| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الأثنين 27/2/ 2006

 


 


هل من مخطط إيراني جديد للتدخل في شؤون العراق الداخلية؟

 

كاظم حبيب

ليس من مصلحة العراق أن نفتعل مخططات وهمية تمارسها بعض القوى السياسية الخارجية إزاء العراق, وليس من مصلحة التحليل السياسي تصور وجود مثل هذه المخططات ما لم تكن هناك وقائع حقيقية على الأرض, وما لم تكن هناك تصريحات متتالية تؤكد سير هذه الدولة أو تلك الجماعة لوضع مخططات فعلية تسعى للوصول إلى أهداف محددة في فترة معينة.
لا ينطلق عنوان المقال من سؤال صادر عن غرف عاجية أو مغلقة, يفكر الكاتب بها وهو معزول عن المجتمع ليسطر على الورق ما يدور بخلده, بل السؤال المطروح هو نتاج متابعة سياسية مستديمة للاستراتيجيات والأهداف والمصالح والصراعات الجارية في الشرق الأوسط وعلى الصعيد الدولي. ولا أريد هنا أن استوضح التاريخ العراقي الطويل ليبين لنا طبيعة العلاقة بين العراق وإيران, فأغلب الناس في العراق يعرفون من خلال كتب الأستاذ العلامة الراحل علي الوردي طبيعة هذه العلاقة, إضافة إلى كتب التاريخ, وهي ليست سوى مؤشر يقدم لنا ما يمكن أن يكمن في العقل الباطني الذي تفصح عنه الممارسات الفعلية على الأرض السياسية حالياً. سؤالي الوارد في عنوان المقال لا ينطلق من رغبة في الإساءة إلى إيران أو التشكيك في قوى سياسية عراقية بعينها, بل يحاول أن يرى الأمور بعين المحلل للأحداث والمتابع للوقائع والعارف بحدود مناسبة للاتجاهات الفكرية المشتركة والأهداف والمصالح المتبادلة للقوى التي تعمل سوية في المرحلة الراهنة. لقد كانت لي وقفة مع احتمالات الحرب والعواقب التي ستنشأ عنها على الساحة السياسية بعد سقوط النظام, ومع الأسف وقع المحظور لأن القوى العراقية لم تكن مستعدة لمواجهة الوضع عند السقوط, كما لم تسمح الولايات المتحدة الأمريكية التي أسقطت النظام الاستبدادي للقوى الديمقراطية والعلمانية واللبرالية في التحرك, بل ضيقت عليها كثيراً, وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام قوى الإسلام السياسي وتركت للنعرات الطائفية, لأسباب براغماتية غير سليمة وغير نظيفة, أن تنطلق من عقالها, كما فرضت الاحتلال بقرار رسمي صادر عن مجلس الأمن الدولي. وكانت لي وقفة مع سياسات صدام حسين قبل سقوطه وأشرت بوضوح إلى قرر صدام حسين فعله بعد سقوطه المؤكد في الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة ضد نظامه المستبد. وحدث بالضبط وبتفاصيل ما توقعته في الحالتين. وكانت لي وقفة مع السيد عبد العزيز الحكيم بعد "فوزه الساحق" في الانتخابات الأخيرة وتوقعت مضمون السياسة والوجهة التي يسعى إليها مع حزبه وائتلافه. ووقع ما حدث ومنا زال مستمراً. ثم ذكرت السيد الحكيم وحذرته في آخر رسالة موجهة له ومؤرخة في 20-21/2/2006, بأنه سوف يحصل في العراق ما كان يحصل في الصراع بين الفرس والعثمانيين على الساحة العراقية, خاصة في الموقف من المراقد والعتبات المقدسة السنية والشيعية في عهد الصفويين وغيرهم وفي عهد السلاطين من إساءات مباشرة لتلك المراقد من تهديمها ومسحها بالأرض وتحوليها إلى مرابط للخيل ثم يرحلوا عن المنطقة ليعم الخلاف والنزاع والوضع النفسي المتأزم بين الشيعة والسنة في العراق. وقد وقع هذا المحذور بعد سويعات من إرسال رسالتي الثانية للسيد عبد العزيز الحكيم, مع الأسف الشديد.
