موقع الناس     http://al-nnas.com/

هل من مغزى واقعي وإيجابي للعراق من اجتماعات جامعة الدول العربية؟

 

كاظم حبيب

الأحد 2/4/ 2006

منذ تأسيس جامعة الدول العربية والشكوى الشعبية منها ومن اجتماعاتها وسياساتها ومواقفها وقرارات قممها متواصلة ومتزايدة. ولم تشهد هذه الجامعة يوماً ما تأييدا من المجتمعات في الدول العربية, بل هي دوماً ملامة ومدانة, وليس هناك من يدافع عنها إلا جمهرة من موظفيها. فهل هذه الشكوى عادلة أم أنها لا ترقى إلى فهم واقع هذه الجامعة أم أن هناك سراً خفياً وراء هذه المواقف غير العقلانية لجامعة الدول العربية؟
لا بد لي ابتداءً أن أشير إلى خمس حقائق جوهرية تمس طبيعة جامعة الدول العربية, وهي:
1. أن هذه الجامعة تمثل الدول العربية بحكوماتها ذات الاتجاهات الفكرية والسياسية المعروفة للجميع, ولا تعبر عن شعوبها ومصالحهم, إذ أن هناك فجوة كبيرة ومتسعة بين مصالح هذه الحكومات ومصالح الشعوب. وهذه الحكومات, وأن كانت متباينة في بعض جوانب بنيتها أو نظمها السياسية وسياساتها, إلا أنها في بعض أبرز وأهم سماتها متجانسة أو متماثلة, وخاصة في كون أغلبها, إن لم تكن كلها, لا تعبر بهذا القدر أو ذاك عن مصالح شعوبها ولا تتميز بالديمقراطية, بل يسود في أغلبها الاستبداد بصيغ مختلفة وبحصيلة نهائية واحدة تؤكد مصادرة جادة وفظة لحقوق الإنسان وحقوق القوميات فيها والعدالة الاجتماعية وسوء استخدام وتوزيع الثروات.
2. إن الجالسين على مقاعد الجامعة العربية هم موظفون يمثلون حكومات الدول العربية, وبالتالي ليس في مقدورهم اتخاذ قرارات تختلف عن سياسات وتوجيهات أو قرارات حكوماتهم.
3. وأن اجتماعات وزراء الخارجية أو أي مستوى من الوزراء وكذلك قمم الدول العربية, هي المعبر الحقيقي عن طبيعة تلك الدول والنظم والسياسات والتي تعودنا عليها منذ تأسيس جامعة الدول العربية في 22/3/1945 حتى الوقت الحاضر.
4. وأن أمين عام الجامعة العربية, الذي كان باستمرار وسيبقى مصرياً, لا يمكنه أن يخرج عن إرادة وسياسات وقرارات الجامعة العربية أولاً. ورغم أنه ينتخب لهذا المركز من قبل ممثلي الدول العربية, إلا أنه يبقى المرشح الوحيد لحكومة مصر لهذا المركز ثانياً, وهي حكومة لا تختلف في سياساتها العامة عن بقية حكومات الدول العربية.
5. وأن أي تغيير منشود في جامعة الدول العربية لكي يصب في مصلحة شعوب هذه الدول يستوجب إجراء تغيير حقيقي وجذري في طبيعة تكوين تلك الحكومات وسياساتها ولا أمل يرجى في غير هذا الاتجاه, إذ أن أي وجهة أخرى ستكون بعيدةً كل البعد عن الواقع ووهماً خادعاً للنفس وللآخرين.
ماذا يعني ذلك؟ أنه يعني باختصار ووضوح شديدين, إن أي تغيير منشود إزاء هذه القضية أو تلك في جامعة الدول العربية يفترض أن تبدأ بممارسة الضغوط على حكومات الدول العربية باعتبارها المتحكم أولاً وأخيراً بسياسات وقرارات جامعة الدول العربية.
إن الاجتماعات الأخيرة التي عقدتها الجامعة العربية ودرست فيها قضية التصدي لتفاقم الإرهاب في العراق, أو تقديم الدعم للحكومة العراقية في نضالها ضد الإرهاب, أو إرسال سفراء عرب إلى بغداد, أو تأمين الدعم المتعدد الجوانب للعراق, أو منع التسلل عبر الحدود السورية وغيرها, قد تميزت بظاهرة ذات وجهين جديرة بالاهتمام, وهما:
أولاً: إنها قد اتخذت في الغالب الأعم قرارات صائبة, على سبيل المثال لا الحصر: إدانة قوى الإرهاب وإبداء الاستعداد للتعاون في مواجهته والدعوة إلى إرسال سفراء الدول العربية إلى العراق أو تقديم الدعم للعراق وكذلك إلغاء الديون العربية التي بذمة العراق أو الطلب بمراقبة الحدود ومنع التسلل ...الخ.
ثانياً: ولكن الحصيلة العامة لتنفيذ تلك القرارات والتوصيات كانت صفراً إن لم نقل تحت الصفر.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو السبب وراء اتخاذ تلك قرارات إيجابية, ثم الامتناع عن تطبيقها عملياً؟
