| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

السبت 29/1/ 2011

 

هل من رياح منعشة وأخرى صفراء عاتية تهبُّ على العراق والدول العربية؟

كاظم حبيب

تشير أجواء العالم العربي إلى أن الأوضاع السياسية والاجتماعية فيها حبلى بالأحداث والمفاجئات الكبيرة. إنها حبلى بنماذج تلتقي أو تختلف عما جرى في العراق أو تونس. ويرتبط كل ذلك بمستوى التناقضات والصراعات الجارية في هذا البلد أو ذاك وبقدرات كل شعب وقواه السياسية على التخلص من أوضاع هذا البلد أو ذاك المزرية وبالمستوى الحضاري الذي بلغه هذا المجتمع أو ذاك وعمق وسعة وشمولية الأوضاع الشاذة التي عاش تحت وطأتها وعانى منها المجتمع والفرد.

كلنا يشهد يومياً أو يعيش تراكم الغضب الشعبي الفردي والجمعي الناشئ عن سياسات الحكام في الدول العربية دون استثناء, سياسات تتميز بالاستبداد والقسوة والقمع, سياسات تكرس التخلف في الاقتصاد والمجتمع وتفتح الأبواب على مصراعيها أمام التجارة الخارجية التي تمنع التنمية الصناعية والزراعية والتراكم الرأسمالي, أو غياب التنمية الاقتصادية والبشرية الواعدة والمطلوبة, والتي تجد تعبيرها في تفاقم البطالة والحرمان والجوع, سياسات غياب العدالة الاجتماعية والسيطرة على الدخل القومي وسوء توزيعه وإعادة توزيعه واستخدامه ونهب خيرات البلاد باسم العشيرة أو العائلة المالكة أو الخاكمة أو الحزب الواحد الحاكم أو باسم القائد, سياسات ترعى الفساد المالي والإداري والمحسوبية والمنسوبية ومواصلة الكذب والضحك على ذقون الشعب كله, سياسات توريث الأباء الحكم للأبناء, سواء أكان النظام ملكياً أم جمهورياً. هذا الغضب المتراكم يوماً بعد آخر وسنة بعد أخرى وعقداً بعد عقدٍ الذي نشأ بسبب القهر الفكري والديني والمذهبي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي, تكون له إذا ما تفجر أبعاده وعواقبه الوخيمة على الحكام وأتباعهم, كما حصل في العراق أو في تونس, واحتمال أن تكون له نتائج طيبة على المجتمع, إن أمكن قيادته بصورة ديمقراطية ولصالح المجتمع.

إن تراكم غضب الجياع والمحرومين والمنكودين و المقهورين من الناس, غضب العاطلين عن العمل وسكنة البيوت القصديرية والمقابر ومعسكرات الجيش, غضب المثقفين المقموعين بشتى السبل, هذا الغضب المتراكم يغلي في النفوس, وحين ينفجر يهدد باكتساح الكثير من الحكام وربما أقوى بكثير مما حصل في العراق وتونس حتى الآن.
ومن يتتبع ما يجري اليوم في الدول العربية يستطيع ان يتبين مثل هذا الغضب المتعاظم الذي يمكن أن يبشر بانفجارات فعلية: ها نحن أمام الجزائر ومصر واليمن والسودان أمام كل الدول العربية دون استثناء. ويحمل هذا الغضب العارم معه احتمالان: إحدهما يحمل معه الرياح المنعشة للجماهير الكادحة حين يهب الشعب لتحقيق التغيير المنشود مدافعاً عن حريته وكرامته وحياته الديمقراطية وعن خبز يومه والنظام الديمقراطي الذي يسعى إلى إقامته, مكتسحاً أمامه قوى الاستبداد والظلم والتمييز, والآخر يحمل معه الرياح الصفراء المسمومة والعاتية التي تحرق الأخضر بسعر اليابس, وهي لا تختلف في عواقبها عن الثورة التي نهضت بها جماهير الشعب في إيران ثم سرقتها قوى الإسلام السياسية واقامت دولتها المذهبية الشمولية وسياساتها الساعية إلى تصدير نموذجها إلى كل الدول العربية والشعوب الإسلامية.

