موقع الناس     http://al-nnas.com/

هل من جديد في جعبة اليمين الأوروبي لإيقاف التجنس والهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي؟

 

كاظم حبيب

الثلاثاء 28 /3/ 2006

منذ بداية العقد التاسع من القرن العشرين برزت في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية ظواهر ملموسة تشير إلى حصول تحولات يمينية فعلية في سياسات دول الاتحاد الأوروبي. ولم تقتصر هذه العملية على الحكومات فيها بل شملت سياسات الأحزاب والقوى السياسية المختلفة ومناهج ومواقف النقابات, وأن اختلفت في حجم وشمولية وسرعة تلك التحولات. وأصيبت بها قوى اليسار بقسط وافر أيضاً. وإذا كانت هذه التحولات اليمينية قد مست بالأساس الغالبية العظمى من سكان البلاد الأصليين, وخاصة الفئات الكادحة والفقيرة والعاطلة عن العمل والمعوقة والمتقاعدين, وأقضت مضاجع الكثير من الجماعات والمنظمات المدافعة عن حقوق المواطنة وحقوق الإنسان والحريات العامة والشخصية, فأنهها قد مست بشكل خاص الأجانب المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي وأثرت سلبياً على وجودهم وعلاقاتهم وإمكانيتهم في الحصول على فرص للعمل وأقلت بالهم. ومنذ الثمانينات صدرت الكثير من التشريعات والإجراءات التي تحد من الحريات العامة والشخصية وتزيد من رقابة أجهزة الدولة الأمنية وتمنحها المزيد من الصلاحيات التي تثير المزيد من الجدل والرفض, كما تعيق بشكل جدي حصول الأجانب على الجنسية أو الوصول إليها وتأمين الإقامة الدائمة فيها أو الحصول على فرصة عمل أو حتى للدراسة والزيارة. كما بذلت, وما تزال تبذل الكثير من الجهود لدفع نسبة غير قليلة من هؤلاء الأجانب للعودة إلى بلدانهم. وهذه الظاهرة تمس بشكل خاص الأجانب القادمين من الدول الأفريقية أو الدول العربية والإسلامية.
وتفاقمت هذه التحولات في الفكر والممارسة السياسية اليومية على صعيد عموم السكان في العقد الأخير من القرن العشرين, والتي ما تزال تتصاعد, مخلفةً وراءها الكثير من المشكلات والتناقضات والصراعات الفكرية والسياسية في إطار المجتمعات الأوروبية ذاتها وبين مختلف فئاتها الاجتماعية لأنها أتت على الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والحقوقية التي تكرست خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية, كما تفاقمت الفجوة بين الفقراء والأغنياء وازداد بشكل فاضح عدد أصحاب الملايين والمليارات, في حين أخذ عدد العاطلين والحائزين على المساعدة الاجتماعية يرتفع من سنة إلى أخرى بصورة درامية.
وبدأت هذه الدول تشهد إشكالية حادة تطفو إلى سطح الأحداث يومياً لتجسد الخلاف المتفاقم بين مفهوم الحرية ومفهوم الأمن والعلاقة بينهما. فالأسئلة المطروحة في هذا الصدد عديدة منها مثلاً: هل أمن المواطن أم حرية المواطن هي الأساس؟ وهل أمن المواطن هو الهدف أم أنه الوسيلة لضمان ممارسة الحرية؟ وكيف يفترض التوفيق بينهما دون انتقاص أو قضم وتقريم للحرية الشخصية التي تتبناها دساتير دول الاتحاد الأوروبي كلها دون استثناء؟ وهل هناك محاولات للهجوم على الحريات العامة والشخصية لتقليصها بحجة الإرهاب وتضخيم مخاطره على حياة الأوروبيين؟
