| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الجمعة 26/1/ 2007

 

 

هل من جديد في جعبة الشيخ يوسف القرضاوي؟

 

كاظم حبيب

لم يكن غريباً اختيار قناة الجزيرة للشيخ يوسف القرضاوي لبرنامج يبحث في قضايا الإسلام والمسلمين ويجيب عن أسئلة المشاهدين والمستمعين, ولم تكن إجاباته عن الأسئلة عجيبة بالنسبة لكثرة من الناس المطلعين على تاريخ هذا الرجل. فالفكر الذي تبشر به وكأنه ينطلق من أرضية فكر وممارسات الأخوان المسلمين الأكثر تشدداً والملتصقة بالمذهب الحنبلي الوهابي الأكثر تطرفاً والأكثر تعقيداً في رفضه للمذاهب الأخرى في الإسلام والتي يصل بالمتشددين من أتباع هذا المذهب إلى تكفير الآخرين من أتباع المذاهب الأخرى, كما هو الحال مع أسامة بن لادن والظواهري والزرقاي ومن لف لفهم وسار على دربهم الموحش الذي يثير العداء والكراهية والحقد بين أتباع الأديان.
ولم يكن غريباً للقوى الديمقراطية العراقية أن تتابع برامج الجزيرة, بما فيها البرنامج الديني, الموجهة ضد قوى المعارضة العراقية حتى قبل البدء بتنسيق وتحالف غالبيتها مع الولايات المتحدة للتخلص من الدكتاتور المقبور صدام حسين. فبرامج فيصل القاسم وسامي حداد ما تزال في الذاكرة دفاعاً عن دكتاتور أهوج دمر العراق وساهم في وضعها تحت الاحتلال ومرغ جباه أهليها بالتراب وداس على كرامة كل إنسان شريف, إضافة إلى موت ما يقرب من مليوني إنسان بسبب سياساته الدموية والحربية خلال 35 سنة من حكم حزب البعث في العراق من جهة, ومهاجمتها لقوى المعارضة العراقية قبل سقوط النظام وتجنيدها المناهضين للديمقراطية ضد العراق الجديد الذي سعى الشعب لإقامته ولكنه غرق في الفوضى الراهنة بسبب سياسات قوى معينة ومشاركة فضائيات في إشاعة سيسات الصراع والنزاع الطائفي المقيت من جهة ثانية. ونهج الجزيرة الحرفي في صياغة الأخبار وتقديم البرامج والتقارير, كما يبدو لكل متتبع منصف, لا يعبر بالضرورة عن كامل نهج الحاكم بأمره في دولة قطر, حليف الولايات المتحدة الأمريكية في السراء والضراء والشريك "الصغير" للعملاق الكبير, كما يعبر عنه بعض سياسي ودبلوماسيي الخارجية القطرية, ولكن هذا النهج يعبر بالقطع في الجوهر عن نهج باتجاهين متلاحمين يسيران جنباً إلى جنب ومتشابكين في المضمون, رغم الصراعات التي حصلت بينهما في فترة الخمسينات وبعض الستينات من القرن الماضي بالارتباط مع سياسة عبد الناصر القومية غير الديمقراطية, هما الاتجاه الديني الطائفي للإخوان المسلمين والاتجاه القومي اليميني والشوفيني والمذهبي لجماعة المؤتمر القومي العربي الذي مقره في بيروت.
إلا أن الصراع الخفي ضد القوى الأخرى وأتباع المذاهب الأخرى في العراق لم يعد نافعاً لجماعة الأخوان المسلمين والشيخ القرضاوي, عضوها القديم والمستمر حتى الآن, بعد أن قررت هيئة علماء المسلمين السنة في العراق ورئيسها الشيخ حارث الضاري بالوقوف علناً والكشف عن أوراقها صراحة في دعمها لتنظيم القاعدة وعملياته الإجرامية في العراق وتأكيد تحالفها المتين مع مجموعات الإرهاب الصدامية التي يقودها الدرويش البعثي عزت إبراهيم الدوري باعتبارها أعمالاً جهادية, لهذا اتجه القرضاوي إلى إعلان حربه القذرة ضد العراق وضد أهل العراق وتمجيده لأشرس طاغية برز في النصف الثاني من القرن العشرين في العراق والعالم, الدكتاتور صدام حسين, واعبتاره مسلماً موحداً وشهيداً.