إن إلقاء نظرة على ما يجري في عدد من الدول العربية الشرق اوسطية من جانب الحكام العتاة, سواء أكان ذلك في السعودية أم السودان أم اليمن أم ليبيا أم سوريا وغيرها, يتلمس الإنسان الاختلال الفعلي في ميزان القوى الراهن في غير صالح القوى الديمقراطية الراغبة في التغيير الديمقراطي والتقدمي بسبب الإرهاب المستمر وبصيغ عديدة الذي تعرضت ولا تزال تتعرض له من جانب حكومات تلك البلدان, في حين تعززت فيها قوى الإسلام السياسية التي وجدت من الجوامع والمساجد والحسينيات وشيوخ وفقهاء الدين سنداً لها ودعماً لسياساتها, إضافة إلى الدعم الذي يصل إليها من الدول المجاورة. وهو ما نتلمسه اليوم في لبنان أو ما يجري في السودان على سبيل المثال لا الحصر.

والعراق, هذا البلد الذي أُنقذ من قبضة وسجن الدكتاتور الفاشي صدام حسين الذي دام 35 عاماً من قبل القوات الأجنبية, الأمريكية والبريطانية على نحو خاص, فرض عليه الاحتلال رسمياً من جانب مجلس الأمن الدولي وتسبب ذلك في مضاعفات كثيرة بما فيها تفاقم الإرهاب الإسلامي الدولي والإقليمي والمحلي. فالعراق يعاني اليوم من هيمنة القوى الإسلامية السياسية الطائفية وممارستها للسياسات الطائفية المقيتة ومن تحكمها في حياة الفرد والمجتمع وبطريق يقترب يوماً بعد يوم مما فرض عليه قبل ذاك من خيمة فكرية واحدة هي خيمة البعث المهلهلة. وهي الخشية الكبيرة التي يفترض أن نضعها نصب عيوننا.

العراق يقترب سريعاً من مغادرة القوات الأجنبية وفق الاتفاقية التي عقدت بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية. وهو أمر إيجابي دون أدنى ريب. ولكن في ذات الوقت يتعرض الشعب العراقي إلى استمرار فعلي في الضربات الموجعة التي توجهها القوى الإرهابية يومياً ويموت بسببها الكثير من ابناء وبنات الشعب في عدد من المدن العراقية ومنها بغداد وكربلاء, أو القتل العدواني الشرير ضد مواطناتنا ومواطنينا من أتباع الديانة المسيحية أو المندائية. ورغم ما تبذله قوات الأمن من جهود, فالعدو لا يتوقف عن القتل والتدمير!
ولكن ماذا بعد؟

دعوني أطرح رؤيتي لما يمكن أن يحصل في العراق, وهو ما لا أتمناه لشعبنا وعراقنا الحبيب, تماماً كما قدمت رؤيتي قبل ما يقرب من سبع سنوات ونصف السنة عما قرره صدام حسين أن يفعله بعد سقوطه. ومن المؤسف والمؤلم حقاً أن تحقق ذلك السيناريو كما وضعته بالتمام والكمال! ولم يكن ذلك اجتهاداً, بل معرفة بطبيعة ونوايا صدام حسين ورهطه.

