| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأحد 27/8/ 2006

 



ندوة عمان وعراقيون أولاً!

 

كاظم حبيب

عقدت في الشهر السابع من هذا العام (2006) ندوة في عمان تحت عنوان "عراقيون أولاً", نظمتها وكالة الأخبار العراقية التي يمتلكها ويترأسها السيد إبراهيم الزبيدي. شارك في هذه الندوة عدد كبير من المثقفين والسياسيين العراقيين من اتجاهات فكرية وسياسية مختلفة ومشارب ثقافية وأدبية متنوعة. كما لم يحضرها عدد مهم من العاملين في الحقلين الثقافي والسياسي ممن كان يفترض حضورهم, إذ لو تسنى لهم المساهمة لكان ذلك إغناء للملتقى الثقافي والسياسي والاقتصادي العراقي. ولكن لا يمكن تصور حضور جميع أو حتى أبرز مثقفي العراق وسياسييه إلى مثل هذا أو غيره من الملتقيات المفيدة.
تميز اللقاء منذ البدء بعدد من الخصائص المهمة, ومنها على نحو خاص:
1. وجود عدد كبير من المدعوين من مثقفي وسياسي الداخل والخارج.
2. تنوع وتعدد أصحاب الاتجاهات الفكرية والسياسية والأدبية المشاركة.
3. الاستعداد والرغبة وتوفر فرصة الخوض في حوارات مفتوحة وغير مقيدة.
4. توفر الوقت الكافي لا للحوار فحسب, بل وللراحة والاطلاع الفردي على مدينة عمانً.
5. تعدد وتنوع المحاور التي جرى الحوار حولها, وبشكل خاص تلك التي تمس الشأن العراقي الراهن وسبل تجاوز المرحلة الاستثنائية المعقدة التي يمر بها العراق حالياً.
6. تعدد وتنوع الفرق الفنية العراقية التي شاركت في هذا اللقاء وأحيت حفلاتها الفنية كالرقص والموسيقى والغناء في كل ليلة من ليالي الملتقى تقريباً, إضافة إلى اللوحات الفنية التي عرضت لمجموعة من الفنانين التشكيليين العراقيين.
وكان هناك نقصا ملموساً في اللقاء, وأعني به مشاركة عدد قليل جداً من الكرد وغياب التركمان وندرة الأشوريين والكلدان.
كان المشرفون على تنظيم اللقاء قد اقترحوا عدداً من الموضوعات لحوارات الملتقى, إلا أنهم ومنذ اليوم الأول تركوا الخيار للحضور في تحديد محاور النقاش والتي تغيرت إلى حدود غير قليلة من خلال الاتفاق في ما بين الحاضرين على أبرز المحاور التي تمس إشكاليات العراق المركزية مثل الدولة والطائفية السياسية, مشكلات الاقتصاد والنفط الخام, والإعلام والدولة والإرهاب, ودور المثقفين في المرحلة الراهنة...الخ. ولم تكن هناك أوراق عمل, بل كانت المحاور هي الأساس في كل جلسة حوارية حيث يطرح المتداخل رأيه في موضوع الحوار.
تميز اليوم الأول بالتوتر النسبي بين الحضور في طرح أرائهم, إذ كان كل مشارك يعبر عملياً عن اتجاه فكري وسياسي, ويسعى إلى تثبيت أرائه وتأكيد مواقفه, مما بدا وكأن الفجوة واسعة. لا شك في أن الفجوة ليست ضيقة بين الأفكار والاتجاهات السياسية والرؤية المختلفة لواقع العراق, إلا أن اللقاء استطاع تدريجياً أن يستوعب التوتر ويتحول إلى حوار هادئ لا يخلو من عتاب. وهي مرحلة مهمة لما بعد العتاب, أي الانتقال إلى مرحلة التحري عن حلول توافقية للعراق الجديد الذي يراد له النهوض والخلاص من الأزمة التي يمر بها.
كانت هناك ثلاثة اتجاهات أساسية في المؤتمر, وخاصة عند مناقشة الموضوعات التي تمس العملية السياسية الجارية في العراق وإشكاليات رفض هذه العملية والموقف من المقاومة والإرهاب, وأبرزها:
1. التيار الديمقراطي-اللبرالي-العلماني.
2. التيار القومي والبعثي المبطن.
3. التيار الإسلامي السياسي بجناحيه الشيعي والسني.
لا يمكن لمثل هذا اللقاء أن يحل أي مشكلة من مشكلات العراق الراهنة, كما لم يكن هدف اللقاء ذلك بأي حال, بل كان هدف اللقاء, كما تلمست, هو الحوار بين مختلف الأراء والسعي للكشف عن مدى إمكانية التقريب بين وجهات النظر أو الكف عن استخدام السلاح والتحول إلى لغة الحوار والتفاوض في معالجة الاختلاف بين القوى السياسية العراقية ودور المثقف والإعلام العراقي في مثل هذه العملية, وخاصة سبل التخلص من الطائفية السياسية المهيمنة على الحياة السياسية في البلاد.
