| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الأربعاء 28/3/ 2007

 



القمة العربية ومشكلات المنطقة !


كاظم حبيب

كانت مؤتمرات القمة العربية تعقد كلما وجد المسئولون حاجة لعقدها. وكانت التحضيرات لها تتم عبر الأمانة العامة للجامعة العربية وبالتعاون مع وزراء الخارجية. وكانت جداول عملها تتضمن القضايا الملتهبة التي تفاقمت إلى الدرجة التي يتعذر إيجاد حلول عملية لها. وغالباً ما كانت تنتهي إلى صدامات مؤذية ومهاترات مانعة من الوصول إلى هدف إيجابي في ما عدا صدور بيانات فارغة لا تغني ولا تشبع. كانت القمم العربية تعقد متأخرة عن القضايا التي كان يفترض معالجتها قبل ذاك بفترة طويلة يسبق تفاقمها. وكانت هذه القمم تعقد بعيداً عن الواقع الذي تعيش فيه شعوب هذه الدول والمنطقة والحاجات والمشكلات الداخلية التي تواجهها. وكانت في الغالب الأعم فاشلة أوجدت إحباطاً عميقاً في نفوس شعوب هذه الدول. ولم تكن الاجتماعات الدورية للجامعة العربية أو وزراء خارجية دولها بأفضل حالاً من مؤتمرات القمم. وإذا كانت هذه حالة القمم العربية السابقة التي يمكن العودة إلى سجلها للتيقن مما أقول, فهل ستختلف هذه القمة عن سابقاتها من القمم العربية التي لم تعد الأوساط الشعبية في الدول العربية والعالم تثق بنتائجها؟
تعيش منطقة الشرق الأوسط وسط توترات وصراعات سياسية حادة ومتفاقمة, إذ أن فيها العديد من مواقد لحروب إقليمية وأهلية طاحنة ومؤهلة لتنتقل من دولة إلى أخرى, حيث تفقد الحكومات القائمة قدرتها في السيطرة عليها. ويمكن وضع اليد على عدد من تلك المشكلات ومناطق التوتر الساخنة والمؤهلة للتفاقم والتي تقرر بحثها في مؤتمر القمة القادم في الرياض, منها:
1. مبادرة السلام السعودية والعملية السياسية المتوقفة بين إسرائيل والحكومة الفلسطينية والاعتداءات المستمر لقوات الاحتلال الإسرائيلية والحصار الاقتصادي والمالي المفروض على الشعب الفلسطيني, إضافة إلى الصراع بين حماس وفتح, أو بين الحكومة ورئاسة السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية.
2. تعطيل الحياة السياسية الاعتيادية في لبنان من جانب قوى المعارضة في لبنان بتأييد من إيران وسوريا, إضافة إلى مشكلة "مزارع شبعة اللبنانية" المحتلة من قبل إسرائيل ودور حزب الله الساعي إلى فرض إرادته الإيرانية على الدولة والمجتمع في لبنان.
3. الإرهاب المتفاقم في العراق وزيادة التدخل الإقليمي في شؤونه الداخلية ودعم قوى الإرهاب بصيغ مختلفة والتسهيلات التي تقدم لها لعبور الحدود والمشاركة في العمليات الإرهابية, وكذلك مخاطر الصراع الطائفي المتفاقم في العراق وما يماثله تقريباً في لبنان واحتمال اتساعه ليشمل المنطقة بأسرها بسبب تدخل القوى الإقليمية في هذا الصراع. لقد أصبح العراق ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية فيه وما ترتب عن ذلك من نزيف دائم في الدم والأموال.
4. الملف النووي الإيراني وما يثيره من مخاوف مشروعة في المنطقة بسبب سياستها المتطرفة في تصدير الثورة الإسلامية إلى الدول الأخرى ودعمها للقوى الإسلامية السياسية المتطرفة في الدول الأخرى وخاصة في العراق ولبنان وفلسطين والخليج.
