| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الأثنين 28/2/ 2011

 

فشلتم في منعكم مظاهرات يوم الغضب ونجحتم في قتل واعتقال الناس!

كاظم حبيب

 "يقول هيغل في مكان ما إن جميع الأحداث والشخصيات العظيمة في تاريخ العالم تظهر, إذا جاز القول, مرتين, وقد نسى أن يضيف: المرة الأولى كمأساة والمرة الثانية كمهزلة". - كارل ماركس

"المأساة والمهزلة في عراق اليوم" كان هذا عنوان كتاب صدر لي في العام 2000 عن دار الكنوز الأدبية ببيروت. وكان البحث يدور عن واقع العراق حينذاك وعن دور النظام في قتل المعارضين له وإرهاب الشعب بسياساته القمعية العدوانية. وكنت أحذر في حينها من أن تغيير الوضع في العراق ربما يأتي بقوى سياسية لا تختلف كثيراً عن قوى صدام حسين من حيث السلوك اليومي مع الناس ومع قوى المعارضة السياسية او حتى مع الحلفاء. وأشرت في هذا الكتاب والكتاب الذي سبقه, "ساعة الحقيقة: مستقبل العراق بين النظام المعارضة" صدر ببيروت 1996, إلى أن في صفوف المعارضة العراقية حينذاك من لا يختلف كثيراً عن صدام حسين او يمتلك الأسوأ من سمات الدكتاتور المقبور. وكانت خشيتي كبيرة حقاً, فهل كنت محقاً في ذلك؟

إسقط النظام وجاءت قوى من المعارضة العراقية, وكنت في خشية كبيرة من بعضها, وخاصة تلك التي وجدت الدعم والتأييد المباشر وغير المباشر من الولايات المتحدة الأمريكية, وأعني بها قوى الإسلام السياسية, إضافة إلى التأييد من الحكومة الإسلامية في إيران. والتي وجدت الدعم فعلاً بعد إسقاط النظام واحتلت الموقع الأول في الحكم. وقد عبرت عن ذلك في الكتابين المذكورين بوضوح لا يقبل اللبس أو الإبهام. واختلفت معي طائفة من الناس لا ف يضرورة إسقاط النظم, بل في طبيعة من سيتسلم السلطة في العراق, وهي الآن على اتفاق تام في هذا الصدد.

نحن اليوم نعيش المأساة والمهزلة من جديد. لقد عانينا من رئيس الورزاء المسمى نوري السعيد في العهد الملكي, واليوم نعاني من نوري المالكي في العهد الجمهوري. كلاهما ينادي عمليا بـ "دار السيد مأمونة", وأن اختلفا في دار السيد. فهل كان من حظ العراق العاثر أن نبتلى بالمأساة والمهزلة رغم البعد الزمني بين الاثنين والتي تزيد عن خمسة عقود.

منذ إسقاط الدكتاتورية الصدامية حتى الآن واجه الشعب معاناة شديدة, سكت عليها وتحملها كثيراً, ثم اراد أن يعبر عن رفضه لما يجري له بمظاهرة يوم الغضب, يوم 25/2/2011. فما أن بدأ التحضير للمظاهرة الشبابية والشعبية, حتى بدأت جوقة رئيس الوزراء في داخل العراق وخارجه بالضرب على وتيرة "بعثية وقاعدية" المظاهرة وأهدافها وأنها ستكون عنيفة ومخربة ومدمرة وحشد لها ليس الإعلام العراقي وقناة العراقية المتحيزة كلية لحكومة نوري المالكي والإمعات القلة من الصحفيين فحسب, بل دفع بعدد من المرجعيات الدينية بتحريم التظاهر, ومنهم مرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي, إضافة إلى بعض المرجعيات التي اعطت شكلياً للناس شكلياً حق التظاهر ومنعته فعلياً بتصريحات قبل بدء المظاهرات. ولما أدرك رئيس الوزراء أن المظاهرة ستخرج, نزل إلى المعمعان بنفسه مؤكداً وجود معلومات استخباراتية بتوجيه المظاهرة وجهة أخرى مضادة للعملية السياسية وتريد التخريب وإشعال الفتنة. حتى أن أحد الكتاب أكد يقول "خلاصة القول، هناك حملة تهيئ لتظاهرات احتجاجية أهدافها المعلنة محاربة الفساد، ولكن غاياتها الحقيقة حرق العراق والتمهيد لعودة الدكتاتورية الفاشية، يعني قول حق يراد به باطل. وإن غداً لناظره قريب!

