موقع الناس     http://al-nnas.com/

هل ما تزال البصرة حزينة ... وهل ما تزال مستباحة؟

 

كاظم حبيب

الأثنين 29/5/ 2006

لم اكن مغالياً, كما لم اكن بعيداً عن أرض الواقع الفعلي حين كتبت عن هذه المدينة المتعددة الثقافات والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية, هذه المدينة الطيبة بناسها حيث قضيت فيها لتي قضيت فيها, وأنا أحد الطلبة المجندين قسراً في الشعيبة, إنها تعيش الحزب والاستباحة " البصرة الحزينة ... البصرة المستباحة ..." قبل عدة شهور, رغم الهجوم الذي تعرضت له بعد هذه المقالات الثلاثة من بعض العناصر التي تصورت أني أتحامل على هذه المدينة الجميلة ولا أمتلك المعلومات الكافية عن البصرة وعن المشكلات التي تعاني منها. وقد أشرت في حينها بكلمة صريحة بأن الأمور سوف تتفجر بعنف شديد ما لم تلعب الحكومة دورها في الحد من الطائفية السياسية ومن التدخل الإيراني الفظ في شؤون العراق الداخلية عموماً والجنوب بشكل خاص, والبصرة على نحو أخص. إلا أن حكومة الجعفري واصلت السكوت عما كان يجري حتى وصل الأمر بما نحن فيه اليوم.
ومنذ فترة وجيزة وجد السيد رئيس الجمهورية, مام جلال طالباني نفسه ملزماً على إرسال نائبه السيد الدكتور عادل عبد المهدي ليدرس الوضع ويتخذ الإجراءات الكفيلة بمعالجة الوضع. ثم أرسل أخيراً وفداً حمله صلاحيات البت بالأمور لنفس الغرض وبرئاسة الدكتور عادل عبد المهدي, كما أرسل البعض الآخر ممثلين عنهم لتدارس الوضع هناك وحل المشكلات بين المليشيات والقوى المتصارعة بآليات أخرى غير البندقية والقتل العمد.
ولست مغالياً الآن حين أؤكد الحقائق التالية, ومن لا يصدق فليذهب إلى البصرة ويدرس الأمر هناك وليكتب لنا التقرير الذي يفند ما أكتبه في هذا المقال:
• الصراع يدور اليوم بين حزب الفضيلة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية, ولا شك في أن قوى التيار الصدري تقف خلف الفضيلة في الصراع الراهن وغير قادرة لأن تكون حكماً بينهما.
• بعد أن كان حزب الفضيلة وجماعة مقتدى الصدر يشكلان عملياً قوة واحدة مرجعيتها آية الله العظمى محمد اليعقوبي, اختلفوا وتباينت المواقف نسبياً منذ فترة غير قصيرة, حيث استمرت مرجعية حزب الفضيلة لدى اليعقوبي, في حين أصبحت مرجعية جماعة الصدر لدى آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائر المقيم في إيران والمعروف بتشدده الكبير بشان القضايا العراقية والموقف من كل البعثيين بغض النظر عن التمايز الفعلي الموجود بينهم. والسيد الحائري ينسق مع القوى الدينية الإيرانية بصدد الوضع في العراق والإجراءات المشتركة. وقد أدى هذا الاختلاف إلى تباعد بين الجماعتين وتنامي الصراع بينهما.
• بدأ حزب الفضيلة يخسر الكثير من مواقعه في أوساط المجتمع البصري لصالح طرفين هما المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ولصالح الجماعة الصدرية, ولكن هذا الحزب يهيمن على أجهزة الدولة في البصرة وعلى الإدارة المحلية ومجلس المحافظة, كما أن المحافظ عضو قيادي في حزب الفضيلة.
• يسيطر حزب الفضيلة على نفط الجنوب وإدارتها وغالبية العاملين فيها ويهدد بين فترة وأخرى بتنظيم إضراب يوقف الاستخراج والتصدير لإلحاق الضرر بإيرادات الدولة العراقية أو إيقاف التصدير. كما استطاع أن يفرض عدم تعيين أي شخص جديد دون وجود رسالة تزكية من حزب الفضيلة.
• ترتبط بحزب الفضيلة مجموعة من المثقفين والأكاديميين المؤثرين في الجامعة وفي وسط الشباب,
• في مقابل هذا تسيطر جماعة الصدر على القوى العاطلة عن العمل والهامشيين في المجتمع, وهم في الغالب الأعم من الفقراء والكادحين الذين فقدوا الأمل وراحوا يتشبثون بكل من يدفع لهم مبلغاً يساعدهم على مواصلة إعاشة عائلاتهم. وهذه المجموعة تتميز بالعنف والاستعداد لتنفيذ ما تؤمر به من قياداتها التي هي في مليشيات جيش المهدي.
• الصراع يدور اليوم بين حزب الفضيلة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية, مما دفع بجماعة الصدر إلى التدخل لمعالجة الأمر ولم تنجح عملياً. وجماعة الصدر يهمها عدم نمو المجلس الأعلى بل حزب الفضيلة, باعتبارهما كانا جماعة واحدة, كما أنهما يحرزان مواقع مهمة في حزب الدعوة.
• يضاف إلى ذلك هناك صراع موجه من كل المليشيات الشيعية ضد الجماعات السنية في البصرة وخاصة في المعقل, حيث قتل في هذه المنطقة يوم أمس 27/5/2006 عشرة أشخاص. كما قتل خلال الفترة المنصرمة علماء جامعين, من بينهما إمام أقدم جامع في البصرة هو جامع الكواز ومعه شخص آخر. وتم قتل الكثير من عائلة آل السعدون وهي عائلة سنية معروفة في البصرة والناصرية.
