| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الثلاثاء 27/2/ 2007

 

 

هل المظاهرات هي الطريق لتصحيح خطأ ما في العراق؟

 

كاظم حبيب

تم خلال الفترة المنصرمة اعتقال بعض الشخصيات السياسية العراقية من قبل القوات الأمريكية ثم تم إطلاق سراحهم دون تبيان الأسباب وراء ذلك الاعتقال. ولم يكن مثل هذا الإجراء مقبولاً في السابق ويمكن قبوله حالياً وفي المستقبل, إذ لا يجوز ممارسة مثل هذه الاعتقالات دون العودة إلى القضاء وإلى الحكومة العراقية التي يفترض أن تتسلم الملف الأمني والعسكري بشكل كامل, إضافة على كونها منافية لحقوق الإنسان في كل الأحوال. ولم تكن هناك ردود فعل مناسبة من جانب المسؤولين العراقيين لكي تمتنع القوات الأمريكية من تكرار هذه العملية دون الاستناد إلى قرارات صادرة عن القضاء العراقي وأخذ رأي وموافقة الحكومة العراقية.
وبالأمس تم اعتقال السيد عمار الحكيم ومن معه في طريق عودتهم من إيران. وبقيت الجماعة محجوزة طوال 11 ساعة, وفق قول السيد الحكيم ذاته, ثم تم إطلاق سراحهم. وقد مارست القوات الأمريكية أسلوبها المجافي لحقوق الإنسان في التعامل مع المعتقلين حين شدت وثاق السيد عمار الحكيم من الخلف وعصبت عينيه وحققت معه طيلة تلك الفترة دون أن تخبره أو تبرر له أسباب اعتقاله.
وبعد إطلاق سراحه عقد السيد عمار الحكيم مؤتمراً صحفياً شرح عبره ما جرى له أثناء الاعتقال مطالباً تبيان أسباب الاعتقال. قدم السفير الأمريكي اعتذاراً رسمياً لما حصل متعهداً بإجراء التحقيق لمعرفة أسباب هذا الاعتقال.
لا شك في أن من حق المجلس الأعلى للثورة الإسلامية أن يعرف أسباب اعتقال أحد قادته دون العودة على القضاء العراقي والحكومة العراقية. وتقديم مذكرة احتجاجية بهذا الصدد أمر وارد من حيث المبدأ.
وقبل معالجة الموضوع يفترض أن نتساءل, بغض النظر عن إجراء التحقيق ونتائجه أو تقديم الاعتذار من جانب السفير الأمريكي: هل يعتبر هذا الاعتقال بمثابة جرة أذن للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في ضرورة تقنين علاقته بإيران وضرورة تهدئة الأحوال في العراق؟ وهل يعتبر هذا الاعتقال خطوة على طريق غزل جديد مع قوى الإسلام السياسي السنية وفي الوقت نفسه تخلي عن قوى الإسلام السياسي الشيعية؟ والأسئلة كلها مشروعة, إذ من غير المعقول أن تكون القوات الأمريكية التي اعتقلته جاهلة لهويته, أو أن خطأ حصل في تشخيص هذه الهوية. فالاعتقال قد استهدف السيد عمار الحكيم بالذات وليس غيره.
البعض يعتبر أن هذه الظاهرة الجديدة هي تعبير عن تجاوب الإدارة الأمريكية مع قوى الإسلام السياسي السنية في أعقاب احتجاجاتها على العلاقة المتميزة بين هذه الإدارة وبين المجلس الأعلى والقوى الإسلامية السياسية الشيعية عموماً. والبعض يرى بأن الأمرين هما المقصودان عند الإجابة عن السؤالين السابقين. هذا كان بالضبط تفسير أتباع المجلس الأعلى وكافة المتظاهرين ضد الاعتقال والاحتجاج على الإدارة الأمريكية حين حاول الصحفيون أخذ رأي المتظاهرين بما جرى لابن السيد عبد العزيز الحكيم.
في هذا الظرف بالذات حيث تقوم الحكومة العراقية بعملية واسعة لمواجهة مختلف أطراف قوى الإرهاب في العراق ومن أجل استعادة أمن بغداد خصوصاً والعراق بشكل عام, لا يمكن التفكير, كما لا يجوز القبول, بتسيير مظاهرات واحتجاجات واسعة وتعبئة الناس أياً كان السبب وراء تلك المظاهرات الاحتجاجية, إذ أنها تشكل إخلالاً في قلب العملية ولا تسمح بممارسة المهمات بشكل عقلاني ومحايد.