وها أنا أسجل للقارئات والقراء الكرام إجابتي عن السؤال الوارد في عنوان المقال: هل من مخطط إيراني جديد للتدخل في شؤون العراق الداخلية؟
نعم, هناك مخطط إيراني جديد وقديم في آن واحد لا يتحرك وحده على الساحة السياسية العراقية بل له من يؤيده في العراق ومن يسانده على الصعيد العربي والإقليمي, وهو مخطط خطير ومناهض لمصالح الشعب العراقي والشعوب الإيرانية, كما أنه يشكل خطراً على منطقة الشرق الأوسط ويسمح باشتعال الصراعات والنزاعات والحروب فيها, إن لن يتم التصدي العقلاني والواعي والمسؤول والهادف لها أولاً, ولكن هناك من يرفضه ويناضل ضده ويسعى إلى منع وقوعه أيضاً, ولكنه غير موحد الرؤية والموقف ثانياً. والسؤال المنطقي الذي يواجهنا هو: إلى ماذا يهدف هذا المخطط الإيراني في صورته الأولى, من جهة, وما هي مكوناته الداخلية المفضوحة جزئياً, ولكنها يمكن أن تمر على كثرة من الناس بسهولة نتيجة تفاقم الصراع الطائفي في العراق الذي تتسبب به السياسات الطائفية الفعلية التي تمارسها قوى الإسلام السياسي الشيعية والسنية في آن واحد, من جهة أخرى؟ الإجابة عن هذا السؤال تتلخص بما يلي:
يرى المسؤولون الإيرانيون عموماً والأكثر محافظة وتشدداً دينياً وطائفياً وقومياً خصوصاً ما يلي:
1. يشكل العراق عموماً والجنوب منه خصوصاً عمقاً استراتيجياً دينياً طائفياً لإيران يمكن أن تستند إليه في صراعاتها الراهنة ونزاعاتها المحتملة في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي. وقد تجلى ذلك لإيران ولنا واضحاً جداً في التصريحات الصريحة التي أعلنها السيد مقتدى الصدر عندما كان في سوريا والتي قال فيها سندافع عن إيران في حالة تعرضها لعدوان أمريكي!
2. يشكل العراق موقعاً أساسياً, وخاصة جنوبه, للتغلغل الهادئ من إيران إلى العراق ومنه إلى دول الخليج لممارسة مختلف النشاطات والفعاليات السياسية, الدينية منها وغير الدينية, ليس عبر الإيرانيين فحسب, بل وعبر مؤيدي إيران من العراقيين أيضاً.
3. ويعتبر العراق من جانب القوى الإيرانية المحافظة, مجالاً حيوياً لمصالحها ونفوذها السياسي والديني المؤثر على مجمل التحولات المنشودة في العراق لصالح إيران ويفترض أن يكون مفرغاً من القوى السياسية المناهضة لها, إذ أنها تخشى استخدام أراضي العراق المجاورة في التآمر عليها من جانب القوى الدولية, وخاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة, واستخدام قوى مجاهدي خلق وغيرهم ضدها.
4. وتجد إيران في القوى العراقية الإسلامية السياسية الشيعية حليفاً لها لتصدير المذهب الشيعي والثورة الإسلامية الشيعية إلى مواقع أخرى من العالم الإسلامي, وخاصة إلى الدول العربية.