لا نبتعد عن الحقيقية حين نستنتج ما يلي: إن السبب وراء اتخاذ قرارات إيجابية يكمن في الضغط المتزايد الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية على حكومات الدول العربية الصديقة لها, وهي تمتلك أدوات ضغط كثيرة, تجعلها مجبرة على الموافقة على ما يطرحه وزير خارجية العراق الأستاذ هوشيار زيباري من مقترحات واقعية ومطلوبة. ولكن في حقيقة الأمر, فإن أغلب هذه الحكومات يقف ضد الوضع الراهن في العراق ولا يجد مبرراً لدعم الحكومة العراقية ويعمل ضدها لأسباب كثيرة وأبرزها: - الخشية من الديمقراطية التي يمكن أن تنتشر عبر العراق إلى دول المنطقة؛ - خشية تسلم الشيعة السلطة في العراق, وهي نظم كلها تستند في نظمها السياسية إلى الشريعة السنية, وأن اختلف في تفاصيلها؛ - وهي تخشى من حصول الشعب الكردي على حقه في تقرير مصيره وتكريس فيدراليته المشروعة بحجة الانفصال, ...الخ. ولهذا فأن أغلب هذه النظم يعرقل عملياً تنفيذ القرارات التي تتخذها قمم الدول العربية أو وزراء خارجيتها.
ولا يمكنني في هذا الصدد إلا أن أذكر العراقيات والعراقيين الذين ينتظرون خيراً من جامعة الدول العربية بالمثل الشعبي العراقي القائل: "عرب وين طنبورة وين", إذ أنه ينطبق تماماً على مواقف أغلب الدول العربية وجامعتها المشلولة إزاء أوضاع العراق والشعب العراقي. ومثل هذه المواقف تبعث الارتياح في نفوس قوى الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية وعصابات البعثيين الصدّاميين القتلة وغيرهم من القوى المتربصة للإيقاع بالعراق وشعبه.
لا يمكننا طبعاً مقاطعة جامعة الدول العربية وليس من مصلحة العراق ذلك, ولكن علينا أن نطرح أهدافنا بوضوح وصراحة أمام الشعوب في العراق وفي الدول العربية ودول الجوار والعالم ونروج لها على نطاق واسع. فالشعب العراقي, رغم كل الالتباسات الراهنة في الوضع القائم, يسعى إلى إقامة نظام مدني حر وديمقراطي اتحادي, يرفض الذهنية والممارسة العنصرية والتطهير العرقي والشوفينية, ويمقت ويدين الطائفية السياسية ولا يريد إقامة نظام طائفي في البلاد, ويرفض معاداة الأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة, ويعمل من أجل إيقاف الإرهاب والانتصار عليه ومنع انتشاره إلى الدول المجاورة, وفي الوقت نفسه يعمل على منع وصول الإرهاب من دول الجوار إلى العراق, كما يجري اليوم, ويطالب الدول العربية والدول المجاورة بتقديم الدعم الكامل لجهوده على هذا الطريق وإرسال السفراء إلى بغداد لتعزيز القناعة بإمكانية تحقيق الاستقرار وتحدي الإرهاب الدموي والإرهابيين. إن العراق لا يريد التدخل في شؤون الدول الأخرى ويرفض التدخل في شؤونه من دول الجوار, ويسعى على إقامة علاقات حسن جوار واحترام متبادل للاستقلال والسيادة الوطنية وحل المعضلات بالطرق السلمية وبآليات ديمقراطية.
ولكن على الشعب العراقي أن يدرك بأن ما يسعى إلى تحقيقه لا ينجز بأي حال ما دامت الدول العربية ترى كيف تتصارع القوى السياسية في ما بينها على رئيس للوزراء, في وقت تتوفر إمكانيات غير قليلة على إيجاد حل سريع ومنطقي يتناغم مع الأكثرية المطالبة برئيس وزراء آخر غير الذي جربته واقتنعت بعدم فائدته للمرحلة الجديدة الجارية, بغض النظر عن مدى صواب أو خطأ هذه القناعة لدى الآخرين, خاصة وأن التأخير في تشكيل حكومة وحدة وطنية يزيد الأمر تعقيداً ويزيد من استفحال الإرهاب والموت في شوارع بغداد على نحو خاص ويشجع الإرهابيين ويعطيهم الانطباع بنجاح مشروعهم الإرهابي لزعزعة الوضع في العراق وإحباط الجهود المبذولة لاستعادة الأمن والاستقرار والسلام في ربوع البلاد. إننا أمام محنة لا تحل إلا برؤية عقلانية واستعداد للتفاعل والمساومة لضمان قواسم مشتركة بين جميع القوى والأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان الجديد في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق من أجل الوصول إلى شاطئ الأمان والسلام.

نشر في جريدة الصباح البغدادية