| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الثلاثاء 27/9/ 2011


 

المالكي وطريقته الفجة بالاستهانة بأرواح الناس ضحايا النخيب!

كاظم حبيب 

قبل أسبوعين قتل الإرهابيون الأشرار في منطقة النخيب 22 مواطناً عراقياً من مدينة كربلاء. وهي جريمة بشعة ونكراء. تم على إثرها اعتقال مجموعة من أبناء الرطبة التابعة لمحافظة الأنبار على خلفية الحادث. ثم تم إطلاق سراحهم من جانب رئيس الوزراء والاعتذار لهم بسبب الاعتقال. وفي حينها أعلن المالكي مصوراً الحادثة على إنها " عاصفة صغيرة مرَّت وانتهت ", ومؤكداً "أن الحادثة أعطيت أكثر من حجمها".
لا شك بأن المهمة في مثل هذه الأحداث هي التهدئة وقطع دابر الفتنة التي كان يراد إشعالها بين أتباع المذهبين, ولكن لا يمكن أن يتم ذلك من خلال هكذا تصريح معيب, إذ فيه استهانة بالغة وفعلية بأرواح 22 شهيداً سقطوا على أيدي جبناء ومجرمين سفلة وكأنهم لا شيء.
كيف نفهم هذا التصريح الذي جاء على اثر استشهاد 22 مواطناً عراقياً أمام أنظار أمهاتهم وزوجاتهم وأخواتهم وأطفالهم؟ هل يمكن أن يصرح رئيس وزراء دولة تحترم نفسها وسياسي يعتبر المسؤول الأول عن أمن البلاد وحماية المواطنات والمواطنين يحترم الإنسان وحياته بهذه الطريقة الفجة والقاسية التي لا تعبر عن المأساة الحقيقية التي حلت بهذه العائلات؟ يبدو من هذا التصريح وكأن الأمر مجرد عاصفة صغيرة هبت واقتلعت من أرض العراق 22 شجرة غير مثمرة ولا قيمة لها, وليست عصابة مجرمة اختطفت حياة 22 إنساناً من أبناء العراق من بين أحضان عائلاتهم. هل أصبح الإنسان رخيصاً بهذا الشكل أم إنها تعبر عن خشيته من تزايد مطالبة الناس بتخلي الرجل عن مسؤولياته باعتباره برهن عن عجزه عن حماية أمن الناس وهو القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء ومسؤول الأمن الداخلي؟
لقد كان استشهاد هؤلاء الناس كارثة حقيقية لعوامل عدة:
1. خسارة هذا العدد الكبير من الرجال في لحظة واحدة وبطريقة همجية.
2. إنها تؤكد وجود قوى إرهابية دموية قادرة على قتل الناس في العراق في كل لحظة وأينما ومتى تشاء.
3. وإنها جريمة كانت تريد إشعال نار طائفية والبدء من جديد بالقتل على الهوية.
4. وإنها تؤكد عجز الحكومة والأجهزة العسكرية, وخاصة الأمنية والشرطة, في العراق عن حماية حياة مواطنيها.
ولكنها تؤكد من الجانب الآخر خطورة هذه الحادثة للعوامل التالية:
1. التصرف غير المعقول وغير المقبول لمحافظة كربلاء في اعتقال 8 أشخاص من أهالي الرطبة دون تحقيق وتيقن مسبق قاد ويقود دوماً إلى عواقب وخيمة وإلى مواقف بائسة وخاصة حين يتم الاعتقال على خلفية طائفية ودون أدلة كافية, ودون التنسيق مع الحكومة الاتحادية.
2. الطريقة غير السليمة التي تم فيها التهريج وإعلان الفرحة وسط عزاء الناس باعتقال "المجرمين", وليس المتهمين, في حين وجد المالكي نفسه مجبراً على إطلاق سراحهم بسبب التهديد والوعيد وبدعوى عدم كفاية الأدلة.
3. وهي تشير إلى الأوضاع المعقدة التي يعيش تحت وطأتها الشعب العراقي وتفكك حكومة التي لا تعبر عن أي " شراكة " وطنية, وخاصة الصراعات المتفاقمة بين القائمة العراقية وقائمة دولة القانون, والقائمة الأخيرة والتحالف الكردستاني.
4. مشاركة مزيد من الناس في الحملات الاحتجاجية ومن مختلف فئات الشعب بسبب الأوضاع الاقتصادية والخدمية المتزايدة تدهوراً في البلاد.
إن المجرمين الذين قاموا بعملية الاغتيال يسعون إلى تأكيد ثلاث قضايا جوهرية:
** إن الحكومة الحالية عاجزة عن حماية مواطنيها من العمليات التي تمارسها القوى المناهضة للنظام والساعية إلى إشاعة الصراع الطائفي والفوضى والموت والخراب.
** وهي في الوقت نفسه عاجزة عن محاربة الفساد لأنها تشكل جزءاً منه, والفساد والإرهاب هما وجهان لعملة واحدة.
** كما إنها عاجزة عن تأمين الخدمات للمجتمع ومكافحة البطالة والفقر وهما الأرضية التي ينطلق منها ويتسع الفساد والإرهاب معاً.
** وإن هذه القوى تريد أن تؤكد بأن خروج القوات الأمريكية من العراق في نهاية هذا العام سيقود إلى حرب طائفية طاحنة وربما إلى حرب قومية أيضاَ بواقع الصراعات الجارية حالياً على الساحة السياسية العراقية. وبالتالي هم في قرارة أنفسهم يريدون إدامة هذا الوجود وللتعكز عليه في مواصلة الإرهاب.
** ولم يكن عدم قتلهم للنساء والأطفال يعبر عن عفة وصحوة ضمير ميت أصلاً من جانب هؤلاء المجرمين, بل كانوا بهذا يسعون إلى إشاعة الرعب في نفوس الناس وإلى إيصال أسلوب القتل الإجرامي الوحشي عبر النساء والأطفال إلى كل الناس.
لقد كانت التهدئة من جانب رئيس الوزراء ضرورية, ولكن أسلوب تناول المسألة كان بائساً, إذ كان يحتاج إلى مهارة ووعي سياسي واجتماعي غير متوفرين فيه, إذ إن قتل 22 شخصاً عراقياً لم يكن عاصفة صغيرة مرت وانتهت, بل كانت جريمة بشعة وكارثة كبيرة لعائلات الشهداء أولاً, واعتقال الأشخاص من أهالي الرطبة بتلك الطريقة ليس عملاً اعتيادياً بل مجافياً للشرعية ثانياً, كما إن إطلاق سراحهم بهذه الطريقة عمل غير اعتيادي وتحت سيف التهديد ثالثاً, إضافة إلى التصرف المنفرد لمحافظة كربلاء بعيداً عن الحكم الاتحادي خطيئة كبيرة تشدد الصراع بين المحافظات بشكل خاص.
لقد كان على الحكومة العراقية والأجهزة الأمنية والقضاء العراقي أن يفكروا جميعاً وبصورة جدية بالحادثة التي وقعت بالنخيب وتسعى إلى معرفة القتلة ومن يقف خلفهم ويحميهم ويقدم العون لهم, ومن لهم مصلحة في إشاعة الصراع الطائفي والفوضى في البلاد, إذ أن هناك احتمالات كثيرة أشير إلى بعضها:
1. من الممكن أن تكون قوى إرهابية مأجورة مارست فعلها الإجرامي بتحريض من سوريا أو الأردن أو السعودية أو إيران أو قوى عراقية من أتباع القاعدة أو هيئة علماء المسلمين السنة المتحالفة مع القاعدة, وإن هذا يحتاج إلى الكثير من التحري قبل الاعتقال.
2. كما من الممكن أن تكون من الميليشيات الشيعية المسلحة والمتطرفة التي تريد بأي ثمن إزاحة المالكي من رئاسة الحكومة من جهة, وإشاعة الصراع السني الشيعي من جهة أخرى, إذ سيتوجه الرأي العام الشيعي إلى الاعتقاد بأن من نفذ الحادثة ضد 22 شيعياً هم من أتباع المذهب السني. وهو رأي خاطئ, إذ أن القتلة لا دين ولا مذهب لهم.