5. والقادة الإيرانيون كانوا وما زالوا يعملون جدياً على خلق محور ديني إسلامي عامة وشيعي علوي خاصة بين الدول التالية إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين, سواء أكان ذلك بشكل مباشر أم من خلال القوى الإسلامية السياسية الفاعلة هناك. ففي أربع دول أصبحت إمكانيات مثل هذا التحالف قائمة, وهي: إيران, العراق, سوريا وفلسطين, في حين تعتمد على حزب الله وحزب أمل في لبنان, إضافة على قوى إسلامية سياسية في فلسطين سواء تلك وصلت إلى السلطة أم خارجها. أن هذا التحالف يسعى إلى الترويج لفكرة "صدام الحضارات" بحجة التصدي للمخططات الأمريكية في المنطقة والتصدي لإسرائيل ورغباتها في التوسع, ولكنه في الجوهر يعبر عن رغبة إيران في الهيمنة على المنطقة, وهي الممول الرئيسي للكثير من القوى السياسية الإسلامية في الدول العربية والتي تشكل خطراً حقيقياً على وجهة التطور العلمانية والديمقراطية والحضارية في العراق والمنطقة وتساعد على خلق انتكاسة حضارية فيها, كما هي الحالة الراهنة التي تعيش فيها الشعوب الإيرانية.
6. لم تكن القيادة الإيرانية مقتنعة بصواب قيام فيدرالية في كردستان العراق, إذ أن هذه الفيدرالية تشكل, كما ترى, عدوى تنتقل إلى الشعب الكردي مباشرة في كل من إيران وتركيا, إضافة إلى تنشيط المطالبة بحقوق المواطنة للكرد في سوريا. وبالتالي فأنها تدرك بأن قيام نظام إسلامي سياسي في العراق سيجهض ما تحقق لكردستان العراق من حقوق طبيعية ومشروعة وعادلة. وقد عبر السيد مقتدى الصدر عن ذلك بوضوح حين رفض فيدرالية الجنوب, ولكنه قال بأن الكرد عندما يتمتعون بحقوق المواطنة فلا ضرورة لفيدرالية هناك, أي لا ضرورة لها في ظل النظام الإسلامي, ولم يكن الرجل غامضاً أو ضبابياً إزاء هذه القضية, وهو نفس موقف القوى الإيرانية التي تمنع عن الشعب الكردي في إيران حقوقه المشروعة. وعلينا أن نعرف بأن هناك لقاءات تحصل بين قوى ثلاث هي إيران وتركيا وسوريا حول الموقف من القضية الكردية, وكان العراق في حينها يشترك في هذه الاجتماعات, إلا أنها الآن أصبحت سرية وبين الدول الثلاث.
7. وعلينا أن نشير بما لا يقبل الشك بأن إيران تعاني اليوم من مصاعب داخلية جمة تشمل الجوانب الاقتصادية والمعيشية للسكان, إضافة إلى البطالة الواسعة وتفاقم فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء وتفاقم الفساد الوظيفي ومشاركة كثرة من المعممين ومن العاملين في أجهزة الدولة في هذا الفساد المالي والإداري من جهة, وتنامي المطالبة بالحقوق التي تطرحها القوميات الأخرى في إيران التي تخضع حالياً لهيمنة النخبة الفارسية, وأغلب رجال الدين في إيران ينحدرون من أصول قومية فارسية, وكذا رجال الحكم.
8. ولا شك في أن إيران تريد خلق محور إسلامي سياسي قوي في داخل منظمة الدول المصدرة للنفط (آوپيك) تشكل إيران والعراق قاعدته وقوته الفعلية, باعتبارهما يساهمان في إنتاج وتصدير نسبة عالية من النفط الخام يومياً وأنهما قادران على زيادة الكميات المصدرة, بحيث تصبح إيران في موقع يساعدها على المساومة السياسية وممارسة الضغط واستخدام النفط في المعارك السياسية.
ولكن ما هي أدوات تنفيذ المخطط الإيراني في العراق وكيف تمارس إيران نشاطها في العراق؟ أود أن أؤكد ابتداءً وبوضوح لا لبس فيه: ليست كل قوى الإسلام السياسي في العراق تقبل بالسير وراء هذا المخطط أو تقبل به أصلاً, وبعضها الآخر يجد فيه مخاطر جدية على الوضع القائم في العراق وتهديداً خطيراً لاستقلاله وسيادته الوطنية, إضافة إلى أنها لا تريد أن تكون أداة بيد القوى الإيرانية بأي حال, فهي قوى وطنية ولها أهدافها ومصالحها ورؤيتها المستقلة. حتى وصل الأمر ببعض الوجوه الإسلامية السياسية المسؤولة أن تركت العمل في صفوف بعض القوى التي تسير بخطى حثيثة في إطار هذا المخطط.