إن سكان أوروبا, وخاصة من أصل غير أوروبي, عربي وإسلامي مثلاً, بدأوا يتابعون بقلق مبادرات وزراء الداخلية, كل على انفراد أو بصورة مشتركة, في تصوير الأوضاع الأمنية في بلدانهم, وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001, على أنها تواجه مخاطر جمة ومهددة من قبل الإرهابيين ويفترض وضع حدٍ لمجيء الأجانب إلى بلدان الاتحاد الأوروبي وخاصة من الدول العربية والإسلامية حيث بدأت فيها ومنها تنفيذ عمليات إرهابية شرسة وخطرة في مناطق كثيرة من العالم, ومنها في بعض الدول الأوروبية. على سبيل المثال لا الحصر أمريكا وأسبانيا وإيطاليا أو فرنسا وبريطانيا ... الخ, حيث ذهب ضحيتها الكثير من الناس الأبرياء, وكان وراء تلك العمليات الإجرامية عرب أو مسلمون من جنسيات أخرى, وخاصة من تنظيم القاعدة المتطرف والإرهابي الدموي. ولكن علينا تأكيد حقيقة أن هذه الإجراءات ضد وجود الأجانب في دول الاتحاد الأوروبي قد بدأت قبل أن تكون هناك عمليات إرهابية فعلية من قوى إسلامية سياسية متطرفة وإرهابية مست هذه الدول. وللحقيقة أيضاً يفترض أن يشار إلى أن قوى الإسلام السياسية المتطرفة والإرهابية كانت تنظم وتخطط لعمليات لاحقة وتركت أتباعها في حالة انتظار إلى حين تنشيطها, كما حصل مع أحداث 2001 في الولايات المتحدة.
لا بد من الإشارة إلى أن هناك نسبة متزايدة من المهاجرين القادمين والهاربين من الدول الإسلامية والعربية والراغبين في العيش في دول الاتحاد الأوروبي لأسباب كثيرة تقف على رأسها النظم الاستبدادية السياسية وغير الديمقراطية السائدة في أغلب هذه البلدان, والمظالم التي تقع على القوى السياسية المخالفة لسياسات نظم الحكم فيها ومصادرة حقوق الإنسان, والأوضاع الاقتصادية المتزايدة صعوبة والبطالة الواسعة, إضافة إلى النزاعات والحروب الإقليمية والأهلية, سواء أكانت قومية أم طائفية أم عشائرية, والتي كانت وما تزال تشتعل فيها, وفي سبيل الحصول على الأمن والاستقرار والعمل أو المساعدة الاجتماعية والدراسة لهم ولأفراد عائلاتهم في دول الاتحاد الأوروبي. وكان هذا المهجر الأوروبي أو حتى الأمريكي وغيره وما يزال إلى حدود بعيدة يتسم بالأمن والاستقرار ويوفر للمهاجرين واللاجئين حياة أفضل ومزايا لا يمكن مقارنتها مع ما كانوا يواجهونه في بلدانهم, حتى في حالة البطالة. إلا أن مجموعة من العوامل قادت حكومات دول الاتحاد الأوروبي إلى العمل من أجل إيقاف أو الحد من الهجرة وتقنينها لا وفق إجراءات تتسم بالديمقراطية والحفاظ على أجواء الحرية التي تسودها, بل عبر إجراءات قسرية غير ديمقراطية وتتعارض مع دساتيرها, مما دفعها إلى إجراء تعديلات سلبية في دساتيرها أيضاً. وأبرز تلك العوامل هي:
• الأزمة البنيوية التي كانت وما زالت تفعل في هذه الدول واتجاهات العولمة المتنامية والمنافسة الحادة الدول والشركات العملاقة وتفاقم حجم البطالة في كل منها, وكذلك زيادة عدد الفقراء والمشردين حتى بين الأطفال.
• تنامي عدد المهاجرين سنوياً بحيث أصبح يقلق القوى السياسية, وخاصة اليمينية منها, خشية على "نقاوة" العنصر الأوروبي أو "نقاوة" ثقافته وتقاليده وعاداته وعيشه... الخ, والخشية من زيادة عدد الأجانب من العرب والمسلمين أو الأفارقة الذين يتزوجون بنساء أوروبيات.