وعلى هذا الأساس عبأ رئيس الوزراء وغيره أذهان القوات المسلحة بروح العداء مسبقاً للمظاهرات التي ستنطلق من بغداد والكثير من المحافظات العراقية أو كل المدن العراقية. وبالتالي كانت القوات المسلحة تخشى المتظاهرين وتخشى أعمال عنف تكون هي غايتها حذر منها رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة. وراح علي الدباغ, الناطق السابق باسم المرجعية الدينية, والناطق الرسمي باسم رئيس الوزراء هو الآخر, ومعه قائد عمليات بغداد قاسم عطا, يحذران بأشد العبارات قسوة من إن الأعداء, وهم البعثيون والقاعديون ومن لف لفهم, سيمارسون العنف في المظاهرات.

وعلى هذا الأساس: قطعت أوصال بغداد بالكتل الكونكريتية, ومنع استخدام العربات وأنواع الدراجات, وترك الناس يمشون على اقدامهم من مختلف مناطق بغداد الواسعة نحو ساحة التحرير. فمنهم من وصلها ومنهم من أوقفته الكتل الكونكريتية ومنهم من لم يصل أبداً إلى ساحة التحرير, ومنهم من اعتقل وأهين وعذب على أيدي قوات الأمن والشرطة العراقية, وخاصة المجموعة الإعلامية المثقفة. (إقرأ تقرير جريدة المدى عن هذا الموضوع).

وما جرى للإعلاميين والصحفيين والمثقفين المعتقلين يفوق ما كان يجري لهم في زمن نوري السعيد, إذ كان التعامل مع المثقفين أكثر حضارياً وأكثر احتراماً وأكثر إنسانية, رغم شراسة نوري السعيد, ولكن كانت هناك معايير أخلاقية, ضاعت اليوم بفعل وجود بعض الناس من غير المثقفين ولكنهم متعلمون فقط في السلطة وربما غير متعلمين ايضاً!

هذا ما حصل في بغداد. أما ما حصل في بعض المحافظات فكانت خراطيم المياه والعصي والهراوات ثم الرصاص الحي هو جواب الحكومات المحلية والذي توجه إلى صدور المتظاهرين وسقط عشرة شهداء على الأقل حسب المعلومات المتوفرة حتى الآن وسقط عشرات الجرحى والمعوقين بسبب تلك الخشية التي أججها رئيس الوزراء وجوقته الداخلية والخارجية من أن المتظاهرين سيمارسون العنف وأنهم يريدون عودة البعث إلى الحكم! فهل تحقق ما كنتم تخشونه وتهددون الناس به وتوجهون الأصابع ضد العثين والقاعديين؟

لقد خاب فألكم ايها السادة. لم يرفع المتظاهرون أي شعار ينادي بعودة البعثيين, بل كانت هناك شعارات وهتافات ضد البعث وضد الجرائم التي ارتكبتها طغمة صدام حسين. لم تكن هناك قوى من البعث والقاعدة, بل كانوا من الناس الطبيعيين, كانوا ممن يمارس العملية السياسية وليس من خسر في الانتخابات الأخيرة, كما ادعت الجوقة المالكية, بل كانوا من كافة أوساط الشعب وفئاته الاجتماعية ومن قوى سياسية كثيرة, بل من القاعدة المؤيدة لأحزابكم الإسلامية الحاكمة أيضاً, لإنها تعاني كما يعاني كل الناس في العراق عدا الحكام والمتخمون بأموال الشعب من السلبيات السائدة.

لم تقتل حكومة نوري السعيد وصالح جبر هذا العدد الكبير في كل من هذه الوثبات والانتفاضات بقدر عدد الذين قتلوا في المظاهرات الأخيرة ودفعة واحدة كما حصل في الموصل والرمادي والفلوجة والحمزة والسليمانية. ولم يعتقل من الصحفيين بقدر ما اعتقل منهم في مظاهرات الغضب العراقي.

نطالب بمحاسبة الحكومة العراقية ورئيسها في مجلس النواب, إن كان المجلس يريد ان يبرهن على الأقل على ممارسة دوره في محاسبة المسؤولين ويعزز مكانته التشريعية, ومحاسبة ومعاقبة المحافظين ومجالس المحافظات التي أساءت للشعب والتي طالب المتظاهرون بإقالتها وتحرير الشعب منها.

الاستجابة السريعة لمطالب الشعب, وإلا فالقادمات من المظاهرات ستكون اقوى وأوسع قاعدة, ولكنها ستبقى سلمية وديمقراطية وغير عنفية وتنتزع من بعض الحاكمين ذريعة ضربها. 

 

27/2/2011



 

 

free web counter