يبدو لي بوضوح كبير أن المخطط غير معقد, كما أنه مفضوح إلى حدود غير قليلة للمطلعين على تطور الأوضاع السياسية في المنطقة, وسأحاول فيما يلي تلخيص مفرداته. تعمل القوى الإيرانية في المرحلة الراهنة على عدة جبهات وتعتمد في عملها في العراق:
1. على قواها الخاصة التي تتمثل بوجود إيراني مكثف لقوى الحرس الثور (الپاسداران) وقوى الأمن الداخلي والقومي, وجمهرة من رجال الدين الشيعة التي تعمل في العراق تحت واجهات كثيرة. وهي القوى موزعة على خمس اتجاهات: * العمل الأمني والمخابراتي, * والعمل السياسي داخل أحزاب سياسية ومنظمات اجتماعية وحسينيات وجوامع, * والعمل الإعلامي, * والنشاط الاقتصادي والمالي وتوفير التبرعات والمساعدات المالية, * وفرق الاغتيال والاختطاف. ولهذه الجماعات علاقات أخطبوطية خطرة حقاً وشرسة جداً ومستعدة لارتكاب جميع الموبقات السياسية في العراق دون استثناء. وتيقن الكثير من الناس الآن من صحة وحقيقة المعلومات الخطيرة التي نشرتها في مقالاتي الثلاث تحت عنوان "البصرة الحزينة ... البصرة المستباحة!", وهي التي أغضبت الإيرانيين المحافظين كثيراً وبعض العناصر الطائفية وتلك التي لا تملك الوعي الكافي للخوض في عمق المشكلات القائمة في العراق أو السذج منهم.
2. دعم قوى عراقية مؤمنة بالخط الإيراني ومقتنعة دينياً وطائفياً بالأهداف الإيرانية ولا تتورع عن تنفيذ ما تراه مناسباً أو ما تؤمر به من جانب إيران. وهي قوى مبثوثة في مواقع كثيرة سواء في الأحزاب السياسية الإسلامية العراقية أو حتى في غيرها وفي المنظمات الشعبية وغير الحكومية أو في أجهزة الدولة وفي المليشيات المسلحة.
3. السعي للاستفادة من العمليات الإرهابية التي تمارسها قوى الإرهاب الدولية المرتبطة بتنظيم القاعدة وفروعه في العراق وقوى البعث الصدامية لتعميق الفرقة في صفوف الشعب واتهام القوات الأجنبية بها أو تشديد الصراع بين الجماعات الإسلامية الشيعية والسنية. كما حصل أخيراً.
4. وفي السياسة العملية والإعلامية الإيرانية تعتمد اليوم على ثلاث مسائل, وهي:
أ‌. النشر الواسع والدعوة الرسمية من جانب الحكومة الإيرانية على لسان وزير خارجيتها بضرورة انسحاب القوات البريطانية من جنوب العراق ليخلو لها ولحلفائها الجو هناك, خاصة وأن قوى الجيش العراقي والشرطة العراقية ما تزال ليست حيادية في تلك المنطقة وترتبط بمليشيات معينة, كما أنها ما تزال ضعيفة.
ب‌. تنشيط بعض قوى الإسلام السياسي العراقي للدعوة المماثلة ولكن على صعيد العراق كله بانسحاب القوات الأجنبية من العراق في وقت يعرفون جيداً بأن هذا الوضع سيساهم في حرب طائفية أو في هيمنة قوى معينة على البلاد, ولكنها ليست ديمقراطية في كل الأحوال.