5. السياسة التي تمارسها حكومة السودان ضد شعب دار فور ورفضها الانصياع إلى قرارات مجلس الأمن الدولي وتعاظم ضحايا إرهاب الجنجويد من سكان دار فور.
6. الأوضاع الراهنة في الصومال.
7. ولا شك في أن سياسة الإدارة الأمريكية في المنطقة, المعبرة عن رؤية ورغبة في الهيمنة على سياسة العالم ومنطقة الشرق الأوسط من جانب قوى المحافظين الجدد واللبرالية الجديدة والكيل بمكيالين, تصطدم مباشرة بإرادة ومصالح الشعوب من جهة, وبمصالح الدول الكبرى ودول الإقليم من جهة أخرى.
ورغم الأمل الذي يراود الجميع في أن تجد هذه المشكلات حلولاً عملية لها في مؤتمر القمة القادم, فأن من واجبنا أن لا ننفخ في هذا الأمل لكي لا يحصل الإحباط حين يفشل في تحقيق أي من تلك الأهداف أو بعضها بصورة متواضعة. ولكن يبقى علينا العمل والضغط المتزايد باتجاه وضع وتنفيذ الحلول العملية المنشودة.
أما القضايا الأساسية الأخرى التي تهم الإنسان في الدول العربية وتمس حياته اليومية ومعيشته ومستقبله فلم تطرح ضمن جدول عمل مؤتمر القمة, والتي تشكل جوهر الصراعات الداخلية في المرحلة الراهنة والتي يمكن بلورتها بالنقاط التالية:
1. تفاقم الاستبداد والقسوة والقمع ومصادرة الحريات الديمقراطية في عدد كبير من الدول العربية وتزايد عدد المعتقلين السياسيين, سجناء الرأي الآخر, إضافة إلى تنامي الهجرة من الدول العربية.
2. الابتعاد عن المعالجة الجادة للمشكلات القومية القائمة في بعض الدول العربية وعدم الاستعداد للاستجابة لحقوقهم القومية المشروعة والعادلة, بما في ذلك الحق في تقرير المصير. ولا شن في أن هذا الإهمال لا يعني غياب تلك المشكلات بل تراكمها وتفاقهما إلى أن تتفجر بصورة دراماتيكية, كما عليه الحال في دار فور أو مشكلة الأمازيغ في دول شمال أفريقيا, أو القضية الكردية. فرغم الحل الإيجابي لها في العراق بعد تجارب مريرة إلا أن الكثير من الدول العربية والقوى السياسية فيها عاجزة عن أن تدرك أهمية هذا الحل العقلاني الجاري في العراق وأهمية مساندته, إذ أنها باستمرار تحاول التشكيك به أو العمل ضده.
3. إهمال واقع الفجوة المتسعة في الدخل ومستوى المعيشة بين الأغنياء والفقراء في الغالبية العظمى من الدول العربية بما فيها بعض الدول الغنية بالنفط الخام, وتخلف البرامج الاجتماعية لحكومات الدول العربية التي تمس مصالح كافة فئات المجتمع وخاصة الكادحة والمنتجة والفقيرة منها.
4. تفاقم اتجاهات مصادرة حرية وحقوق المرأة والمنافسة بين الحكومات وقوى الإسلام السياسي المتطرفة في انتزاع ما تحقق للمرأة من حقوق بسيطة في فترات سابقة في بعض الدول العربية. ويمكن القول بأن الدول العربية, ومعها إيران, بشكل عام هي الأولى بين جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في اغتصاب حقوق المرأة والتجاوز عليها والسماح للقوى المتطرفة في الإساءة لها.
5. الموقف من قوى الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية والبرامج الفكرية والتربوية والتعليمية المنشطة للفكر المناهض لأتباع الأديان والمذاهب والقوميات الأخرى والتنافس بين بعض الحكومات وتلك القوى المتطرفة في إغراق الأسواق والمكتبات بكتب ومجلات وصحف وأجهزة إعلامية تروج للفكر الديني الأصولي المتطرف والخرافي وتزايد حالة توجيه الاتهام للمثقفين الديمقراطيين بشكل خاص بالكفر والزندقة والهرطقة.
