| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأثنين 28/6/ 2010

 

هل ينفع حكام إيران ترحيل مشكلاتهم الداخلية صوب الخارج؟

كاظم حبيب
 
اعتادت دكتاتوريات الشرق الأوسط وبقية بلدان العالم الثالث ترحيل مشكلاتها الداخلية صوب الخارج بافتعال الخلافات والصراعات الحدودية إلى حد الدخول في نزاعات مسلحة مع الجيران من أجل تعبئة الناس وطنياً ورفع حماسهم الوطني للتغطية على المشكلات الداخلية. وغالباً ما نجحت تلك الدكتاتوريات ولفترات غير قصيرة, ولكنها في النهاية تقف وجهاً لوجه أمام تلك المشكلات فتعجز عن حلها ويجد الناس طريقهم إما إلى الانتفاضة والثورة وإسقاط النظام, وإما وقوع انقلابات عسكرية غالباً ما تكون فوقية ونخبوية عسكرية, وإما أن تغوص تلك النظم أكثر فأكثر في مستنقع المزيد من الاستبداد والقمع والقهر لشعوب بلدانها. هذا ما هو حاصل في الكثير من بلدان الشرق الأوسط والعالم النامي, وهو حصل في العراق, إلى إن أُسقط النظام بفعل خارجي حين عجز الشعب عن إنهاء أو إسقاط الدكتاتورية البعثية ألصدامية, وحين كشف النظام كل محاولات الانقلاب السابقة وأرسل أغلب القائمين بها إلى المقابر الجماعية. ولم تكن حالة العراق اعتيادية, إذ غالباً ما كانت تحصل انقلابات داخلية يدعي القائمون بها تغيير الأوضاع لصالح الشعب وسرعان ما يكون التغيير لصالح النخبة الحاكمة الجديدة وبالضد من إرادة الشعب, فتبدأ العملية النضالية مجدداً. ويفترض أن تبقى حالة العراق الأخيرة استثنائية لكي لا تنشأ ذات التداعيات التي نشأت في العراق بعد إسقاط النظام بقوى أجنبية لا تزال مستمرة إلى الآن, ومنها الصراعات ونظام المحاصصة الطائفية والهيمنة الطائفية المقيتة والموت الواسع النطاق.
واليوم تلج إيران طريق العراق المعقد والمتشابك والصعب, طريق الصد ما رد, طريق الموت والدمار والخراب الذي سار عليه صدام حسين ورهطه وحزبه. فالنظام الإيراني تيوقراطي رجعي متخلف واستبدادي شرقي مرعب. يعيش في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وقومية وثقافية ومذهبية متفاقمة تجد تجلياتها في أوضاع الشعب اليومية وفي البطالة المتزايدة والفقر الواسع الانتشار والفساد المالي والإداري, وتحاول حكومة إيران الخروج من أزمتها الداخلية بعدة طرق, منها:
1. تشديد الصراع مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي وغيرها بهدف السيطرة على منطقة الشرق الأوسط ولعب الدور الأول في المنطقة كدولة إقليمية كبرى.
2. تشديد الصراع مع وكالة الطاقة الدولية بشأن الطاقة النووية وتخصيب اليورانيوم في إيران ومخاطر إنتاج السلاح النووي.
3. تنشيط القوى الإسلامية السياسية المتطرفة في المنطقة باتجاهات عدة, كما يحصل في غزة أو في لبنان والعراق أو في مناطق أخرى في غرب أسيا والشرق الأوسط.
4. التهديد المستمر لإسرائيل "بإزالتها من الوجود" والتي لا تتطابق مع واقع الحياة والتي تهيج العالم كله ضد إيران, وهي تهدف من وراء ذلك كسب العواطف البدائية للرأي العام العربي والإسلامي ولكنها تثير في الوقت نفسه المزيد من الأحقاد والكراهية في المنطقة والعالم.