ت‌. الدعوة من جانب قوى سياسية إسلامية عراقية إلى فعاليات سياسية مناهضة للقوات الأجنبية في العراق على طريقة ما فعله الراحل السيد الخميني في إيران للتخلص من الشاه والسيطرة على الأوضاع, أي مظاهرات سلمية يشترك فيها الشيعة والسنة لا للاحتجاج على الإرهاب والقتل, بل لإخراج المحتل! في وقت يعرف جيداً أن خروج القوات الأجنبية يعني تفاقم الصراع
لقد استثمرت أحداث سامراء المأساوية والمناهضة لكل الخلق الإنساني والاحترام لعقائد وإيمان الناس وللتراث الإنساني, الذي نفذتها تحالف قوى الإرهاب الدولي والإقليمي والمحلي المتمثل بتنظيمات جماعات القاعدة والقوى المتحالفة معها محلياً, من جانب قوى معينة لاتهام الولايات المتحدة بنفس الوجهة التي تريد إخراج القوات الأجنبية اليوم من العراق ليتسنى لها الهيمنة على الوضع في العراق كلية وذبح القوى العلمانية من الوريد إلى الوريد, ولكنها كانت في الوقت نفسه سبباً لإشاعة الأحقاد والكراهية والقتل العشوائي وتهديم المساجد حيث ساهمت فيه الكثير من الجماعات المرتبطة بالمليشيات القائمة علناً أو السرية والمسلحة حتى الأسنان بالأسلحة المختلفة. ولكن هذه الواقعة الحزينة في سامراء قد أشاعت في الوقت نفسه الرغبة الحسية لدى الكثير من القوى السياسية العراقية بما فيها قوى الإسلام السياسي الوطنية, بأن مخاطر الصراع الطائفي وتشديده سيقودان إلى خراب العراق وإلى سيل من الدماء والدموع وإلى خسارة الجميع دون استثناء. وقد أدركت المرجعيات الدينية وبعض قيادات الأحزاب السياسية الإسلامية والقوى الديمقراطية والعلمانية واللبرالية الكردية والعربية وغيرها مخاطر سير تطور الأحداث على هذا الدرب الخطر, فتسارعت للدعوة إلى حوارات مكثفة بدعوة من السيد رئيس الجمهورية وقائمة التحالف الكردستاني وتحرك مكثف للسيد رئيس اتحادية كردستان وكذلك السيد رئيس الوزراء. إ‘ن هذه الوجهة يمكنها أن تفوت الفرصة على المخططات الإيرانية في العراق, ولكن يفترض أن تبقى عيون العراقيات والعراقيين مفتوحة لتفويت الفرصة على هذه المخططات المشؤومة.
برزت تكتيكات هذا المخطط في الآونة الأخيرة على لسان وزير خارجية إيران أولاً, وعلى لسان السيد مقتدى الصدر في البصرة وبعد عودته من طهران مباشرة, وعلى لسان قوى عربية في سوريا ولبنان بعد لقاءات وزير خارجية إيران في سوريا ولبنان وبعد زيارة مقتدى الصدر لهذين البلدين ثانياً.
ويبدو لي أن بعض قوى الإسلام السياسي التي تدعو إلى وحدة الصف الإسلامي حالياً, على أهميته وصحته من حيث المبدأ, فهو يخفي وراء ذلك أهدافاً أخرى بعيدة المدى على مستوى العراق كله وعلى مستوى كردستان أيضاً, حيث يبدو التصور مبسطاً جداً, رغم ما فيه من احتمالات الحرب الطاحنة لاحقاً. ولهذا لا بد من التمييز بين جوهر ومضامين تلك الدعوات.
طبعاً هناك قوى مناهضة لكل هذه المخططات على مستوى العراق والمنطقة والعالم. ولكنها لم تتحرك حتى الآن لدعم العراق في مواجهة قوى الإرهاب الدولي الإسلامي السياسي المتطرف والعدواني الذي يدعو إلى صدام الحضارات والذي تتغذى منه وعليه قوى سياسية أخرى تسعى إلى خلط الأوراق والصيد بالماء العكر.
تقع على عاتق الشعب العراقي وحكومة الوحدة الوطنية القادمة العمل بالاتجاهات التي رغم تكرار طرحها لا بد من إقناع الناس بأهميتها والتي تتلخص بما يلي:
1. تعلم القدرة على المساومة السياسية بين أطراف الحركة الوطنية العراقية للوصول إلى قواسم مشتركة في ما بينها.
