| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

السبت 26/6/ 2010

 

هل سينجح البيتان الشيعي والسني السياسيين الطائفيين في تقسيم المجتمع العراقي؟

كاظم حبيب

الأحزاب الإسلامية السياسية العربية في العراق كلها تتحدث ضد الطائفية السياسية وتعتبرها طامة كبرى بعد أن مارستها جهاراً ولسنوات عدة, ولكنها جميعاً لا تزال تمارس السياسة الطائفية عملياً ويومياً وفي كل لحظة لا دفاعاً عن الجماهير العراقية المؤمنة بالمذهبين الشيعي الاثنا عشر والسني الحنفي, بل عن مصالح هذه الأحزاب وقياداتها على نحو خاص والمنتفعين من السياسات الطائفية دون أن ترمش جفونها.

ليست الأقوال هي العامل الحاسم في هذا الحالة, بل الأفعال وحدها. وما نشاهده اليوم من صراع حول رئاسة مجلس الوزراء يجسد هذه الحقيقة المرة التي يعيش في ظلها المجتمع العراقي, سيادة الطائفية والتمييز الطائفي وانعدام الثقة بين هذه الأحزاب, وكأن بعضها يترصد الآخر ليجهز عليه.

الصراع حول السلطة أمر طبيعي بين الأحزاب السياسية ذات البرامج الوطنية التي يسعى كل منها إلى تأكيد رغبته في خدمة المجتمع ومصالحه الأساسية من خلال وجوده في الحكم, ويحق للمجتمع أن يقرر من هو الأفضل في هذا التمثيل عبر الانتخابات, وبالتالي من يحوز على الأغلبية البرلمانية يحق له تشكيل الحكومة. وهذا التقليد هو المتبع في تلك الدول التي يسودها المجتمع المدني وتسودها الديمقراطية بمفهومها العام ويسودها التداول السلمي للسلطة. ولكن ما يجري في العراق هو أمر آخر, هو صراع بين أحزاب تشارك, بسبب طبيعة أحزابها وتأسيسها على وفق أسس طائفية تمييزية, في تقسيم المجتمع إلى سنة وشيعة, رغم التستر بغطاء قومي لا يحّسن القضية بل يزيدها تعقيداً.

منذ سقوط النظام الدكتاتوري الذي سلط الاستبداد والقهر والقمع على المجتمع ومارس الطائفية بصيغ مختلفة بعيداً عن جماهير الشعب السنة ولمصلحة النخبة الحاكمة والمجموعة المرتبطة به من قوى الدين السياسي السنية العربية من أمثال حارث الضاري وعدنان الدليمي, فأن النظام السياسي الذي جاء مع القوات الأمريكية يجسد الطبيعة الطائفية الشيعية البحتة, التي يبدو وكأنها تريد الانتقام لنفسها من الجماعات السنية التي كانت في الحكم أو خارجه. ومثل هذا التوجه يعقد وضع العراق ويحول الضحية إلى جلاد دون مبرر, وهو الذي يثير المشكلات في البلاد ويشدد من الصراع الطائفي. لقد نجح الطائفيون من الطرفين إلى تحقيق الاستقطاب الطائفي وتشديده لصالح الانتخابات الأخيرة وما قبلها, ووجد ذلك تعبيره في تصويت الكثير من العلمانيين الشيعة والسنة لصالح القوائم الإسلامية السياسية أو دخلوا معهم في قوائم انتخابية, كما فعل البعض ممن كان يوماً ما شيوعياً أو اشتراكياً أو ديمقراطياً تقدمياً, وهو التعبير الصارخ عن ضعف المستوى المدني والديمقراطي لمن يمارس هذا الأسلوب الانتهازي أو يصوت لصالح القوى الإسلامية السياسية, شيعية كانت أم سنية. ولا يمكن لهذه الأحزاب أن تعيش دون تأجيج الطائفية السياسية والتزام الدفاع عن هذه الطائفة أو تلكً, وهو الموقف الذي يشق المجتمع ويشطره إلى شطرين ويسمح للدول المجاورة بالتدخل في الشأن العراقي في ضوء هذا التقسيم السلبي للمجتمع, وهو ما يحصل اليوم على نطاق واسع. ألقوا نظرة على سياسة ومواقف إيران في العراق وإزاء العراق من جهة, ونظرة أخرى على سياسة ومواقف السعودية من جهة أخرى, ستجدون جوهر مجرى الصراع الطائفي في العراق.