5. التدخل الفظ في الشأن الداخلي للدول المجاورة كما حصل ويحصل حالياً في العراق ولبنان واليمن وفي أفغانستان والخليج. ويمكن أن يتابع الإنسان الضربات العسكرية التي توجهها القوات العسكرية الإيرانية إلى مناطق في إقليم كردستان العراق والتي أدت إلى هجرة الكثير من الفلاحين وسكان الريف لقراهم ومزارعهم, إضافة لمن استشهد من السكان بذريعة وقحة تدعي وجود قوى إيرانية مسلحة تناضل ضد الحكومة الإيرانية في الأراضي العراقية, بدلاً من السعي لمعالجة حقوق تلك الشعوب داخل إيران. كما أنها تتدخل مباشرة في الشأن الداخلي العراقي, بما في ذلك مسألة تشكيل الحكومة العراقية ورئاستها والتحالفات السياسية الشيعية التي قادت بدورها إلى تحالفات سياسية سنية مضادة .. وهلمجرا.
6. كما تمارس الحكومة الإيرانية قمع داخلياً شديداً موجهاً ضد الحركات التحررية للشعوب غير الفارسية في إيران, وخاصة ضد الشعب الكردي وضد البلوش والتركمان وغيرهم, ومصادرة الحريات الأساسية والحقوق الديمقراطية للشعب الفارسي أيضاً.
إن إيران ترتكب أخطاء فادحة في السياسات التي تمارسها على صعيدي الداخل والخارج, فهي تزيد نقمة الشعب في الداخل من جهة, وتزيد من عزلتها على الصعيد الدولي وتقود إلى مزيد من العقوبات الاقتصادية الدولية على إيران من جهة ثانية, كما تقود إلى حرمان الشعب من الكثير من حقوقه الطبيعية كما حصل في فترة الحصار الدولي ضد العراق من جهة ثالثة.
إن على النظام الإسلامي الطائفي السياسي في إيران, ولكي لا يدفع بالأمور بذات الوجهة التي سارت عليها في العراق, أن يعيد النظر بهذا النظام السياسي المتخلف والغريب عن حضارة البشر في القرن الحادي والعشرين, وأن يعيد النظر بسياساته الراهنة على الصعيدين الداخلي والخارجي ويكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وأن لا يصعد الصراع والنزاع في الشرق الأوسط وأن يعالج مشكلاته الداخلية بطريقة أخرى غير القمع وأحكام الإعدام ضد المناضلين الكُرد والفرس وغيرهم من ناشطات ونُشطاء القوميات الأخرى في إيران.
إن سياسة حكام إيران الحاليين تدفع بالأمور إلى نهاياتها المنطقية, إلى السقوط بشكل من الأشكال, كأي دكتاتورية غاشمة ولن تتعظ بما حصل للنظام البعثي العراقي الذي لم يختلف في استبداده عما يجري اليوم في إيران, وبالتالي سيكلف ذلك الشعوب الإيرانية وشعوب المنطقة الكثير من الآلام والدماء والدموع والتخلف.
إن الدكتاتورية التي تمارسها النخبة "الدينية" الحاكمة في إيران وعلى رأسها علي خامنئي ومحمود أحمدي نجاد و"الحرس الثوري" القومي الشوفيني لن تقود البلاد إلا إلى المزيد من العزلة الداخلية والخارجية والمزيد من التأزم والصراع والنزاع, وسوف لن يبقى أمام الشعب غير الحل الأوحد النضال من أجل إسقاط الدكتاتورية قبل أن يحصل التدخل الخارجي بسبب إصرار حكومة إيران الحالية على إنتاج سلاحها النووي. إن تفاعلاً بين مناضلي الشعب في الداخل والمناضلين الذين اجبروا على الهجرة في الشتات الإيراني قد تجلى في اجتماعات كبيرة خلال الأيام المنصرمة ومنها التجمع الجماهيري الكبير في باريس والتي ستثمر يوماً لتعيد الوجه الحقيقي للشعب الإيراني ولثورته الوطنية المغتصبة منذ العام 1979 من قبل قوى الإسلام السياسية المتخلفة في إيران.

 

28/6/2010
 

free web counter