إن المظاهرات الاحتجاجية التي جرت تعتبر تصعيداً لا مبرر له ومحاولة لفتل العضلات بصورة غير مبررة مع قوى متحالفة مع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية, وهو أحد القوى السياسية الذي كان في المعارضة وشارك في الموافقة على خوض الولايات المتحدة للحرب ضد النظام الدكتاتوري والعنصري البغيض. والإدارة الأمريكية هي التي ساندت المجلس الأعلى في كل مطالبه بما فيها إجراء الانتخابات بوقت مبكر وفي أوضاع استثنائية لا يمكن التفكير بإجراء الانتخابات فيها.
الإشكالية, كما تبدو لي, لا تكمن في اعتقال السيد عمار الحكيم وإطلاق سراحه بعد فترة وجيزة فحسب, بل لأن قيادة المجلس الأعلى تريد أن تعطي الانطباع بأن الولايات المتحدة تريد التخلي عن الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية والتحول صوب دعم الأحزاب السياسية السنية من جهة, وتريد أن تمارس عملية استباقية لمنع حصول مثل هذا الأمر من جهة ثانية, ولأن القوات العراقية والقوات الأمريكية المساندة لها تقوم باعتقالات وتحريات واسعة على دور ومكاتب تابعة لجماعات سياسية سنية وشيعية في آن واحد, وخاصة في صفوف جيش المهدي ومنظمة بدر, إضافة إلى الجماعات الإسلامية السنية وفي بعض الجوامع والحسينيات التي تحتضن الكثير من الأسلحة من جهة ثالثة.
ليس من مهمات الولايات المتحدة الأمريكية وقواتها العسكرية في العراق التزام ودعم الأحزاب السياسية الإسلامية أو غير الإسلامية, رغم أنها مارست ذلك بطريقة فجة ومرفوضة حين كرَّست سياسة المحاصصة الطائفية السياسية في العراق, وهي الكارثة التي يعاني منها العراق حالياً وسيعاني منها طويلاً. فعلى الإدارة الأمريكية أن تكف عن دعم أي من القوى السياسية في العراق, وأن تربط مهمتها بما يفترض أن تمارسه وفق اتفاق مع الحكومة العراقية وفي دعم إجراءات الحكومة في مكافحة قوى الإرهاب بكل أطرافها والمليشيات الطائفية المسلحة, شيعية كانت أم سنية.
إن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية المشارك الرئيس في الحكومة يفترض أن تلتصق إجراءاته بالحكومة وينسق معها لا أن يدعو إلى تعبئة الناس وحشدها للتظاهر ضد إجراء يمكن أن تستغله قوى الإرهاب وتستثمره ضد الخطة الأمنية الحكومية الجارية.
إن الخطة الأمنية استطاعت أن تقطع شوطاً أولياً, إذ نجحت في اعتقال مجموعة من الرؤوس الموجهة لهذه العمليات وتفليش بنيتها التحتية, ولكنها ما تزال في بدايتها أولاً, ولأن تشابكات بين القوى التي تمارس الإرهاب وبعض القوى المشاركة في الحكومة, سنية كانت أم شيعية, تعرقل سير هذه العملية بالشكل المطلوب لأنها تتدخل في إعاقة عملها ثانياً, ولأن العملية السياسية المرتبطة بالمصالحة الوطنية لم تتحرك بالوجهة الضرورية حتى الآن ثالثاً, ولأن قوى في الجانبين ترفض التنازل أو المساومة الضرورية لوضع حد لما يجري في العراق والتفرغ لمواجهة جميع قوى الإرهاب من مختلف الأصناف رابعاً.
إن الحالة الراهنة في العراق تستوجب تضافر جهود جميع الذين يريدون عراقاً آمناً ومتحرراً ومستقلاً لتوفير الأمن والاستقرار والسلام في ربوع بغداد والعراق كله. ولا تحتاج في كل الأحوال إلى فتل العضلات من أي طرف كان.


شباط/فبراير 2007
جريدة المدى