواجهة ما يجري في العراق من انتهاكات للدستور وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان, بما في ذلك أساليب تشويه سمعة وقمع المظاهرات التي حصلت في بغداد أو في مدن عراقية أخرى وكذلك في مدن إقليم كردستان العراق, إذ إن ما يحصل في كردستان أو في بغداد يؤثر بشكل مباشر على القوى الديمقراطية العراقية وعلى مستقبل العراق والإقليم. ومن هنا يفترض أن تتحرى القوى الديمقراطية العراقية عن حلفاء لها في صف القوى الديمقراطية الكردية والتركمانية والآشورية والكلدانية ..الخ للتعاون والتنسيق بشأن القضايا العراقية المشتركة. فمن يتحالف مع غيرك ويرفض التحالف معك, يفترض أن تتحرى عمن يمكن أن تتحالف معه لتحقيق الأهداف الأساسية للشعب العراقي وفق منظور قوى التيار الديمقراطي العراقي. فالعمل السياسي أخذ وعطاء يفترض أن يتوجه لصالح المجتمع والحياة الدستورية الديمقراطية وضد الطائفية السياسية والمحاصصة الطائفية. وينبغي أن لا يكون هناك أي حرج للعمل بين القوى الديمقراطية العراقية ما دامت الأهداف تصب في إقامة الحكم الديمقراطي والتخلص من الهيمنة أو التسلط الطائفي أو الحزبي أو الفردية ومنع التحول صوب الاستبداد على مستوى البلاد أو الإقليم أو المحافظات وضد الشوفينية وضيق الأفق القومي. إن باب العمل مع التحالف الكردستاني يبقى مفتوحاً حين يتم الاتفاق معها على برنامج ديمقراطي يمس العراق كله ومعه إقليم كردستان العراق.
6. إن مشاركة هذا الحزب أو ذاك وهذه الشخصية الديمقراطية أو تلك, بصورة منفردة أو مجتمعة, يفترض أن تخضع للمعايير والقيم الحضارية والبرنامج الذي يلتزم به التيار الديمقراطي وبعيداً عن المشاركة في أية حكومة تقوم على المحاصصة الطائفية التي لا تقود إلا إلى المزيد من الانقسام والفرقة في المجتمع العراقي وإلى المزيد من الصراعات والنزاعات السياسية المدمرة التي يعيشها الشعب العراقي في المرحلة الراهنة. إن تجربة مشاركة الحزب الشيوعي في الحكم في ثلاث حكومات متتالية (علاوي, الجعفري والمالكي الأولى) لم تكن ناجحة في محصلتها النهائية ويفترض أن تؤخذ بالاعتبار, إذ إنها حملت الحزب بشكل خاص مسؤولية أدبية إزاء السياسات والإجراءات غير العقلانية والطائفية التي مارستها تلك الحكومات. إن المشاركة في الحكم ليس هدفاً بل وسيلة لتحقيق مصالح الشعب, وحين يعجز عن تحقيق ذلك تكون المشاركة عبثية ومضرة, بما في ذلك موضوع مكافحة الإرهاب والفساد في البلاد أو نقص الخدمات وغير ذلك. إن المعارضة الموضوعية لا تعني العداء, بل تعني التغيير والتحسين والخدة الأفضل لمصالح الشعب من المواقع التي تستند إليها قوى التيار الديمقراطي.
7. يفترض أن تبتعد قيادات الأحزاب وقيادة قوى التيار الديمقراطي قدر الإمكان عن الترشيح في قوائم الانتخابات العامة أو مجالس المحافظات وفسح المجال لشخصيات وطنية وديمقراطية عمالية وعلمية وأدبية وفنية وكوادر من منظمات مجتمع مدني تتميز بالشبابية والحيوية والشعبية ليتم ترشيحها في تلك القوائم والعمل على تحقيق نجاحات ملموسة في هذه الانتخابات. إن تجربة الانتخابات السابقة 2005 و2010 تؤكد صواب مثل هذا الاستنتاج وأهمية الالتزام به.
8. على القوى الديمقراطية أن تتعلم ممارسة النقد والنقد الذاتي في ما بينها ومع نفسها, وأن لا يعتبر ذلك إساءة لأي منها, خاصة إذا استخدم في النقد أسلوب تناول حكيم وسليم, إذ بدون النقد يتعذر تحقيق تقدم لقوى التيار الديمقراطي. يفترض أن يصبح النقد مدرسة للجميع ومنطلقاً للإغناء والتطوير والتغيير.