لا شك في أن تجنب البحث في عمق المشكلات الحقيقية والمستديمة في هذه المنطقة لن يساعد بأي حال في توفير مستلزمات معالجة مشكلات شعوب المنطقة, وأنها ستتفجر في أي لحظة ممكنة, ولن يكون نافعاً لتلك النظم السياسية العربية هذا الابتعاد عن الولوج في ما تريد معالجته شعوب هذه الدول, بل سيكون ضاراً بها ومؤذياً لشعوب بلدانها.
أن القدرة في الوصول إلى رؤية مشتركة في القضايا المطروحة بين مسئولي الحكم في الدول العربية ممكنة لو أنهم التزموا بمصالح شعوب المنطقة, ولو أنهم تعاملوا مع الأوضاع القائمة في العالم برؤية واقعية وعقلانية ومدنية في آن واحد, وأن كف البعض من الدول والقوى السياسية فيها عن التدخل المباشر وغير المباشر في شؤون هذه الدولة أو تلك لا على صعيد الدول العربية فحسب, بل وعلى صعيد دول المنطقة.
ويشار إلى أن حكومة المملكة العربية السعودية قد أعدت وثائق مقترحة لتلك القضايا المطروحة للبحث والتي لم يعلن عنها حتى الآن, في حين أن الحاجة ماسة في أن تطرح تلك الوثائق على القوى السياسية والاجتماعية وعلى شعوب هذه البلدان لكي تتعرف عما يراد لها وتبدي رأيها بشأن تلك الوثائق.
ومع أن جميع القضايا المطروحة مهمة وتمس حياة جميع الناس في المنطقة كما تمس العراق بصيغ مختلفة ومباشرة, وخاصة القضية الفلسطينية حيث سيبقى الموقف العربي يصر بصواب على المبادرة العربية السعودية ويعتبرها أساساً صالحاً لحل المشكلة الفلسطينية من جهة والعلاقات العربية – الإسرائيلية من جهة أخرى, فأننا سنحاول في هذا المقال معالجة الموقف من العراق وما ينتظره المجتمع العراقي من القمة العربية.
لم يكن موقف الجامعة العربية بشكل عام إيجابياً وفعالاً في رفض الإرهاب ودعم جهود الحكومة لمواجهته من أجل تسريع إنهاء وجود القوات الأجنبية في العراق. وهذا الموقف تجلى في مواقف العديد من الدول العربية,. رغم أن مؤتمرات عدة قد عقدت حتى الآن لتأييد العراق ودعم نضاله ضد الإرهاب, إلا أن هذا التوجه النظري وفي القرارات على الورق, لم يتجل بالأفعال المطلوبة وفي الواقع العراقي الملموس.
فما تزال حكومتا الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية السورية تمارسان تدخلاً مستمراً في الشأن العراقي وتدعمان قوى الإرهاب من جهة والقوى الطائفية السياسية المسلحة من جهة أخرى, وبالتالي تساعدان على استمرار القتل والتخريب والتدمير اليومي وتمنعان تحقيق نجاحات مهمة على هذا الصعيد. وحين تمارس الجامعة العربية دوراً في هذا الصدد, فهو غالباً ما يكون وحيد الجانب ويلحق ضرراً بالوجهة السياسية السليمة المنشودة. إن السياسات التي مارستها الدول العربية في تأييد صدام حسين والسكوت عن نظامه وجرائمه من جهة, والحرب والأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية وقواتها في العراق من جهة أخرى, والتدخل الراهن المستمر في شؤون العراق الداخلية من دول الجوار من جهة ثالثة, والسياسات الطائفية المقيتة التي تمارسها قوى وأحزاب الإسلام السياسي والمليشيات المسلحة السنية منها والشيعية في العراق من جهة رابعة, كلها كانت وما تزال وراء ما يعاني منه الشعب في العراق منذ سقوط النظام الدكتاتوري حتى الوقت الحاضر.