على هامش الملتقى الثقافي وعلى حساب وكالة الأخبار العراقية, كما علمت, نظم الدكتور مهدي الحافظ, رئيس مركز التنمية والحوار, ندوة اقتصادية في فندق مريديان بعمان حضرته جمهرة كبيرة من الاقتصادين العراقيين والمختصين بشؤون النفط والاستثمار في العراق طرحوا فيه جملة من الموضوعات المهمة التي كانت تستحق الحوار.
والسؤال المهم الذي يستوجب الإجابة عنه هو: ما هي النتائج التي خرج بها المجتمعون في الملتقى الرئيسي؟
يبدو لي أن الاجتماع حقق عبر لقاء ضم جمهرة كبيرة من العراقيات والعراقيين مناقشة الوضع السياسي والثقافي والإعلامي والاقتصادي في العراق بأمل تقريب وجهات النظر أو التعرف بملموسية على نقاط الالتقاء ونقاط الا ختلاف وسبل مواصلة الحوار عبر عملية سياسية وثقافية سلمية تساعد في الوصول إلى روية مشتركة لمزيد من نقاط الاختلاف. وقد سجل الملتقى ما يلي:
1. شجب وإدانة الإرهاب بكل أشكاله, إذ أنه بعيد كل البعد عن حل أي مشكلة تواجه العراق, بل تزيد المشكلات تعقيداً.
2. إدانة الطائفية السياسية والمحاصصة التي تقود إلى عواقب وخيمة على العراق ومستقبله.
3. دعوة كل القوى السياسية العراقية التي تمارس ما يسمى بالمقاومة أن تتخلى عن استخدام السلاح والانضمام إلى عملية المصالحة الوطنية والمساهمة في تعديل ما يمكن تعديله من خطة المصالحة الوطنية من خلال الحوار.
4. شجب الفساد المالي والإداري المتفشي حالياً في العراق ووضع حد له من خلال إجراءات فعالة وصارمة.
5. اعتماد المعايير السليمة في استخدام الموارد العراقيةو لصالح معالجة كل الاختناقات اتلراهنة في الخدمات.
6. الدعوة إلى تفعيل دور المثقف العراقي في العملية السياسية والثقافية والإعلامية الجارية في العراق والكف عن تقليص دوره والعمل من أجل توفير الحماية له.
7. الاتفاق على أن وجود القوات الأجنبية أو الاحتلال هو مؤقت ويفترض أ ينتهي مع سيادة الأمن والاستقرار في البلاد. وكان هناك من يرى ضرورة تحديد موعد لخروج هذه القوات.
8. الا تفاق على أهمية عقد مثل هذه الندوات وتطويرها والسعي لعقدها في بغداد مع تحسن الأوضاع الأمنية.
9. تنمية وتطوير إعلام ديمقراطي حر وحيادي في العراق وتوفير الحماية للصحفيين وأساتذة الجامعات والعلماء والمثقفين, إذ أن العراق قد فقد الكثير منهم عبر العلميات الإرهابية.
ومن الجدير بالإشارة إلى أن منظم الملتقى لم يسع بأي شكل كان إلى التأثير على وجهة الملتقى أو حواراته أو التدخل في شؤون تنظيم الملتقى, وهو أمر إيجابي إذ كان يعرف تماماً ويحترم طبيعة ومستوى الحضور. وقد استحق شكر الحضور وتقديرهم.
ورغم الأهمية الملموسة لهذا الملتقى الثقافي العراقي, الذي سعى ليؤكد الهوية العراقية أولاً, فأن بعض المداخلات لم تكن بالمستوى المطلوب من حيث الابتعاد عن الشخصانية والرؤية الذاتية والحديث عن الذات والذكريات, أو حتى الوقوع في مطب الطائفية السياسية هجوماً أو دفاعاً. وأذ كان اليومان الأول والثاني قد تميز بحضور مكثف للاتجاه القومي بشكل عام, فأن الأيام الأخرى انحسر تأثير ودور هذا الاتجاه لصالح الاتجاه الديمقراطي والعلماني وطروحاته الأساسية, كما لم يسع التيار الإسلامي السياسي أن يفرض نفسه, بل كان بعض ممثليه قد حرص على الابتعاد عن الأجواء الطائفية وشارك في الدعوة ضد الطائفية السياسية وضد الإرهاب ومن أجل تطوير الحوار في إطار العملية السياسية والمصالحة الوطنية التي كانت مطروحة على بساط البحث أيضاً.

أواخر آب/أغسطس 2006