لجنة تنسيق قوى التيار الديمقراطي العراقي
منذ فترة غير قصيرة تشكلت في العراق لجنة تنسيق قوى التيار الديمقراطي وعقدت اجتماعات كثيرة وعبأت قوى واسعة نسبياً في الداخل والخارج, ولكنها لم تتحول بعد إلى حركة جماهيرية واسعة ومنظمة وفاعلة ومؤثرة على الحياة السياسية العراقية, رغم التحرك الشعبي والشبابي خلال الأشهر الخمسة المنصرمة. ومع ذلك فأن ما أنجز حتى الآن يعتبر جهداً جيداً لا يمكن ولا يجوز لأحد أن يبخس أهميته أو يتجاوزه. ولكن هذا الجهد المتميز يقتصر في عضويته على أربعة أحزاب سياسية عراقية مناضلة يعود تأسيس بعضها إلى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي (الحزب الشيوعي العراقي 1934), (جماعة الأهالي والإصلاح الشعبي 1933 وامتدادهما الحزب الوطني الديمقراطي 1946) وبعضها الآخر يعود وجوده إلى نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات منه (الحركة الاشتراكية العربية), كما تضم شخصيات ديمقراطية ذات خبرات ومعارف متنوعة واتجاهات فكرية وسياسية عديدة تقع في إطار طبيعة ومهمات التيار الديمقراطي. وهو أمر مفرح حقاً.

ولكن ما أنجز حتى الآن على أهميته, ولكي أكون واضحاً وصريحاً وشفافاً مع مناضلي قوى لجنة التنسيق, التي أعود إليها وأعمل في إطارها, وقيادتها العليا, غير كاف لمواجهة المهمات الثقيلة التي تنتظر لجنة تنسيق قوى التيار الديمقراطي, إذ لا تزال هناك قوى وتنظيمات وأحزاب وشخصيات سياسية ديمقراطية, يسارية وليبرالية وقومية غير شوفينية وعلمانية على امتداد الدولة العراقية التي يفترض أن تجد مكاناً لها في العمل الجبهوي القائم, أي في إطار لجنة تنسيق قوى التيار الديمقراطي. إن نضالنا الراهن يتطلب مشاركة كل الجماعات والشخصيات التي تلتزم الديمقراطية وتسعى إليها بصدق وشرف, وعلينا أن لا نستهين ولو بعنصر واحد يمكن أن يتعاون وينسق مع قوى التيار الديمقراطي ويغني نضالها ويساهم في توسيع قاعدتها. وعلى لجنة التنسيق أن لا ترفض طلباً للعمل المشترك من أي قوة أو شخصية يمكن أن تكون نافعة في نضال الحركة الديمقراطية العراقية في المرحلة الراهنة.

إن وجود قوى وتنظيمات وشخصيات أخرى داخل لجنة تنسيق قوى التيار الديمقراطي يخضع لعاملين هما:
أ‌. كيف هو موقف لجنة التنسيق العليا من قبول قوى وشخصيات أخرى, سواء أكانت يسارية أم ليبرالية أم مستقلة أم قومية غير شوفينية وديمقراطية أو ربما تنتمي |إلى نفس الفكر الذي تنتمي إليه قوى في لجنة التنسيق العليا؟

ب‌. ما هو موقف القوى الأخرى التي هي الآن خارج إطار قوى لجنة التنسيق من العمل المشترك مع بقية قوى التيار الديمقراطي ومدى استعدادها على القبول بالحدود المعقولة للأهداف المشتركة التي تعني بالأساس موقف النضال السلمي والديمقراطي لتحقيق الأهداف ورفض الطائفية والشوفينية وضيق الأفق القومي أو التطرف في طرح الشعارات التي يصعب تحقيقها أو الاتفاق الجمعي عليها, بسبب طبيعة المرحلة ومهماتها؟

إن القبول بقواسم مشتركة لا يعني بأي حال تخلي كل طرف عن برنامجه البعيد المدى أو عن تغييب وجود خلافات واختلافات برنامجية بعيدة الأمد لا يستوجب طرحها حالياً.
أن القواسم المشتركة في تحديد أهداف النضال المرحلة تجسد قدرة قوى التيار الديمقراطي واستعدادها على المساومة الإيجابية لصالح القضايا المشتركة في المرحلة الراهنة. وهي في الواقع العملي ستكون مرحلة طويلة حقاً تتجاوز العقدين من السنين في ظروف وأوضاع العراق الراهنة.

كما إن من الضروري أن تبدي الأحزاب ذات الخبرة التاريخية قدرة على تفهم دور التنظيمات الجديدة الشبابية وغيرها ومنحها الدعم والمساندة للمشاركة الفعالة وفسحة واسعة للمشاركة في نضال قوى التيار الديمقراطي, إذ إنها تمنح العملية النضالية زخماً وحيوية وجدة لا توجد في كل الأحزاب التاريخية في الوقت الحاضر. إذ إننا نعرف تماماً الإمكانيات الفعلية للقوى المشاركة في لجنة التنسيق العليا والتي أشار إليها بوضوح وموضوعية الأستاذ ضياء الشكرجي. المهم هو أن تقدر كل مجموعة أو حزب أو تنظيم قدراته الفعلية بموضوعية عالية ليتسنى لكل من هذه القوى التحري عن السبل لتطوير قدراتها وقاعدتها الاجتماعية والسياسية وتصحيح العوامل التي تسببت في تأخر أو ضعف دورها وتأثيرها وسعة قاعدتها الاجتماعية والسياسية.