إن سعي رئيس الوزراء للتهدئة صائب دون أدنى ريب, ولكن ليس بالطريقة التي تحدث بها ولا بالأسلوب الذي طرحه, إذ لا يعبر عن وعي بالمصيبة التي حلت بأهالي كربلاء. كما إن زيارة الشخصيات العشائرية البارزة من الأنبار إلى كربلاء وحضور الفاتحة على أرواح الشهداء يجسد وعياً بأهداف الجناة وضرورة إفشالها.

إن هشاشة الوضع السياسي والصراعات المتفاقمة بين أطراف الحكم من مواقع طائفية وقومية وضعف الحكومة ومظاهر الاستبداد الفردي لرئيسها هي التي تسمح بمرور مثل هذه الجرائم البشعة والموت اليومي لمزيد من البشر في العراق. إذ لم يمض وقت طويل على عملية النخيب حتى مارس الإرهابيون أربعة تفجيرات في مدينة كربلاء أدت إلى استشهاد 9 أشخصا وجرح 99 شخصاً بعضهم جراحه خطيرة. لقد كان من واجب الحكومة أن تنتبه إلى الفتنة التي يراد إشعالها في العراق وتتخذ الإجراءات الكفيلة بمنع وقوع مثل هذه التفجيرات في كربلاء. وكثيراً ما توعد رئيس الوزراء, ولكن غالباً ما فشلت أجهزة الأمن في الوصول إلى الجناة.

وإذ ندين العمليات الإجرامية الجديدة ونرجو للشهداء الذكر الطيبة, نرجو لذوي الشهداء الصبر والسلوان وللجرحى الشفاء العاجل.
 

25/9/2011

 

free web counter