• بروز منظمات إسلامية سياسية متطرفة تتحدث عن التغيير الضروري في هذه البلدان باعتبارها "ديار حرب" لصالح الإسلام باعتبارها "ديار السلام", وتعميق ارتباط نسبة غير قليلة من المسلمين إلى قوى الإسلام السياسي السلفية والأصولية والمتطرفة, وتحويل هذه البلدان إلى مراكز لنشاطها مستفيدة من الحرية الشخصية التي يتمتع بها الجميع, ومنهم الأجانب.
• توجه الأجانب إلى تشكيل مناطق خاصة بهم (گيتو) للجاليات الإسلامية والعربية تعيش أجواء بلدانها وفيها الكثير من مظاهر الابتعاد عن الحضارة ورفض الاندماج في المجتمع.
• السلوكية غير العقلانية وغير الواعية لجمهرة غير قليلة من الأجانب في اتهام الأوروبيين بالعنصرية والعداء للأجانب لكل صغيرة وكبيرة دون التفكير بالأخطاء التي ترتكب من جانبهم وتؤثر على علاقتهم بالأوروبيين ورفضهم الاندماج الفعلي في المجتمع مع الاحتفاظ بهويتهم الدينية والوطنية.
• مشاركة مجموعات من الأجانب في عمليات الجريمة المنظمة بما في ذلك المتاجرة بالمخدرات وغسل العملة والتهريب وغيره ...الخ.
ولقد أثرت هذه العوامل على جميع الأجانب وحشروا جميعاً في خانة واحدة, وهو خطأ فادح ترتكبه غالبية حكومات وقوى وأحزاب الدول الأوروبية, إذ أنها تساهم في خلق أجواء العداء للأجانب وتوتير أجواء المجتمع.
إن هذا الواقع قد دفع ببعض القوى السياسية والكتل النيابية في الدول الأوروبية, على سبيل المثال لا الحصر, ألمانيا وهولندا والدانمرك وإيطاليا, إلى طرح مقترحات غاية في الغرابة تطالب حكومات بلدانها ووزارات الداخلية لتعميمها والعمل بموجبها في الموقف من الأجانب. ومن بين أغرب تلك المقترحات استمارة تطرح مائة سؤال يفترض أن يجيب عنها طالب الجنسية في أوروبا أو طالب الإقامة الدائمة في هذا البلد أو ذاك. وهي في الجوهر أسئلة تعجيزية لا يستطيع أكثر من نصف شعوب هذه البلدان الإجابة عن 50% منها, دع عنك الأجانب. وقد طرح بعض هذه الأسئلة على مواطنات ومواطنين طلبة ومثقفين وأناس اعتياديين ألمان مثلاً تعذر على الكثير منهم عن الإجابة عن بعض تلك الأسئلة. وهي محاولة جادة لحرمان الأجانب الذين يستحقون الحصول على الجنسية أو الإقامة الدائمة من التمتع بها. وهي ظاهرة سلبية وغير إنسانية. وتلك الأسئلة التي بلغت مائة سؤال في حالة ألمانيا تتضمن أسئلة في فروع الجغرافية والتاريخ والعلوم والطب والبيئة والحياة العامة والصحافة والشخصيات السياسة والاجتماعية وقضايا الدين والشعر والرواية والجنس والموقف من الجنس والشذوذ الجنسي...الخ. وإذا أرادت حكومة ألمانيا الاتحادية تطبيق تلك الأسئلة على الألمان أنفسهم, فسيكون عليهم نزع جنسية أكثر من 50 % من سكان ألمانيا الأصليين, كما يمكن سحب جنسية أكثر من 80 % من جنسيات الأجانب الذين حصلوا عليها منذ سنوات وقبل تفاقم هذه النزعة اليمينية المتفاقمة والتي أصبحت اتجاهاً عاماً يشمل كل شيء تقريباً. وهي ظاهرة سلبية تستوجب تحكيم العقل ونشاط متزايد لمنظمات حقوق الإنسان لوقف والأمم المتحدة لوقف تنامي الاتجاهات اليمينية المعادية للأجانب من جهة, وتعزيز وتطوير وحدة النضال ضد قوى الإرهاب الدولي, ومنها بشكل خاص نشاط قوى الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية التي تبث الرعب في نفوس الناس والأساس المادي الذي تنشأ عليه ومنه هذه الاتجاهات الفكرية والسياسية المتطرفة والإرهابية من جهة ثانية. إنها عملية معقدة وطويلة الأمد ولكنها ضرورية وملحة في آن.

نشر في جريدة الصباح البغدادية