| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الأحد 26/6/ 2011


 

هل البطالة والفقر والكهرباء ينقص الناس ، أم أن الموت يلاحقهم؟

كاظم حبيب 

الناس أحرار في العراق, يمتلكون دستوراً ورئاسة للجمهورية ومجلس نواب منتخب وحكومة أكثرية برلمانية تعتبر نفسها "شراكة وطنية!" ولها كثرة من المستشارين, وتمتلك أجهزة, وهناك مجالس محافظات يفترض أم يمثلون الشعب فيها, وكل هؤلاء يقتطعون جزءاً مهماً من الدخل القومي ليحافظوا على حرية الإنسان العراقي وكرامته وأمنه وطعامه. وفي العراق أحزاب وجمعيات مجتمع مدني, رغم عدم وجود قانون ينظم الحياة الحزبية. كل هذا وذاك موجود في العراق, ومع ذلك لا يشعر الناس بالحرية ولا هم أحرار ولا يتمتعون بالأمن والاستقرار, وهم لا يعيشوا الديمقراطية ولم يتعرفوا عليها حتى الآن, لا تلك التي يفترض أن تنشأ داخل البلاد وفي العلاقة بين الدولة والمجتمع ولا تلك الديمقراطية المصدرة التي وعدوا بها من الخارج.

الناس في بلادي يملكون مورداً نفطياً واحتياطاً لا يجارى في العالم على وفق آخر التقديرات, إضافة إلى خيرات أخرى يحسدون من شعوب كثيرة عليها, ولكن الناس في هذه البلاد لا يتمتعون بها ولم تسعدهم حتى الآن بل جلبت لهم الويلات تلو الويلات, وهم يعانون اليوم, كما بالأمس من البطالة المكشوفة والمقنعة التي تقدر المكشوفة منها بأكثر من 30% من القوى القادرة على العمل, وسترتفع هذه النسبة لو احتسب عدد الكثير من ربات البيوت قسراً في حساب عدد العاطلين عن العمل رغم محاولات تخفيض النسبة رسمياً. والكثير من الناس في العراق يعيشون تحت خط الفقر المعلن دولياً, إذ تصل نسبتهم إلى حدود أو أكثر من 30% من السكان, إضافة على عيش نسبة عالية جداً من الكادحين والمهمشين وأشباه البروليتاريا على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وفي مناطق مليئة بالمستنقعات والأزبال.

والدولة في العراق غنية, ولكن شعبها يعاني من نقص في الكهرباء والخدمات العامة, بما فيها المدارس المنتظمة والمستشفيات ووسائل الاتصال الحديثة...الخ. والناس في العراق لا يعانون من البطالة ونقص الخدمات ونقص الكهرباء في عز الصيف ولهيبه, بل يبدو أن ملك الموت, عزرائيل, يطاردهم في كل مكان أيضاً قاطفاً رؤوسهم قبل الأوان, إذ لا يمر يوماً على الناس دون أن يسقط الكثير من النساء والأطفال والرجال من مختلف الأعمار على أيدي مجرمين قتلة من مختلف الجنسيات والهويات الإسلامية السياسية المتطرفة والإرهابية والطائفية المتشددة ومن قوى فاشية متحالفة معهم, كالبعثيين من أتباع عزت الدوري, ومناهضة لاستقرار وحرية العراق.

والأحزاب الحاكمة اليوم كانت ترفع, وهي في المعارضة, شعارات التحرر من الدكتاتورية ومن البطالة والفقر والفساد والسجن والتعذيب, وحين أصبحت في الحكم نست تلك الشعارات ونشأت معارضة وطنية وديمقراطية جديدة تطالب بالإصلاح والتغيير والكف عن تلك التجاوزات على الدستور الجديد وعدم نسيان ما التزموا به حين كانوا بالمعارضة, فهل من سميع؟

المعلومات الصادرة عن جهات رسمية ونقلتها الصحافة وأجهزة الإعلام العالمية تشير إلى ما يلي:
" أعلنت مصادر أمنية وطبية عراقية مقتل 25 شخصا غالبيتهم من عناصر الشرطة، وإصابة نحو 35 آخرين في تفجير سيارتين مفخختين في مدينة الديوانية، جنوب بغداد. وفجرت السيارتان بفارق زمني بسيط قرب منزل محافظ الديوانية سالم حسين علوان. وأكد مصدر في مكتب المحافظ "نجاة المحافظ وأفراد أسرته من الهجوم."
راجع (موقع قناة BBC وموقع سوا بتاريخ 23/6/2011). كان هذا في يوم 21/6/2011.