• أصدرت هيئة علماء المسلمين السنة في العراق بياناً أغلقت بموجبه 170 جامعاً للسنة بسبب تعرض أئمة الجوامع إلى مخاطر القتل على أيدي قوى إرهابية وميليشيات شيعية لتعميق وتشديد الصراع بين ابتاع المذهبين السني والشيعي لصالح المزيد من الاستقطاب وإشاعة الفوضى في الجنوب وفي عموم العراق.
• ازداد بشكل واسع جداً نشاط المخابرات الإيرانية والجماعات المرتبطة بالقوى الإيرانية, وخاصة الباسدران (الحرس الثوري) وكذلك الأمن الإيراني وجماعات من جيش بيت المقدس وغيرهم. كما اتسع نشاط الجماعات الدينية المرتبطة بإيران لتزيد من الصراع والنزاع الدائر وتهيج الرأي العام البصري ضد الوجود البريطاني, وكأنه المسؤول عن الصراعات والنزاعات الدائرة بين القوى السياسية الإسلامية.
• سوف لن تتوقف ماكنة القتل في البصرة ما دامت قوى الإسلام السياسي الطائفية تسيطر على الحياة السياسية وعلى أجهزة الدولة ومدراء البلديات وغيرها, وقادرة على توجيه جماعاتها لتمارس القتل في صفوف المعارضين لها.
• إن القتل لا يشمل سكان المنطقة من السنة بل وكذلك الجماعات الدينية الأخرى مثل المسيحيين والصابئة المندائيين .
لم يكن هجوم محافظ البصرة ضد ممثلي السيد السيستاني عبثياً, ب جاء لسببين, وهما:
1. لأن ممثلي السيد السيستاني وقفوا عملياً إلى جانب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ورفضوا سياسات المحافظ وتصدوا لها.
2. ولآن حزب الفضيلة خرج من التحالف الحكومي خالي الوفاض وبدون حقائب وزارية, وهو جزء من الصراعات بين قوى الإسلام السياسي العراقية.
الأسئلة التي يثيرها أهل البصرة كثيرة ولكنها تتركز حول القضية التالية:
لِمَ هذا الصراع؟ وهل يدور حول مسائل مبددئية تمس الحكم ومصلحة الناس أم تمس قضايا أخرى؟, ولِمَ هذا القتل الواسع بالمواطنين من أهل السنة, إضافة إلى ملاحقة أناس آخرين من أديان أخرى ومنهم الصابئة المندائية والمسييين؟
ولكن الناس تجيب عن هذه الأسئلة بصراحة ووضوح رغم أن بعضهم متورط مع الآخرين في هذا الصراع. فهم يقولون أن الصراع يدور حول السلطة التي تعني النفوذ والجاه والمال أيضاً. والمال لا يأتي عن طريق شرعي, بل عبر عدة طرق غير شرعية, وهي:
• التصرف بأموال الدولة من خلال التلاعب بالعقود والمناقصات والقومسيونات التي تدفع خارج البلاد أو حتى في الداخل.
• من خلال سرقة النفط وتهريبه والحصول على أموال هائلة سنوياً. وهي المسالة المركزية حيث تتراوح الأموال المنهوبة عبر النفط المسروق ببين 750 مليون ومليار دولار أمريكي سنوياً.
• من خلال تهريب المخدرات من أفغانستان وإيران إلى العراق ومنها إلى الخليج ومناطق أخرى من العالم, كما تباع كميات منه في العراق وفي دول الخليج للاستهلاك المحلي فيها.
• من خلال التوظيف بالوساطة وبالرشوة وعبر التهديد والابتزاز والاختطاف والمطالبة بالفدية ...
• من خلال ما يصل من إيران من دعم لنشاط مباشر أو غير مباشر لصالح إيران.
إننا أمام وضع معقد في البصرة يستنزف الدولة والمحافظة والسكان ويرهق كاهل الكادحين والناس الهامشيين ويحولهم إلى أن يصبحوا أدوات بيد قوى لا ذمة لها ولا ضمير تسيرهم وفق إرادتها ومصالحها وضد إرادة ومصالح المجتمع.
إن المجتمع العراقي والدولة العراقية مطالبان بمعالجة هذه القضية, خاصة بعد أن أصبحت لإيران قنصلية رسمية ستمارس تأثيرها بصورة أكبر في البصرة وفي كل جنوب العراق, وستكون وكراً مهماً للنشاط المناهض للقوى الديمقراطية العراقية وستزيد من دورها في محاربة الجماعات الدينية من مذاهب وأديان أخرى.
إن مهمة الوفد المكلف من رئاسة الجمهورية بدراسة الوضع في البصرة كبيرة ومعقدة, ولكن يبقى أن ننتظر التقرير والإجراءات التي يفترض أن تتخذ لمعالجة التجاوزات الفظة على حقوق الإنسان وحقوق أتباع الأديان والمذاهب الأخرى وعلى الأموال العامة ونفط العراق وعلى القضايا الأخرى التي تمس حياة الإنسان العراقي في البصرة وفي الجنوب عموماً.
لا يمكن أن ينجح أي تقرير وإجراء يكتب ويتخذ ما لم يجد التأييد من كل القوى السياسية العراقية المتحالفة ومن الشعب العراقي, إذ أن مصيبة البصرة كبيرة وهي مستباحة حقاً بكل القوى التي لا تريد مصلحة العراق ووحدته وتنشط الهجوم للهيمنة على البصرة والانفراد بحكمها وفق أهوائها وضد مصلحة المجتمع وتقدمه.