| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأحد 27/8/ 2006

 



هل من صعوبات جدية في طريق المصالحة لوطنية العراقية؟

 

كاظم حبيب

ما أن بدأ الحديث عن المصالحة الوطنية حتى هب المتشائمون وأعلنوا فشلها التام وعجز الحكومة الجديدة التي يرأسها السيد الدكتور المالكي عن توفير مستلزمات نجاحها من جهة, وإصرار القوى المسلحة على مواقفها من الأوضاع السائدة في العراق من جهة أخرى.
وما أن سارت المفاوضات مع بعض أطراف المعارضة خطوة ثم تعثرت, حتى نشر البعض ممن كان يتمنى فشلها, بأن المفاوضات قد فشلت, وكأن البعض كان ينتظر نجاحها من الجولة الأولى.
لم أكن أشك بخمس عوامل أساسية تؤثر مباشرة على مجرى السعي للمصالحة الوطنية, وهي:
1. أن المفاوضات تجري مع قوى حملت السلاح ضد الوضع الراهن لن تكون سهلة ولا ذات نتائج إيجابية سريعة. بل كان وما يزال التصور بأنها ستكون معقدة وصعبة لأسباب ترتبط بطبيعة القوى المتحالفة في المعسكر المناهض للوضع الجديد في العراق, ولأن بعضها فقد السلطة والنفوذ والتأثير والمال دفعة واحدة, وبعضها الآخر تصور أنه قد فقد السلطة ولم يكن يملكها بأي حال .
2. وأن المصالحة الوطنية ليست حاجة كمالية, بل أصبحت حاجة ماسة وملحة لا لغالبية الأطراف المشاركة في الحكومة ومجلس النواب والسائرة في طريق العملية السياسية فحسب, بل وكذلك لتلك القوى التي تحمل السلاح وتتحمل يومياً الكثير من الخسائر أيضاً.
3. وأن هناك قوى في المعسكرين لا تريد نجاح المفاوضات والمصالحة, بل همها استمرار هذه المشكلة والصيد بالماء العكر لصالحها والاستفادة من أجواء العبثية السياسية وموت الآخرين والتخريب.
4. وأن هناك قوى إقليمية, عربية وإيرانية, ودولية, إسلامية سياسية, تدعم نشاط القوى المسلحة, سواء تلك التي تدخل في باب المقاومة, أم قوى الإرهاب الإسلامي السياسي المتطرف وقوى الجريمة المنظمة.
5. وخلال الفترة المنصرمة نشأ شكلاً من أشكال التشابك في المصالح والأفعال بين القوى التي تدعي المقاومة وتلك التي تنخرط في باب الإرهاب الدموي, مما يجعل الا نفصال عنها غير سهل ويعقد من قدرتها على اتخاذ القرار المستقل.
وفي ضوء هذه الحقائق وغيرها لم ولن يكون التفاوض وصولاً إلى المصالحة الوطنية طريقاً سهلاً, إذ أنها ليست معركة تدور حول احتلال قمة جبل وينتهى الأمر باحتلاله, بل هي سعي لإرساء دعائم أمن واستقرار وسلام في العراق يستوجب تذليل مشكلات فكرية وسياسية ودينية وقومية ومذهبية كثيرة, كما يستوجب الانتهاء من جملة من المواقف الخاصة بقوى النظام السابق التي تنخرط اليوم في إطار القوى التي تمارس استخدام السلاح في عمليات لا تخرج حالياً عن إطار العمليات الإرهابية, إذ أن بعضها يطرح نفسه للحوار مع القوى الحكومية.
إن المتتبع للعملية السياسية في العراق يدرك جملة المصاعب التي تواجه بلادنا وخاصة من جانب قوى الإسلام السياسي المذهبية التي تحمل شعار المزيد من الاستقطاب والاصطفاف الطائفي لضمان حصولها على تأييد جماهير الشيعة أو السنة, بما في ذلك تلك العمليات الانتحارية أو تلك العمليات التي تدعو إلى تجمعات شيعية كثيفة تساهم في تشجيع القوى الإرهابية والمعادية إلى إرسال الانتحاريين الجبناء والجهلة لقتل المزيد من الناس, كما حصل أخيراً في تجمع الذكرى السنوية الأولى لمقتل عدد كبير من الناس أثناء مسيرتهم نحو الصحن الكاظمي للإمامين, حيث قتل من جديد وجرح عشرات بل مئات الناس الأبرياء. وفي الوقت الذي تتحمل قوى الإرهاب مسؤولية هذا القتل الأعمى, فأن القوى التي دعت إلى هذا التجمع والمسيرة مسؤولة أيضاً عن أرواح هؤلاء الناس.