واليوم أرى مخاطر جمة تواجه العراق بعد خروج القوات الأجنبية لعدة أسباب لا بد من ملامستها بوضوح.
1 . إن الحكم في أكثريته بيد قوى الإسلام السياسية الشيعية والسنية, ورغم أهمية ودور التحالف الكردستاني والإقليم في الحد من تطرف الحكم الاتحادي, فأن الحكم الفعلي بأيدي هذه الأكثرية الدينية التي تسعى إلى إقامة دولة إسلامية ومجتمع ديني إسلامي.
2 . إن الصراعات الطائفية يمكن أن تتفاقم بفعل فقدان التوازن بعد خروج القوات الأجنبية حيث تستطيع المليشيات المسلحة أن تخوض الصراع لصالح أحزابها وتهدد البلاد كلها بحرب مدمرة, إذ أن التوافق بين القوى الإسلامية ناشيء نسبياً لعدائها المشترك ضد القوى المدنية والعلمانية, وحين يخف هذا يتوجه أحدها ضد الآخر.
3 . إن المبادرة في الحكم لم تعد بيد رئيس قائمة دولة القانون بل فقدها حقاً, وهي اليوم بيد قى مقتدى الصدر والحليف المحتمل هادي العامري.
4 . إن المليشيات الشيعية التابعة لمقتدى الصدر وفيلق بدر تستعدان منذ الآن لتدبير أمر الهيمنة على الحكم بتحريك الجماهير غير الواعية والمسلحة تسليحاً جيداً للسيطرة على الوضع في البلاد, خاصة وأن لها قوى قد تسربت إلى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. وهذا هو الخطر الداهم الذي ينتظر العراق وتسعى إليه إيران بأحر من الجمر.
5 . لم يكن مجيء مقتدى الصدر إلى العراق بعد غيبة ثلاث سنوات عبثاً, بل كان لجس النبض وتحريك قواه لكي لا تصدأ دون حركة وفعل. وقد بدأ بتحريكها فعلاً وبلا مواربة ضد القوات الأمريكية بنداءاته الشعبوية ضدها وترديد أتباعه لها "لا ..لا .. للمحتل, لا .. لا.. لأمريكا", وبدعمه الصارخ لما سماه "قوات المقاومة" في العراق دون أي تحديد لهويتها, وهي رغبة المصالحة مع كل القوى المعادية للعملية السياسية في العراق في هذه المرحلة الحساسة.
6 . إن الهجوم الراهن على القوى الديمقراطية والحريات العامة والثقافة الديمقراطية من قبل مجالس محافظات بغداد والبصرة وبابل وتأييدها غير المباشر من جانب رئيس الوزراء كان لجس النبض أيضاً, ولكنه البداية الفعلية لما يراد للعراق لاحقاً. والصدر في هذا التوجه لا يختلف عن حسن نصر الله إلا في كون الأخير لا يزال غير مدرب تدريباً فكرياً وسياسياً كافياً, كما أنه ليس بخطيب مفوه. وعلينا أن ننتبه لما جرى ويجري اليوم في لبنان, وكيف أن إيران وسوريا بدأتا تلعبان لعبتهما الخطرة في لبنان والمؤججة لكل الصراعات المحتملة في المنطقة.
7 . ومما يزيد من هذا الاحتمال تفكك القوى الديمقراطية وضعفها وابتعاد القوى السياسية الكردية عن التحالف معها ودعمها ليقوى عودها وتستعد لمواجهة ما يراد للعراق خلال الفترة القادمة.
8 . إن موافقة مقتدى الصدر على تعاون أتباعه مع المالكي جاء بفعل الدور والتأثير الإيراني, ولكن مقتدى الصدر لن يغفر للمالكي ما حصل في البصرة وبغداد لأتباعه من الخارجين على القانون, وسوف لن يشفع له وجوده على رأس حزب الدعوة الإسلامية. وعلينا أن نتذكر بوضوح المصير الذي حل بغريمه عبد المجيد الخوئي حال دخوله النجف.

إن عودة مقتدى الصدر إلى إيران تدخل في إطار التحضير للفترة القادمة, وفي العراق ما يكفي من السلاح والعتاد لميليشيات جيش المهدي التي يقودها مقتدى الصدر وفيلق بدر الذي يقوده هادي العامري.
من استمع إلى خطاب الاحتفاء بعودة مقتدى الصدر للعراق والترحيب به من قبل عريف الحفل في النجف يدرك بأن الترحيب كان بـ "القائد", وتكررت كلمة "القائد" التي لها معناها, لم تكن موجهة لأتباعه فحسب, بل وبالأساس للمالكي وللعراق كله, وهو الطريق الذي سار ويسير عليه حسن نصر الله في لبنان.
الجهد يبذل اليوم لخلق حصان طروادة داخل الجيش وآخر داخل الشرطة وثالث داخل أجهزة الأمن, لتعمل يداً بيد مع مليشيات جيش المهدي ومع فيلق بدر. وهنا يبرز مكمن الخطر الداهم.
وفي مقابل هذا علينا أن نلاحظ بوضوح أن قوى أخرى تابعة للقاعدة وحليفها حارث الضاري وقوى حزب البعث وبقايا أجهزة أمنه هي الأخرى تعمل بنفس الاتجاه وتملك قوى إقليمية خارجية تساندها, كما في حالة إسناد إيران لقوى مقتدى الصدر وهادي العامري.

إن على كل العراقيات والعراقيين الذين يهمهم مصير الوطن ويرفضون التطرف في الحكم ويسعون إلى التعددية والحرية الفردية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية وحل المشكلات القائمة بالطرق السلمية والديمقراطية وبعيدة عن التمييز والطائفية والشوفينية ومن أجل دولة اتحادية ديمقراطية ومجتمع مدني ديمقراطي سليم أن لا يتفرجوا على ما يجري في العراق حالياً, بل لا بد من التحرك والعمل لتبيان حقيقة الوضع للشعب وللقوى الديمقراطية ولكل الخيرين في كافة الأحزاب الوطنية الفاعلة في العملية السياسية لمواجهة احتمال التطور بهذا الاتجاه السلبي الذي ملامحه بادية في أفق العراق الراهن وليس البعيد!
 

 

26/1/2011 كاظم حبيب

نشر في عراق الغد (الجديدة) بتاريخ 26/1/2011

 

 

free web counter