حزب الدعوة الإسلامية السياسية ارتدى لبوس القانون وراح يروج لحزبه من خلال هذه القائمة, وكانت النتيجة حصوله على 89 مقعداً في المجلس النيابي الجديدً. وحركة الوفاق جمعت في قائمتها العراقية الأحزاب والقوى الإسلامية السياسية والقومية الشوفينية وعناصر مستقلة لتحصل في الانتخابات على 91 مقعداًً. في حين فقدت القوى الديمقراطية ما كان لها من مقاعد في المجلس السابق. وإذا كانت قائمة دولة القانون قد اعتمدت على أصوات الشيعة في وسط وجنوب العراق بشكل أساسي, فأن قائمة العراقية قد اعتمدت على أصوات السنة في غرب وشمال العراق (الموصل). وفي هذا تأكيد صارخ على انقسام المجتمع بفضل نشاط تلك الأحزاب الإسلامية والقومية إلى جماعتين متضادتين, وهو ما يقلق كل إنسان وطني شريف في العراق. إن هناك مسعى حقيقي للبننة الحالة العراقية, وهو أمر لا يجوز القبول به!

لم يكتف الطائفيون بكل ذلك, بل راح أحدهم, عدنان الدليمي, وهو رئيس قائمة التوافق الإسلامية, يخطب بهستيرية نادرة ويصرخ بانفعال شديد كادت سدارته تطير من على رأسه, وكاد يفقد أسنانه, بأنه سني طائفي حتى النخاع, وأن العرب جبناء حين لا يعلنون طائفيتهم لإنقاذ العراق من الشيعة الرافضة. وراح يصرخ بضرورة تحويل مؤتمر نصرة الشعب العراقي إلى نصرة أهل السنة في العراق. وهكذا نلاحظ أن هذا التبني للطائفية والطائفة, شيعية كانت أم سنية, تجسد ما أطلق عليه الكاتب أمين المعلوف بـ "الهويات القاتلة" الهويات الجزئية التي تفتك بالهوية الوطنية وتساهم في تفكيك المجتمع وتدميره, وتدفع بمتبنيها إلى هستيريا مرعبة تهدد الفرد والمجتمع بأخطار كبيرة.

يشار دوماً إلى أن السيد علي السيستاني ضد الممارسات الطائفية, وأنه ضد الانقسام الطائفي في المجتمع, وأنه يطالب بتطبيق الدستور واحترام إرادة الناس من جهة, ومن جهة أخرى يزوره سياسيون يريدون تأكيد ارتباطهم بإحدى المرجعيات الشيعية المهمة وخاصة السيستاني, إذ أن المرجعيات لدى الشيعة عديدة, ثم يخرجون من عندهم أو من عند السيستاني ليدلوا بتصريحات تكون حمالة أوجه, ولكنهم في الممارسة العملية يمارسون وجهة محددة تؤكد طائفيتهم. والسؤال هنا من منهم يتحدث بلسان ويعمل وفق لسان آخر؟ هل التزم المالكي والحكيم والجعفري وغيرهم بأقوال السيد السيستاني, وكيف كانت تلك الأقوال؟ وهل التزم أياد علاوي بما قاله السيد السيستاني أو التزم بمرجعيات أخرى؟ كم هو جميل أن يكف هؤلاء عن تحميل شيوخ الدين مسؤولية ما يقومون به من أفعال غير سليمة تلحق أضراراً فادحة بالمجتمع العراقي وبوحدته الوطنية., وكم هو جميل أن تعلن المرجعيات الدينية أنها لا علاقة لها بأعمال هؤلاء السياسيين الذين يتبجحون بعلاقتهم بالمرجعيات ويحملونها ما ليس من مهماتها ومسؤولياتها.

العراق بحاجة إلى حكومة وطنية مستقلة عن برامج الأحزاب الإسلامية السياسية, سواء تلك التي تؤيد على خامنئي كمرشد لها أم مفتي الديار السعودية كمرشد وموجه لها. إذ أن الأمرين واحد ونتائجه سلبية.

 

25/6/2010
 

free web counter