هكذا يصطف من جديد بعض رجال الدين الرجعيين والمستبدين في مواقفهم وسياساتهم إلى جانب المستبدين في الأرض على قاعدة "أمام فاجر وفاسق وظالم خير من فتنة!". لقد نسى أو تناسى القرضاوي ومن يسانده في العراق وخارجه عن عمد وسبق إصرار, كل الجرائم الشنيعة التي اتركبها المجرمون القتلة, وعلى رأسهم المقبور صدام حسين, ضد كل الشعب العراقي, وليس ضد الكرد والكرد الفيلية والشيعة العرب بشكل خاص فحسب, بل ضد المجتمع العراقي كله, ضد الإنسان العراقي, وضد الإنسان من أتباع المذهب السني من العرب أيضاً. لقد غاص هذا الدكتاتور المنحوس في دم العراقيات والعراقيين ودموع الثكالى واليتامى والمعوقين والجرحى. لقد عمق الفرقة في صفوف الشعب العراقي بمكوناته القومية والدينية والمذهبية والفكرية, لقد أخل بكل المبادئ الإسلامية وبقاعدة الإسلام الأساسية "الشورى". لقد قتل الدكتاتور بسياساته القمعية والعسكرية وعدوانيته مئات الألوف من البشر العراقي والعربي والإيراني والكويتي. فهل بعد هذا كله يتباكي الشيخ القرضاوي على صدام حسين؟ من يتباكى على صدام حسين من غير عائلته, لا يمكن أن يكون إلا مماثلاً له أو جاهلاً به, والقرضاوي ليس من النوع الثاني في كل الأحوال.
راح هذا القرضاوي يبكي ويلطم على سيده الدكتاتور حين بدأ يتحدث عن أن الأخير بدأ يقرأ القرآن الكريم ويعمل الخير لصالح الناس, في حين أنه يعرف أن ما فعله هو بالضد مما جاء في القرآن الكريم من مبادئ وأسس وقواعد عمل المسلم, وأنه يعرف الجيوب التي امتلأت بالأموال, بالسحت الحرام (كوبونات النفط وأرقام الحسابات في الخارج, لكي ينشط الدفاع عنه ومهاجمة مناهضيه, وأنه يعرف ماذا حصل في الأنفال وحلبجة والبصرة وكربلاء وكردستان في الانتفاضة الشعبية في العام 1991, كما يعرف ما حصل لأهل الكويت, أبناء الأمة العربية, على أيدي هذا الدكتاتور المسخ, صدام حسين, الذي ستبقى ذكراه ملتصقة بأسماء كل الدكتاتوريين الظالمين في العالم ابتداءً من نيرون ويزيد بن معاوية وزياد ابن أبيه وعبيد الله بن زياد والحجاج والسفاح وهتلر وموسوليني وستالين وفرانكو وسوموزا وسالازار والقذافي وعمر البشير وطه ياسين رمضان وعلي حسن المجيد (الكيماوي) والبعض الآخر من الحكام في العالم.
لقد كنت وما زلت وسأبقى ضد حكم الإعدام بأي إنسان كان من الناحيتين المبدئية والعملية, بمن فيهم تلك المجموعة من المجرمين القتلة من أمثال صدام حسين وبرزان التكريي وعواد البندر وعلي حسن المجيد وطه ياسين رمضان وغيرهم. كما أني انتقدت بقوة وبدون رحمة الأساليب السيئة التي مارسها البعض أثناء إعدام صدام حسين. ولكن لا يجوز استغلال هذا الخلل الكبير في إنسانية ووعي البعض لتزكية مجموعة من المجرمين القتلة التي أيديهم ملطخة بدماء الشعب الزكية والتي أذلت الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والشعب الإيراني والشعب الكويتي بحروبها القذرة وسرقت أمواله ونهبت حريته.
إن الخطبة الأخيرة للشيخ القرضاوي وضعته أمام الشعب العراقي في الموقع الذي يستحقه, في موقع العداء للشعب وفي موقع الدفاع والالتصاق بالمستبدين من الحكام والداعين إلى القتل العمد بحجة الجهاد. إنه ينشط ويعبئ الذهنية العربية الساذجة لدى جمهرة من الناس العرب والمسلمين حين يذكر الناس بالصواريخ ال 39 التي أطلقت من العراق وسقطت في الغالب الأعم في الصحراء الإسرائيلية أثناء حرب الخليج الثانية, في حين أنه يعرف بأن الهدف من ذلك لم يكن العداء لإسرائيل, بل لتعبئة العرب إلى جانبه في حرب الخليج الثانية التي استهدفت طرد المحتل الصدامي من أرض الكويت.
كم أنت بائس وحاقد أيها الشيخ القرضاوي, كم أنت مثير للاشمئزاز والتقزز بموضوعاتك العتيقة الجديدة دفاعاً عن المستبدين والظالمين على امتداد التاريخ العربي والعراقي الطويل. كم أنت متحيز لا تعرف الإنصاف والعدل كأي مستبد في فكره وممارساته.

كانون الثاني/يناير 2007