إن المظاهرات الأخيرة كانت تجربة غنية وضرورية للقوى الديمقراطية لتعرف واقع قدراتها على تحريك الشباب وبقية فئات الشعب, ومدى قناعة الشعب بالشعارات المطروحة وسبل تطويرها, وإدراك نقاط الضعف فيها لتداركها, إذ أن العملية النضالية القادمة تستوجب دراسة التجربة واستخلاص الدروس منها ومواطن القوة والضعف فيها, رغم إن التجربة ما تزال متواصلة, لأن الحاجة لاستمرار النضال ما تزال قائمة.

لقد طرحت لجنة تنسيق قوى التيار الديمقراطي مسودة برنامجها للنقاش. وفي قناعتي يشكل أساساً صالحاً للنقاش من أجل إغناء المسودة بأفكار جديدة, كما يمكن طرح آليات وأدوات وأساليب عمل جديدة وإقرارها في المؤتمر بعد أن تكون اللجنة قد اتسعت وشملت قوى أخرى جديدة تبلورت خلال السنوات المنصرمة وكذلك خلال الأشهر الأخيرة.

لقد تشكلت تنظيمات لقوى التيار الديمقراطي في الخارج واستطاعت أن تعبئ عدداً قليلاً جداً من القوى الديمقراطية ومن بنات وأبناء الجاليات العراقية في الخارج. وهذا الواقع يعود لعدة عوامل أشير في أدناه إلى أبرزها:
1. يلعب أعضاء الحزب الشيوعي العراقي ومؤيدوه دوراً بارزاً في الدعوة إلى تكوين هذه التنظيمات الديمقراطية. والسبب في ذلك يكمن في وجود تنظيمات للحزب الشيوعي العراقي ولا توجد مثلها أو بحجمها لبقية الأحزاب المنخرطة في اللجنة العليا¸ أو لديها بعض الأفراد غير النشطين وبالتالي فالعبء يقع على عاتق الشيوعيين. ومنه يبدو وكأن الحزب الشيوعي قد هيمن على هذه التنظيمات. وهو أمر لا يستطيع أعضاء الحزب تغييره. بل يمكن للقوى الأخرى المشاركة تغيير ذلك من خلال تعزيز دورها ونشاطها والنشطاء منها.
2. بعض تنظيمات الحزب الشيوعي ورفاقه ما زالوا يعملون على وفق العقلية القديمة التي تريد حسم الأمور على وفق ما وصلها من تعليمات من لجنة التنسيق العليا أو من الحزب, وبالتالي لا تبدو أي استقلالية فعلية لتنظيمات لجنة تنسيق القوى الديمقراطية ف ي بعض المدن أو الدول, بل تبدو وكأنها تشكل جزءاً من تنظيمات الحزب الشيوعي. واعتقد إن الخلل ليس في قيادة الحزب في بغداد بل في بعض الهيئات الحزبية في الخارج أو في لجنة تنظيم الخارج التي يتسم عملها ربما بشيء من الماضي البعيد. هذه الهيئات أو الرفاق يسيرون على قاعدة "تريد أرنب أخذ أرنب, تريد غزال أخذ أرنب, حصتك هي الأرنب شئت أم أبيت". وهو أمر مرفوض حتى في العمل الحزبي البحت! ويمكن إيراد نماذج في هذا الصدد, ولكن هناك نماذج أخرى حسنة يمكن إيرادها أيضاً. فتجربة الأستاذ رزكار عقراوي في الدنمرك غير تجربة كاظم حبيب في ألمانيا, فإذا كانت الأولى تعود للنموذج الأول كما يشير الأخ رزكار عقراوي, فأن الثانية تعود للنموذج الثاني كما عاشها كاظم حبيب في مؤتمرات لجنة عمل التيار الديمقراطي في ألمانيا. ومع ذلك يفترض في قيادة الحزب الشيوعي أن تدرس مواقف تنظيماته في بغداد ومواقف تنظيماته في محافظات الداخل وفي تنظيمات الخارج لتصحيح ما يمكن ويستوجب تصحيحه وتعزيز وإغناء الجوانب الإيجابية في علاقاته مع القوى الديمقراطية واليسارية الأخرى.
3. إن الوضع العام في العراق أوجد إحباطاً لدى الكثير من العراقيات والعراقيين, وخاصة ممن زار العراق خلال السنوات الأخيرة أو انتقل إلى العراق ثم ترك العراق خلفه. وهذا الأمر ولد عزوفاً كبيراً عن العمل السياسي لدى الأوساط العراقية الواسعة. إلا أن المظاهرات الأخيرة قد حركت الأجواء في الخارج, كما حصل في الداخل, وبنسبة أقل طبعاً وولد شعوراً بقدرة القوى الديمقراطية على تحريك الشارع ولو قليلاً إذ يمكن أن يتسع لصالح العراق الديمقراطي الحر والمستقل.