ثم جاء الخبر التالي وعلى نفس الموقعين: "قال مسؤولون عراقيون إن ثلاثة وعشرين شخصا على الأقل لقوا حتفهم وأصيب أكثر من 82 آخرين في سلسلة انفجارات في بغداد. وقعت الانفجارات متلاحقة قرب سوق ومسجد مكتظين في حي الشرطة الرابعة جنوبي المدينة، حسبما أفاد به مسؤول في وزارة الداخلية العراقية لوكالة الأنباء الفرنسية. وقال شاهد عيان: "فجأة، امتلأ المكان بالجثث، معظمها لنساء وأطفال، وانتشرت حاجياتهم في كل مكان." حصل هذا في يوم 23/6/2011. علماً بأن عدد القتلى يرتفع عادة بحسب وضع الجرحى والقدرة على إسعافهم وشدة الإصابات. وهذا يعني إن الخسائر بين يومي بين 21/6/ و23/6/2011 بلغت في العراق 48 شهيداً في مدينتين فقط في وسط وجنوب العراق, في مدينة الديوانية وفي العاصمة بغداد, إضافة إلى حوالي 117 جريحاً ومعوقاً, كما أن هناك قتلى آخرين في مناطق أخرى واغتيالات لم تسجل أو لم يعلن عنها أو لم استطع متابعتها.

كل هذا يجري في بغداد وفي مدن عراقية أخرى والحكومة "الحكيمة" تقول إنها مسيطرة على الحالة الأمنية وإنها قادرة على الأخذ بزمام المبادرة, كل هذا يقع ومجلس الوزراء لم يسمي حتى الآن وزراء لوزارات الداخلية والأمن الوطني والدفاع , علماً بأن رئيس وزراء العراق يشغل أو يحتل المراكز التالية: رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية والأمن الوطني والدفاع وكالة, إضافة إلى كونه رئيس حزب الدعوة الإسلامية ورئيس قائمة دولة القانون والبقية تأتي... إضافة إلى حفظه الله ورعاه. ألا تذكرنا هذه المراكز المهمة العديدة والأساسية بآخرين حكموا العراق في فترات مختلفة, ألا تذكرنا هذه المراكز بحكام عرب آخرين كانوا أو ما زالوا في السلطة, ولكن شعوبهم تعاني من ويلات وجودهم على رأس السلطة!

كل هذا يجري في العراق والأحزاب الحاكمة ما تزال تدعي حرصها على العراق وشعب العراق ووحدة العراق وأمن العراق وكرامة العراقيين وحياتهم, وإنها تعمل باسم المواطنة العراقية ومناهضة بشكل مطلق للطائفية السياسية التي جاءت إلى السلطة على أساسها ومن خلالها, لكنها تتصارع في ما بينها وبين رئيسي قائمتيهما على السلطة مدفوعة من مواقع المصلحة الذاتية والرغبة في الحكم ومن قوى دافعة ومساندة ومشجعة لها من الخارج. وحين يتحدث الإنسان بهذه الأقوال يأتيك من يدعي أن الكاتب ينظر إلى الأمور بعين حزب الدعوة وآخر يدعي بعين القائمة العراقية, ولا يريان بأي عين هما ينظران لما يجري في العراق المبتلى بجحيم الطائفية والصراعات الذاتية.
بعد اليوم المائة, التي دخلت تاريخ العراق الحديث, في أعقاب المظاهرات الشبابية والشعبية التي أوجبت على رئيس الوزراء الالتزام بها لتحسين بعض الأوضاع وتغيير بعض من ينبغي تغييره من الوزراء, خرج علينا السيد رئيس الوزراء بقوله:
"إن فترة المائة يوم التي أعلنها لتطوير عمل الحكومة أظهرت ضرورة تغيير بعض الوزراء وترشيق الحكومة من بعض الوزارات والمواقع الشرفية، فضلا عن الاستمرار بالمراجعات المهنية للكوادر في الوزارات. وأوضح بأن عملية التقييم كانت مهنية وبعيدة عن الفئوية والحزبية . وأضاف المالكي أن مؤشرات ايجابية أخرى ظهرت في أداء بعض الوزارات وبخاصة في ملف مكافحة الفساد. وحمّل المالكي الكتل السياسية مسؤولية ترشيق الحكومة وتغيير عدد من الوزراء، ودعاها إلى التعاون بأسرع وقت لتحقيق المطالب التي تصب في مصلحة البلد. وجدد المالكي انتقاده لأداء مجلس النواب الذي وصف عمله بالبطيء والمتعثر في إقرار التشريعات، وقال إن البرلمان لم يصادق إلا على عدد محدود من القوانين المهمة خلال العام الماضي. واتهم المالكي جهات وصفها بأنها معادية للعملية السياسية بالسعي لحجب الثقة عن الحكومة." (
راجع موقع "سوّا" في 23/6/2011).