إن حلولاً واقعية يفترض أن نطرحها على مؤتمر القمة العربية في الرياض في ما يخص الشأن العراقي والتي تتلخص في النقاط التالية:
1. إدانة جميع أشكال التدخل الإقليمي في شئون العراقي الداخلية ومنع تسرب الإرهابيين العراقيين والأجانب إلى داخل العراق إيقاف ومنع تقديم أو إيصال المساعدات المالية والعسكرية واللوجستية لقوى الإرهاب الداخلي.
2. الموافقة على اتخاذ وتنفيذ عقوبات بشأن الدول التي تمارس إجراءات مناقضة لقرار عدم التدخل.
3. التعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب وتقديم المعلومات الضرورية عن الإرهابيين الذين تسللوا إلى العراق أو الذين يتعاونون مع قوى الإرهاب في العراق لوضع حد لنشاطهم.
4. الموافقة على تسليم العناصر الإرهابية التي تدعو وتخطط وتنفذ عمليات إرهابية في العراق من وراء الحدود وفي الدول العربية إلى الحكومة العراقية, وفق اتفاقيات التعاون الأمني المعروف.
5. إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع العراق وفتح سفارات للدول العربية وإرسال السفراء مع تكليف الحكومة العراقية بحماية أمنهم جميعاً.
6. احترام قرار المجتمع العراقي بإقامة فيدرالية كُردستان والدولة الديمقراطية الاتحادية العراقية واعتبارها مسألة داخلية تمس الشعب ولا تؤثر على وحدته ودوره المنشود في الجامعة العربية.
7. رفض الانجرار وراء المشاريع الطائفية المقيتة في العراق ورفض أي سياسة طائفية بغض النظر عن هذه أو تلك من الطوائف الإسلامية لا باتجاه دعم طائفة ضد أخرى, وإدانة جميع الأعمال ضد أتباع الديانات الأخرى في العراق مثل الديانات المسيحية والصابئية والإيزيدية والكاكائية والشبكية والزرادشتية وغيرها من الأديان والطوائف الموجودة في العراق واحترامها دون استثناء.
8. تقديم الدعم المالي والمساعدات الفنية الضرورية لتنشيط عملية إعادة إعمار العراق وتشغيل العاطلين عن العمل الذين تبلغ نسبتهم في العراق حوالي 60 %, وبين الشباب إلى حوالي 70% وبين النساء إلى أكثر من ذلك بكثير.
9. إلغاء جميع الديون التي بذمة العراق للدول العربية الناتجة عن حرب الخليج الأولى ضد إيران.
10. تقديم الدعم للاجئين العراقيين الذين أجبروا على الهجرة خشية الموت بسبب العمليات الإرهابية الجارية في العراق حالياً.
إن البدء بتنفيذ هذه الإجراءات الضرورية يسمح في الوقت نفسه المطالبة بممارسة سياسة ترفض الطائفية والمحاصصة الطائفية وترفض التجاوز على حقوق الإنسان وتسرع في خروج قوات الاحتلال الأجنبية من العراق, غذ أن وجودها يقترن بوجود الإرهاب وبضعف قدرات العراق على مواجهة الإرهاب والصراعات الطائفية الدموية. هذا ما نرجوه ونأمل به من موقف حازم وسليم من جانب القمة العربية إزاء المسألة العراقية المطروحة على بساط البحث. فهل سنرى هذه الوجهة في قرارات القمة العربية الجديدة؟ غداَ سيعقد هذا المؤتمر وعلينا أن ننتظر ما تفسر عنه اجتماعاته والقرارات التي ستصدر عنه.

أواخر آذار/ مارس 2007
جريدة المدى - الرأي الآخر- المقال الأسبوعي