4. ومن المحزن أن نشير إلى أن عدداً من العناصر الديمقراطية في الشتات العراقي قد انخرط في الأجواء الطائفية المقيتة وراح يدافع عنها باعتبارها موجودة ولا بد من الاعتراف بها وليس النضال من أجل تغيير هذا الواقع المشوه والوعي المزيف الذي سقط فيه بعض العناصر الديمقراطية التي كان يعول عليه المشاركة في النضال ضد الطائفية السياسية وليس ضد المذاهب الدينية وأتباعها من المتدينين.
5. لا يمكن أن تكون هناك استقلالية تامة بين لجان تنسيق قوى التيار الديمقراطي في الخارج عن عمل لجنة التنسيق العليا في الداخل من حيث المهمات والأهداف وآليات النضال و|أدواته, ولكن من حق هذه التنظيمات, كما هو من حق تنظيمات الداخل, لقوى التيار الديمقراطي مناقشة السياسات والمواقف والبرنامج والنظام الداخلي وقواعد العمل بكل حرية وإبداء الرأي المناسب سواء أكان بالأكثرية أم بالأقلية, إذ لا بد من نشر رأي الأقلية واحترامه, وربما تستوجب تغيرات الوضع الأخذ به.
6. نحن أمام تجربة جديدة تحتاج إلى رعاية وإشراف من اللجنة العليا لا باتجاه الأبوة والاحتواء بل بهدف التدقيق في العمل وفي الإجراءات والعلاقات والنشاط واحترام الرأي والرأي الآخر والابتعاد عن اتخاذ القرارات بالأكثرية وكفى الله المؤمنين شر القتال, بل بخوض النقاش لأغراض الإقناع أو تحقيق التقارب.
7. وأدرك تماماً بأن حكومة المالكي بدأت تفقد أعصابها في مواجهة مطالب المتظاهرين العادلة والمشروعة بعد أن وعدت مجبرة بمعالجة المشكلات وفشلت, وهي الخاسرة في كل الأحوال إن واصلت السير على طريق إرسال الفرق الأمنية لضرب واحتجاز وتعذيب المتظاهرين من جهة وعدم معالجة المشكلات القائمة من جهة أخرى. إن متابعة الأحداث في البلاد تشير إلى حراكٍ جديدٍ محتمل جداً وإلى تحالفات جديدة يمكن أن تبرز على الساحة السياسية العراقية خلال الفترة القادمة بمقدورها أن تعدل نسبياً في ميزان القوى لصالح المجتمع, وعلى قوى التيار الديمقراطي أن تتحول إلى رقم مهم في الواقع السياسي العراقي الراهن يؤخذ بالاعتبار من كل الأطراف, وخاصة ممن كان يفترض أن يكونوا حلفاء للقوى الديمقراطية واليسارية العراقية لنضالهم المشترك الطويل وتضحياتهم الغالية في سبيل الديمقراطية والحقوق القومية العادلة للشعب الكردي وبقية القوميات.

أدرك تماماً بأن من المهمات الراهنة الصعبة والملحة حقاً التي تواجه قوى التيار الديمقراطي هي مهمة توسيع قاعدة وقيادة قوى التيار الديمقراطي بتنظيمات وأحزاب وقوى وشخصيات جديدة وتحريكها للعمل في آن واحد. ولكن لا بد من إنجاز المهمة الأولى وبالسرعة الممكنة دون التوقف عن العمل, لأن المهمات التي تواجه قوى التيار الديمقراطي صعبة وعبء النضال ثقيل والتركة مرهقة والثقة ضعيفة والحساسيات منهكة, ولكن حسن النية والتوجه الجاد نحو العمل المشترك في صفوف الشعب والسعي لنسيان الماضي والاستفادة من دروسه والبدء بروحية جديدة ستمنح الجميع فرصة كبيرة لتحقيق نجاحات سريعة في تعبئة القوى وفي ضمان وحدة عمل قوى التيار الديمقراطي, التي هي غاية الجميع وطريق تحقيق ما يصبو إليه الشعب.

 

 

منتصف تموز/يوليو 2011

 

free web counter