2. الابتعاد عن الرغبة في الإقصاء أياً كانت القوى السياسية التي يراد إقصاؤها, إذ أن النتيجة ستكون سلبية في أوضاع العراق الحالية.
3. الابتعاد عن الرغبة الجامحة في الهيمنة على الحكومة وسياساتها, إذ أن ذلك لا يجلب إلا الموت والدمار للعراق. وهذا يعني أيضاً:
4. الابتعاد عن ممارسة سياسات طائفية من قبل الأحزاب الإسلامية السياسية, سنية كانت أم شيعية, إذ أن النتيجة في الحالتين واحدة وتشكل أكبر مصيبة لعراق اليوم.
5. الابتعاد كلية ورفض أسلوب القوة والعنف والقتل كطريق لفرض الرأي أو الرأي الآخر, فليس هناك من لا يستطيع ممارسة القوة, فهي ليست طريقاً باتجاه واحد, خاصة وأن الدكتاتور صدام حسين ترك من الأسلحة في العراق ما يفوق التصور, كما أن بعض دول الجوار ما تزال تساهم في تصدير السلاح المجاني بالطرق السوداء إلى العراق.
6. الاتفاق على حل المليشيات التي تشكلت في فترات مختلفة وتابعة لقوى الإسلام السياسي المشاركة في العملية السياسية العراقية, سواء أكانت هذه المليشيات معلن عنها أم غير معلن.
7. ويمكن لهذه القوى أن تتفق على برنامج لسنوات أربع تحل فيه الكثير من مشكلات العراق بهدوء وروية وعقلانية واعتراف بالواقع القائم, ولكن بعيداً عن الرؤية الطائفية للعراق. واشعر بضرورة إبعاد وزارتي الدفاع والداخلية وأجهزة الأمن والمخابرات عن أحزاب الإسلام السياسي التي دخلت في صراع مرير خلال السنوات المنصرمة واستطاع البعض منها الهيمنة على أجهزة هاتين الوزارتين وفي أجهزة الأمن والمخابرات, وبالتالي أمكن أيضاً غلغلة قوى قادرة على الإساءة للطرفين من جهة, ولمسيرة العراق في الوحدة الوطنية والديمقراطية من جهة أخرى. وليست فرق الموت التي اكتشفت أخيراً سوى صورة مصغرة لما هو قائم على أرض العراق حالياً.
8. وستبقى الأهداف المركزية للعراق على مدى السنوات الأربع القادمة هي المكافحة الجادة لقوى الإرهاب بمختلف مكوناتها العراقية والعربية والإقليمية أولاً ونزع السلاح المنتشر في العراق على نطاق واسع ثانياً, وإنهاء وجود المليشيات المسلحة ثالثاً, والابتعاد عن وضع وممارسة سياسات طائفية أو سياسة التمييز بين المواطنات والمواطنين على أي أساس كان وكسر شوكة الحزبية الضيقة في دوائر الدولة, ومواصلة عملية إعادة إعمار العراق وتوفير الخدمات للمجتمع والعمل للعاطلين والسير حثيثاً للبدء بعملية تنمية وطنية وإقليمية عراقية واسعة ...الخ.
9. علينا أن ندرك جميعاً بأن العراق لا تقوم له قائمة حسنة إلا إذا استطاع إقامة نظام مدني ديمقراطي اتحادي تعددي الفكر والممارسة السياسية وضمن الحقوق المشروعة للإنسان والقوميات والنساء والمعوقين ... الخ. وهو ما يفترض أن يكون الطريق لا لخلق الوحدة الوطنية العراقية فحسب, بل ولازدهار العراق.
10. وعلينا أن ندرك بأن استمرار الفوضى والإرهاب والقتل سيؤجل خروج القوات الأجنبية من العراق, وأن الدعوة إلى خروجها قبل استكمال شروط هذا الخروج عراقياً, ستصيب العراق بنكسة شديدة, وربما إلى حرب طائفية مريرة. إن وجود القوات الأجنبية ليس نهاية التاريخ وستخرج قطعاً أو نخرجها شريطة أن يكون العراق على استعداد تام لمواجهة كل الاحتمالات بعد خروجها.