من يقرأ هذا النص لا يجد أي اعتراف من جانب السيد رئيس الوزراء بمسؤوليته عن مجلس الوزراء الكاملة لما يرتكبه وزراء حكومته من أخطاء ونواقص, ولم يؤكد صواب تلك المظاهرات التي كانت تحتج على ضعف عمل الحكومة وتسعى إلى تنبيه رئيسها إلى النواقص والأخطاء والمعاناة, بل واصل بعدها توجيه نيرانه ضد المتظاهرين والكثير من الأزلام والمرتزقة التابعين له لضرب المتظاهرين وتفريقهم. ولم يظهر للناس ما فعله رئيس الوزراء في مجال الفساد ولم يكشف عن أي فاسد, ثم ظهرت فضيحة المصرف التجاري في بغداد ولم يتحدث الناطق الرسمي باسم الحكومة عن صواب وخطأ تلك الفضيحة. رئيس الوزراء يقول ضرورة التغيير, ولكن متى يتحقق تغيير الخائبين من الوزراء وهم الأكثرية, ورئيسهم الذي هو في الحكم منذ ست سنوات!

لا نختلف معه في سوء عمل الكثير من الوزراء وسوء عمل مجلس الوزراء ومجلس النواب, ولكن سوء عمل الحكومة يقف في مقدمتها, فهي السلطة التنفيذية التي تتحمل مسؤولية النهوض بمهماتها وبما التزمت به أمام الشعب في الانتخابات الأخيرة وأمام مجلس النواب بقرار المائة يوم.

نعم هناك من يريد إسقاط الحكومة ومن أعداء العملية السياسية, وهناك من يريد أخذها بيديه ولن يقدم أو يؤخر كثيراً, ولكن هناك من يريد تغيير أوضاع الحكومة وسياساتها وطائفيتها السياسية المحاصصية الراهنة بمختلف أطرافها. هناك من يريد أكل العنب وليس قتل الناطور, إنه الشعب, هناك من يريد الحصول على عمل ومكافحة البطالة والفقر ومحاربة الفساد والإرهاب في البلاد, هناك من يريد أن يبقى على قيد الحياة ويعيش بأمن واستقرار ودون خوف من الموت في كل لحظة, إنه الشعب بأكثريته, هؤلاء هم المتظاهرون من الشباب ومن بقية فئات الشعب العمرية والاجتماعية.

إن من يطلق على المتظاهرين الذين حملوا شعارات تذكر بالأهداف السليمة والعادلة بالغوغائيين وحلفاء البعث وأن لم يعلنوا عن ذلك هو الغوغائي وهو الأبشع انتهازية دون منازع وهو الذي يسيء إلى الحكومة من خلال مدحها الكاذب والدفاع عنها على قاعدة "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً". القاعدة التي يفترض أن يلتزم بها السيد رئيس الوزراء هي أن "لا تركض وراء الذي يمدحك كذباً ويضحكك خداعاً, بل أمشي وراء من يبكيك بالنقد الصادق والنصيحة المخلصة ويؤشر مواطن الخلل في مسيرة العراق الراهنة".

الحكومة لا يجوز ولا يمكن أن تبقى في السلطة ما لم تسع لتحقيق مصالح الناس وحاجاتهم اليومية وما لم تحترم إرادتهم ومطالبهم العادلة والمشروعة, وما لم تحترم الدستور من خلال احترام حقهم في التظاهر السلمي والديمقراطي وغير المعطل لعمل الحكومة. أملي أن تعيد الحكومة ومن معها النظر بحساباتها وأحكامها وأن تمارس مهماتها في مكافحة ما يخل بحياة ومعيشة الناس في العراق.

 


24/6/2011
 

free web counter