إن العراق يواجه تحالفاً سياساً مكوناً من أربع قوى هي:
1. القوى البعثية, التي بعضها قد تخلى عن صدام حسين, وبعضها ما يزال ينادي بـ "القائد الأسير", ويمثلها أيضاً مجموعة البعث في لبنان.
2. القوى القومية اليمينية التي تعمل في إطار المؤتمر القومي العربي الذي يقاد من بيروت.
3. القوى الإسلامية السياسية المتحالفة معها والتي تمثلت في العديد من الا جتماعات بالسياسي الإسلامي الأردني ليث شبيلات.
4. مجموعة من الماركسيين القدامى التي لا تمتلك أرضية في العراق, ولكنها تتكون من بعض المطرودين من الحزب الشيوعي العراقي أو الخارجين عليه والذين بدأوا الدفاع عن نظام صدام حسين قبل سقوط النظام. وهذه القوى الموجودة في الخارج تلعب دوراً ذيلياً لجماعة المؤتمر القومي العربي لا غير ويحضر بعض ممثليها في مؤتمرات هذه الجماعة.
وهذا التحالف يرفض أي حوار حتى الآن مع الحكومة ويطرح شروطاً تعجيزية لا يقبل بها أي مشارك في السلطة. ومن بين هؤلاء من بدأ التفاوض في الأسبوع الأخير. ولكنه لم يتراجع عن السقف العالي لشروطه في رمي السلاح والولوج بالعملية السياسية, ولكنه سيجد نفسه في المحصلة النهائية معزولاً إن واصل الإصرار على الرفض أو إبقاء الشروط عالية السقف وغير مقبولة.
إن الطرف الحكومي يستطيع أن يدفع بهذه القوى إلى القبول بالتفاوض أولاً, والقبول بتخفيض سقف الشروط ثانياً, من خلال عدة إجراءات لا مناص منها, وهي:
• تعزيز التحالفات الحكومية وتنقية الصف الحكومي ممن يسعى إلى التشويش وعدم الالتزام بخطوط المصالحة الوطنية, وخاصة تلك الجماعات المسلحة التي تهيمن حالياً على الشارع العراقي.
• تطوير إمكانيات القوات المسلحة والشرطة وقوات الأمن مع تنظيفها من الاختراقات الكبيرة في صفوفها من قبل جميع القوى السياسية المؤيدة والمعادية للحكومة تقريباً, وتنشيط العمليات المناهضة لقوى الإرهاب.
• إنجاز المزيد من مشاريع الخدمات كالكهرباء والماء والهاتف, وإيجاد المزيد من فرص العمل لتقليص البطالة الواسعة حالياً. إذ أن كسب المزيد من نساء ورجال المجتمع العراقي من خلال تلبية حاجاتهم يساعد على كسب ثقتها واستعدادها للتعاون مع الحكومة ضد قوى الإرهاب في البلاد.
• تعزيز التعاون مع الدول العربية وحل المشكلات القائمة وتطوير التبادل التجاري وتعزيز السيطرة على الحدود وتنشيط دورها في المصالحة الوطنية.
• مزيد من التعاون الدولي واستخدام مبادرات سياسية ودبلوماسية جديدة نحو الخارج لتعزيز مواقع العراق ودعمه دولياً والحصول على المزيد من الاستعداد للتعاون في المجالين السياسي والأمني.
إننا أمام المرحلة الأولى من الحوار من أجل المصالحة الوطنية, وبالتالي يفترض أن لا يصاب المسؤولون بالإحباط من الخطوات الأولى الصعبة. ولكن المصالحة الوطنية يمكن أن تتعزز عندما تكف قوى الإسلام السياسي الشيعية المتعصبة مذهبياً عن الدعوة إلى فيدرالية الجنوب الشيعية التي سوف لن تكون سوى أداة طيعة بيد إيران وسياسات إيران الطائفية المتطرفة.
ليس هناك من طريق غير طريق المصالحة الوطنية مع ممارسة المبدئية والحزم والمرونة المدروسة مع القوى الأخرى, وممارسة الشدة مع قوى الإرهاب الإجرامية التي تقتل بنات وأبناء المجدتمع يومياً وبدم بارد.

أواخر آب/أغسطس 2006

جريدة الاتحاد /الاتحاد الوطني الكردستاني
رؤية حوارية