| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأثنين 28/6/ 2010

 

إسرائيل ... إلى أين؟

كاظم حبيب

العالم في حركة دائمة وفي تغير مستمر. وسياسات الكثير من الدول هي الأخرى غير جامدة ومجبرة على الحركة بفعل التغيرات الحاصلة على الصعيد العالمي, رغم الاختلاف في وجهة أو اتجاه ومضمون أو سرعة الحركة والتغيير. ففي الوقت الذي نرى أن حركة التاريخ للعالم كله وكمحصلة نهائية تسير نحو الأمام وبالاتجاه الصحيح عموماً, نجد في الوقت نفسه أن حركة الدول والتغيرات الجارية فيها تعبر أحياناً غير قليلة عن حركة متعرجة زگزاگية فيها تقدم وفيها أحياناً تراجع أو مراوحة في المكان, وبالتالي تخلف عن حركة واتجاه تطور العالم. وهنا يمكن أن نجد نماذج صارخة لهذه الاحتمالات في الشرق الأوسط على نحو خاص, كما نجدها في الدول الأفريقية وأمريكا اللاتينية وغيرها من بلدان العالم.
وإذا كانت سياسة الدول العربية لفترة طويلة جامدة جداً إزاء القضية الفلسطينية والموقف من إسرائيل, فإنها في السنوات الأخيرة قد تحركت وتميزت بالديناميكية والموضوعية حيث طرحت مشروعات أكثر نضوجاً ووعياً بالمسؤولية إزاء مصائر الشرق الأوسط بغض النظر عن طبيعة الحكومات في هذه الدول ومواقفها من شعوبها ومن الحريات العامة وحقوق الإنسان. وقد تجلى ذلك في مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الذي طرحه حين كان لا يزال ولياً للعهد في المملكة السعودية. وهو يتكامل بهذا القدر أو ذاك مع خارطة الطريق التي طرحت في عهد جورج بوش الابن.
ولكن ما الذي لم يتغير في هذا العالم المتغير؟ إنها دولة إسرائيل بحكوماتها المتعاقبة. فهي لم تتحرك قيد أنملة عن مواقفها السابقة التي تريد التوسع على حساب القسم المخصص للفلسطينيين من دولة فلسطين السابقة في العام 1947 وقبل قرار التقسيم. فمنذ حرب الأيام الستة وإسرائيل تحتل أراضٍ عربية في الضفة الغربية وتحاصر غزة وتحتل القسم الشرقي من مدينة القدس وتحتل مرتفعات الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية وترفض الانسحاب منها إلى الآن وترفض عملياً التفاوض بفعل ما تمارسه من سياسات تفصيلية ويومية في مختلف تلك المناطق وخاصة في الموقف من قيام الدولة الفلسطينية.
حين نقول أن العالم في تغير مستمر, فهذا يعنى بوضوح أن إسرائيل لا تستطيع أن تحتفظ بالأراضي العربية المحتلة وممارسة القمع والعقوبات الجماعية ضد سكان غزة والضفة الغربية أو ممارسة التمييز ضد العرب من سكان إسرائيل طويلاً بالاعتماد على تأييد الولايات المتحدة وبريطانيا أو سكوتهما, ولا على امتلاك السلاح النووي وبقية أسلحة الدمار الشامل, إذ أن القوة العظمى (الولايات المتحدة) تفقد قدرتها سنة بعد أخرى على فرض سياساتها على كل دول العالم كما كان يحصل في القرن العشرين أو إلى الآن, إذ أن ميزان القوى في تغير تدريجي ولكن مستمر ومتسارع نسبياً. ولهذا لا بد لإسرائيل أن تستبدل سياسة القوة والعنف والمجابهة المستمرة من جهة, واقتطاع المزيد من الأراضي الفلسطينية وإضافتها إلى إسرائيل من جهة أخرى, وإقامة المزيد من المستوطنات اليهودية في الأرض التي هي لدولة فلسطين التي يفترض إقامتها من جهة ثالثة, بسياسة جديدة تتميز بالرغبة الصادقة والحكمة الضرورية لمعالجة المشكلات مع العالم العربي والتي يفترض أن تلتزم بما يلي:
** الانسحاب الكامل من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة في العام 1967.
** أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية, في حين تكون القدس الغربية عاصمة لإسرائيل.
** الموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية على الأرض التي احتلت في العام 1967 ومنها غزة والضفة الغربية.
** الانسحاب الكامل من هضبة الجولان السورية ومن مزارع شبعا اللبنانية.
** إيجاد حل عملي وإنساني لمهجري ومشردي العام 1948 بين الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية وبالتعاون مع الأمم المتحدة.
** التوقف عن بناء المستوطنات أولاً وتسليم المستوطنات الحالية إلى حكومة فلسطين ثانياً, إذ أن وجودها كان وسيبقى مصدر صراع ونزاع دموي لا يجوز استمراره بين الشعبين العربي في فلسطين والإسرائيلي.
** إقامة علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية وثقافية بين دولة إسرائيل والدول العربية وإنهاء حالة الحرب التي لا تزال قائمة بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
إن حل قضية فلسطين يعتبر مفتاح الحل للكثير من المشكلات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر واحدة من أكثر مناطق العالم سخونة ومحملة ببراميل البارود والنفط سريعي الاشتعال.
إن إسرائيل التي هي جزء من دول منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن تعيش بسلام ووئام وتعاون دون حل المشكلة الفلسطينية أو عدم التوقف عن الرغبة الجامحة في التوسع على حساب الأرض العربية, إذ أن هذا سيقابل برفض مستمر وعداء متبادل وصراع ونزاع دموي وقتل مستمر ومتبادل للبشر وخراب واسع.
إن على إسرائيل أن تختار بين مواصلة السياسة غير الحكيمة الراهنة واحتمال نشوب حروب جديدة وموت وخراب جديدين في المنطقة بأسرها, وبين مبادلة الأرض بالسلام والعيش المستقر في المنطقة. وليس هناك من خيار ثالث. وإذا تصورت إسرائيل غير ذلك فهي مخطئة, كما كانت الحكومات العربية وبعض القوى القومية والدينية التي كانت تعتقد وتسعى لإزالة إسرائيل, ولكن الأيام أقنعت بعضها بغير ذلك. إن تحول سياسة إسرائيل صوب السلام الفعلي سيساهم في توجيه ضربات سياسية نوعية ضد القوى المتطرفة في المنطقة سواء أكانت دينية أم عنصري ويقوض القاعدة السياسية التي تستند إليها في العالم العربي والإسلامي.
وعلى إسرائيل أن تقرر إلى أين المسير بعد أن قررت الحكومات العربية السير على طريق السلام والذي لم يتقرر بعد من جانب حكومة إسرائيل!


 

24/6/2010
 

free web counter